الربيع العربي والدولة القائدة..صراع اليمين واليسار في المنطقة العربية
بقلم/ محمد عمر غرس الله
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 9 أيام
الإثنين 09 إبريل-نيسان 2012 05:41 م

تشهد المنطقة العربية ما اصطلح على وصفه بالربيع العربي, ويلاحظ جليا الخلط في تفسير الأسباب, وبالتالي النتائج, محليا, وعربيا, ودوليا, فلكلا منها أسبابه, وأبعاده, وبالتالي نتائجه, ولذا, ماذا يعني هذا الحدث على مستوى صراع الارادات عربيا, وكيف يمكن ان يفسر, وفي اي اطار يمكن قرأته, في الدول التي تدخلت في ثوراتها دول عربية اخرى عبر الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي, بكل الوسائل.

لا يخفى على المطلع ان المنطقة العربية شهدت وتشهد صراع ارادات محموم, وتنازع محاور سياسية على المستوى الثنائي والاقليمي العربي, فالأمر في اعتقادي ليس فقط مناصرة للحرية والديمقراية وحقوق الانسان, كما يسوّق.

فمنذ 60 عاما نهاية اربعينيات القرن الماضي - وبروز حركات تصفية الاستعمار ظهر في المنطقة العربية تيارات سياسية مختلفة التوجهات, وايضا انقسام في رؤية نظام الحكم, والتوجهات في طريقة التعامل مع القضايا العربية والاقليمية والعلاقات الدولية, حيث شهدت المنطقة في علاقاتها العربية العربية شد وجذب, تحالفات, وعداوات, وخصومات ومكائد, بين طرفي المعادلة العربية رغم بعض التحالفات المتقاطعة الوقتية احيانا, الا ان المشهد العربي ضل متنازعا في الحقيقة بين ارادتين واضحتي المعالم والعناصر,( اليمين – اليسار) حيث كان هذا الانقسام موزعا بين طرفين:

 الأول: اليمين العربي بما فيه من انظمة حكم ودول ظهرت بصفقات تصفية المستعمر مثل ما هو في منطقة الخليج العربي, والاردن والمغرب, تونس والعراق وليبيا أنذاك, ومالها من أنظمة حكم ودول ( ملكيات ومشيخات وبعض الجمهوريات ) ومايسير في ركبها او قريب منها من تيارات فكرية وسياسية( الإخوان المسلمون – تيار الملكيين – التيارات الوطنية - التيارات السلفية والوهابية فيما بعد..... الخ) عبر الرقعة العربية.

الثاني: اليسار العربي بما فيه من دول وحكومات ظهرت نتيجة للانقلابات العسكرية, وسيطرة تيارات ما عرف بالتقدمية, وعلى راسها ثورة 23, ومن معها من دول وانظمة ( الجمهوريات), وتيارات فكرية وسياسية ( ناصرية - بعثية – اشتراكية – بقية التيارات القومية والتقدمية, والشيوعية), عبر الرقعة العربية.

وجليا ظهر الخلاف والصراع في قيادة المنطقة العربية والتأثير على الجماهير بل وقيادتها بين عبد الناصر ومن حسب عليه, من جهة, واليمين العربي من جهة أخرى,باستخدام أدوات عسكرية, واعلامية, وسياسية ودعائية, انعكس ذلك بقيام اول جمهورية في العراق 1958 وماتلاها, وسقوط الامامية شمال اليمن,1962 - الذي يمثل احد أهم أنواع الصدام بين الارادتين - ثم انتصار الثورة الجزائرية 1962, وتقويض الملكية في ليبيا1969, رافقه انتصارا اخر للبعثيين في سوريا ,كله كان عبر تقديم نموذج وخطاب تنموي, وتحرري, ووحدوي, ( صوت العرب مثلا) ومجموعة المنظرين لهذا التيار بتعدد اسمائهم, وانتماءاتهم عبر الرقعة العربية من المحيط الى الخليج.

ومع بداية سبعينيات القرن الماضي بوفاة الزعيم جمال عبد الناصر يرحمه الله, سرعان ماظهرت خصومات داخل معسكر اليسار العربي, أنه صراع الزعامة لملء مكانة عبد الناصر الشاغرة, وصار الكل يرى نفسه ناصر المرحلة, ففي ليبيا القذافي, والعراق صدام حسين, وسوريا الأسد, فيما بقت الجزائر على موقفها الرصين برفض ركوب قطار قد انطلق, وعدم رغبتها في قيادته اصلا.

