إستراتيجية القاعدة بين’’ قطع الذنب’’ و’’النهر المتدفق..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 06 مارس - آذار 2012 07:03 م

يتبنى تنظيم القاعدة إستراتيجية معينه وجديدة في المواجهات الدامية الدائرة بينه وبين النظام فمن العمليات العشوائية والمتفرقة في أنحاء اليمن الى السيطرة الكلية والتمركز في بعض المدن اليمنية , إلى التخطيط الدقيق والتكتيك المسبق لعمليات نوعية حاضره ومستقبلية , و يفرض التنظيم خطط تكتيكية جديدة ومؤثرة ومختلفة نوعا ما في مسار سير العمليات العسكرية والمواجهه المسلحة تحمل مدلولات عديدة :

1- ان التنظيم أصبح أكثر قوة و فاعلية و شعبية من ذي قبل .

2- ان التنظيم أصبح ذو عقلية أكثر قدرة على التخطيط والتنسيق المسبق والمحكم ويعي جيدا ماذا يريد وكيف يصيب الأهداف و بإحكام شديد.

3- ان التنظيم لدية الثقة المطلقة حسب التهديدات القوية لفعل ما يريد , وينفذ الوعود والتهديدات بحذافيرها دون تردد.

4- ان التنظيم أصبح قوة لا يستهان بها على ارض الواقع تملي الشروط وتنفذ البرامج بخطط مدروسة .

 وعليه يجب التعامل مع التنظيم على هذه الأسس الموضحة والأخذ بعين الاعتبار الآتي :

1-الخصوصية الثقافية والاجتماعية القبلية للمجتمع اليمني , فالعنصر القاعدي مكون تم دمجه من روح القبيلة ذو أفكار دينية متطرفه , وبذا لاقى قبول شبه واسع لدى بعض المناطق لخروجه من عباءة القبيلة , واكتسب حمايته غالبا في المناطق القبلية , الرافضة للتدخل الأجنبي والمساس بهويتها الدينية والوطنية .

2- التعامل مع هذا المكون في إطار المواجهة الفكرية والإقناع بالمنطق والحوار الديني والثقافي وإعادة التأهيل والتأطير النوعي والدعم التقني , وليس من منظور خيار الحسم العسكري الخالص والمواجهة المسلحة فحسب.

3- إيجاد الخطط السريعة والناجحة لتفويت الفرصة على "النهر المتدفق" من الجريان في عمق الجسد الوطني , وبذا تهديد وضرب الأمن والسلم الاجتماعي .

4- الحوار مع ’’أنصار’’ التنظيم وتوضيح الأضرار البالغه للاستمرار في انتهاج مبدأ العنف والتطرف الديني والارهاب الدولي.

5- التوعية الاعلامية المستمرة عن اخطار التنظيم ومخاطر التسليم له في المناطق المأسورة وفي عموم محافظات الجمهورية بشكل عام , وما حدث في مدينة رداع مثالا حياً حال سقوط المدينة في أيدي القاعدة, جيش وجمع التنظيم أنصاره بحجة الفساد وفشل الدولة في حل القضايا العالقة والفساد القضائي والمالي والإداري , مما حذا بالكثيرين إلى التوجه الى رحى القاعدة كنظام بديل ومنقذ.

