رئيس جمهورية الدسائس
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 22 فبراير-شباط 2011 09:44 م

يبدو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من خلال تصريحاته المتكررة الرئيس الأكثر تبرما من بقائه على سدة الحكم، لما يقارب 33 عاما،لكنه يبرر بقائه في منصبه برغبته العارمة لارساء تقاليد تؤسس لانتقال سلمي للسلطة وضمان الانتقال الآمن لها وكما كان الرئيس مبارك يذكر المصريين في خطاباته الأخيرة قبل تنحيته عن الحكم في 10 فبراير الماضي بعد ثورة 25 يناير ببطولاته في حرب 1973 ودوره كطيار في تحقيق ذلك النصر ، وتضحيته ومخاطرته بروحه من أجل مصر ، والمحاولات المتعددة لاغتياله في مصر او خلال زيارته لاثيوبيا عام 1993م ، يذكر الرئيس صالح اليمنيين بالمشقة التي تحملها منذ توليه لمقاليد الأمور في اليمن في 17 يوليو 1978م ، والمخاطر التي تعرض لها منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم والانقلاب الناصري الذي تعرض له بعد اقل من ثلاثة أشهر على توليه الحكم ، وتأسيسه لتجربة ديمقراطية فريدة من نوعها في المنطقة كما يقول ، ويسرد غيرها من المحطات السياسية التي مر بها وعاشتها اليمن خلال فترة حكمة.

1-زهد الرئيس اليمني عن الحكم ظهر في 17 يوليو 2005م عندما أعلن عدم رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية في 20 سبتمبر 2005م حيث قال في خطابة التاريخي الذي قوبل بمعارضة شديدة من حزبه أنه لن يترشح للرئاسة ،قائلا " لقد مللت الشعب وملّني" اعتبر الكثيرون ذلك التصريح بمثابة مناورة سياسية منه، حيث لم يستطع الصمود طويلا فبعد أقل من عام قال انه استجاب لرغبة الجماهير ورغبة حزبه سيترشح لكنه أعلن تراجعه عن ذلك القرار في 24/6/2006م وقال "لست (تاكسي)" أجرة تستأجروني لصالح المؤتمر أو القوى السياسية.. أنا في المقام الأول أرعى مصلحة هذه الأمة، ولستُ مظلةً لفساد حزب سياسي أو قوى سياسية".

وكرر زهده عن الحكم مرة أخرى قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بخمسة أيام عندما قال في مقابلة مع مذيع قناة الجزيرة أحمد منصور أنه "زهقان مع استمراره في الحكم ، ولا ينصح نجله أحمد بالتفكير في تولي الرئاسة ، وقال ان قبل الترشح على طريقة (مكره اخاك لا بطل، انا مكره من جماهير من الشعب).

وكرر نصيحته لنجله في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الامريكية نشرت في شهر يونيو 2008م قائلا لقد نصحت أحمد ، بعدم الترشح لمنصب الرئاسة عند انتهاء فترة رئاستي الحالية عام 2013. واضاف «إن حكم اليمن كان دوماً مهمة صعبة أشبه بالرقص مع الثعابين».

والأربعاء الماضي 16 فبراير 2011م قال خلال لقائه مع شخصيات اجتماعية وقبلية من محافظة حجة بعد تنامي ظهور موجه الاحتجاجات التي طالبت بتنحية "أنه سئم من السلطة، ولا أحد يريد يتمسك بالسلطة فهي مغرم وليس مغنما" تصرفات الرئيس صالح على الميدان تتناقض وتصريحاته تلك ، فالرجل يسير عكس ذلك ويظهر شغفا لامتناهيا بالسلطة والبقاء على كرسي الحكم الذي وصفه غير مرة بأنه كرسي من نار، ومن أجل الحفاظ عليه كرس جهده وتفكيره لابعاد حلفائه قبل خصومه ، ومقابل كل تحرك لاي طرف سياسي يشعر الرئيس بأنه يستهدف ازاحته ولو عبر الوسائل الديمقراطية ، يبادر لاتهامه بالعمالة والخيانة وغالبا ما اتهم المعارضة اليمنية بتلك التهم وقال عنها أنها معارضة انقلابية ، فالرجل يرى ان لا أحد في اليمن غيره جدير بحكم اليمن ، كثيرا ما خرج الرئيس عن طوره لمهاجمة معارضيه مستحضرا ألفاظا نابية وقاسية ضد خصومه ، ملوحا بالورقة الامنية والعسكرية التي يفضل دائما إرسال رسائله لمناوئه خلال زياراته الدائمة للوحدات الامنية والعسكرية التي يزورها أكثر من زيارته للمؤسسات المدنية،وهو يعول كثيرا على المؤسسة العسكرية والامنية في إبقائه على الحكم ، ومن أجل إحكام السيطرة على تلك المؤسسة الامنية قام بإسناد غالبية المناصب القيادية في الجيش والأمن لأقاربه وأصهاره والعديد من أبناء قبيلته، منطلقا من أنهم أقدر على منع قيام أي إنقلاب عسكري او الخروج من عباءته كما قال في مقابلة مع قناة الجزيرة في عام 2003م.

