الشيخ أحمد الكبيسي: محاضرات يومية.. وهاتف لا يتوقف
بقلم/ ريم حنيني
نشر منذ: 17 سنة و 3 أسابيع و 3 أيام
الخميس 25 أكتوبر-تشرين الأول 2007 07:38 ص

متكلم لبق ومحدث مفوه حين يحين وقت الكلام، تحب النظر إليه، وإلى لحيته البيضاء، وتحب أكثر الاستماع لحديثه الشجي ومسامراته الممتعة ومساجلاته القوية واجتهاداته الجديدة والمبتكرة، القادرة دوما على إثارة دهشة متابعيه على الشاشة الصغيرة.

وهو عربي، عشق اللغة العربية منذ الصغر وحفظ القرآن وهو في العاشرة، وقرأ أمهات كتب اللغة، من ألفية ابن مالك إلى شرح السيوطي إلى المغني في صباه الباكر. يقضي معظم وقت دراسته في قراءة القرآن وتدبر معانيه، والكثير من اجتهاداته الفقهية مبنية على التفسير اللغوي للقرآن متأسيا في ذلك بالع لامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، والذي يقدره الشيخ الكبيسي كثيرا، وله ما يقارب الثلاثين إصدارا من مؤلفات وأبحاث منشورة في شتى المجالات من أهمها: المرأة والسياسة في صدر الإسلام، وفلسفة نظام الأسرة في الإسلام، والأحوال الشخصية في الفقه، والقضاء والقانون (جزآن)، وأحكام جناية السرقة في الفقه والقانون، والفقه الجنائي الإسلامي، وأحسن القصص في القرآن الكريم، والقضاء في الإسلام، وفي رحاب القرآن، والغبن والتغرير في عقد البيع، والتركة: تكوينها ومدى تعلق الحقوق بها. الكبيسي ابن العراق البار نشأ في الفلوجة وهي مدينة لا تعرف، كما وصف لـ«لشرق الأوسط»، إلا الدراسات الإسلامية، وقد أصبحت كما يصف الكبيسي بنبرة حزينة خفية، أشهر من نار على علم، الفلوجة كانت بحسب الكبيسي تعج باَلاف العلماء والمدارس وقد خرجت المئات، وعلى الطريقة القديمة التي تعنى بأصول العلم الحقيقي وتدرس أبوابه ومتونه التي هي أسس هذا العلم، ولهذا من درسوا فيها تخرجوا علماء لهم مكانتهم في الفقه، إلا أنهم كانوا يتصفون بضيق النظرة وبأنهم تقليديون تماما كما كان العثمانيون، لكن من خرج منهم من الفلوجة تغير وتطور وهذا ما حصل للكبيسي تماما، فبعد دراسته الثانوية في الفلوجة انطلق الى القاهرة في عام ألف وتسعمئة واثنين وخمسين وتخرج سنة ألف وتسعمئة وستة وخمسين من كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر بعد ذلك حصل على الماجستير والدكتوراه في العام 1970. وبعد مصر عاد الشيخ الكبيسي إلى الموصل وعين هناك أستاذا في دار المعلمين، ثم كانت بغداد التي تنقل فيها بيت كليات الشريعة والاَداب فكلية القانون، وهو يقيم حاليا بدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل دائم.

وللشيخ الكبيسي مع رمضان أيام الصبا والطفولة ذكريات لا تمحى، فمحاولة رؤية الهلال كانت مهرجانا، والفلوجة مدينة على شط الفرات وهو ساحل طويل، اذ كان الناس يتجمهرون عليه ينظرون إلى السماء ويترصدون الهلال، نساء ورجالا بكل فرح واستبشار، ومع ذلك كان هناك متخصصون هم من تؤخذ رؤيتهم للهلال دليلا قاطعا على حلول الشهر الفضيل. ومن المفارقات كما يوضح الشيخ الكبيسي لـ«الشرق الأوسط»، بنبرة مازحة أن أحد هؤلاء الرجال كان اسمه عبد الملك بن عريم وكان من وجهاء الفلوجة، هذا الرجل كانت له عين واحدة وكأن الله عوضه عن عينه المصابة بهذه العين، فلأكثر من مرة كان ابن عريم يرى بعينه الوحيدة هلال رمضان وبالفعل تتحقق رؤيته، وقد صدق أكثر من مرة في رؤية الهلال بعينه الوحيدة.

