قراءة في أبعاد تمكين الإخوان من الحكم
بقلم/ عبد الله زيد صلاح
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و 6 أيام
الخميس 27 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:27 م

يُتهم العقل العربي بمحدودية التفكير والتأمل، فهو رهين أطلال امرئ القيس وما ارتبط بها من مواطن للمرعى والعشق واللهو. ولا ندري هل ما يزال ذلك العقل كعادته اليوم ؟ أم أنه بدأ يحلق بعيداً ويدرك كنه وأبعاد ما يجري حوله من تحولات وأحدات؟ هل يستشرف مراميها؟ .أم أن قول ابن خلدون سيظل صادقاً فينا إلى ما لا نهاية، إن العرب أمة لا تحسن الحكم بفعل عصبية القبيلة وعنصريتها؟... 

ليس ذلك محور حديثنا، لكنه على قدر كبير من الصلة بما يسمى اليوم (الربيع العربي)، إذ يمكننا الاستئناس به في أثناء قراءة أبعاد هذا الربيع، وخاصة ملامح تمكين (الإخوان المسلمون) من الحكم، باعتبارهم المحرك الفعلي لهذه الثورات والوقود التي تشعلها في الدول العربية التي تشهد هذا الربيع القابل للتحول في أية لحظة إلى شتاء قارس.

قبل ذلك يجب أن نعترف أن الثورة في ظل ما يشهده العالم العربي من تخلف وتكلس وتشظي أصبحت ضرورة ملحة، بل إنها قد تأخرت كثيراً عن موعدها الحق. ومع ذلك فأننا نشتم رائحة ما تعتمل في فضاء هذه الثورات، وإذا ما تكشفت، فإنه قد يتجلى لنا المحمول الدلالي للمثل العربي "إن وراء الأكمة ما وراءها".

ثمة إشارات ليست بالمعقدة قد نستلهم منها بعض خيوط قراءتنا، حيث يجد المتابع الحثيث للتحولات السياسية في العالم، وخاصة ما ترتبط بالعالم العربي والإسلامي، بدءاً من أحداث 11سبتمر، وما تلاها في العراق وأفغانستان والسودان، وأخيراً فضائح ويكيلكس وما أعقبها من تحول جذري في بعض دول العالم العربي كتونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. ففي الإمكان مقاربة كل ذلك في سياق التغيير الفطري غير القابل للعبودية والظلم، ولكن ذلك لا يمنع من التفكير وقراءة الأحداث تبعاً لنظرية المؤامرة التي تحكم العالم اليوم وتسود بشكل عنيف في ذهنية الإنسان المعاصر بشكل عام، إذ يمكن قراءتها في سياق مشروع غربي حديث كثيراً ما روج له، تارة باسم شرق أوسط جديد، وتارة أخرى سياسة الفوضى الخلاقة، وهو مشروع وضع بدقة وذات صبغة عقدية ودينية تتناسب مع لغة العصر وتطور أنساقه.

وبما أن قوى الغرب المعاصرة تنطلق في مشاريعها الإستراتيجية من قراءات دقيقة ومحكمة للواقع وأنساقه المختلفة، فإنها لا تصدر أحكامها وقراراتها إلا بناء على قراءات وبحوث تقودها مؤسسات علمية تتسم بالشفافية والدقة، تأتي في مقدمتها مؤسسات قياس الرأي. ومن هنا، فلا شك في أنها قد لامست مدى حضور جماعة الإخوان المسلمون في كافة دول الوطن العربي وما تستند إليه من قاعدة جماهيرية عريضة تنتظم بحرفية الجماعة وتنساق لأدبياتها، فضلاً عن إبداء حالة من المرونة والانفتاح الفكري والسياسي والديني والاقتصادي قياساً بالجماعات الدينية الإسلامية الأخرى.

لقد أحست القوى الكبرى بهذه الخصوصية ولاسيما بعد أن تمكنت حركة حماس من الفوز في الانتخابات الفلسطينية، وفوز حزب الإخوان في مصر في الانتخابات قبل الأخيرة بإعداد غير قليلة. وبناء على هذه المعطيات بدأت دول الغرب تراود الجماعة وتخفف من حدة الخطاب نحوها، بل وتميل إليها وتمد يد العون لمؤسساتها الخيرية، وتتفاوض معها في السر والعلن. وقد توج ذلك بمنح أول امرأة عربية تنتمي لجماعة الإخوان جائزة نوبل للسلام.