حتى المناصب المدنية الحساسة والايرادية اسندها لعدد من أقاربه ، وفي موازاة الحكومة المدنية ، هناك مجلس الدفاع الوطني الذي بات من الواضح انه يدير أمور البلاد معتمدا على القبضة الامنية والعسكرية.

يجيد الرجل التلاعب بمخاوف اليمنيين مستفيدا من حالة الجهل والامية المتفشيتين في اليمن ، ويتفنن في استحضار الحالات الصومالية والعراقية في مناسبات كثيرة لإثارة مخاوف اليمنيين ، على طريقة أنا ومن بعدي الطوفان.

2-السنوات الست الأخيرة للرئيس صالح في الحكم كانت هي الأسوأ بالنسبة له ، حيث شهدت اليمن مخاضات عسيرة وصعبه كان عليه أن يواجهها منفردا في أغلب الأحيان ، بعد أن فقد تحالفاته التاريخية مع الإسلاميين ورجال القبائل (التجمع اليمني للإصلاح ) شركائه السابقين على مدى ثلاثة عقود ، فقد شهدت تلك السنون تناميا متزايدا للتحديات الأمنية متمثلة في ظهور الحراك الجنوبي ، وحركة التمرد الحوثي ، في مواجهة هذين التحديين اختار الرئيس صالح الخيار الأمني والعسكري ، لكن ذلك الخيار لم ينجح في مواجهة تلك التحديات أو إسكات تلك الأصوات التي انطلقت في بداياتها كحركات احتجاجية مطلبيه وانتقلت للجانب السياسي ، وعبر ستة حروب مع الحوثيين في صعده تم إنهاك الجيش وتقديم آلاف القتلى من الطرفين وخرقت السيادة اليمنية من قبل القوات السعودية التي ضربت أهدافا لها في أراض يمنية ، جعلت اليمنيين يشعرون بالغبن جراء سماح السلطات اليمنية للقوات السعودية بضرب خصوم الرئيس صالح من اليمنيين.

ولتعزيز بقائه في الحكم دائما ما يفاجئ الرئيس خصومه المحليين وحلفائه الدوليين الذين كانت علاقته بهم تفتر بين فينة وأخرى ،بوجود أوراق تهمهم مازالت بحوزته ،وكان تنظيم القاعدة هو ورقته الاكثر أهمية في جرابه المليئ بالاوراق ،استطاع عبر استخدام هذه الورقة تحقيق مكاسب على الصعيدين المحلي والدولي ،في الداخل استطاع عزل الحراك الجنوبي عن بقية القوى السياسية المحلية والاقليمية عبر محاولة ربط الحراك الجنوبي بتنظيم القاعدة ، الامر الذي اوجد مبررات له لضرب الحراك الجنوبي واستخدام الامن والجيش في ذلك الملف ، وتخويف الاطراف السياسية في المعارضة ان حاولت تبني قضايا الحراك ، بأنها تقف جنبا إلى جنب مع القاعدة والارهاب ، وقد انصاعت المعارضة لتلك المخاوف ، وتركت الرئيس ينفرد بعقاب الحراك وابناء محافظتي الضالع ولحج ومناطق في شبوة وابين وحضرموت ،وكشف ذلك هشاشة المعارضة اليمنية وجبنها الكبير في مواجهة الرئيس وحزبه والوقوف الى جانب الحقوق المطلبية للمتقاعدين العسكريين ، قبل ان تتحول تلك المطالب الحقوقية الى مطالب سياسية ،واللجوء لمطلب فك الارتباط بحثا عن مخرج لتجاوز خيبة الامل من موقف المعارضة المتواطئ مع خيار الرئيس وحلفائه القدامي من مخلفات الصراع الدموي في جنوب اليمن قبل الوحدة (جناح الزمرة).

