القذافي لم يكفر الكفر البواح...والخروج عليه فرض عين
بقلم/ توهيب الدبعي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و يوم واحد
الخميس 24 فبراير-شباط 2011 01:32 م

حاول القذافي جاهدا أن يقنع علماء الدين في ليبيا أن يصدروا فتوى تحرم المظاهرات ضد نظام حكمه المستبد لكن دون جدوى، مما دفعه إلى الاستعانة بفتاوى بعض علماء الخليج ومن يدين بدينهم والتي تحرم الخروج على الحاكم وتحرم التظاهر ضده والمطالبة بحقوق الشعوب وتجعل الصبر على الظالم هو ما يرضي الله ورسوله وان جلد ظهرك واخذ مالك بل وعلى الشعوب أن تؤدي حق الحكام وعليها أن تفوض أمرها إلى الله فيما يخص حقوقها والذي جعل الحاكم في مرتبة من لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ومن خرج على رأيه ورفض طاعته في ظلمه فقد خلع يد الطاعة وخلع ربقة الإسلام عن عنقه ومات ميتة جاهلية ولقي الله وليس له حجة مستدلين بروايات تنسب إلى الرسول الكريم، وتم ترويج تلك الفتاوى على صفحات الفيس بوك ونشرها في كتيبات توزع على الشعب الليبي.

وفي المقابل أفتى كبار الدعاة في ليبيا وغيرها بأن الخروج إلى الشارع ومقاومة نظام القذافي فرض عين على كل رجل وامرأة، بل أفتى الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي يعد المرجعية الكبرى للمسلمين في العالم العربي والغربي أفتى بجواز أو وجوب قتل القذافي لمن استطاع ذلك من الجيش أو المقربين له ، كما أفتى الشيخ عبد المجيد الزنداني بأن المظاهرات السلمية للمطالبة بالحقوق تعد من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأفتى شيخ الأزهر بأن القتلى شهداء لأنهم يدافعون عن حقوقهم مستدلا برواية " من قتل دون حقه فهو شهيد" ، والذي كان موقفه غامضا من خروج الشعب المصري على ولي أمره مبارك في الوقت الذي شارك فيه غالبية الأزهريين الشعب المصري في ثورته.

ليس هذا مجرد افتراء أو تسفيه أو مكايدة أو صراع مذهبي بل هو واقع يعيشه الكثير من أبناء المسلمين الذين تأثروا بتلك الفتاوى التي استعان بها القذافي وانقل إليكم بالنص ما يقوله بعض الشباب في ردودهم على خبر قصف القذافي للشعب الليبي بالطائرات ما نصه " والله انك رجال بطل وليس مثل الجبان زين العابدين أو مبارك لك الحق أن تدافع على عرشك وأنت ولي أمرهم ولك عليهم السمع والطاعة ومن عصا وتمرد فانه يستحق الموت والفناء هذا تمرد وتقليد للكفار وليس من عادة المسلم شق عصا الطاعة لولي الأمر وقد أوصانا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر ولو ضرب ظهرك واخذ مالك وكذالك قال من خلع يدا من طاعة لقي ربه ولا حجه له ومات وليس في عنقه بيعه ومن كان كذالك فقد مات موتة الجاهلية صدق رسول الله"..انتهى. وفي الوقت الذي تشهد فيه البلاد العربية ثورات عارمة على الحكم المستبد جند السلاطين أعوانا لهم في كل المنتديات بالتعليق والترويج لتلك الفتاوى والروايات المنسوبة للرسول الكريم في طاعة الحاكم العمياء ولو كان قاتلا سفاحا وفاسقا منحلا ولصا محترفا و شيطانا رجيما مادام لم يقل "كفرت بالله".

