تركيا وتداعي التأريخ
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 8 أيام
الإثنين 07 يونيو-حزيران 2010 08:58 م

من لم يكن له ماضٍ قوي ورائع ومشرق، لن يكون له حاضر جميل وزاهر، ولا شك أن ماضي تركيا كله كان مشرفا وقويا، فذاك كان سابق عهدها، ولولا تآمر المتآمرين وكيد الكائدين لكان استمر ذلك الدور المسئول والقوي ؛ فتركيا كانت تشكل أو تمثل وما زالت قلب العالم الإسلامي، ولا شك أن بقاء ذلك القلب سليما معافى سوف ينعكس أثره على الجسد وقد حرص المتآمرون وسعوا إلى إحداث خلال في قلب العالم الإسلامي (تركيا) حيث إن تعافيه لم يرق للمتآمرين آنذاك وعلى رأسهم اليهود وحلفائهم على مر التأريخ؛ حيث سعوا دائبين في إحباط الدور التركي والعمل على تراجعه، وبدأ التآمر على أيام السلطان عبد الحميد، وإذا ما تكلمنا عن مرحلة ما بعد السلطان عبد الحميد فإننا نتحدث عن مرحلة (تركيا أتاتورك) النقطة السوداء الوحيدة في تأريخ تركيا الناصع البياض؛ فتلك هي كانت بداية الانحسار ونهايتها - إن شاء الله - حيث أريد لتركيا آنذاك أن تكون خادما مطيعا ومنفذا للمخططات الغربية الإسرائيلية، فكان أن فصلت تركيا بما يتناسب مع الموضة الأمريكية آنذاك؛ لأجل غاية وضع الأساسات للدولة العبرية، فقد كان المكر والخداع والتآمر بالمرصاد للدور التركي. بيد أن ما ينبغ قوله أن من كان له ماضٍ رائع ومشرف لا بد وأن يحن إلى ذلك ماضيه ولا يتسلم للحظات الضعف والانحسار. وماضي تركيا كله كذلك ودعونا إذا نشطب من الذاكرة (تركيا أتاتورك) ونرجع إلى ما قبل مرحلة السلطان عبد الحميد لنقتنص بقعة ضوء من صفحة شمس العثمانيين اللامع - وتحديدا مرحلة (تركيا الفاتح) الذي أجد فيها تشابها كبيرا مع (بتركيا أردوغان) التي عادت إلى ناصع عهدها وبريقها؛ (فما أشبه الليلة بالبارحة). 

والذي جعلني أركز على مرحلة تركيا الفاتح؛ هو أنني رأيت نفس الموقف ونفس المسار من قبل أردوغان فإذا هو تداعي التأريخ وتداعي مراحله المضيئة التي لا تستسلم للظلام الدخيل والوافد، فدعونا إذا نتحدث عن مرحلتين ودعونا نعود بإدراجنا إلى الوراء قليلا؛ فندحرج عجلت التأريخ لنستقر بها عند العصر العثماني؛ ونتوقف قليلا هناك؛ حيث نرى تشابه المواقف، ومعه تشابه العزائم والهمم، تعالوا بنا لنتحدث عن نفس الأسطول، الذي قهر الأسطورة القديمة؛ إمبراطورية الظلم والقهر في ذلكم الزمن الماضي. وما زلنا نتحدث عن عهدين أو زمنين، دعونا أيضا نتحدث عن أسطولين: ألأول حمل الحياة بقصد إزالة الظلال، والثاني حمل (الحرية) بقصد كسر الحصار؛ فكلاهما أي الزمنان الماضي والحاضر للعثمانيين/الأتراك مضيئان، طرفاهما الفاتح وأردوغان.

أما ألأول فهو العثماني محمد الفاتح، القائد الذي جعل من الرمال ما يشبه الماء ليمشي عليه أسطول الحياة ليزيل معها معالم الظلم والظلال، وذلك عندما تولدت الهمم والعزائم الواثقة بنصر الله، هان أمامها كل شيء، بما في ذلك ذوبان الأساطير أمام الأساطيل، وها هي دائما تلكم الأساطير والقوى الأسطورية لا نجد لها مكانا ولا سياقا إلا في قلوب الضعفاء والمنهزمين روحيا ونفسيا ومعنويا، ولست أعني هنا غير بني جلدتنا (العرب/المسلمين) المحبوسين/المرعوبين بين دفتي أمريكا وإسرائيل.

