من ينتحب؟ ومن ينتخب؟؟
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 14 يوماً
الجمعة 03 فبراير-شباط 2012 04:15 م

  دموع

عندما انطلقت دموع الدكتور أكرم الشاعر تزاحم كلماته في حشرجة بليغة وصادقة تحت قبة مجلس الشعب مطالبا بالقصاص لشهداء الثورة واخذ حق الجرحى ومن بينهم ولده الطبيب الثائر الشاب مصعب الشاعر الذي مزقت أكثر من مائتين شظية أمعائه وكبده وأحشاء البطن , لم يكن الدكتور أكرم يقصد بالضحايا فقط أولئك الذين سقطوا خلال الثورة مما قد يستدعي تحقيقات ومحاكمات جنائية لكل من شارك في تلك الجرائم بل كان يقصد كل ضحايا العهد البائد بسبب الفقر والجوع والمرض والإهمال و التائمر والنهب والإهدار والظلم , عندما طالب بمحاكمة سياسية تتعامل مع أساس المشكلة وأسبابها وليس فقط التعامل مع احد نتائجها وهو أحداث الثورة نفسها , إن القصاص الذي ظل يردده الدكتور أكرم يتعدى القصاص الفردي وحق المتضررين المباشرين إلي القصاص العام الذي يضمن توفير العدالة لكل متضرر من جرائم العهد السابق .

مشهد الدكتور أكرم الشاعر وهو يبكي تحت قبة البرلمان المصري(المنتخب بشفافية وديمقراطية والمعبر عن إرادة الشعب ) أخذني وبتلقائية إلي مشهد الأستاذ باسندوة وهو يبكي تحت قبة البرلمان اليمني الممط والممدد الذي فقد شرعيته بالتمديد غير القانوني وغير الدستوري ثم بالثورة التي كانت كفيلة في مصر لإسقاط برلمان لم يتعد عمره عدة أشهر وليس عقد كامل ,هل كان بكاء باسندوة على الشهداء الذين فقدوا أم خوفا من مستقبل مظلم ينتظر اليمن في ظل غاب العدل الذي هو أساس الحكم أم هو تأثر باللحظة واستشعارا لضخامة العبء الذي ينؤ به كاهله عندما تصدر لقراءة قانون الحصانة المشئوم والذي لم يجرؤ احد علي قراءته وتبراء منه حتى بعض من شملهم من الطرف الأخر أم كان بكائه بسبب انه سيشتم كما قال ممن لم يفهموا مقاصده أسئلة لا يعرف إجابتها سوى صاحب الشأن .

اشتهرت عدة مشاهد لبكاء السياسيين قديما وحديثا فمن بكاء السنيورة أثناء العدوان الصهيوني علي لبنان والذي اشتهر كثيرا عربيا ودوليا بسب طبعة الأزمة دوليا ومتابعتها إعلاميا إلا أن العصر القديم أيضا شهد حالات مشهورة فنيرون استفاق باكيا بعد الثورة عليه وهروبه من روما وقبل أن يفتك به خدمه وبكاء أبو عبد الله الصغير وهو يغادر قصر الحمراء منفيا بعد تخاذله في الدفاع عن أخر معاقل الأندلس فما كان من والدته إلا أن قالت له مقولتها الشهيرة (لا تبك كالنساء بلد لم تصنه كالرجال ) .

انتخابات 

بتحليل بسيط ودون التجني أو المزايدة على احد فان الوضع السياسي المضطرب في اليمن بعد ثورة عفوية و شعبية أخذت مسارا خاصا ومختلفا قدمت القوى السياسية طرحها انه نتيجة للضغوط الدولية والإقليمية والمخاوف المحلية قامت بالتوقيع على المبادرة الخليجية واليتها الدولية تحت مبررات إيقاف نزيف الدم ومنع الانجرار إلى حرب أهليه (رغم أن ما حدث مجزرة أهلية فعلا )وللحفاظ على بقايا شتات الدولة الموجودة خوفا من مصائب اكبر ربما تكون المجاعة وللحفاظ على فرص مستقبلية للأجيال القادمة لبناء هذه الدولة , وبعيدا عن وجاهة هذه الأسباب وكذلك منطقية رفض الثوار المبنية علي الواقع اليمني وعلي قيم العدالة والقصاص والحرية.