وللتوضيح فهناك روايات منسوبة للرسول الكريم الغاية منها حسب فهم الكثير تأييد السلطان في كل الأمور، وعدم مخالفة أمره لأي سبب كان، حتى تجعل من الشعب كله باسم الله والرسول قطيعا من الغنم يساق بهم إلى المسلخ كل يوم وليس فيهم من يقول: لا ، وليس من حق احد أن يعترض أو يسأل لماذا...مادام هذا الحاكم مسلما لم يكفر بالله، ومن تلك الروايات بأسانيد صحاح أساؤوا فهم متونها " بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا – صراحا- عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" ، فما هو الكفر الصراح أو البواح؟ هل هو قتل الناس الأبرياء وقتل الأطفال والنساء، وإرسال المرتزقة لهتك أعراضهن في المنازل، وقصف الشعب بالطائرات ، والفسق وأوكار الدعارة واللواط ، وبيع ثروات الأمة للغرب، ونهب المليارات إلى جيوبهم الخاصة وصرفها على...وتمكين العدو الصهيوني على مسرى الرسول والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والتطبيع مع اليهود أعداء الأمة والإنسانية، وتدمير العراق مع أن صدام لم يكفر الكفر البواح بل شنق والمصحف الشريف بيده حين خرجوا عليه تحت قيادة المسلم التقي جورج بوش وإخوانه في الإسلام حكام العرب..؟!! هذا كله ليس هو الكفر البواح ما دام يقول لا اله إلا الله..والكفر هو أن يقول كفرت بالله..أو حين يحدد ذلك علماء السلطة عند حاجة الحاكم لذلك وان لم يقل كفرت كما حدث مع صدام، والله لو كان حكام العالم بلا ضمير لفضلوا الدخول في دين فقهاء السوء هذا حتى يتسنى لهم ارتكاب كل الجرائم الإنسانية تحت ستار هذا الدين المبدل وباسم الله والرسول دون أن يمتلك احد من البشر مساءلتهم أو الاعتراض عليهم، بل رضا الله في السكوت عنهم حتى لو جلدوا ظهورهم ونهبوا أموالهم وهتكوا أعراض نسائهم.. ومن قال له لماذا فقد خلع يد الطاعة وسيموت مشركا على دين الجاهلية بمعنى أن الحاكم لا يكفر مهما ارتكب ، ومن قال له أنت ظالم وعلى الأمة خلعك هو الكافر وان صلى وصام وزعم انه مسلم وان لم يفسق ولم يقتل فهو خارج على الحاكم وموتته جاهلية وسيلقى الله ليس له حجة، والحق والحجة لمجرمي الحرب وقتلة الأبرياء ومصاصي الدماء ولصوص ثروات الأمة وعملاء الصهاينة سلاطين التطبيع مع اليهود اشد أعداء الله من بني الإنسان لبني الإنسان..!، حتى لو قال الله صراحة بلسان عربي واضح مبين " وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"، لا يعد أمرا يوجب الخروج عليهم أو إنكاره بل ليس منهم مهما تولاهم حتى يأذن بذلك علماء السلطان الناطقين باسم الله ولو بخلاف ما قال الله، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن العلماء والدعاة الذين يفتون بمقاومة الظلم والحكام الظلمة هم " دعاة على أبواب جهنم من استجاب لهم قذفوه فيها"

هكذا حرفوا الكلم عن مواضعه ، ولعبوا بالمفاهيم، وعطلوا بقية النصوص النبوية التي تتدارك هذا الفهم منها "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، "وأعظم الجهاد كلمة حق"، "ومن قاتل دون حقه وعرضه فهو شهيد"، "ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن"، إضافة إلى أن علماء الإسلام ذكروا في الكفر البواح روايات أخرى أسدل الستار عليها منها : رِوَايَة حِبَّان أَبِي النَّضْر في الفتح " إِلَّا أَنْ يَكُون مَعْصِيَة لِلَّهِ بَوَاحًا " وَعِنْدَ أَحْمَد عَنْ جُنَادَةَ " مَا لَمْ يَأْمُرُوك بِإِثْمٍ بَوَاحًا " وعَنْ عُبَادَةَ " سَيَلِي أُمُوركُمْ مِنْ بَعْدِي رِجَال يُعَرِّفُونَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ ، فَلَا طَاعَة لِمَنْ عَصَى اللَّه " وعند ابن أبي شيبة " فَلَيْسَ لِأُولَئِكَ عَلَيْكُمْ طَاعَة ". كما فسر الإمام النووي الكفر البواح بأنه المعصية: كما جاء في فتح الباري قَالَ النَّوَوِيّ : الْمُرَاد بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَة. إضافة إلى فهم الصحابة الذين كان يقول الوالي منهم "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"، وان لم يكن الظلم والقتل للنفس ونهب الثروات والفسق والفجور معصية فما هي المعصية إذا..؟