3-خارجيا كانت تقديرات المؤسسات الغربية سواء السياسية او الاقتصادية تصنف اليمن كبلد فاشل سياسيا وتصف الرئيس بالفاشل ونظامه بأنه على شفا حفرة من الانهيار ، لكن بعد تلويح الرئيس صالح بورقة القاعدة ، تغيرت المعادلة وظهرت أراء في أوساط النخب العسكرية والسياسية الامريكية والاوربية تنادي بضرورة دعم الرئيس صالح ونظامه في مواجهة تحديات القاعدة والارهاب ،باعتباره الطرف الوحيد في اليمن القادر على الامساك بزمام الامور فيها بحكم خبرته الطويلة وسيطرته على الجيش والأمن ، وتغاضت عن الانتهاكات والتجاوزات للنظام في مجال حقوق الانسان وحرية التعبير ، ولجأت لتزويد المؤسسة الامنية والعسكرية بتقنيات متطورة وتدريب وحدات خاصة في الامن والجيش لملاحقة تنظيم القاعدة ، وسعت لاجبار الدول المانحة لمساعدة اليمن سياسيا واقتصاديا كي يتمكن من مواجهة الفشل والسير في اجراءات الحرب على تنظيم القاعدة ، وقد وصل التعاون الى حد السماح للقوات الامريكية والاوربية بتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف مفترضة لتنظيم القاعدة على الاراضي اليمنية ، وقام الرئيس صالح وحكومته بالتغطية على تلك الضربات وتحمل مسئوليتها خاصة في الضربة التي استهدفت قرية المعجلة في محافظة ابين وراح ضحيتها عشرات الضحايا المدنيين وعدد محدود من عناصر تنظيم القاعدة ، وفي مقابل كل تعاون على الارض كانت امريكا تعزز من مساعداتها العسكرية لليمن لتصل الى 300 مليون دولار على هيئة اسلحة ومعدات خاصة ، الى جانب غض الطرف عن ممارسات النظام في انتهاكات حقوق الانسان ، واعتقال المئات تحت غطاء الحرب على الارهاب ، وعدم التعليق على ما يدور في الميدان من مواجهات عسكرية واستخدام مفرط للقوة في التعامل مع الحوثيين والحراكيين على حد سواء.

4-بداية شعور الرئيس صالح بالعزلة السياسية ظهرت بشكل واضح لأول مرة بعد 29 عاما من توليه الحكم في اليمن ، عندما خاض في سبتمبر 2006م أول انتخابات رئاسية تنافسية، بمعزل عن تحالفات شكلت معالم نصف عمره الطبيعي البالغ 60 عاما، قضاها رئيسا لليمن.

وبعد فوز الرئيس صالح في تلك الانتخابات أصبح صالح هو أطول حاكم يتولى زمام الأمور في اليمن وهو الرقم المسجل باسم الإمام يحي حميد الدين الذي تولى الحكم خلال الفترة 1911- 1948م. غير أنها أسست لعهد جديد أختلف تماما عن سابقه حيث بات الرئيس أكثر عزلة على مستوى التحالفات السياسية اليمنية ، وأصبح أكثر ميلا لتفويض صلاحياته لعدد من المقربين منه في الحزب الحاكم ، وفي إطار النخبة المحيطة به، التي أسهمت كثيرا في عزله ، وارتكاب أخطاء سياسية فادحة ، أفضت بالامر الى ما هو حاصل اليوم.

 

الرئيس صالح عبر أكثر من مرة أنه لا يحكم اليمن بل يدير شئونها وشتان بين الأمرين، تلك العبارة قالها أثناء حوار أجراه الصحفي أحمد منصور لقناة الجزيرة في عام 2003م وقال أيضا في نفس تلك المقابلة أن حكم اليمن أشبه بالجلوس على رؤوس الثعابين وهي العبارة التي كررها الرئيس صالح كثيرا بعد ذلك.

صالح ومنذ تولى الرئاسة في 17 يوليو 1978م إثر مقتل الرئيس الغشمي كان رجل التحالفات الأول، ويعتبره الكثيرون من أذكى من تولوا حكم اليمن، إذ استطاع استلام مقاليد الحكم في وقت عصيب وفي فترة كانت تشكل خطرا حقيقيا على حياة الطامحين في الوصول إلى سدة الحكم بعد مقتل ثلاثة رؤساء في شطري اليمن آنذاك في اقل من سنة واحدة.

ومع أنه لم يكن يمثل أي تحالف داخل مؤسسة الحكم حينها فقد أستطاع تخطي محنة محاولة انقلاب الناصريين علية بعد حوالي 3 أشهر من توليه مقاليد الحكم، ذلك الانقلاب شكل نقطة تحول في فكر الرئيس صالح ورؤيته للأحداث وشركاء الحكم، فعمد بعد ذلك إلى السيطرة على جميع أطراف اللعبة السياسية والعسكرية من خلال إسناد المناصب العسكرية الحساسة إلى أفراد من أقاربه وأسرته والموالون له حتى يضمن عدم تكرار محاولة الانقلاب عليه مرة أخرى وهو ما عبر عنه الرئيس صالح خلال مقابلة أجرتها معه الإعلامية اللبنانية "نيكول تنوري" قبل في عام 2004 لصالح قناة إم بي سي.

