هم من أحملهم دم أبن اليمن البار وشهيدها
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و يوم واحد
الثلاثاء 17 إبريل-نيسان 2012 05:01 م
 

- لعل من نافلة القول أن أني عندما قررت ولوج مثل هكذا مواضيع قد مضى عليها عشرات السنين لم يكن الدافع الحقيقي من ورائها إعادة نبش الماضي بملفاته الشائكة التعقيد؛ بغرض تصفية حسابات شخصية مع أناس كانوا جزء من هذه المرحلة بكل إرهاصاتها أو لتوظيفها بما يخدم المصالح الخاصة السيئة والخبيثة كما درج على ذلك الكثير من العناصر المعنية بهذا الأمر ليس اعتباطا ولكن ضمن إطار إستراتيجية مرسومة بدقة معدة لمثل هذا الغرض تغطي الجانب الإعلامي- الدعائي للمشروع الانقلابي الأسود الثالث في تاريخ اليمن المعاصر الذي بلغ ذروته في إرهاصات العام الماضي.

- وإنما لان إعادة تسليط الأضواء من زوايا متعددة على بعض أهم جوانب هذه المحطة المهمة من تاريخ اليمن المعاصر قد أصبح بالفعل من وجهة نظري عملا وطنيا ملحا وأمرا مهما جدا، في ضوء استمرار تنامي حالات التعقيد الذي شابها، وتعمد جهات وأطراف بعينها إلى محاولة استغلالها في طريق تنفيذ مخططاتها المرسومة لمنع احتمالية وجود أية محاولة جادة لعناصر التيار الوطني المعتدل في السلطة وخارجها للوقوف على قدميها بإشغال ذهنها ووقتها ومن ثم تفعيل دورها في اتجاه الاهتمام بحاضر اليمن ومستقبلها، من خلال إشغالها بالماضي بكيل سيل من التهم التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ بهدف إعادة خلط الأوراق عليها لا بل وقلب الأوضاع ضدها رأسا على عقب في كل مرحلة على حدة.

- وتأسيسا على ما تقدم حري بنا القول أن موضوع اغتيال رجل بحجم الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي قد أصبح موضوعا شائكا جدا لا بل وأكثر تعقيدا بحد ذاته وخاصة منذ العام 2004م، استطاعت الجهات المعنية من مكونات التيار الانفصالي والناصريين منهم- بوجه خاص- إحياؤه بقوة ليصبح الشغل الشاغل أمام قياداتها وعناصرها، حتى ولو كان المقابل لذلك هو إفناء اليمن دولة وشعبا التي أصبحت تقف منذ العام الماضي على حافة الهاوية.

- سيما أني لم استطع لحد الآن ومعي الكثيرين إدراك أو تدارك فحوى طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المصلحة الحيوية الوطنية العليا من إثارة هذه الجزئية وبهذا الشكل الجنوني وفي هذا التوقيت، لدرجة اختلط الأمر علينا لفترة من الوقت وعلى الكثيرين من أبناء الأمة الذين تشكلت لديهم قناعات شبه تامة بأن فتح هذا الموضوع أصبح له المقام الاول في الأولويات الوطنية العليا، إلا بدافع واحد لا ثاني له وأتحدى أصحاب القلوب القاسية بأن يأتوا بغيره هو حب الانتقام والإقصاء للأخر وزرع بذور الكراهية والتعصب والانشقاقات كدليل على إصرارها الأزلي على عدم استحقاق الأمة اليمنية لأية فرصة مهما كانت كي يتسنى لها ان تنعم بحياة كريمة أفضل.

- ومن هنا كان لا بد أن يأخذ موضوع مقالي هذا العنوان الكبير والحساس والمعقد جدا تحديدا بكل ما يحمله من مؤشرات ودلالات ومعاني متضاربة، والذي أخذ مني الكثير من الوقت والجهد للغوص في أتون هذا الملف، في ضوء سيل الحقائق التي تسني لي اكتشافها مع مرور الوقت، والتي تلقي الضوء على الفترة الواقعة بين عامي (1974-1978م).