ورغم هذا كان بين اليسار واليمين العربي مراحل التقاء واتفاق, ففي حرب 1973 التقى العرب ( يمين – يسار) وتوج ذلك بالدعم المادي والعسكري, والقرار الشجاع للمرحوم الملك فيصل بإيقاف ضخ النفط , ولاحقا بعد تقريبا 6 سنوات اتفق العرب( اليمين واليسار) على تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية بالاجماع, اثر زيارة السادات للقدس1979, واتفقوا ايضا بالإجماع على عودتها عام 1989 , الا ان لحظات العسل العربي هذه لا تدوم طويلا – كعادتها - فسرعان ما تظهر التجاذبات والمكائد بين الطرفين واضحة وجلية.

هذا وكان الصراع البيني في مجموعة ما يعرف بالتقدميين العرب( اليسار العربي) حادا ونزقيا عسكريا ومخابراتيا, خاصة بين القذافي وصدام حسين وصل قمته بدعم القذافي لإيران في الحرب العراقية الإيرانية, وبالمقابل دعم صدام تشاد في حرب القذافي هناك , وايضا لايخفى على احد الصراع الغريب العجيب بين جناحي البعث العربي الاشتراكي في عراق صدام حسين, وسوريا حافظ الاسد طوال 20 عاما, واستهلكت الجهود وطاقة الشباب في معركة ترتيب الشعارات وأولوياتها, وبالمجمل أكلت شخصية الزعيم وفرقعاته في هذه المجموعة وفرغت أي محاولة للتطور والتقدم, وفي المحصلة خسرت هذه المجموعة حكومات ودول حتى الحد الأدنى من التكامل,والاستقرار, والتنمية, رغم الموارد التي تحت يدها.

اما بالمقابل داخل المعسكر الأخر (اليمين العربي) لم يكن ثمة من صراع بهذا الشكل حتى وان ظهر الجفاء والعتاب واللوم السياسي بين مكوناته, حيث ظهر وانتعش مشروع التنمية بقوة وانتقلت هذه الدول بقوة الى مرحلة العصر الجديد مع العولمة, وأصبحت تمثل قمة دول التنمية عربيا بالمقارنة بدول المعسكر العربي الاخر( اليسار العربي).

وعموما طوال عقد سبعينيات وحتى تقريبا نهاية ثمانينيات القرن الماضي عاشت المنطقة العربية حالة خفية من الصراع البيني والتجاذبات, كان مسرحها غالبا بيروت والقضية الفلسطينية, حيث يعطينا ظهور محاولات قيام اتحادات جغرافية عربية لاحقا( مجلس التعاون الخليجي – مجلس التعاول العربي –اتحاد المغرب العربي) صورة واضحة جدا على شكل المشهد العربي في انقسامه الى معسكرين, حيث لم يصمد على ارض الواقع عمليا وسياسيا, الا ( مجلس التعاون الخليجي) الذي يشكل بمجمله احد قطبي الصراع عربيا, بينما انفرط عقد ( مجلس التعاون العربي) على وقع احتلال العراق للكويت, وجمدت وشلت حركة( اتحاد المغرب العربي) بسبب الجزائر والمغرب, في خصومة بكر وتغلب العصر الحديث.

وبعيدا عن الغوص في التفاصيل اليومية للعبة السياسة العربية, ضل التوجه العام لأرادة اليمين العربي من جهة, وإرادة اليسار العربي من جهة أخرى, متصارعا متجاذبا مع التأرجح المؤقت لمواقف بعض الدول العربية الأخرى بين هنا وهناك, او بالاحتفاظ بالحيادية وعدم انجرار وراء هذا او ذاك, وبقت مراكز جذب القطبين كما هي عليه سرا وعلنا .

ومع نهاية ثمانينات القرن الماضي يمكن اعتبار حرب احتلال العراق للكويت عام 1990 – قمة النزق الحربي والسياسي - الحد الفاصل في بدء انهيار جماعة اليسار العربي, وتقاطعت اوراق الإرادات العربية في مشاركة سوريا لقوات درع الجزيرة , ووقوف الأردن في صف ما يسميه أخوتنا الكويتيون دول الضد.