وبعد ذلك الإحكام العسكري بدأ الرئيس صالح في جهود تثبيت أركان حكمه عبر مؤسسة سياسية، حيث نفذ مشروع كان بدأ فكرة في عهد سلفه الرئيس إبراهيم الحمدي يتمثل في تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام عام 1982م، ومن خلال مساهمتها في صياغة نظامه الأساسي، وجدت كافة الأطياف السياسية اليمنية نفسها تعمل فوق الأرض وإن بمخالفة طفيفة لعملها السري تحت الأرض، وبذلك تمكن الرئيس صالح من إشراك جميع تلك الأطياف في العملية السياسية، وتولت هذه الأطياف التسابق لدعم عودة صالح في أول استحقاق رئاسي عام 1983م، فبعد أن أعلن الرئيس صالح عدم ترشحه للرئاسة، حرجت جماهير هذه القوى السياسية وخاصة التكنوقراط، والقوى التقليدية والإخوان المسلمين والليبراليين، لتطالب الاستمرار في تولي مقاليد الحكم.

صالح كان قد استطاع إعادة الاستقرار للأوضاع في المناطق الوسطى والتي كانت مسرحا لما كان يطلق عليه الجبهة الوطنية والتي كانت مدعومة من قبل دولة الحزب الاشتراكي في الجنوب.

ومثلت تلك المواجهة الخيط الأول في سياج تحالف صالح مع الإسلاميين، وهو التحالف الذي أستمر طويلا، حتى الانتخابات المحلية في 2001م التي أراق فيها الحلفاء دماء بعضهم بعضا في الحيمة بصنعاء، والرضمة بمحافظة إب.

وبحسب الكاتب الصحفي نصر طه مصطفى فإن الفترة " 1982- 1990م" كانت سنوات ذهبية في عهد الرئيس علي عبد الله صالح وسنوات التألق للسياسات الخارجية والداخلية اليمنية إذ هي المرحلة التي بدأ فيها بوضع بصماته الخاصة وصبغ المرحلة الجديدة بمنهجه وأسلوبه. وأتاحت له الاتجاه نحو المشروع الأكبر ليس في اليمن وحسب بل وفي المنطقة العربي وهي قيام الوحدة اليمنية.

فقد ذهب صالح إلى عدن ليرفع من هناك علم الدولة الموحدة على الرغم من المخاطر والتحذيرات والاعتراضات من قبل حلفائه في صنعاء إلا أنه لم يعبأ بتلك التحذيرات وبدأ أن هناك تصدعا في تحالفه مع الإسلاميين الذين انسحبوا من جلسة مجلس الشورى بسبب اعتراضهم على مواد في دستور الدولة الموحدة.

قبل ذلك أنتخب الرئيس عام 1988م من قبل مجلس الشعب التأسيسي وكان تلك هي الفترة الرئاسية الثالثة. وأدى استقرار الحكم والهدوء النسبي الذي تمتعت به البلاد خلال تلك الفترة إلى تبني الدولة مشاريع هامة على مستوى البنية التحتية والتعليم والمواصلات وعلاقات اليمن الخارجية كما تم في أواخر الثمانينيات وتحديدا في 1988م انتخابات مجلس الشورى وهي انتخابات شهد لها الجميع بالنزاهة ويحسب للرئيس صالح تشجيعه إجراء انتخابات متعددة "المجالس البلدية 1979- التعاونيات والمؤتمر الشعبي العام 1981م – البلديات1982 م المجالس المحلية 1985م – مجلس الشورى 1988م. 

5-وفي العام 1990 كان الرئيس على موعد مع ولاية رئاسية رابعة لكن هذه المرة لدولة جديدة موحدة سلميا وعبر الحوار الذي أدى لتوقيع شطري اليمن اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر 1989م في عدن والذي أدى إلى تغيير جذري في النظامين السياسيين الموجودين في شطري اليمن وكانت إيذانا ببدء عصر التعددية الحزبية والسياسية وكان إعلان المرحوم عمر الجاوي تأسيس حزب التجمع الوحدوي بداية انفراط السبحة وإعلان الأحزاب اليمنية التي توالت لتصل في وقت لاحق إلى أكثر من خمسين حزبا وتنظيميا سياسيا وانتقلت الأحزاب من تحت الأرض إلى فوقها.