- في البدء حرى بنا القول إن شخص الرئيس الشهيد ألحمدي قد حمل على عاتقه منذ قبل بتولي زمام الأمور في البلاد مهمة وضع تشخيص ذاتي لما يعانيه الجسد اليمني العليل من أمراض ما انزل الله بها من سلطان؛ من خلال منظومة متكاملة من السياسات الإجرائية التي صاغها وأشرف عليه بنفسه من الألف إلى الياء وأخذت منه الجزء الأكبر والمهم من وقته ومن ثم مدة حكمه القصيرة، لدرجة كان الكثيرين من أبناء اليمن يتوقعون لقاءه والجلوس معه في أية لحظة لكثرة أسفاره بين مناطقهم وتواجده بينهم وتردده عليهم كمواطن عادي حمل أمانة بحجم اليمن دولة وشعبا.

- بحثا منه على أهم مكامن المرض الأساسي فيه، والذي من خلاله كان يعتقد أنه يستطيع تقييم ومن ثم تقويم حالة الجسد العليل بدقة وموضوعية، على أساس أن التشخيص الدقيق كان نصف العلاج، سيما أنه كان يدرك إلى حد كبير أن السر وراء هذه السياسيات والجهود التي تصدر لها هو وفريق إدارته يكمن- بالدرجة الأساس- في الباعث المعنوي أكثر منه المادي لماذا ؟ لأن الحقيقة الدامغة التي كان قد أدركها وتغلغلت في أعماقه؛ تتمحور في الحاجة الماسة الأكثر أهمية وإلحاحا لاستنهاض وتحفيز أبناء الأمة أولا وأخيرا بخلق الأمل بداخلهم والدافع لديهم حول إمكانية تغيير واقع اليمن دولة وشعبا إلى الأفضل؛ من خلال جهد وطني شامل يستوعب الجميع الذين يؤمنون بالثوابت الوطنية؛ يقوم على الحاجة الماسة لعقول وقلوب وسواعد الجميع.

- وحين تسنى لإدارة الرئيس ألحمدي الحصول على بعض أهم النتائج اللازمة بهذا الشأن التي مكنته بصورة نسبية من وضع بعض أهم المعالم الرئيسة في خارطة الطريق الجديدة الكفيلة بنقل اليمن دولة وشعبا إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة إذا ما صح لنا القول ذلك، كان الوقت قد أصبح متأخرا جدا بحسب وجهة نظري لماذا ؟

- لان المعطيات الظرفية في البيئة الخارجية ومن ثم الداخلية كانت قد تغيرت بالفعل وبصورة شبه كلية جراء عودة سياسية الاستقطاب الثنائية التي يمثلها الأمريكيين والسوفيت آنذاك بقوة إلى المنطقة العربية وما يجاورها؛ والتي برزت أهم معالمها الرئيسة من خلال تبني قرارات مصيرية قلبت الأوضاع رأسا على عقب؛ لعل خلاصتها هي المسح بأستيكه لكل ما طرأ على الخارطة السياسية الإقليمية من تطورات رئيسة شابت الواقع الإقليمي بعيدا عن سياسية الاستقطاب الثنائية في الفترة الاستثنائية (1970- 1977م)، جراء العديد من الاعتبارات الرئيسة سنقوم بتناولها في مقالات لاحقة، واستعادة زمام الأمور فيها، بصورة أذنت بدق الجرس بقوة في اتجاه إزاحة الأنظمة الوطنية كلها التي تشكلت في هذه الفترة من على الخارطة السياسية قاطبة ضمن سيناريوهات معدة لمثل هذا الغرض.

- ومن هذا المنطلق وعند هذا الحد من التحليل سوف أبدء باستعراض بعض أهم الخطوط العامة حول سبب وكيفية انغماس بعض أهم عناصر الجناح المتطرف من الناصريين في هذا السيناريو المخيف؛ من خلال التنسيق والتعاون ومن ثم الشراكة المصيرية مع عناصر القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة المناوئة لها فكرا ومشروعا وأفرادا، التي أوكلت إليها القوى الإقليمية المعنية ومن ثم الدولية- كما أشرنا إليها آنفا- مهمة التنفيذ للسيناريو في كل حلقاته الأساسية، أما في حال تطلب الأمر عملية جراحية تدخلية موضعية نوعية وسريعة كأحد أهم الخيارات الأساسية التي أرتكز عليها هذا السيناريو لمواجهة أية تطورات رئيسة متوقعة وغير متوقعة على حد سواء، فقد أسند الدور الرئيس فيها لعناصر الجناح المتطرف في الحركة الناصرية، في ضوء طبيعة تطور الاستراتيجية الوطنية التي تبناها التيار الوطني المعتدل في السلطة والتنظيم الناصري منه- بوجه خاص- لخوض أتون المواجهة المصيرية المفروضة عليه.

