صحفيات بلا قيود: حرية الصحافة في اليمن تواجه تهديدا كبيرا.. وتوثق عن 75 انتهاكا ضد الصحفيين خلال 2024. مركز الإنذار المبكر يحذر المواطنين في تسع محافظات يمنية من الساعات القادمة بشكل عاجل أردوغان يكشف عن أرقام اقتصادية تذهل العالم بخصوص الصادرات التركية خلال 2024 لماذا اصدرت وزارة الداخلية اليمنية قرارا بمنع تشغيل المهاجرين الأفارقة في عدن؟ وزير الخارجية الأمريكى: فوجئنا بسرعة سقوط نظام الأسد وإيران في وضع لا يسمح لها بالشجار .. عاجل وزير الخارجية الألماني والفرنسي في غرف التعذيب بزنازين صيدنايا سيئ السمعة بسوريا وزيرة خارجية ألمانيا بعد لقائها أحمد الشرع: حان وقت مغادرة القواعد الروسية من سوريا وزير الخارجية الفرنسي من دمشق يدلي بتصريحات تغيظ إيران وحلفاء امريكا من الأكراد بعد تهرب الجميع.. اللواء سلطان العرادة ينقذ كهرباء عدن ويضخ الى شريينها كميات من النفط لتشغيلها هكذا سيتم إسقاط الحوثيين عسكريا في اليمن .. تقرير أمريكي يكشف عن ثلاث تطورات ستنهي سيطرتهم نهائيا ...كلها باتت جاهزة .. عاجل
عرفته في أوائل تسعينيات من القرن الماضي عندما أجريت معه أول لقاءٍ تليفزيوني طويلٍ بعد منتصف ليلٍ في منزله، إذ قال لي إنه لا "ينام ملء جفونه عن شواردها" كما قال المتنبي إلا في صنعاء.
في أحد اللقاءات قابلته وككل مرة ألتقيه فيها كان بكامل هيأته العسكرية وكوفيته الفلسطينية التقليدية اللتين لا تتغيران ولا تتأثران بأي ظرفٍ مناخيٍ سواء كان بارداً أو حاراً، لعل الأرجح أنه كان يرتديهما فوق لباس داخلي واق من الرصاص.
طلب مني عرفات قبل المقابلة أن أسأله سؤالاً محدداً ، فقبلت هذا وفقاً للعرف الصحفي، وخلال تسجيل اللقاء طرحت عليه السؤال بطريقتي كإعلامي: "لماذا رفضتم الحكم الذاتي الذي عرضه عليكم الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، خلال مفاوضاته مع إسرائيل حول معاهدة كامب ديفيد ، ويبدو أنكم اليوم ربما ستقبلون بما هو أقل من ذلك؟".
تنهد الرجل كممثلٍ بارعٍ ، ثم هاجمني بقوله: "يبدو أن الأمور اختلطت عليك!".
لم أقاطعه، وتركته يتحدث عندما شعرت أنني بحاجة لمعرفة شخصية "الختيار" أكثر من الخروج من منزله بلقاء صحفي.
غير أن الرجل على ما يبدو إستأنس لإصغائي الشديد، وأخذ يتحدث في كل اتجاه ضارباً أمثلةً شتى عن معاناة شعبه من عدم اكتراث العرب والعالم بمأساته، إلى أن تكلم بمرارة كيف أنه وجد طائرات حربية تكاد تبدو مطمورة بالرمال في أحد المطارات الصحراوية الليبية التي تحطمت طائرته بقربها في أبريل نيسان 1992 ، وتذكر كيف أن الرئيس المصري الراحل، جمال عبدالناصر، طلب منه "مجرد لواءٍ واحدٍ لمهاجمة إسرائيل من جنوب لبنان، وأن ذلك كان كفيلاً بهزيمتها" في حال اندلاع أي حرب محتملة بينها وبين العرب!
كدتُ أشعر لطول حديثه، ولاسترساله في سرد ذكرياته أن "عرفات" كان بحاجة لصديقٍ مؤتمنٍ أو طبيبٍ نفساني موثوق يبوح له بمكنوناته أكثر من مجرد حاجته إلى صحفي يجري معه حديثاً لإذاعته ونشره على عامة الناس.
في المرة التالية التي جاء فيها إلى صنعاء، طلب استدعائي على الفور، وكالعادة بعد منتصف الليل أيضاً. حضر رجال أمن فلسطينيون ويمنيون دون اتصال مسبق ربما لدواعٍ أمنية كذلك، وطرقوا باب منزلي، وطلبوا مني إرتداء هندامي التلفزيوني والذهاب معهم فأدركت أن الأمر مرتبط بـ "أبو عمار".
لم أنتبه خلال الطريق إلى أين نتجه؟ لكنني لاحظت أننا ولَجْنا مكاناً من مدخلٍ. لم أعر الأمر اهتماماً وعزوته إلى تدابير أمنية يُضطر إليها الرجل من وقتٍ لآخر.
عندما دخلت إلى صالونه كان بكامل هيئته أيضاً، محاطاً بعدد من رجالاته، أتذكر من بينهم عبدالله حوراني، المثقف السياسي المعروف، وأبو حميد قائد معسكر القوات الفلسطينية في إحدى ضواحي صنعاء، ويحيى رباح سفير فلسطين لدى اليمن وغيرهم.
وبانتظار وصول طاقم التصوير أومأ عرفات إلى الحاضرين برغبته في أن أكون معه لوحدنا فانصرف الجميع.
برر الرجل تصرفه هذا بأنه يرغب في إعطائي سبقاً صحفياً حصرياً لم ولن يعطيه لأحد ولا يريد حتى لرجاله أن يعرفوه قبل إذاعته، فشكرته بحرارة على كرمه هذا.
كان ذلك بناء على طلبه للتمهيد على ما يبدو لموقفه اللاحق من"اتفاق أوسلو" الذي ربما كان يجري سراً أو جرى لاحقاً، أو غيره من"التسويات" التي كانت مطروحة آنذاك!
عقب اللقاء قال لي إنه سيخلد للنوم الذي "تنام (فيه) جفونه عن شواردها " ثم خرج معي إلى المكان الذي يجلس فيه جميع الموجودين من مرافقيه وزملائي، تناولنا جميعاً شرائح من البطيخ ، ثم ودّعني بعدد لا يحصى من "البوسات" التي أُشتُهِر بها.
في طريق العودة إلى منزلي قررت أن آخذ بدوري قسطاً من النوم قبل أن أبدأ أول ساعات الدوام في مكتبي لإعداد المقابلة للبث.
عندما وصلت إلى غرفة الأخبار في التليفزيون ، وفتحت جهاز "التيكرز" الذي يمدنا بخدمات وكالات الأنباء، كان أول خبر على الشريط يتحدث عن وصول ياسر عرفات إلى "إسلام أباد" عاصمة باكستان، وعقده مؤتمراً صحفياً في مطارها كشف خلاله كل تفاصيل المقابلة التي أجريتها معه قبل ذلك بساعات، ووعدني بأنها ستكون "حصرية" و"سبقاً" خاصاً!
صحيحٌ أنني كنت منزعجاً لذلك لكنني تساءلت، هل كان عرفات ينسى أم يتناسى أم لا يقول الحقيقة؟ هل كان يخلع بذلته وكوفيته أم لا ؟ بل هل كان الرجل ينام بالفعل؟ ثم أين كان ينام؟ وكيف ينام؟
* نقلا عن بي بي سي