ويرى الشيخ الكبيسي أن عادات كثيرة في رمضان أضحت في طريقها للاندثار كون أوقات الفراغ كانت أكثر من الاَن، كذلك ما يشغل الناس الاَن لم يكن يشغلهم سابقا، والفضائيات لم تكن موجودة بل حتى الإذاعات لم تكن موجودة، فالنسبة للمجتمع الذي نشأ فيه، كل شيء جديد كان محرما، ولهذا كان الراديو يعتبر من المحرمات، فنادرا ما يتواجد أحد وهو يمتلك مذياعا في بيته، وبذلك كان رمضان بحق موسما للعبادة المعمقة، وزيادة أواصر الروابط الاجتماعية وصلة الرحم بين الأهل وبين الجيران بعضهم البعض، فمن العادات المعروفة قديما أن كل بيت في رمضان لا بد أن يطعم جيرانه من طعامه. فقبل الإفطار بنصف ساعة تجد الأطفال حاملين الأطباق بين البيوت يتبادلون مختلف الأطعمة، وهذه العادة من السنن التي للأسف نسيت الاَن، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الشريف «من طبخ مرقة فليضف إليها ماء وليطعم جاره».

ومن العادات المحببة في رمضان حسب ما يذكر الشيخ الكبيسي كان إفطار الناس في المسجد، والمساجد واقعة على النهر وهي واسعة وجميلة، وتلك الموائد على غرار ما يجري في الحرمين الشريفين في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة كذلك.

وفي الفترة الأخيرة تداولت وسائل الإعلام المطبوعة فتوى قبيل حلول رمضان المبارك لأحد علماء الدين تقول بعدم حرمانية التدخين خلال نهار رمضان، قوبلت برأي معارض كون التدخين من الملذات. وفي إطار هذا المحور أكد الشيخ الكبيسي وجود فرق واضح بين الدخان والتدخين فالدخان الناتج عن البخور أو دخان الطعام المطهو، هذا لا يفطر لأن الإنسان لا يقوم ببلعه ولأنه لا يكون مقصودا لذاته، التدخين أشهى وألذ من الطعام والشراب كما أنه أشهى من الشراب بكل أنواع الشراب، والمدخن يجد في التدخين من الإمتاع والإشباع ما لا يجده في الطعام والشراب مدة قد تصل أياما، ولذلك هو محرم قطعا. وعلى فكرة هذه الفتوى ليست جديدة فمنذ قرون تقريبا ذكرها أحد الفقهاء الاحناف واسمه ابن عابدين، وأهل العلم يعرفونه، حول عدم حرمانية التدخين إلا أنه قوبل باستنكار وقتها من أهل العلم آنذاك. ولا يستغرب الشيخ الكبيسي ورود بعض هكذا فتاوى، فالفضائيات كما يعلق تحوي الكثير ففيها الصالح والطالح والغث والسمين والمفروض من المسلم ان يستمع إلى القول فيتبع أحسنه وما أكثر الاَراء الشاذة للأسف التي نستمع لها يوميا.

وتعدد الفتاوى من صلاحية هذا الدين وحسنه، ومن قواعد أصول الفقه وأبوابه الرئيسية، لا ينكر تغير الفتوى تغير المكان والزمان والعوائد، وما من فقيه إلا وله في المسألة الواحدة أكثر من رأي وأكثر من فتوى، وهذا من عظمة ديننا الحنيف. وديننا ليس دينا حديا يتكون من مواد قانونية صماء، إنما فيه سعة، حد أدنى وحد اعلى، ولهذا فاختلاف المذاهب والاَراء إنما هو ظاهرة صحية، لكننا وعلى مدى قرون جعلناه فتنة وجعلناه حربا طائفية وهو الحمق وضيق الأفق بعينه في مجال الطرح الإسلامي.