- إن استمرار تنامي حالات التسارع النسبية الحاصلة في وتائر حركة السيناريو الدولي بأبعاده الإقليمية والمحلية، قد مثل الدافع الأساسي وراء معظم التطورات الجذرية الحاصلة في إستراتيجية التيار الوطني المعتدل المتبعة إزائها، في ضوء إدراك الحركة الناصرية بتيارها المعتدل ومن ورائها القيادة التاريخية للرئيس ألحمدي، أنها قد أصبحت بالفعل موضوعة تحت ذلك المجهر الإقليمي بأبعاده الدولية الذي يصعب عليها تجاوز أو تجاهل خطوطه الحمراء إذا ما صح القول ذلك، إلى جانب إدراكها لحقيقة غاية في الأهمية مفادها إن بقائها بعيدة نسبيا عن أية خطوة حقيقية تجسد من خلالها كامل أولويات المصلحة الوطنية العليا للأمة، يجعل مصيرها ومصير مشروعها الوطني في مهب الريح ورهن لتقلبات السياسية الدولية والإقليمية.

- وهو الأمر الذي اتضحت معالمه الرئيسة في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس ألحمدي عندما سعت وراء محاولة إحداث تغييرات جذرية نسبية في سياساتها الداخلية والخارجية ضمن إستراتيجية المواجهة المتوقعة مع خصومها وأعدائها التي أعدت نفسها بالفعل لخوضها وفقا- لحسابات ذات طابع إستراتيجي أكثر منه مرحلي، بما يواكب – نسبيا- ما يحيط بها من تطورات رئيسة أصبحت مناهضة وطاردة لها في البيئتين الداخلية والخارجية، في سلسلة ضربات نوعية استباقية وقائية قاصمة وحاسمة للمخطط الانقلابي، هزت أركان القوى الانقلابية الداخلية والخارجية وأربكت مخططاتها المرسومة.

- تجسدت بعض أهم معالمها الرئيسة ذات العلاقة بموضوع مقالنا بتلك الخطوة الأكثر جراءة ودراية وحنكة في أولويات ومضامين العمل السياسي الوطني في اتجاه محاولة لم الشمل ومن ثم حشد الجهد الوطني وراءها وصولا إلى تماسك ومن ثم تأمين الجبهة الداخلية؛ من خلال قرارها التاريخي بضرورة ولادة كيان سياسي جديد تعهد إليه مسئولية أداء هذه المهمة الوطنية وتحمل كافة تبعاتها؛ يضم بين جنابته كافة القوى والتيارات والحركات العاملة في الساحة اليمنية تحت مسمى \"المؤتمر الشعبي العام\" أما كيف ولماذا ؟

- فإننا ترد بالقول أن هنالك علاقة وثيقة الصلة تربط بين إعلان قيام المؤتمر الشعبي العام ككيان سياسي جديد يهيمن على الساحة السياسية قاطبة، وبين ماهية الجهة التي حالت دون قيامه في عهد الرئيس ألحمدي وطبيعة أهدافها وحجم مصالحها الحقيقة، التي قبلت بها أن تقاضي صيرورة ومستقبل كيانها التنظيمي وحياة عناصرها قاطبة، وصولا إلى اضطرارها إلى الخوض في سيناريو تصفية القيادة التاريخية للرئيس ألحمدي ورفاقه المعد سلفا على أعلى المستويات الرسمية في العالم ضمن إستراتيجية إقليمية معدة لهذا الغرض، والحيلولة دون حدوث أية خطوة جدية لقيام هذا الكيان إلا بعد الاستقرار النسبي للأوضاع في عهد الرئيس الصالح عام 1980م وتغير جذري في موازين المعادلة الداخلية لصالح القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة.