ورغم العواصف فقد أثمر أداء الرئيس صالح في ظل غياب الاهتمام بالجماهير من قبل الجميع، أن يكون صالح هو الثابت في كل المتغيرات، حيث واصل تجديد ولايات حكمه بفترة رئاسية رابعة لكن هذه المرة بصيغة مختلفة مع أربعة شركاء هم قوام مجلس الرئاسة وتم انتخابهم من قبل مجلسي الشورى والشعب بناء على توافق تم بين شركاء الوحدة.

ومرة أخرى أثثت صالح قدرة عالية للتعامل مع المشهد السياسي عندما تمكن من تحقيق توازن لصالحة في مجلس الرئاسة، على الرغم من استحواذ شركاء الوحدة على المؤسستين التشريعية والتنفيذية عبر رئاستيهما.

واستطاع صالح التعايش مع الوضع الجديد، لكن الثقة التي أوجدها مع شريك صنع الوحدة لم تكن بنفس القوة كما كانت وبدأت الخلافات تشوب عمل المجلس، وبدأ الرئيس يتجه نحو إضعاف الحزب الاشتراكي عبر التحالف مع حليفة التقليدي وعدو الاشتراكيين ولم يكن ذلك الحليف سوى الإسلاميين الذين ظهروا على الساحة بشكل جديد عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح.

واحتفظ الرئيس بورقة أخرى يقول البعض أنها كانت مؤشر على عدم الثقة بين الشركاء والاحتفاظ بطريق رجوع لكلا الطرفين تمثل في عدم إنجاز مشروع دمج القوات المسلحة وإخراج المعسكرات من المدن وهي الشروط التي برزت مع بدايات الأزمة السياسية كمطالب للحزب الاشتراكي اليمني ضمن 18 عشر شرطا أخرا تضمنتها وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع بعد أشهر قليلة من الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس التي جاءت أيضا عبر البرلمان والتي حسمت لصالح حزب الرئيس علي عبد الله صالح وفاز فيها التجمع اليمني للإصلاح بالمرتبة الثانية وحل فيها الحزب الاشتراكي ثالثا.

وهي الانتخابات التي رفض الاشتراكيون الاعتراف بنتيجتها وأدت إلى نشوب أزمة سياسية تمثلت في اعتكاف الرئيس علي سالم البيض في مدينة عدن وعدم قبوله بتشكيل حكومة ائتلاف بين المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والاشتراكي.

غير أن الإجراءات الفنية القانونية استمرت لتوصل الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس مجلس شورى الإصلاح وأحد أبرز مناهضي دستور الوحدة إلى عضوية مجلس الرئاسة والذي احتفظ فيه المؤتمر بمقعدين ومثلها للحزب الاشتراكي.

وقبالة الموقف المتشدد الذي أبداه نائب الرئيس علي سالم البيض والذي رفض العودة إلى صنعاء أو أداء اليمين الدستورية نائبا لمجلس الرئاسة فإن موقف الرئيس صالح تميز بالمرونة الأكثر، حيث ركز خلال فترة الأزمة على توطيد تحالفاته الخارجية والداخلية وتعزيز التواجد العسكري فيما يمكن تسميته مفاصل البلاد، ولذا واصل ونائبه سياسة "عض الأصابع"، ولم تفلح الوساطات المحلية والعربية والدولية في فك فتيل الأزمة التي تحولت حربا شاملة وصلت الذروة عند إعلان نائب الرئيس الانفصال في 21مايو 1994م أي بعد شهرين من توقيع وثيقة العهد والاتفاق والتي كان هدفها الأساس عودة الشركاء إلى صنعاء. لكن الرئيس صالح عاد إلى صنعاء وحيدا بينما توجه نائبه إلى الكويت والرياض في زيارة أثارت العديد من التساؤلات حول توقيتها وأهدافها ولم يعد البيض إلى صنعاء بل عاد إلى عدن، وأستغل الرئيس صالح تلك الفترة في تنشيط تحالفاته.

وسجل صالح نجاحا متميزا في منع حليفه وخصمه في آن (الحزب الاشتراكي) من أي استفادة من العلاقة الخارجية، إذ ورغم زيارة البيض إلى أمريكا قبل اندلاع الحرب فقد وقفت الولايات المتحدة الأميركية ضد الدولة التي أعلنت الانفصال في 21مايو، وهو ماحرمها من اعتراف دولي ولم تحظ سوى باعتراف جمهورية أرض الصومال التي هي في الأساس غير معترف بها دوليا.