إن انتشار تنظيم القاعده وتجذره في بعض المناطق أصبح بصورة ملفته وعامة ,فطول استمرار وبقاء تواجده في أبين لأشهر عديدة دون حلول سريعه وطارئة , وسع من رقعت انتشاره شمالا وجنوبا , واعطاه الوقت والقدرة الكافية لسرعة ترتيب أوضاعه وتدريب جماعاته وفئاته ونشر افكاره ومناهجه في عموم اليمن , و في ظل الاضطرابات السياسية التي حصلت في اليمن إبان الانتفاضة الجماهيرية , و انشغال مكونات أطياف السياسة اليمنية بالاختلاف والانشغال بالصراع والتناحر السياسي والحزبي , وفي ظل ضعف وهشاشة الدولة المركزية , وتذبذب الولاءات في الجيش بين مؤيدة ومعارضة للنظام وعلى مدى عام كامل , وفرت مناخات ملائمة وأجواء مناسبة لانتشار التنظيم وإيجاد بؤر وأرضيات خصبه لتوسعه وتكاثره , خاصة في المناطق المعزولة والأشد فقرا , وأصبحت عملياته الآن قائمة تحت بند الصراع لأجل الحياة والبقاء , خاصة مع ارهاصات بدء تهيئة الظروف السياسية المناسبة لإيجاد حلول وطنية شاملة , وبعد الحرب الإعلامية القوية ضد التنظيم في خطاب الرئيس هادي وتدخل السفارة الأمريكية بصورة مباشرة على خط الحرب الإعلامية والعسكرية ضد التنظيم , خاصة بعد عملية ’’قطع الذنب’’ التي راح ضحيتها أكثر من 350 بين قتيل وجريح وأسير , وما نشر خلالها وتضارب الأنباء حول استعانة القوات اليمنية بخبراء أمريكيين بتدخل مباشر و إشراك قوات المارينز الأمريكي في عمليات التطهير الحربي , بعد التهديدات على لسان أمير ولاية أبين ’’جلال المرقش ’’ بالشروع في تنفيذ سلسلة عمليات ’’النهر المتدفق ’’ الانتحارية بعد انتهاء مهلة العشرة أيام لانسحاب قوات الجيش التي تحارب على مشارف مدينة زنجبار, خاصة مع إعلان هادي والسفير الامريكي ’’جيرالد’’ ان لا حوار مع هذه الجماعات الجهادية , يضع مستقبلا نظرية دخول قوات أجنبيه ودولية الى اليمن واردة , تصبح اليمن بعدها مسرحا حيا للتدخلات الأجنبية ودولة فاشلة أمميًا , وما سيترتب على هذه الرؤية من عواقب وخيمة في حصد أرواح الأبرياء والمساس المباشر بالسيادة الوطنية .

ان العمليات النوعية والعسكرية للقاعدة في هذا التوقيت الزمني بالذات تطرح عدة نظريات ورؤى عن الأسباب الفعلية للشروع في ازدياد حدة المواجهات وقرع طبول الحرب ضد القوات في تلك المناطق و في هذه الفترة الزمنية تحديدا:

1- إما ان تكون بدوافع ذاتية عفوية بحتة خاصة في ظل التهديدات الرئاسيه والدولية بمكافحة الإرهاب وتطهير البؤر والمناطق الملتهبة من خطر القاعدة فاتجهت القاعدة تباعا الى توجيه ضربات استباقية قوية لإيقاف الزحف والخطر المحدق الذي يهدد وجودها.

2- إما ان تكون بسبب انتهاء العلاقة الحميمة مع النظام السابق , وكشف غطاء الحماية عن العمليات الانتحارية والهجومية , وتوقف الدعم اللوجستي المقدم من دار الرئاسة في ظل التكهنات القائمة عن العلاقة مع التنظيم ومدى استخدام النظام السابق هذه الورقة كقوة ضغط دولية يجني معها مكاسب سياسية ذاتية , لذا سارعت القاعدة الى توجيه ضربات استباقيه متوخاه في ظل انكشاف وجودها و انعدام الأمان والرعاية السابقه من الرئاسة وأصبحت مسألة بقائها وقتية لا اكثر.

3- قد تكون فعلا وليدة التدخل المباشر والتغطية العملياتية والنوعية بدعم من فلول النظام السابق , ومن العناصر القيادية المقربة من الأسرة الحاكمة لبث نوع من الفوضى والتخريب والاختلالات الأمنية و توفير فرص البقاء وإيجاد البيئة المناسبة لاستمرارها في مراكز القيادة ومواقعها في قمة الهرم العسكري والامني خاصة فيما يمس مكافحة الإرهاب وما تمثله العلاقة القوية في هذا الشأن بين النظام الرئاسي السابق مع الولايات المتحدة وتعاونهما الوثيق , بما يعيد اليمن الى المربع السياسي الأول بذريعة تفشي خطر القاعدة الدولية وتهديدها للأمن القومي والوطني , يجعل معه اية تغييرات سياسيه مرجوه ضمن الارادة الوطنية للتغيير مستحيلة.