وبالتطرق لعلاقته مع الشيخ محمد بن راشد اَل مكتوم رئيس وزراء دولة الإمارات، لن ينسى الشيخ الكبيسي ما طالت به الحياة، الموقف الإنساني الكبير الذي حباه به الشيخ محمد عندما أصيب الكبيسي بجلطة في القلب منذ عامين، نقل على اثرها للمشفى. وقد حرص الشيخ محمد بنفسه على زيارته والاطمئنان عليه مرتين، حتى أنه ذهب بنفسه لبنك الدم من شدة قلقه وحرصه من حصول أدنى خطأ في عملية نقل الدم، وهذا بحسب رأي الشيخ الكبيسي لا يدل الا على طبيعة الإنسان الشهم العربي الأصيل، فمن يقترب من شخص الشيخ محمد بن راشد لا يجد الا إنسانا بسيطا محبا ورحوما بالصغير والكبير معا، ومائدته العامرة في رمضان تضم المواطن والمقيم من كل الفئات والطبقات الاجتماعية.. وهذا كما يقول الكبيسي غيض من فيض احسانه على العائلات المستورة وقضائه حاجة الملهوف ورد الظلم على المظلوم.

وعند سؤال الكبيسي عن نصيحته للصائم الكبير والصغير والمرأة المسلمة في رمضان أكد على أن كل مسلم يعلم أن رمضان يغفر الذنوب جميعا فلا يغتاب أحدا ولا يعق والديه أن يكون قاطعا للرحم، وليعتبر المرء أن هذا سيكون اَخر رمضان في حياته وأنه سيموت بعد رمضان، ولكل أجل كتاب.

وبالنسبة للصغير فإنها يستطيع بالتدريب البدء بالصيام من أي سن إلى أن تغدو تلك العادة شيئا محببا بالنسبة له.

ولا يلوم الشيخ الكبيسي الصائم النزق والسريع الغضب، فهناك أحاديث نبوية تتحدث بمعنى أن الغضب لا يليق إلا لصائم، فالصائم يكون كما يصف الشيخ الكبيسي ضيق الصدر لأن عاداته مكسورة من طعام وشراب وما إلى ذلك. فسبحان الله يحس الصائم من الصبح وحتى قبل الضحى بشيء من ضيق الصدر أما بعد الظهر وحتى حلول موعد الإفطار فتنفرج أساريره، والسبيل الوحيد للسيطرة على تلك العادة هي معرفة قيمة الشهر الفضيل وما يحويه من أجر للصائم .

ولم يغفل الشيخ الكبيسي خلال حديثنا الشيق معه ذكر فضل خدمة المرأة المسلمة لبيتها وأهل بيتها في هذا الشهر الفضيل حيث يؤكد على أنه خير من عبادة أهل البيت جميعا، وخدمة الزوج بشكل خاص خير من ذلك كله فتحضير الطعام من فطور وسحور إضافة لترتيب البيت وهي صائمة تجعلها بحق أفضل أهل البيت صياما.

وللشيخ الكبيسي في رمضان جدول عمل لا ينتهي فهو يحاضر يوميا كل يوم في إمارة ومدينة، وهاتفه الخاص لا يهدأ من الرنين للاستنارة باَرائه السمحة، في ما يشكل على المسلمين من مسائل دينهم. لذلك تجده لا يخص مسجدا معينا بالصلاة فيه فكل يوم في بيت مختلف من بيوت الله، وللشيخ الكبيسي كذلك خلال رمضان برنامج يومي في قناة دبي بعنوان «للذين أحسنوا الحسنى». وفي قناة سما دبي برنامج قبل الإفطار بعنوان «السابقون» إضافة لبرنامج على قناة البغدادية العراقية بعنوان «الباقيات الصالحات».

* الشرق الأوسط