فذلك كان شأن القوة الأسطورية والوهمية في الزمن الماضي والمغلفة والمستترة خلف الحصون المنيعة، بيد أن ذلك الوهم وتلك الأسطورة ما لبثت أن تلاشت وزالت أمام أصحاب النفوس القوية والعزائم التي لا تقهر والمستمدة قوتها من الواحد القهار، فإذا بتلك الأساطير وكأنها لم تكن شيئا مذكورا. وقد مثلت القسطنطينية في القديم القوة التي لا تقهر ولا تنهر، فلم يستطع أحد الاقتراب منها، لشدة ما هي عليه من التحصين، وتوالت المحاولات تلو المحاولات ابتغاء قهرها وإيصال نور الله وهديه إلى تلكم الشعوب الجاثمة وراء تلكم السدود والحصون المنيعة، واستمر الحال كذلك حتى جاء جيش القائد العثماني (محمد الفاتح) الذي عرف كيف يفك الشفرة ليكسر الحصون، فما لبثت تلك الأسطورة أن انهارت أمام جيشه، فلم ينفع ذلك التحصين المنيع (وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب)، وما عرفوا يوما حينها ولم ما خطر على قلب بشر أن يتحول ذلك الرمل إلى ما يشبه الماء فتسير على ظهره السفن إنه تدبير الله والذي جعل الماء يابسا لموسى فهذه معجزة، وتلك همة عالية يسرت المستحيل ليصير حقيقة. ولست أرى هذه الآية الكريمة إلا تتحدث عن مواقف مشابهة، وإن كانت نزلت في اليهود وحصونهم وجدرهم، بيد أنها تتناسب مع تلك الحصون التي كانت تقف حائلا أمام امتداد نور الله فالكفر ملة واحدة من حيث الوسائل والغايات. إنه محمد الفاتح (العثماني)، الذي بشر بمقدمه وحي السماء على لسان نبينا ومصطفانا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، عندما قال متحدثا عنه وعن جنوده "لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" فكان فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، وكان ذلك اليوم هو يوم انتصار جند الله العثمانيون حيث دخلوا عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في الثلاثاء 29 مايو 1453م وهذا ما أنهى الأسطورة التي عاشت أكثر من ألف عام.

ولست هنا بصدد صياغة التأريخ وسرد أحداثه من جديد، بيد أني أحب أن أشير إلى أن عجلت التأريخ عادت من جديد لنراها في تشابه المواقف، وهذا ما جعلني استذكر الماضي المضيء القريب روحيا ومعنويا، والبعيد زمانا، فإذا بنا أمام زمنيين ومكانيين لا يختلفان بل يتشابهان إلى حد كبير، وها هو (الشبل من ذاك الأسد)؛ فنحن نعيش مع أسطورة القرن الواحد والعشرين (الإمبراطورية الإسرائيلية) التي لم يحاول العرب والمسلمون يوما ما الاقتراب من أسوارها، ولا حتى مجرد التفكير في النيل منها، فكيف بقهرها، وكأنهم يريدون أن يموتوا ميتة جاهلية، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لم يغزوا ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية" فنحن إذا أمام أسطورة حديثة لم يستطع ولن يستطيع أحد من العرب والمسلمون إذا ما ضل حالهم هكذا الاقتراب منها إذا ما استثنينا - وحتى نكون عادلين - مصر 1973، وحزب الله 2006، وغزة / حماس 2009. وكل مؤمن واثق بنصر الله ومدده لا يؤمن بقوة السدود المنيعة التي سعت إسرائيل في بنائها وزرعها، بمختلف الأشكال والأحجام، فما كفتها وما اقتنعت بها لأنها تعرف نفسها تماما فلم تركن إلى قوتها، وهي تظل تتسم بالخور على الدوام، ففكرت أن تنال من أسطول الحرية وتسيل دماء بعض من كان فيه من الأحرار؛ محاولة بذلك زرع حواجز الخوف في النفوس حتى لا يفكر أحد يوما ما أن يعود ثانية ليحاول كسر الحصار، هي أرادت ذلك وما علمت أنها فتحت على نفسها سعير جهنم وأبوابها من حيث لا تدري؛ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون / لا يعقلون فكل ما صنعوه من جدر متباينة الأجناس والأحجام والأمكنة لم يزل منهم الخوف والفزع فقد ألصقه بهم القرآن الكريم، فما بالنا نحن العرب نتيقن بأنهم أقوياء وأن دولتهم/أسطورتهم لا تقهر. فإلى متى سيضل حاجز الخوف في قلوب المسلمين ممن خلد القرآن ذكرهم في قائمتهم في الدرك الأسفل من الذل والخوف والجبن (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) بيد أنه لم يستطع أحد من العرب والمسلمين الرسميين فهم ذلك ليفك الشفرة ويكسر حاجز الخوف كما فهمها وفكها الفاتح من قبل وحفيده أردوغان من بعد.