تأتي ما تسمى بالانتخابات الرئاسية والتي تتعدى كونها انتخابات لعدم وجود منافسين وتتعدى كونها استفتاء بنعم أو لا لأنها ملزمة بفوز هذا المرشح الوحيد كما قررت المبادرة والياتها وهنا ربما تواجه عقبه فنيه تقتضي تصميم ورقة اقتراع بنعم فقط ويقر قانون انتخابي يجعل كل من حضر وأشار إلي نعم أو لم يشر إليها أو مزق الورقة أو لم يحضر أصلا يحتسب بنعم حتى يستقيم مع هذا المنطق المغلوط .

قد يكون المبرر المقبول لأحزاب المعارضة للإصرار على المضي في هذه الانتخابات وبعيدا عن الالتزام السياسي هو نزع الشرعية الانتخابية عن صالح ولو كانت مزوره حتى يبطل أي ادعاء بآي شرعيه من اى نوع مستقبلا وربما يكون نزع الشرعية ولو بانتخابات شكليه مكان الانتخاب المزورة اقسي على صالح من الاستقالة والتنحي التي راوغ كثيرا للهروب منها وان ذالك يعطي لنائب القوة للفعل خلال المرحلة القادمة ويضع أبناء صالح وأقاربه الممسكين بزمام قواتهم العائلية في موقف صعب إذا حاولوا الدخول في نزاع مسلح كما انه يفقدهم احد أهم المبررات التي كان أتباعهم يحاولون التغطية بها على جرائمهم بأنهم لا زالوا يعملوا في صف الدولة .

إلا أن الغريب أن تصر أحزاب المعارضة على ضرورة الحضور والمشاركة في الانتخاب وكأنه مرشح المعارضة , وعلى الرغم من التسريبات التي تشير إلي أن النائب ربما ابرم اتفاق من نوع ما مع المعارضة برعاية أمريكية وخليجية تجعلهم واثقين منه إلي حد المراهنة عليه بكل ما يملكون ووضع كل البيض في سلة واحدة بين يديه .

إلا أن ذلك في عرف السياسة لا يكفي فالنائب لم يعلن تأييده للثورة حتى اللحظة و يظل مرشح ما تبقى من حزب المؤتمر وبقايا الاسرة وهم المعنيين بحشد التأييد له لاختبار شعبيتهم في الشارع لأنه بالمشاركة بإعداد كبيرة يحصل عل شرعية تجمع بيديه إضافة إلي التوافق الناجم عن المبادرة قوة دبلوماسية وأخلاقية أكثر من باقي الفرقاء في حال لم يكن محسوبا علي احدهما كما يحاول أن يصور نفسه .

وفي حال حدوث خلاف بين طرفي السلطة خلال المرحلة الانتقالية فانه ووفقا للمبادرة سيكون القول الفصل للنائب سواء في الشق العسكري أو الشق السياسي وفي حال انحيازه لطرف معين فانه سيكون مدعم دوليا ومحليا بشرعيته الانتخابية إلي جانب شرعية المبادرة .

والحل لن يكون بالإتيان بمنافس مسرحي بل يجب الاستفادة من الطرح الذي طرحه الإخوة في الحراك الجنوبي عندما دعوا إلي حرق البطائق الانتخابية في تعبير عن رفضهم التسوية وكل ما يحاوله النظام السابق من إعادة إنتاج نفسه وليكن مقاطعة الانتخابات هو الاستفتاء الحقيقي الدال علي وحدة الشعب اليمني في رفض الوضع المحبط الذي يراد إملائه علينا وليحصر دور النائب كرئيس انتقالي بتوافق شريكي السلطة وعدم إعطاء هذه الانتخابات المعيبة والكاذبة أكثر من قيمتها وإذا كان يراد الاستفادة من مسماها لنزع أخر أوهام الشرعية عن النظام البائد لأنها ستتم ولو لم يذهب إلي الاقتراع سوى المشير هادي فقط ومعه الموقعين علي المبادرة للإيفاء بالتزاماتهم .

الخطورة الحقيقية التي تكمن في أن هذه المرحلة القادمة يفترض أن تشهد إعادة صياغة العقد الاجتماعي ليتحول من علاقة من طرف واحد إلي علاقة متكافئة بين أطراف متعددة شاملة كل أفراد المجتمع ومكوناته المختلفة وهو ما يتطلب مجهود ونضال حقيقي وليكن الاستفتاء الحقيقي يوم 21 فبراير بخروج كافة اطياف الشعب اليمني للساحات لرفض الانتخابات ومحاولة الالتفاف علي الثورة وسلب الشعب اليمني حقه في أن يقرر مصيره ويحدد شكل الدولة والنظام السياسي الذي يرتضيه .