يدخل حيز التنفيذ من اليوم .. بوتين يرد على صواريخ الغرب بالتوقيع على مرسوم العقيدة النووية الروسية المحدثة احتراق حافلة متوسطة مخصصة لنقل الركاب في هذه المحافظة بعد تحديث بوتين عقيدة روسيا النووية.. أردوغان يوجه تحذيراً لـ الناتو على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. مليشيات الحوثي تهدم منزلاً على رؤوس ساكنيه ماذا ينتظر وكلاء طهران في اليمن في عهد ترمب...وهل سيكون هناك استهداف للقادة الحوثيين ؟ كيف نجا البرنامج النووي الباكستاني من مخططات إسرائيل والهند ؟ السعودية تحدد أقصى مبلغ يسمح للمقيمين بتحويله إلى خارج السعودية وعقوبة بالترحيل الفوري مفاجآت صحية حول تأثير البرتقال على الكبد والكلى رئيس دائرة العلاقات الخارجية بمؤتمر مأرب الجامع في أول مهمة دولية تبدأ بالقاهره وتمر عبر الإتحاد الأوروبي مجلس الأمن يوجه دعوة عاجلة للحوثيين
في شهر كانون الثاني (يناير) عام 1986 اقتحم مسلح اجتماعا للمكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم في عدن، واغتال جميع الاعضاء بمن فيهم الامين العام عبد الفتاح اسماعيل ووزير الدفاع علي عنتر، وتبين لاحقا ان الرئيس اليمني الجنوبي في حينها السيد علي ناصر محمد هو الذي كان خلف هذه العملية للتفرد بالسلطة وتصفية خصومه جميعا.
المؤامرة نجحت عمليا ولكنها فشلت سياسيا، فقد نجحت قوات الجيش في تصفية انصار الرئيس ناصر محمد الذي اضطر للهرب الى الشمال للنجاة بحياته، وانتهى به الأمر رئيسا لمكتب دراسات استراتيجية اسسه في دمشق بحماية ودعم الرئيس الراحل حافظ الاسد، وبتمويل خليجي.
نسترجع هذه الحادثة ونحن نتابع التفجير 'الغامض' الذي استهدف اجتماعا لخلية الأزمة في سورية انعقد في مقر مجلس الأمن القومي، وادى الى مقتل وزير الدفاع داوود راجحة، ونائبه آصف شوكت صهر الرئيس والرجل القوي، ورئيس خلية الأزمة، ووزير الداخلية ومجموعة من الجنرالات الامنيين والعسكريين.
نظريات عديدة طفت على السطح تفسر ما حدث، وجهات عديدة اعلنت مسؤوليتها عن العملية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، ولكن ما زالت الحقيقة بعيدة عن المعرفة، لأن الغموض المتعمّد من النظام هو سيد الموقف.
اصحاب النظرية التآمرية يقولون ان الجهة المدبرة هي النظام نفسه، او احدى دوائره، في ظل احاديث لم تتوقف عن صراع الأجنحة داخل النظام، آصف شوكت زوج شقيقة الرئيس من ناحية، وماهر الاسد شقيقه وقائد الفرقة الرابعة من ناحية اخرى.
وليس صدفة، في رأي هؤلاء، ان هذه العملية التي تعتبر الأخطر من نوعها منذ بداية الثورة، جرى تنفيذها بعد اقل من اسبوعين من هروب العميد مناف مصطفى طلاس، رئيس اهم الفرق في الحرس الجمهوري الى فرنسا، وسط انباء مكثفة عن تصاعد الخلافات بينه وبين ماهر الاسد الشقيق الاصغر للرئيس.
الأحاديث عن تفضيل الغرب والشرق معا لانقلاب عسكري داخلي يطيح برأس النظام تزايدت في الفترة الاخيرة، كما ان الأقاويل حول علاقة آصف شوكت بالسلطات الفرنسية لم تتوقف منذ سنوات، وهناك من يردد بأن الاخير لعب دورا في تهريب العميد مناف الى فرنسا.
في المقابل واخذاً بعين الاعتبار وصول التفجيرات الى قلب العاصمة دمشق وقصف مقرات للحرس الجمهوري في احد اطرافها، وتصاعد العمليات النوعية للجيش السوري الحر، وتوالي المجازر التي تستهدف المدنيين، من غير المستبعد، بل ومن المؤكد في نظر الكثيرين حدوث اختراق امني للدائرة الضيقة للنظام، وتنفيذ هذه العملية الانتحارية.
الأجهزة الأمنية السورية كانت وما زالت قوية في حالة واحدة فقط، وهي قمع واذلال المواطن السوري والتنكيل به، وشهرة فسادها وشراء جنرالاتها فاقت كل التوقعات. اما على صعيد واجباتها الامنية الكبرى المناطة بها فقد اثبتت فشلا ذريعا، وجرى اختراقها اكثر من مرة، آخرها اغتيال الشهيد عماد مغنية على يد وحدة كوماندوز اسرائيلية في قلب العاصمة.
المتحدث باسم البيت الابيض الامريكي رأى في هذه العملية الانتحارية، التي راح ضحيتها اهم القادة العسكريين والامنيين للنظام، نقطة تحول رئيسية، وبدء العد التنازلي لفقدان النظام السيطرة على الاوضاع، وقد ينطوي هذا الكلام على بعض الصحة، لأن نهاية النظام الليبي، ومن قبله العراقي، اقتربت بمجرد دخول قوات المجلس الوطني الانتقالي الى طرابلس في الحالة الاولى، والقوات الامريكية الى بغداد في الحالة الثانية.