فإسرائيل لا تؤمن إلا بالقوي ولا تحترم كذلك إلا القوي كما لا تعتذر إلا إلى القوي؛ فهل سمعتم يوما أن إسرائيل اعتذرت للعرب؟ لا؛ لأن العرب بدوا أمام إسرائيل وهم في حالة ضعف وهوان، فكان أن صار الإسرائيليون الجبناء - بحسب وصف القرآن الكريم - أقوياء ولعلي هنا ستحضر مقولة يحسن ذكرها في هذا المقام وقد صارت مثلا: "لو لم يوركم نعاجا ما صاروا ذئبا". فهذا الوصف ينطبق على حال المسلمين وإسرائيل، فقد أرى العربُ إسرائيلَ من أنفسهم ضعفا (لا قوة)؛ فكان منها أن استقوت وأبرزت عضلاتها، وقد كان يكفيهم درسا - اعني المسلمين - انهزام اليهود - كما أسلفنا - تارة على يد الجيش المصري وتارة ثانية على يد حزب الله، وتارة ثالثة على يد أبطال حماس كانت تلك الحروب - التي أثبتت كسر الأسطورة التي لا تقهر - جديرة عن أن يتعظ بها العرب والمسلمون فيعتبرون بها؛ لكن المسلمون والعرب لا يجيدون الاعتبار بل الذل والانكسار.

فهل تراهم يستفيدون من تركيا وقد قدمت الشهداء والدم على أسطول الكرامة والحرية ؟ واسمحوا لي أن أسميه بالمحاولة الأولى لهدم أركان الإمبراطورية العصرية، وضربة قوية جدعت أنف الصنم الأكبر، فقد أرتهم تركيا من نفسها قوة فما كان من إسرائيل إلا المسارعة في الاعتذار في كثير من المواقف، وعندما يحاول من أوهم نفسه بأنه ضعيف أعني المسلمين أن يسلك سبيل القوة لا شك أن إسرائيل حينها سوف تعرف قدرها وليس ثمة شك أن العرب جعلوا أنفسهم لقمة سائغة في متناول إسرائيل حيث أبدوا لهم ذلا وضعفا مخزيا ومزلزلا. فمتى يفكون الشفرة ويراجعون دينهم الذي هو مصدر عزتهم؛ حيث إنهم بتركهم له جانبا وفصله عن الحياة برمتها ليرفعوا شعارا وافدا غربيا مفاده (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) صاروا أذلة و"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" .

وهذه الشفرة قد أدرك كنهها وماهيتها وأهميتها العثمانيون الجدد، أعني تركيا أردوغان، تركيا الإسلامية، فهي وحدها الآن من استطاع أن يفك تلك الشفرة التي لم يعرف قيمتها المسلمون الرسميون - إلا من رحم ربي - فالذي يكون الله معه وسنده لن تعجزه أي قوة في الأرض مهما أزبدت وأربدت وتغطرست وتوعدت وعلا كعبها، لقد رأيت أحد الإخوة الأتراك الشجعان؛ وهو يتحدث في شاشة قناة الجزيرة عن إخوة له من الأتراك الذين نالوا شرف الشهادة، ليقول إن الابتسامة التي ارتسمت على شفاهم بعد أن استشهدوا لهي خير مدد للفاتحين من بعدهم، رأيته وكأنه يتحدث عن ذلكم الناس الذين لم تشهد ألأرض مثلهم أعني الصحابة الكرام الذين دان لهم ملوك الأرض وإمبراطورياتها، حيث قال فيهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - اطلبوا الموت توهب لكم الحياة، ونحن المسلمون يصدق فينا قوله - صلى الله عليه وسلم – يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؛ قيل: أمن قلة نحن إذ يا رسول الله قال: انتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل". ولا يحتاج هذا الحديث إلى مزيد من الشرح.