علي عبد الله صالح بعد ثلاث سنوات من الحرب استطاع التخلص من عبء شركائه في مجلس الرئاسة وتم انتخابه رئيسا للبلاد لولاية سادسة أيضا عبر مجلس النواب الذي لم يضم في عضويته الاشتراكيين نظرا لمقاطعة الحزب تلك الانتخابات وهي المقاطعة التي كلفته كثيرا بعد ذلك. وواصل أدائه الميداني خارج المؤسسة الرسمية، ووفرت له هذه الحركة الشخصية علاقات وإن بدرجات مختلفة مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، حتى أنه يعد الأقرب لكثير من الشخصيات اليمنية سواء المتفقة معه أو المختلفة، وباستثناء مضاعفات حرب صعده فإن سياسة صالح لاتهدد أيا من التوجهات الفكرية في اليمن، وتجمعه علاقات بالمذاهب والمدارس الفكرية والفقهية المختلفة.

العام 1999م شهد أول انتخابات تنافسية شارك فيها جموع المنتخبين لأول مرة لاختيار رئيس عبر صندوق الاقتراع وتنافس في تلك الانتخابات الرئيس علي عبد الله صالح مع نجيب قحطان الشعبي "نجل الرئيس قحطان الشعبي" وهو عضو في حزب المؤتمر الشعبي أيضا، وفشل أمين عام الحزب الاشتراكي على صالح عباد مقبل في الحصول على التزكية المطلوبة من قبل مجلس النواب الذي لم يكن للحزب الاشتراكي فيه أي تمثيل نظرا لمقاطعته لانتخابات برلمان 1997م.

وفاز الرئيس صالح بسابع ولاية رئاسية حاصدا ما نسبته 96,20% من أصوات الناخبين وسجلت تلك الانتخابات نسبة تدني واضحة من المشاركة الشعبية وشبه مقاطعة من قبل التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي وأستغرب المراقبون من موقف الإصلاح الذي أعلن قبل المؤتمر الشعبي العام الرئيس صالح مرشحا له في تلك الانتخابات، واعتبر إحجام الإصلاحيين عن المشاركة تعجيل بنهاية شهر العسل بين الرئيس صالح وحليفة التقليدي التجمع اليمني للإصلاح.

6-وكانت مسيرة التحولات في علاقات الشركاء التقليديين بدأت من انتخابات 1997م التي رفض الإصلاح بعدها المشاركة في الائتلاف بعد ماقدر أنها خديعة من شريكه المؤتمر أفقدته بعض مقاعده في البرلمان، وتواصلت مسيرة التحول إلى ما يشبه "سياسة تكسير العظام".

وتوج الأمر بقرار صالح إلغاء المعاهد العلمية التي اعتبرت منذ التأسيس مؤسسة رسمية في عهدة التجمع اليمني للإصلاح، وقبله حركة الإخوان المسلمين حيث استوعبت أنشطتهم التنظيمية وكانت هي مقرات علمهم المعلن للتعليم والمعاهد وغير المعلن للتنظيم والعمل السياسي.

وبين العام 2001 و 20005 عاش الرئيس صالح أعواما غير واضحة المعالم، ومقابل بناء المعارضة اليمنية لتحالف اللقاء المشترك وهو تركيبة متفقة سياسية متنافرة ثقافيا، وقاسمها المشترك الأكبر هو السعي للثأر من حليف الأمس، وهو علي عبدالله صالح والمؤسسة التي تدين بالولاء له.

مقابل ذلك فإن صالح لم يتوصل لأي تحالف مقابل، باستثناء مواصلته تقويته علاقته بالمجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، وهو أيضا ماكان بدأه قبل هذه السنوات أيضا.

ومع تولى الصحافة الحزبية والمستقلة مهمة "تقريع" عهد الصمت الرئاسي، فقد فضل الرئيس صالح العودة إلى حزبه القديم والأساس وهو "القوات المسلحة والأمن"، إذ سجل العام 2005 وحتى الآن اهتماما رئاسيا متصاعدا بها.

وجاء إعلانه في يوليو 2005 نيته عدم الترشح ليكشف أن صالح يريد ترتيب أوراقه، غير أن إحجام المعارضة عن مناقشة إيجابية معلنة للإعلان والاندفاع المؤتمري صوب تحميل الرئيس العدول عن القرار بدون أي نقاش لدوافعه من الإعلان أعاد الأمور إلى ماقبل الإعلان، إذ أعلن الرئيس تنازله عن التنازل في الذكرى السنوية الأولى للإعلان الأول.