ومن تلك الروايات " فإنه من خرج عن السلطان شبرا مات ميتة جاهلية" ومنها " إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، قالوا فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : " أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم". وماذا يبتغي السلطان أكثر من هذا؟ وهو الذي لا يطالب إلا بالدنيا وأموال الدنيا. ومنها " من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني" وينزلون هذه الروايات في الحكام الظلمة كأن الرسول هو من أمرهم على الأمة، والحديث يحكي لنا طاعة الأمير في طاعة الله وليس في معصيته بقتل الأبرياء ونهب الأمة وهتك الأعراض وخيانة الدين، وهو مقيد بالأحاديث الأخرى التي تنهى عن الطاعة في المعصية ومقيد بالآيات الصريحة التي تصف المؤمنين بأنهم ينتصرون من الظالم ولا يسكتون إذا أصابهم الظلم والبغي " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ"

بل وأعظم من ذلك فقد سنوا للظلمة قانون العقوبة الجماعية والإبادة للشعوب إذا أراد الحاكم ذلك كما جاء في رواية أخرى" نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة..؟" وهذه الرواية حتى يقول السلطان وجنوده : إذا كان الأنبياء يظلمون وهذا نموذج عن ظلمهم فإنه إذا ظلم السلطان الناس بالعقوبات الجماعية وحرقهم بنيران الطائرات والقنابل فإن ذلك ليس عجبا!، بل جعلت القذافي يصدق نفسه ويقول سأموت شهيدا وهو يقتل الأطفال كالنمل، ونحن نعلم كل العلم انه ليس كل رواية تقبل وهي تعارض أخرى ويجب الترجيح عند التعارض ولو كانت في الصحاح وهذا مجمع عليه عند علماء الإسلام فإذا لم يمكن الترجيح توقف العمل في كلا الروايتين، وصحة السند ليس دليلا دامغا على الصحة حتى تخلوا الرواية من الشذوذ والعلة، وتلك الشروط المشددة من اجل حماية الدين وحتى لا يفترى على رسول الله ما ليس من قوله وليس كما يدعي البعض أن هذا إنكار لسنة الرسول بل هو حماية لها وإلا لماذا وضع العلماء قواعد نقد متون السنة وأسانيدها؟ ، ولا أستطيع بيان كل ما يتعلق بعلم مصطلح الحديث والتحديث في مقال لا يحسن فيه الإطالة على القارئ دفعا للملل والذي قد يفوت المقصود.

وقد سأل السجان ذات مرة الإمام احمد قائلا: هل إنا من أعوان الظلمة؟ فقال له: أعوان الظلمة من برى لهم القلم أما أنت فمن الظلمة أنفسهم، فماذا سيقول الإمام احمد فيمن يفتي لهم الفتاوى بقتل الأبرياء والأطفال والنساء ونهب الأموال وان السكوت على جرائمهم هو دين الله الذي ارتضاه للناس..؟!! وكان سفيان الثوري ينهى عن إيقاظ أحد من أعوان الظلمة للصلاة، لما يخشى من تسلطه على الناس بالظلم، فكيف بمن يوقظه للظلم..ويفتي له بأن الشعوب تستحق القتل إذا طالبت بحقوقها؟..ثم ترى هذا يقتل باسم التوراة، وهذا يقتل باسم الإنجيل، وذاك يقتل باسم القرآن.. ولا ذنب لكل الأديان..الذنب بطبع الإنسان..وفتاوى جند السلطان.

