خطاب حافل بالتهديدات
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 6 أيام
الأربعاء 11 يناير-كانون الثاني 2012 08:23 م

كسر الرئيس السوري بشار الاسد تقليدا بارزا في الثورات العربية عندما القى خطابه الرابع يوم امس، الذي استغرق قرابة الساعتين، دون ان يتضمن اي مفاجآت جديدة، وان كان البعض يعتبر ان اضافته لأولوية محاربة الارهاب، جنبا الى جنب مع مواجهة المؤامرة الخارجية، هي خريطة طريق لمزيد من اعمال العنف والقتل في الاسابيع والاشهر المقبلة.

الرئيس بشار الاسد أراد ارسال رسالة واضحة الى السوريين والعالم بأسره، مفادها ان استتباب الامن ومحاربة 'الارهاب' يتقدمان على كل شيء، فلا اصلاح حقيقيا، ولا مصالحة وطنية، قبل تحقيق هذين الهدفين.

الانتفاضة السورية المطالبة بالتغيير الديمقراطي توشك ان تكمل شهرها العاشر، والتطورات على الارض تؤكد ان البلاد تنزلق الى حرب اهلية طائفية، مما يعني ان معركة النظام للقضاء على الارهاب والمؤامرة الخارجية قد تطول لأشهر، وربما لسنوات، اذا وضعنا في اعتبارنا ان المؤشر البياني لأحداث العنف ومواجهات سفك الدماء في تصاعد مستمر.

خطاب الرئيس بشار الاسد الرابع جاء مختلفا عن خطابيه الاول والثاني، اللذين تحدث فيهما عن الاصلاحات، والغاء حالة الطوارئ، واطلاق الحريات الاعلامية والتعددية السياسية، حيث فتح النار بقوة على الجميع دون اي استثناء، فتح النار على الجامعة العربية، وعلى دول الخليج وفضائياتها المضللة، وشكك في عروبة الجميع تقريبا، بحيث لم يترك شعرة معاوية مع احد.

هل فتح النار، وبهذه الشراسة هو دليل قوة ام دليل ضعف؟ هناك من يقول ان الرجل يعيش حالة عزلة في ظل ازمة اقتصادية طاحنة بدأت تتفاقم بفعل الحصار المفروض من قبل الولايات المتحدة واوروبا وبعض الدول العربية، وزاد من تفاقمها ان الحليف الايراني القوي الذي يمكن ان يكون بديلا عن العرب، وعنصرا مساعدا لكسر الحصار، يعيش ظروفا اقتصادية صعبة بسبب عقوبات امريكية، ويمكن ان يزداد وضعه سوءا اذا ما فرضت دول الاتحاد الاوروبي حظرا على صادرات النفط الايرانية.

' ' '

في المقابل يرى البعض الآخر ان الرئيس الاسد كان يعكس في خطابه حالة من الثقة بالنفس، وايحاء بأن نظامه تجاوز مراحل عديدة من الأزمة، وبات اكثر قوة بفضل الدعم الروسي ـ الصيني اولا، ووصول حاملات طائرات وسفن روسية الى ميناء طرطوس، لتأكيد هذا الدعم، وفشل مشاريع التدويل التي هددت بها الجامعة العربية، والانقسامات الخطيرة في صفوف المعارضة السورية، والخارجية منها على وجه الخصوص.

لا نجادل مطلقا بأن الرئيس السوري كان اكثر تماسكا وثقة بالنفس، بالمقارنة مع خطاباته السابقة التي كشفت عن ارتباكات لم يستطع اخفاءها، ولكن مواصلة الاعتماد على الحلول الامنية الدموية، ودون ان تتوازى مع حركة سياسية نشطة للبحث عن مخارج، ودبلوماسية ذكية لكسب بعض العرب المترددين وتحييد او تقليص عداء المتشددين، فإن هذه الثقة قد تتآكل لأن حجم المؤامرة الخارجية التي يتحدث عنها الرئيس الاسد كبير، والمتآمرون المتورطون فيها يتمتعون بنفس طويل، ويملكون المال والكثير منه، ويضعون ايديهم في مياه باردة.

فإذا كان النظام السوري يشعر بالقوة والصلابة هذه الايام بفعل بعض النجاحات الامنية التي حققها من خلال قبضته القوية، فإن هذا هو الوقت الأنسب بالنسبة اليه لتقديم التنازلات لشعبه من موقع القوة، وليس من موقع الضعف، والبحث بجدية عن حلول سياسية للخروج من الازمة.