7-اليوم يبدو صالح مصرا على تجاوز حلفه القديم والسير منفردا مع المؤسسة الرسمية التي بناها سواء كانت المؤسسة العسكرية أو الجهاز الحكومي إلى آخر مدى، غايته إغلاق ملف التحالفات السياسية القديمة ولكن هذه المرة عبر بناء تحالفات مع المؤسسة القبيلة دون المرور على المشايخ التقليديين فيها، بعد قطيعة معها برحيل حليفه القوي الشيخ عبد الله الاحمر الذي كان يمثل مرجعية قبلية ورأس حربة القبيلة، حيث فشل الرئيس صالح في إستيعاب جميع ورثه الشيخ الأحمر في قبيلة حاشد ، حيث يواجه تحديا قبليا مقلقا يقوده حميد الاحمر،الذي يحاول احتلال موقعا قياديا في المعارضة اليمنية مستقويا بنفوذه القبلي والمالي ،مرتديا قميصا ثوريا معارضا للرئيس صالح على المستوى السياسي ، محميا بنفوذ قبلي لقبيلة حاشد، وقد عمد صالح لعقد لقاءات مكثفة مع ابناء قبيلة حاشد الممتدة في محافظتي عمران وحجة، دون المرور ببوابة آل الاحمر ، الذين كانوا الى فترة قريبة وكلائه هناك.

الرئيس صالح كثف جهوده اما بنفسه او عبر قيادات حزبه لاحتواء ظاهرة الاحتجاجات الشبابية ، وبعكس تعامله الحذر مع مايجري في الساحة اليمنية ، ارتكبت تلك القيادات حماقات كبرى أدت لتوسيع ظاهرة الاحتجاجات والنقمة الشعبية ضد نظام صالح ، حيث تم استهداف المحامين والصحفيين والناشطين الحقوقيين ، وإستخدام سلاح البلاطجة في قمع الطلاب والمحتجين ، والافراط في استخدام العنف والقوة والرصاص الحي ضد المحتجين في عدد من المحافظات اليمنية ، مما أدى لسقوط القتلى وعشرات الجرحى.

الرئيس الذي كان المقربون منه دوما يراهنون على نباهته وذكائه وقدرته على إمتصاص حالات الغضب والتذمر الشعبي والسياسي ، يبدو أنه اصيب بحالة من الارتباك بسبب إعتماد نظامه وأجهزته الامنية والمدنية عليه بشكل كامل ، وعجز تلك المنظومة عن إبتكار حلول عملية وتقديم نصائح حقيقية ومعلومات وافيه تساعده على اتخاذ القرار.

كما ان تعدد وجهات النظر في أوساط النافذين في الدائرة المحيطة بالرئيس التي باتت شبه مغلقة وتفتقد للخبرة السياسية الكافية ، والاعتماد على الخطاب التقليدي والتعبوي القائم على مخاطبة مشاعر الخوف والقلق لدى الشارع اليمني ، وتقليدية الخطاب الاعلامي للنظام ، هي عوامل تزيد من حجم المشاكل التي بات على الرئيس صالح مواجهتها، وكما حدث في التجربة المصرية من صراع قاس بين الحرس القديم للرئيس وحزبه وتطلعات النخب الشابة حول الرئيس وداخل حزبه ، ووقوف مبارك الى جانب الاخيرة التي كان يقودها نجله مبارك وعدد من رجاله ، أدت لانقسام الحزب الوطني وزادت من حالة السخط الجماهيري تجاه تطلعات مبارك ورجاله من امثال أحمد عز وغيره من القيادات التي زاوجت بين أحلام الثراء وسطوة الحكم ، الأمر الذي جعل مبارك معزولا عن ما يجري في الشارع المصري ، راضخا لمطالب تلك النخبة التي قادته نحو السقوط المخزي والنهاية المأساوية لمبارك وحكمه.

الحياة السياسية في اليمن باتت شبه معطلة ولم تتوصل الاطراف السياسية لصيغة اتفاق منذ مابعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة ، والمؤسسة التشريعية مصابة بالموت السريري منذ عام 2009 وهو العام الذي انتهت فيه فترة ولاية مجلس النواب الحالي المستمر منذ حوالي ثمانية أعوام وتم التحايل على الدستور والشرعية الدستورية بالتواطؤ المشترك بين الرئيس وحزبه واحزاب اللقاء المشترك عبر اتفاق فبراير 2008 م وهو الاتفاق الذي لم يفض لمخرج حقيقي للازمة اليمنية ، وتم تجديده في 17 ابريل 2010م عبر نفس الاطراف السياسية ، التي تتقاسم مع الرئيس صالح مخاوفه ومصالحه، ولم تلتفت لارادة الشعب التي تم احتكارها ومصادرتها من قبل تلك الاطراف.