وما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه الحفيد (أردوغان) وشعبه وجيشه بجده (الفاتح) وما أشبه الحصون ولأسوار التي كانت تغلف تلك الإمبراطورية فكانت بها شجاعة وقوية ومهابة بيد أنها ما فتئت أن صارت يباب أمام القوة التي لا تغلب. ما أشبه اليوم بالبارحة فالكفر ملة واحدة من حيث الوسائل والغايات، (وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) فقد أجريت السفن في الصحراء فصيرت الهمم والعزائم التي تستمد قوتها من الله الرمال أشبه بالماء لتعبر إلى القسطنطينية (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) وقد ظنوا – وخاب ظنهم – أنهم في قوة ومنعة نسوا – كما نسى العرب والمسلمون – أن قوة الله لا تغلب ولا تقهر. فما هي إلا الهمم والعزائم (فنسي ولم نجد له عزما) فعندما لا تتوفر الهمة يحل محلها النسيان، وقد ماتت همة العرب فنسوا مجدهم الغابر المليء بالمفاخر. فإنه على الرغم مما كانت عليه تلك الإمبراطورية من الحصون إلا أنها فيا لنهاية كانت زائفة أمام قوة جنود الله الواحد القهار ف لم تقف ولن تقف حجر عثرة أمام الهمم والعزائم، (وما النصر إلى من عند الله)، (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). وإن الحصون المنيعة لا تغني ولا تسمن من خوف إذا كانت القلوب مليئة بالجبن والخور، وما هو إلا شأن اليهود وشأن حصونهم وجدرهم التي خلد الله ذكره فكانت مصاحبة لليهود ولم تكن من أصل ثقافتنا نحن العرب المسلمون بيد أنها فرضت علينا والسلام. فها هو قرآننا ودستورنا العظيم يتحدث عن الحصون والجدر واليهود ليجعل الجدر والحصون مصاحب لفظي ومعنوي لهم فهي إذا أسطورة زائفة مغلفة بجد كسابقتها. قال تعالى عن اليهود (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) لأن كل قلب منهم يحمل من الجبن والخوف ما لا طاقة له به على الصمود أمام جحافل الإيمان، والقلوب المشحونة بالزاد الإيماني التي تستسهل الموت وتسطر بالدم المجد القادم.

وها هو حال اليهود مع الجدر؛ حيث إن لها؛ أي الجدر في حياتهم جذورا تمتد إلى ماضيهم الجبان، فكل كان له ماضٍ وقد رأينا ماضي تركيا المشرق والشجاع والذكي المتمثل في الخلافة العثمانية وبمحمد الفاتح، وهوا ما يقابله ماضي اليهود الجبان والبليد الذي ارتبط بالجدر والحصون وخراب البيوت، وها هو حاضرهم في القرن الـ 21 كذلك ارتبط بتلك الجدر، فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا أن يكذبوا القرآن، ولو استطاعوا ذلك لكان استطاعه أبو لهب وامرأته حمالة الحطب. وإذا ما كان ذلك الجدار وصمة عار الصقها القرآن الكريم باليهود، ليبين جبنهم وخورهم؛ فما شأننا نحن المسلمون بها، فهي ليست في ماضينا، ولا هي كذلك في حاضرنا فلماذا نصر على أن نوسم أنفسنا بما ليس فينا، فنحن كما وصفنا الله بأننا الأعلون والأقوياء بديننا وقرآننا لا بالجدر والحصون التي هي شأن إسرائيلي بحت بحسب القرآن الكريم. 