- أن هذه الخطوة الممثلة بالتمهيد للإعلان عن قيام \"المؤتمر الشعبي العام\" التي استعدت القيادة التاريخية للرئيس ألحمدي ووفرت لها مستلزمات النجاح المتاحة في البيئة المحيطة على سبيل المثال لا الحصر كانت القشة التي قصمت أو ستقصم ظهر البعير في هذا الأمر كما يقول المثل الدارج في بلادنا لماذا ؟ لان نشو مثل هذا الكيان السياسي على أنقاض عشرات الحركات والتيارات والقوى الناشطة في الساحة اليمنية، كان يعنى في حال نجاحه شيئا واحدا في غاية الأهمية إلا وهو إعادة صياغة ومن ثم بلورة صيغة المعادلة الداخلية القائمة منذ العام 1974م، وما يجب أن يترتب عليها من ضرورة إعادة توزيع مصادر القوة والثروة فيما بين مكونات هذا الكيان- وفقا- لذلك على حساب الحركة الناصرية والعناصر الأخرى المهيمنة عليها منذ العام 1974م،

وهو الأمر الذي تعارض شكلا ومضمونا مع مصالح عناصر التيار المتطرف في الحركة الناصرية، بصورة سوف توضح أمامنا ماهية تلك العناصر المنضوية داخل الحركة الناصرية ومن ثم طبيعة أهدافها ومصالحها التي وقفت بالضد دون تمكين القيادة التاريخية للرئيس ألحمدي والتيار الوطني المعتدل الموالي لها داخل الحركة الناصرية والدولة من استكمال هذا الأمر؛ من خلال السعي الحثيث وراء وضع كافة العراقيل أمامها بشتى الطرق طوال فترة الإعداد والتحضير التي طالت وحالت دون سرعة وانسيابية التنفيذ، وصولا إلى المشاركة الفاعلة في الإعداد والتحضير ومن ثم التمهيد والتنفيذ لسيناريو التصفية الجسدية الذي تشاركت في وضعه كل القوى الدولية والإقليمية صاحبة المصلحة الحيوية في المنطقة؛ سواء للرئيس الراحل ألحمدي ورفاقه وصولا إلى الرئيس الراحل أحمد الغشمي أو للرئيس الصالح الذي ظل ملفه شبه مفتوح منذ اندلاع إرهاصات محاولة الانقلاب الأسود عام1978م.

- سيما في ضوء شاب المشهد السياسي اليمني كثير من الغموض والتعقيد الحاد في أعقاب اغتيال الرئيس الراحل إبراهيم ألحمدي ومجموعة من كبار نظامه، بلغ حد الذروة في انسيابية ومرونة انتقال مقاليد السلطة إلى المقدم أحمد الغشمي عضو مجلس قيادة الثورة ونائب القائد العام ورئيس هيئة الأركان العامة وهو المنصب الذي لم يكن يؤهله لخلافة سلفه الراحل بهذه السرعة والكيفية، سواء لوجود العديد من الشخصيات التي لها الأسبقية لشغله، مما يدلل أن عناصر التيار الوطني المعتدل في الحركة الناصرية الموالي للرئيس ألحمدي لعبت دورا محوري في حسم هذا الأمر، على خلفية ما تمتلكه من مصادر القوة والثروة في الدولة أو لأنه لم يكن المرشح الأبرز للعناصر الانقلابية من التيار المتطرف المنتمية للقوى التقليدية المحافظة والمتطرفة.

- أما لماذا ؟ نستطيع القول بأن لهذا الأمر علاقة وثيقة الصلة بحالة الصمت النسبي الرسمية وغير الرسمية التي شابت المشهد الداخلي إزاء ملف الاغتيال، لدرجة ظهر الرئيس أحمد الغشمي فجاءه يمارس مهامه الرئاسية وكأن شيء لم يكن- كما يحلو للكثيرين ترديد ذلك، بحيث يصبح بإمكاننا إعطاء تفسير لهذا الأمر في ضوء استمرار تنامي دوران رحى الصراع الصفري الحاد بين القوى التحديثية التحررية بتياراتها المعتدلة والقوى التقليدية المحافظة والمتطرفة واليسارية بتياراتها المتطرفة وليس خارجها.

- على خلفية اعتبار أن حالات الصمت والسكون النسبي التي شابت الفترة الأولى من حكم الرئيس الغشمي التي أعقبت حادث الاغتيال الأليم للعديد من قيادات الدولة، دليل على أن أصابع الاتهام تتجه إلى الناصريين أنفسهم- بالدرجة الأساس- مما دفعهم إلى بذل جهودا مضنية وحثيثة للتغطية على هذا الملف تحت مبررات شتى، في محاولة منهم ومن التيار المعتدل خاصة للامساك بزمام الأمور قبل أن تخرج أياديهم إلى الأبد، سيما في حال أتضح لنا أن الرئيس الغشمي بالأساس لم يكن محل قبول من لدنا العناصر الانقلابية داخل الحركة وخارجها- وهو ما سنوضحه لاحقا.