كل ذلك يأتي دون أن نكلف أنفسنا الإجابة عن سؤال بدهي (مؤاداه) ما السر في تحول الخطاب الغربي وتغير قناعاته نحو هذه الجماعة وما الدافع وراء العمل الحثيث على تمكينها من الوصول إلى الحكم، من خلال الدعم المادي والمعنوي ومنها التصريحات المتعاقبة واللافتة للنظر التي لا تمانع من وصول الإخوان إلى السلطة، وها هي أول إشارات التمكين تسطع من تونس.

قد تختلف القراءات في كشف إشكالية التمكين، لكننا نرى من وجهة نظر خاصة، أن الفعل الجهادي أو الثوري الذي يتمتع به الإخوان كجماعة تمتلك قاعدة شعبية هو الأقدر من منظور الدول الغربية على مواجهة الفعل الثوري الشيعي، إذ أثبتت الجماعات الدينية السنية الأخرى فشلها في الحد من تمدد الفكر الشيعي، أو توقيف تصدير الثورة الشيعية وفق مفهوم الخميني قائد الثورة الشيعية في إيران وصاحب فكرة التصدير.... لقد اكتسح هذا المد العراق ومعظم دول الخليج وجزء لا يستهان به من اليمن ولبنان، بل تجاوز ذلك إلى التمدد في القارة السوداء بشكل سريع وغير منطقي ومحاولته اكتساحها، وهذا ما يعني تأسيس إمبراطورية شيعية كبرى لها أذرع في كل مكان تهدد مصالح المجتمع الغربي وتحد من نفوذه، بالإضافة إلا أن مصادر الطاقة تقع بين فكي هذه الإمبراطورية، وقد تنقض عليها في أية لحظة.

قد يمكننا ربط ذلك في سياق النموذج التركي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من هذه الحركة؛ وبإمكانه تشكيل تحالف متين في المنطقة يقف بقوة في وجه المد الشيعي، ناهيك عن أنه نموذج منفتح للغاية ويقبل بحرية العقيدة والمرجعية، كما هو عليه، فمرجعيته حتى الآن مرجعية علمانية، وهو لا يتحسس من ذلك مطلقاً...

 إذن يأتي تمكين الغرب للإخوان في سياق آلية بعيدة المدى قد تؤتي أكلها بعد حين، فجماعة الإخوان المسلمون وفق رؤية الغرب قد تكون كفيلة بلجم القاعدة وجماعة الجهاد كما فعلت حماس مع المجاهدين في غزة، ومن جانب آخر، هي تمتلك مشروعاً حقيقياً سياسياً واقتصادياً يشابه مشروع الحرس الثوري الإيراني، ومن جانب ثالث هي الأقدر مستقبلاً ـ من وجهة نظر الغرب ـ لمواجهة التمدد الشيعي، ومن جانب رابع، إذا ما شعرت تلك القوى بانحراف الجماعة عن خط السير المرسوم لها، فإنها ستكون سهلة التخلص من خلال تحريض الجماعات الدينية الأخرى ضدها، والإيقاع بها، وهكذا تظل قوى الغرب تلعب بالعقل الجمعي للإنسان العربي والمسلم، ولاسيما في جانبه الديني.

ولكن ما نراه من تقارب في الظل بين الإخوان والشيعة في إيران، من حيث الفعل الثوري ودعم قوى التحرر قد يطوي حسابات الغرب ويحيلها إلى سراب، وهذا ما سيقود إذا ما حدث فعلاً إلى انتصار حقيقي للأمة الإسلامية، وتحرير القدس الشريف والأراضي العربية المحتلة...

تلك قراءة متواضعة لبعض خيوط الربيع العربي، الذي قد يتحول فعلاً في أية لحظة إلى شتاء قارس إذا ما تنبهت الشعوب العربية لمغزى ما يحدث، وتجاوز الخلافات العقدية والسياسية والعمل على نشر التسامح وقبول الآخر؛ لأن ثمة مؤامرات لا تخفى تستهدف وحدة الأمة وتعمل بوتيرة عالية لإضعافها حتى تصبح لقمة سائغة لقوى الاستعمار وتكون إسرائيل سيدة المنطقة لا يقوى أحد على مواجهتها. ولعل السنوات القليلة القادمة كفيلة بدحض هذه الرؤية أو إثباتها.