الرئيس السوري يعترف بان المعارضة ترفض في معظمها الجلوس الى مائدة الحوار معه، والمشاركة في حكومة وحدة وطنية، ولكنه لم يقل لماذا تتخذ هذا الموقف الرافض، والاجابة بسيطة وهي عدم الثقة بجدية الحوار، والتزام النظام السوري بتطبيق ما يتم الاتفاق عليه في نهايته من خطوات عملية، ومن المؤكد ان هذا الرفض سيزداد بعد الاغراق في اطلاق التهديدات بسحق الانتفاضة، لأنها تعني اضعاف المناعة الامنية، وتخلق الاجواء الملائمة لتسلل الارهاب واتساع ضرباته بالتالي.

ثم كيف يمكن ان تأتي المعارضة الى مائدة الحوار مع نظام يخونها، ويتحدث عن ارتباطاتها بقوى خارجية معادية وتشارك في تنفيذ مخططاتها، وكيف يقول الرئيس بشار انه مستعد للحوار حتى مع المتورطين في مواجهات حماة عام ،1982 أي الاخوان المسلمين، ثم يصفهم في آخر الخطاب بأنهم اخوان الشياطين؟

' ' '

النظام السوري بحاجة الى وقفة تأمل ومراجعة خطابه، ومن ثم سياساته الداخلية والخارجية، فالمرونة في التعاطي مع وفد المراقبين العرب وبروتوكولهم اعطته مساحة لالتقاط الانفاس، وارباك الجامعة ولجنة متابعتها، ولكن هذه المرونة لم تدم طويلا، وشاهدنا بعض هؤلاء المراقبين يتعرضون للاعتداء من قبل جماعات محسوبة على النظام بطريقة غير لائقة وهمجية، الامر الذي نسف العديد من النجاحات الدبلوماسية التي انجزتها هذه المرونة.

نتفق مع الرئيس الاسد بأن العرب لم يقفوا مع سورية طوال السنوات العشر الماضية، بل تآمر بعضهم ضدها، ولكنـــهم وقفــوا معها طوال الثلاثين عاما التي سبقتها، فماذا حقق النظام السوري من اصلاحات سياسية واقتصادية طوال تلك السنوات، حيث كانت الاوضاع مستقرة نسبيا، وكان المثلث السوري ـ المصري ـ السعودي يشكل تحالفا اقليميا يحكم المنطقة؟.

نريد التذكير بان تولي حزب العدالة والتنمية التركي الحكم جعل تركيا القوة الاقتصادية السابعة عشرة على مستوى العالم في عشر سنوات، اما الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا فقد جعل من الــــبرازيل القـــوة الاقتصـــادية الرابعة على مستوى العالم في الفــــترة نفســها، وهو الذي لا يحمـــل شــهادة جامعية، وكان ينتمي الى أســـرة صغيرة لا تملك ثلاجة او حتى جهاز تلفزة.

نطالب المعارضة السورية الخارجية، او بعض مكوناتها على وجه الخصوص، بشيء من التواضع، فتهجم البعض على الجامعة العربية، والتلويح بسيف التدويل، وكأن حاملات الطائرات الامريكية مستعدة للتوجه الى شواطئ اللاذقية وطرطوس وبانياس بمجرد اشارة منها، اي المعارضة، لا يخدمان استراتيجيتها ولا يقربانها من تحقيق اهدافها.

الرئيس رجب طيب اردوغان كان مصيبا عندما قال ان سورية تنزلق الى حرب اهلية طائفية مدمرة قد تفجر المنطقة بأسرها، ومن المؤسف ان هناك دولا عربية واجنبية تعمل على تأجيج هذه الحرب بالمال والسلاح، ومن المؤسف ان النظام السوري باستمراره في توجهاته الاحادية باعتماد الحلول الامنية فقط، والتهجم على الجميع، والتشكيك في عروبة معظم العرب، والاستمرار في حالة الانكار والعناد، والتغول في سفك الدماء، يساهم بتسهيل مهمة هؤلاء.

المخرج من الأزمة السورية هو الحل السياسي لان البديل كارثي للنظام والمعارضة معا، وللشعب السوري الذي سيكون الضحية الاكبر في نهاية المطاف.