8-مجلس النواب اليوم ليس أكثر من شاهد زور يتم عبره تمرير العديد من القوانين والتشريعات التي تتناقض مع روح الدستور والخطوط العريضة لحرية الرأي والتعبير ، بعد اختطاف شرعية الجماهير وتزويرها من قبل السلطة والمعارضة التي دوما ما تتحجج بثقل كتلة الحزب الحاكم في المجلس.

الحديث اليوم عن إصلاحات سياسية للمنظومة الحاكمة والمعارضة وفي ظل المتغيرات الدولية والاقليمية التي اسست لها ثورتي تونس ومصر، باتت من الماضي ، فالشعوب ما عادت تؤمن بالنخب الحاكمة والمعارضة التي تعاني من نفس الأمراض ، وحان الوقت للشعوب ان تقول كلمتها الفصل ، وتقرر إستعادة الشرعية الثورية بعد تآكل الشرعية الدستورية.

الرئيس صالح قال ذات مرة أنه "يريد أن يحكم" وأنه "مل من إدارة التحالفات والصراعات"، على اعتبار انه خلال سنوات حكمه الماضية كان يدير مصالح النخب السياسية والتقليدية في اليمن.. غير أن الكلمة الفصل لن تكون للنخب التقليدية والتي استطاعت خلال الفترة الماضية أن تعيد بناء نفسها واحتكار السلطة والثروة ،فالأنين الذي كانت الشعوب تمارسه سراُ بات اليوم صوتا هادرا يريد استعادة نفسه وحكمه، فهل يستجيب الرئيس صالح لتلك المطالب بطريقة سلمية وسلسة ، أم أنه سيتوجب على الجماهير ان تستخدم خياراتها المفتوحة لازالة الرجل وحقبته الطويلة بكل ما فيها من تناقضات ، وتكرار السيناريو التونسي والمصري ، وعلى عكس الرئيس المصري قالرئيس صالح مثقل بتركة اقاربه ، وأي مواجهات دامية ستجعل من الصعب ايجاد مخرج آمن للرئيس ، وأقاربه في المؤسسات المدنية والامنية والعسكرية.

يمكن القول ان صالح لم يبن دولة لكنه حافظ على بقائه سالما وسط مربعات النار التي يستمتع بإشعالها والتحكم بدرجة اشتعالها، وقد لخص اهتمامه خلال فترة حكمة بملفين فقط عندما كان يخاطب الشخصيات السياسية والاجتماعية في محافظة حجة الاسبوع الماضي عندما قال :( تعرفوا ان في رأسي فكرتين منذ ان توليت الحكم وهما الطرق والكهرباء) فالتعليم والصحة وغيرها من القضايا تتراجع في اهتمامات الرئيس وحكومته ومن الاجحاف جدا المقارنة بين موازنة التعليم والصحة بموازنة الجيش والامن أو حتى ميزانية رئاسة الجمهورية ، حتى أن مشروع الرئيس في مجالي الطرق والكهرباء يمكن القول انهما دون المستوى المطلوب فحجم الكهرباء في اليمن لايصل للحد الادني ولايستفيد منها اكثر من 35% من السكان ، وهناك العديد من التجمعات السكانية مازالت محرومة من الطرقات وهي شبه معزولة عن العالم الخارجي.

دائما ما يبشر الرئيس بالحرب من طاقة لطاقة ، مشيدا بامتلاك اليمنيين للسلاح ، وهي المشكلة التي ادت لنشوب مئات الحروب القبيلية ، ويبدو ان ورقة سلاح القبائل هو السلاح الاخير الذي يلوح به في مواجهة أي احتجاجات مدنية مناوئة له ، وهو ما تحدث عنه كثيرا في الفترة الاخيرة خلال لقاءاته برجال القبائل الذين قال انهم سيدافعون به عن الثورة والجمهورية والوحدة لمنع تكرار سيناريو التغيير الذي بدأت رياحه في اجتثاث العديد من الانظمة في المنطقة ، وتلك لعبة خطيرة من شأنها احداث حرب أهلية واشعال قتال طائفي ومناطقي قد يقضي على الاخضر واليابس ، وينهي حتى تاريخ الرئيس الذي استمر لمدة 33 عاما ، وفي مواجهة احتجاجات الطلاب والشباب هل سيبيح الرئيس صنعاء للقبائل في تكرار لما قام به الامام أحمد بعد حركة 1948م ، والاهم هل سيقبل أبناء القبائل في توجيه أسلحتهم ضد إخوانهم من المدنيين العزل ؟!!.