من الصعب اطلاق احكام متسرعة في هذا الاطار، مع تسليمنا بأن اقتحام مقر الامن القومي بمثابة زلزال للنظام، وضربة نفسية هائلة قد تكون لها تبعات كارثية عليه، ايا كانت الجهة المنفذة، وهي على الاغلب لشاب لم يستطع تحمل مجازر ربما استهدفت اهله او قريته او مدينته، وقرر الانتقام بمثل هذه الطريقة التي لا ينفذها الا الجهاديون الراغبون في لقاء ربهم والانتقال من دار الفناء الى دار البقاء.
الجيش السوري الحر حقق انتصارا معنويا كبيرا بالانتقام من رموز الحلول الامنية الدموية، التي طبقها النظام بقسوة منذ بداية الثورة، ولكن ربما يدفع هذا الانتصار النظام للتغوّل اكثر في هذه الحلول، واستخدامه كذريعة لارتكاب المزيد من اعمال القتل والتدمير.
وزير الاعلام السوري السيد عمران الزعبي قال في مقابلة مع التلفزيون السوري الرسمي ان النظام لم يستخدم حتى الآن الا ثمانية في المئة من قدراته العسكرية في مواجهة من سماهم بالارهابيين، وهذا تلويح مقصود يمهّد لتصعيد اكبر في الهجمات على المدن المتمردة.
فإذا كان استخدام النظام ثمانية في المئة فقط من قدراته العسكرية ادى حتى الآن الى مقتل ما يقرب من العشرين الف شخص، فكم سيكون عدد القتلى والجرحى وحجم الدمار اذا ما استخدم مئة في المئة من قدراته، ونحن نعرف انه يملك ترسانة من الصواريخ والاسلحة المحرمة والمحللة، والطائرات الحربية من كل الانواع؟!
النظام السوري سيدافع عن العاصمة حتى اللحظة الاخيرة، لأن كل الخيارات الاخرى امامه معدومة، فقد قرر القتال حتى النهاية، ونهاية العقيد معمر القذافي الدموية التي يتوعده البعض بها قد تدفعه الى هذا الخيار، وما قاله سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بأن الرئيس الاسد لا يرغب في التنحي يؤكد هذا التوجه.
الذين يطرحون نظريات تقول بان النظام قد يتحصن في طرطوس والمناطق العلوية، ويقيم دولته هناك على درجة كبيرة من الجهل بالعلاقات الدولية وقوانينها وتجاربها، فمن سيعترف بهذه الدولة في حال قيامها؟ امريكا ام دول الخليج؟ فها هي تركيا العضو في حلف الناتو اقامت دولة اسلامية في شمال قبرص، فكم دولة اعترفت بها، وها هي امريكا نفسها اقامت دولة في كوسوفو فمن من الدول العربية الاسلامية اعترف بهذه الدولة المسلمة؟، واذا كانت هناك دول اعترفت فإنها تعد على اصابع اليد الواحدة وبضغط امريكي شرس، والأمثلة كثيرة.
النظام السوري قد يتصرف في الايام المقبلة مثل النمر الجريح، يخبط في جميع الاتجاهات، وقد لا يذهب بسهولة مثلما يتوقع البعض، ومن شاهد وزير اعلام النظام السيد الزعبي وهو يهدد بالانتقام من كل دولة تقدم دولارا واحدا او قطعة سلاح للمعارضة، بل وتصل به الجرأة الى القول بأنه سيصل الى هؤلاء الحكام والمسؤولين في قصورهم، في اشارة الى دول خليجية، يدرك ان هذا النظام متشبث بالحياة ومطمئن الى دعم اصدقاء له مثل الروس والصينيين، ولا ننسى ايران وحزب الله، لان سقوطه قد يسهل سقوط هؤلاء ايضا.
تعويض القادة المقتولين قد يكون سهلا بالنسبة الى النظام، وربما تكون البدائل اكثر كفاءة وخطورة في الوقت نفسه، لأنهم ليسوا جزءا من اجنحة الصراع على السلطة، وغير معروفين للخارج حتى يمكن شراء ولائهم، ولكن ما يصعب، بل يستحيل تعويضه، هو اعادة الثقة الى المؤسستين العسكرية والامنية بعد عملية الاغتيال النوعية هذه.
نعم سورية تشهد معركة حاسمة هذه الايام مثلما قال لافروف امس، ولكن لا نعرف اي حسم يقصد، ومن سيكون الفائز في النهاية، النظام ام الثورة؟ ثم متى سيتم هذا الحسم، وكيف سيكون الثمن، ثم كيف ستكون سورية والمنطقة بأسرها بعد ذلك؟
النظام يترنّح، لا شك في ذلك، والضربات تتوالى عليه من كل جانب، والضربات الشعبية الداخلية اكثرها ايلاما ومشروعية، فقد عانى هذا الشعب طويلا من القمع والاضطهاد، ولكن الخطورة انه قد يلجأ الى خيار شمشون، اي هدم المعبد فوق رأسه والآخرين، وسقوط الآلاف وربما عشرات الآلاف من الضحايا الابرياء. طبعا المسؤولية الكبرى ستقع على عاتق النظام الدكتاتوري، ولكن تظل اولوياتنا وهمومنا ارواح هؤلاء الضحايا الذين هم اهلنا واشقاؤنا وابناؤنا وبناتنا.