هذه هي الحقيقة ما كان لحاكم أن يستبد لولا أولئك الذين شرعوا له من الدين ما لم يأذن به الله، ورحم الله الإمام الكواكبي إذ قال في كتابه طبائع الاستبداد" تضافرت آراء أكثر العلماء النّاظرين في التّاريخ الطّبيعي للأديان، على أنَّ الاستبداد السّياسي مُتَوَلِّد من الاستبداد الدِّيني، والبعض يقول: إنْ لم يكنْ هناك توليد فهما أخوان والمشاكلة بينهما أنَّهما حاكمان؛ أحدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب، وإنَّه ما من مستبدٍّ سياسيّ إلى الآن إلا ويتَّخذ له بطانة من خَدَمَةِ الدِّين يعينونه على ظلم النَّاس باسم الله، ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكّام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصّبر عليهم إذا ظلموا، وعدّوا كلّ معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين؟! اللهم؛ إنّ المستبدِّين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدِّين الذي أنزلت، فلا حول ولا قوّة إلا بك! نعم؛ لولا حُلم الله لخسف الأرض بالعرب"..انتهى. هؤلاء هم العلماء الذين يستحقون الإجلال وقد قال عنه حافظ إبراهيم بيتين من الشعر نقشت على قبره:

هنا علم الدنيا هنا مهبط التقى......هنا خير مظلوم هنا خير كاتب

قفوا فاقرءوا أم الكتاب وسلموا..... عليه فهذا القبر قبر الكواكبي

لقد كان هم السلطان وأعوانه وجنوده مركزا على إقناع الناس بحقوق السلطان على الرعية دون الاعتراف بأي حق للرعية على السلطان، بل أعلنوا على الرعية أن يؤدوا للسلطان كل حقوقه في الدنيا وهم بالمقابل يسألون الله حقوقهم الضائعة، ولكن ليس في الدنيا بل في الآخرة، وللسلطان وجنوده في الدنيا النساء خاصة من العذارى والذهب والفضة والديباج وهذه كلها سوف تكون للرعية في الآخرة فقط كما جاء في بعض الروايات " الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، والتي استغلت في تطويع الشعوب للظالم مع أن الرواية تشير إلى أن السلاطين في الآخرة ليسوا من أهل الجنة لأنهم لو دخلوها مع الرعية لشاركوهم فيها وهذا ما يناقض مفهوم الرواية وفتاواهم أنهم لم يكفروا الكفر البواح..والله المستعان على كل ظالم.

وفي الختام أقول: نحن بحاجة إلى مراجعة جادة لتلك الروايات والفتاوى حتى لا يأتي حاكم جديد ينتسب للإسلام والدفاع عنه وربما يكون من رجال الدين أو من الأحزاب الدينية ثم يستغل تلك الروايات في سبيل فرض الوهيته على الناس باسم الله ويمتلك السلطة السياسية والدينية في آن واحد والذي سيكون الشر الأعظم والاستبداد الأكبر في تاريخ البشرية على الإطلاق، فمهما ادعى الإنسان التقوى وتظاهر بالإيمان ولم يصدق ذلك السلوك والعمل بالعدل والوفاء بالعهد واجتناب الظلم فهو مرفوض في شرع الله وهي عقيدة إرجاء خطيرة ودخيلة على عقيدة الأمة التي حملها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومهما ادعى الحاكم الإيمان وهو لم يعدل فهو بهتان حتى يعتدل الميزان كما قال الشاعر احمد مطر:

توقن أم لا توقن .. لا يعنيني

من يـــــدريــني...أن لسانك يلهج باسم الله...وقلبك يرقص للشيطان!

أوجز لي مضمون العدل...ولا تقلقني بالعنوان

لن تقوى عندي بالتقوى...ويقينك عندي بهتان...إن لم يعتدل الميزان.

شعرة ظلم تنسف وزنك....لو أن صلاتك أطنان!

الإيمان الظالم كفر.....والكفر العادل إيمان!...هذا ما كتب الرحمن.

قال فلان عن علان...أقوال فيها قولان

لا تعدل ميزان العدل....ولا تمنحني الاطمئنان.

دع أقوال الأمس وقل لي ..ماذا تفعل أنت الآن؟

كن ما شئت ..رئيسا..ملكا..خانا..شيخا..كن أيا كان...من جنس الإنس أو الجان

لا أسأل عن شكل السلطة...أسأل عن عدل السلطان

هات العدل ..وكن طرزان!

tawheebaldubai@gmail.com