وبذلك منذ تلك الحرب وما تلاها حتى حرب احتلال العراق 2003, أصبح واضحا جدا ان معسكر اليمين العربي يرفع عقيرته بقوة مع تأكل معسكر اليسار العربي وسقوط سياسته وانفراط عقده الوهن المفكك اصلا, وخاصة ان اليمين العربي كان ولايزال مدعوما بتحالفات دولية انتصرت دوليا في معركتها في مجال الارادة الدولية على المعسكر الشرقي وتحالفاته ومشاريعه بسقوط الاتحاد السوفييتي, التي انعكست على الحالة الدولية وخاصة في الامم المتحدة, وبالتالي اصبحت تحالفات اليمن العربي دوليا أكثر قوة وامضى على المستوى العربي, وايضا خرجت دوله من مشهد القرن الماضي ودخلت عصر العولمة بقوة تنموية متطورة (بنية تحتية – بنية اعلامية) واضحة على المستوى العربي, والدولي.

وبالتالي خسر تيار اليسار العربي معركته, ومشروعه خاصة تنمويا, وسقطت شعاراته, وخسرت تياراته السياسية الشارع العربي, وبالتالي المستقبل والحديث عنه,وخاصة تنمية بلدانها, فهاجرت الكفاءات والافراد ,وتوقفت اعداد المنتمين لتياراتها السياسية وانقرضت تنظيميا,وفرغت من محتواها سياسيا وإعلاميا, وتاه الأفراد والأحزاب فكريا ومنهجيا وتلعثم المنظرون وتخشبوا, وبالمقابل انتعش اليمين العربي ورؤيته والتيارات السابحة في مجاله, وعلى رأسها الإخوان المسلمون, والسلفيين( الوهابية) وخطبائهم ومفتيهم, واستقوى أفراده ماليا وفكريا ومنهجيا وتنظيميا عبر الخريطة العربية, عن طريق سيطرتهم على المشهد الإعلامي العربي بكل تفاصيله, وبالتالي بسط قوته على الشارع العربي وأغلبيته الشبابية, عبر التقنية الحديثة للاتصال, وصارت دوله قبلة المحتاجين للعلاج والمستثمرين, والأكاديميين, والإعلاميين, واليد العاملة, وأصبحت بلدانه مثالا يحتذى حتى في نوع ولون الملابس.

ان نظرة موضوعيه لصراع الإرادات وقيادة المنطقة العربية تاريخيا, يعطينا صورة واضحة لموضوع الربيع العربي عربيا , الذي هو - بلا شك - نابع من مشاكل داخلية على المستوى المحلي ( الوطني), وخاصة في مجال التنمية, ومواكبة العصر, غير ان هذه الدول - في الحقيقة - ليست اسواء حالا من دول اليمين العربي في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان !!!!!!.

أنه عربيا - من هذه الزاوية - صراع إرادات محموم قديم جديد مستمر – تستخدم فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان كقميص عثمان, بالاستفادة من الحراك الداخلي وظروفه والقدرة على التأثير عليه, بين معسكرين وارادتين عربيتين متصارعتان تاريخيا , يطرق فيها الان اليمين العربي القوي تنمويا وتحالفيا, رأس اليسار العربي المتخشب المتخلف تنمويا الفاقد لأي تحالف, ويثار منه بالاعلام والقنوات الفضائية, وبالدعم المادي( المليارات) والعسكري بالطائرات والأسلحة, والسيطرة على الجامعة العربية وقرارها, مستفيدا من الاوضاع الداخلية لتلك الدول التي خسرت معركة التنمية والاستقرار, وخسرت معركتها الاعلامية - التي لا تمتلك منها اليوم شيئا - رغم مواردها وإمكانياتها, وقدرات شعوبها, فالمقارنة الموضوعية بين الإمكانيات المادية والموارد, بين دول وتيارات اليمين العربي وقيادتها, وبين امكانيات دول وتيارات اليسار العربي وإمكانياتها وقياداتها, نلاحظ تقريبا التساوى اوالتقارب في ذلك, لكن الفارق التنموية بين الطرفين كبير جدا جدا بل ومأهول, ويمكن ملاحظة نموذج ليبيا الغنية ماليا ومواردا, لكنها معدومة التنمية والبناء والتطور, ونموذج الإمارات العربية المتحدة التنموي الكبير حتى على مستوى العالم.