 وإذا ما أثبت القرآن لليهود الجبن والذل؛ حيث ألصق بهم الجدر والحصون؛ فتذكر بذكرهم؛ فإن القرآن الكريم نفسه أثبت ويثبت لهم الغباء والتبلد وذلك عندما يقرر عن طريق ا(لفعل المضارع) الدال على الاستمرار في الماضي والمستقبل؛ ليقول الله عز وجل عنهم: (يخربون بيوتهم بأيهم وأيد المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) بيد أن مشكلتنا وخيبتنا اليوم في انقراض ألئك المعتبرون في العالم العربي والإسلامي، وعدم الركون إلى الإيمان؛ بل إلى القوة المادية، وهذا مهد بدوره لأمريكا وإسرائيل أن تصير أو تزرع في عقولنا بأنها القوة التي لا تقهر، وأصبحت - للأسف - تمثل لنا كل شيء، وقوة الواحد القهار لا تمثل لنا شيئا بل أصبحت في هامش حياتنا وفي هامش سياستنا إلا من رحم ربي.

لهذا اسمحوا لي أن أقول بأن اليهود اليوم يخربون بيوتهم بأيديهم، وأيدي الأتراك، ودعونا نستبعد العرب وكثيرا من المسلمين من هذا الخراب؛ لأنهم ليس لهم شأن فيها، ولأنهم لا يحبون الخراب بهذه الطريقة؛ حيث إنهم قد ركنوا إلى الذين ظلموا ركنوا إلى جانب القوة الأسطورية الزائفة، ولم يعودوا واثقين بقرآنهم وإسلامهم، بل رآه بعضهم بأنه سبب نكبتهم وتخلفهم وهذه كانت هي الحالقة التي لم تحلق العقول من الرؤوس بل حلقت معها الدين من القلوب ومن قاموس الحياة العامة والسياسية على وجه الخصوص، فضاعت معه الهوية والسيادة والريادة، وما علم المسلمون أنهم بذلك قد أذلوا أنفسهم وهانوا على أعدائهم . فدعونا إذا نولي وجوهنا نحو تركيا، ولتكن هي قبلتنا السياسية، حيث لم تعد سياسة العرب تجدي نفعا ولم تعد تسمن من جوع ولا تغني من خوف، حيث نجد الآن أن سياسة تركيا قد أخذت الريادة؛ حيث ولت وجهها أي سياسة تركيا نحو الإسلام، فأعادتها إلى أصلها التي انتزعت منه، وما نرى تركيا اليوم إلا أنها وعبر سياستها العادلة - التي لا تكيل بمكيالين - استطاعت فك الشفرة، حيث أثبتت بأن الفكر الإسلامي لم يقف ولن يقف حاجزا وحائلا بين الحياة والرقي والتطور والحضارة، كما روج لذلك الغرب؛ ليخدعوا المسلمين وقد نجحوا حيث أوهموهم أنه لا شأن للدين بالسياسة ولا شأن للسياسة بالدين، فأضاعوا بذلك مجدهم وعزهم، وضيعوا شفرتهم التي بها تفتح المغاليق، وتهون الصعاب فتركب، والمعضلات فتحل.

لذلك أختم هنا مخاطبا المزايدين على تركيا، وقد تعددت مشاربهم؛ فمنهم من يظن – وقد خاب ظنه - بأن لها مآرب أخرى لم يفصح عنها، ومنهم من يتهمها بأنها تجعل رجلا في الشرق وأخرى في الغرب، ومنهم من يرى بأنها تتاجر بالقضية الفلسطينية في سوق السياسة، ومنهم من يرى بأنها مخلب القط الذي تستخدمه أمريكا للتأثير على العرب، يتحدثون عن تركيا وكأنه ليس فروع وليس لها ماضي يكلل بالاحترام والتبجيل، مما يعني أن كل تلك التخمينات هي ضرب من الوهم والخيال، ومن يتهم تركيا بذلك وخاصة من العرب؛ فإنه يكون بذلك ناكر وجاحد للحق، ولا أقول للجميل، لأنني أرى فيما تفعله تركيا من أجل غزة ليس جميلا؛ بل هو واجب حتمه عليها الدين، وهي لأنها تتحرك من مسئولية دينية قدمت دماء أبنائها قربانا في سبيل فك حصار غزة، وفي سبيل القدس القبلة الأولى إذا فهو شعور بالمسئولية أما ربها أولا، ثم أمما شعبها المسلم المجاهد ثانيا، ثم أمام قضايا أمتها ثالثا، هذه هي القراءة الموضوعية المنطقية لمواقف تركيا بعد أن سطرت ودعمت صدقها بالدماء أفلا يأنِ للمزايدين أن ينتهوا عما يقولون والله المستعان على ما يصفون.