- على خلفية أن هنالك صراعا وتنافسا حاد بين تيارات الحركة الناصرية، بلغ حد الذروة مع تلك الحزمة من السياسيات التي عكفت القيادة التاريخية للرئيس ألحمدي ومن ورائها التيار الناصري المعتدل الموالي له، على تبنيها ضمن إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض – كما أسلفنا ذكرها سابقا- ضمن إطار المواجهة الصفرية المحتدمة رحاها ابتداء بين تيارات الحركة الناصرية مع بعضها البعض التي راح ضحيتها الرئيس ألحمدي ورفاقه، الذين تم تصفيتهم جسديا بسهولة ودون رحمة تذكر، وانتهاء فيما بينها وبين القوى التحديثية التحررية بتياراتها المعتدلة والقوى التقليدية المحافظة واليسارية بتياراتها المتطرفة بامتداداتها الإقليمية والدولية التي راح ضحيتها فيما بعد خلفه الرئيس الغشمي وعشرات الألوف من عناصر القوى التحديثية والتحررية عام 1979م.

- وضمن هذا السياق- أيضا- يسعنا القول أن سرعة اختيار ومن ثم فرض المقدم أحمد الغشمي في منصب رئيس الدولة، ما هو إلا دليل واضح أمامنا على أن للتيار الناصري المعتدل الموالي للرئيس ألحمدي دورا محوري في حسم هذا الأمر، ليس في ضوء ما يمتلكه من مصادر القوة والثروة في الدولة فحسب، بل- أيضا- وفقا لما تم التوصل إليه من اتفاق بين تيارات الحركة الناصرية لإقفال ملف الاغتيال نهائيا، منعا من انفلات زمام الأمور من أياديها، بصورة تبرر لنا بعض المعالم الرئيسة لهذا الصمت المطبق من قبلها، وهو ما اضطرت القوى الانقلابية من داخل الحركة وخارجها للتجاوب معه- بشكل مؤقت- كمرحلة انتقالية ذات طابع تكتيكي في اتجاه معرفة واختبار هول الصدمة وامتصاصها والاستعداد لجولة أخرى حاسمة، سيما أن هذا الأمر قد أفضى إلى إيقاف فوري لأهم تلك السياسات المؤدية إلى استكمال أهم الحلقات الرئيسة للمشروع الوطني وتأمين الجبهة الداخلية والخارجية كملف الإعلان عن تأسيس\" المؤتمر الشعبي العام\" محل الاتفاق النسبي بين تيارات الحركة والسلطة بمختلف مشاربها وملف الوحدة الوطنية على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما أحجم الرئيس الغشمي عن حسمه منذ تسلمه لمقاليد السلطة اتقاء لاستفزاز القوى الانقلابية.

ووقفا- لذلك يسعنا القول- أيضا- في تفسير تلك الجزئية التي تفيد أن الرئيس الراحل أحمد الغشمي كان مشاركا في عملية اغتيال سلفه، أن هذا أمرا شبه مستبعد- بحسب وجهة نظري- لأن العناصر التي تصادف وجودها في ليلة الاغتيال ومكان الجريمة \"بيت المقدم أحمد الغشمي المجاور لبيت المقدم على عبد الله صالح\"- كما- تشير إليه المصادر كانت مختارة بدقة وموضوعية، سواء بحكم إنها تهيمن على معظم وأهم مصادر القوة والثروة في الدولة، بهدف توريطها حتى وإن لم تكن مشاركه، لضمان سكوتها ضمن آلية معدة لهذا الغرض، أو ما يمثله صاحب الدعوة أحمد الغشمي من أهمية بددت الكثير من الشكوك ذات الطابع الأمني حول السر الكامن ورائها أكثر من كونها دعوة للعشاء بمناسبة استعداد الرئيس ألحمدي للسفر إلى الشطر الجنوبي لتوقيع الاتفاقية الممهدة لقيام الوحدة الوطنية. والله ولي التوفيق

*باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية

*كاتب ومحلل سياسي

d.tat2010@gmail.com

مشاهدة المزيد