 4- ربما تكون خطط سياسية مسبوقة الغرض منها امتصاص الغضب الجماهيري والشعبي ولفت الانضار عن اية تسويات سياسية مرتقبة , والمطالبة الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية , وإضفاء شرعية مكتسبة للنظام الجديد , حيث ستتصدر الأولوية لاجتثاث التنظيم ومحاربته في حرب قد تكون طويلة الأمد تستنزف الميزانية العامة وتسكت جميع الأصوات المعارضة وتفقد معها أي أمل بالتغيير.

وفي ظل المواجهات الدامية خلال الأسبوع المنصرم وما نتج عنها من سقوط عدد كبير من الضحايا خاصة من جانب الجنود وأفراد القوات المسلحة , وعن ملابسات سقوط الألوية والمعسكرات في أيدي التنظيمات الجهادية بسهولة شديدة , والغموض الشديد في إدارة العمليات الدفاعية وحماية الألوية والوحدات المتمركزه في مناطق التماس,يضع عدة تساؤلات منطقية عن مدى قدرة وجاهزية وكفاءة أفراد القوات المسلحة والأمن واستعدادها خوض غمار حروب دفاعية عن الوطن , وعن مدى جدية التدريبات العملية والميدانية في مواجهة ومحاربة قوى التطرف والإرهاب , و عن التكلفة الباهضة والميزانية المهولة لدعم تحركات تلك القوات وتجهيزها , ويضع علامة استفهام كبيره عن تسليم او سقوط بعض الألوية كاللواء 39 ميكا بمنطقة الكود , وربما التخطيط المسبق من القيادات الموالية للرئيس السابق إثر شن أوسع هجمات القاعدة فيما أطلق عليها «سلسلة النهر المتدفق»، حيث بدأت بسلسلة سيارات انتحارية بالتزامن مع التفاف من جهة البحر صوب اللواء 119 مشاة بمنطقة الكود، ومواقع كتيبة المدفعية من اللواء 39 ميكا بمنطقة دوفس وهي الخطوط الأمامية في مواجهات مع مسلحي التنظيم ، قبل أن تصل الى معارك ضارية مع أفراد اللواء ، بجانب اللواء 115 مشاه على مدخل دوفس , و السيطرة على المعسكرات والألوية والعتاد الحربي الثقيل والمتوسط للقاعدة , وعن سر تأخر وحدات التدخل السريع القادمة من عدن في تقديم العون والمساعدة والإمدادات العسكرية اللازمة , يضع نظرية العلاقة بين القصر والقاعد نظرية قائمة و واردة خاصة بعد أن تبنت القاعدة عملية تفجير طائرة "أنتونوف" في عقر دار قاعدة الديلمي الجوية بدعوى أنها كانت تمد الألوية العسكرية في عدن والجنوب بالسلاح والعتاد فيما يستخدم لاحقا لضرب القاعدة في ابين .

هل نحن نقف أمام تكوين قاعدي جديد خرج عن المألوف والإطر المتعارف عليها في عمليات التنظيم المختلفة , شب عن الطوق وتحرر من أصول القاعدة التقليدية قادرا على التخطيط والتدبير وإتقان الخطط الدفاعيه بل والهجومية بدقة عالية , ووضع الشروط والإملاءات حسب الرغبة والحاجة للبقاء , وفرض قوة الأمر الواقع على الأرض والسيطره الميدانية , واستباق الضربات الانتقامية من وحي العمليات المضادة , كما حدث في تفجير القصر الجمهوري في محافظة حضرموت بعد دقائق معدودة فقط من تهديدات خطاب الرئيس الجديد للقاعدة , وتفجير معسكر الحرس الجمهوري في محافظة البيضاء , بعد فتره وجيزة من مقتل القيادي في التنظيم طارق الذهب في رداع , الآن يتجه التنظيم الى حشد أنصاره و طاقاته ومكوناته وقدراته لتوجيه ضربات ثأريه انتقامية وعملياتيه متتالية ضد أهداف ومؤسسات وطنية عامة , ويفرض سيطرته على الأرض في بعض المحافظات , يترك خيارات المواجهة العسكرية امرا واقعا , ويوجب إعادة النظر في حسابات و خطط المواجهه مع التنظيم , ووضع استراتيجية جديدة وأليات تنفيذية متطورة وفعالة لمواجهة استراتيجية القاعدة , وتبني عملية ’’قطع الرأس’’ وإيقاف تدفق نهر التطرف والإرهاب