اليمن .. انفراج أزمة
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 16 يوماً
الخميس 26 فبراير-شباط 2009 06:25 ص

رغم الضبابية التي طبعت المشهد السياسي اليمني لنحو عامين توصل الحزب الحاكم وتكتل اللقاء المشترك المعارض إلى اتفاقات سياسية النقطة الأساسية فيها تأجيل الانتخابات البرلمانية مدة عامين مما يعني ترجيح كفة المصلحة الوطنية العليا وإبعاد البلاد عن مزيد من الاحتقانات والصراعات التي غالبا ما تلقي بظلالها على التنمية والسلم الاجتماعي .وعلى الفور دخل هذا الاتفاق مرحلة التنفيذ الفعلي حيث يصوت البرلمان اليمني اليوم الخميس على مذكرة وقعها رؤساء الكتل البرلمانية للأحزاب اليمنية في السلطة والمعارضة وأكثر من مائة نائب تتضمن الموافقة على قرار لإجراء تعديل دستوري تمدد بموجبه فترة مجلس النواب الحالي إلى عامين .

هناك من يقول إن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ورئيسه أدركا أنه بمقدورهما جمع الأحصنة حول نبع ماء لكن ليس باستطاعتهما البتة جعلها تشرب لا بل قد يكون لإرغامها نتائج كارثية أقلها الجموح ، وبالتالي أثمرت اللقاءات السرية للرئيس اليمني وقيادات حزبه مع قيادات في المعارضة اتفاقا على عدم إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في 27 ابريل 2009 وتهيئة كل الظروف لإجراء انتخابات برلمانية ترضي صحة إجراءاتها جميع أطراف اللعبة الديمقراطية الناشئة في اليمن ، وهناك من يقول من المتابعين للشأن اليمني إن الحزب الحاكم اصطدم بمواقف خارجية من بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أجبرته على الرضوخ لمطالب أحزاب المعارضة الرئيسية ومن بين هذه المطالب تأجيل الانتخابات وإصلاح المنظومة الانتخابية ومن بين المواضيع الواجب إصلاحها في هذه المنظومة قانون الانتخابات واللجنة العليا للانتخابات والسجل الانتخابي الذي يتردد بشأن مصداقيته كلام كثير .غير أن اللافت للنظر في هذا الاتفاق الذي لم تعلق عليه حتى الآن أي من الأطراف ما يزال يسير في خط التسويات الظرفية الغير استراتيجية حيث تضمن اعتماد نظام القائمة النسبية في 50% من الدوائر الانتخابية بينما النصف الآخر يطبق عليه نظام الانتخاب الفردي ولا أدري ما لحكمة في ذلك ولماذا لا يعتمد نظام القائمة النسبية بشكل كلي.

حقيقة لا يهمني كيف جاء هذا الاتفاق المبدئي بين السلطة والمعارضة سواء كان بسبب رغبة داخلية وطنية أو بضغوط خارجية ما يهم هو أن جميع الأطراف استمعت لصوت العقل والحكمة اليمانية وأيقنت أيضا أن الديمقراطية وأوعيتها وآلياتها ليست بشيء مقدس وإنما هي قواعد لمصلحة الحاكم والمحكوم بحيث تمارس أي سلطة في حصون الشرعية. كما أن هذا التوافق السياسي عكس شيئا مهما هو أن شخص رئيس الجمهورية رغم تعدد الأزمات وحدتها ما يزال محل إجماع لدى الساسة في اليمن من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وهذا الوضع الإيجابي يضاعف مسؤوليات الرئيس الوطنية التي تفرض عليه مراجعة دقيقة لأدائه وسلوكه السياسي خلال العقدين الماضيين والاستفادة قدر الإمكان من السنوات المقبلة التي يجب أن يكون فيها راعيا محايدا للعملية الديمقراطية وذلك يتأتى بما يلي :

- أن يقدم استقالته من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ليكون رئيسا لكل اليمنيين وتلك خطوة تمكنه من الوقوف على مسافة واحدة مع كل القوى السياسية ويصبح هو المرجعية العليا لأي خلاف.

-  إعطاء الفرصة للحزب الحاكم ليقف على قدراته الحقيقية وتأثيره الفعلي في المجتمع وتقييم قياداته التي في أغلبها ينقصها الحكنة السياسية والمؤهلات العلمية المقنعة فهو إلى الآن برأي كثير من المراقبين حزب طفيلي يعيش على كاريزمية الرئيس علي عبد الله صالح وإمكانات الدولة وترسانتها الإعلامية .

- سيتمكن الرئيس اليمني من التخلص من الصفة التي أصبحت ملازمة لسنوات حكمه الأخيرة وهي أنه يمثل مظلة للفاسدين الذين شوشوا بشكل كبير تاريخه النضالي إلى درجة أنهم أساؤوا حتى إلى أهم مكسب حضاري للشعب وهو الوحدة بعد تكالبهم على مساحات شاسعة من أراضي المحافظات الجنوبية ومزارعها الأمر الذي استفز مشاعر السكان الأصليين وعزز مطالب من يريدون تصحيح مسار الوحدة.

إن العقل السياسي اليمني الذي تعود في أحايين كثيرة ترحيل الأزمات والركون إلى تسويات وتوافقات وقتية جدير به أن يكون هذه المرة صارما في التعامل مع كل الأزمات ومثلما اعترف بأزمة الانتخابات وبحث عن حلول ، فعليه الاعتراف بأن هناك أزمات أخرى يجب أن يبذل الجميع سلطة ومعارضة جهدا لإيجاد تسويات سياسية مقنعة بحيث يتوجه كل الناخبين اليمنيين في الانتخابات البرلمانية لعام 2011 إلى مراكز الاقتراع وليس فيهم من يقاطع لأسباب جهوية.

M_hemyari_y@yahoo.com