اجتماع المعارضة اليمنية في القاهرة.. رؤية للدلالات والأبعاد
بقلم/ عبد الله سلام الحكيمي
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 14 يوماً
الأحد 04 يوليو-تموز 2010 08:57 م

عبدالله سلام الحكيمي

يكتسب الاجتماع الذي تم مؤخراً في القاهرة، وضم قيادات في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني بمن فيها قيادات لأحزاب اللقاء المشترك، وقيادات ورموز جنوبية بارزة، أهمية كبيرة، من حيث مكان الاجتماع وتوقيته والنتائج التي تمخض عنها وفقاً لما تضمنه البيان الصادر عنه.

إن انعقاد هذا اللقاء أو الاجتماع الذي شاركت فيه قيادات المعارضة بمختلف توجهاتها داخل اليمن وخارجه، في القاهرة، يرسم مؤشرات ودلالات ومغاز واضحة، بحسب رأي المتابعين المراقبين للشأن اليمني، تشير إلى بداية تغير وتطور هام في الموقف الإقليمي تجاه المشكلة اليمنية، ينبئ بدور فعال قادم ستضطلع به الدول العربية الرئيسية والمؤثرة لوقف تدهور وانفلات الوضع السياسي في اليمن ومعالجة المشاكل والأزمات المستفحلة التي تعصف باليمن، مهددة بانهياره العام مما يشكل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهو دور إقليمي سيتم تنفيذه بقيادة مصرية وخليجية وموافقة ودعم دولي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤكد عدد من المراقبين والمحليين، يتجه إلى إحداث تغييرات جوهرية وشاملة في بنية النظام السياسي القائم وهيكليته ومؤسساته ومكوناته ومضمونه، بما يحقق عملياً الإشراك الفعلي والفعال لمكونات المجتمع اليمني وشرائحه الاجتماعية، في الجنوب والشمال والوسط ومختلف القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة، ووضع حد نهائي لمسألة احتكار الحكم والتفرد به لصالح فئة محدودة جداً على حساب الأغلبية الساحقة من فئات وشرائح ومكونات المجتمع اليمني التي تجد نفسها عرضة منذ عقود من الزمن، التهميش والإقصاء والاستئصال، باعتبار ذلك الوضع غير السوي هو السبب الحقيقي الكامن وراء المشاكل والأزمات والكوارث التي باتت تعصف باليمن من كل جانب.. ويلاحظ هؤلاء المراقبون أن ذلك الدور الإقليمي، المسنود دولياً، قد أخذ طريقة بالفعل إلى التنفيذ الميداني، من خلال تولي غرفة عمليات أمنية رفيعة المستوى من قيادات أمنية مصرية وخليجية وأردنية وأمريكية، لمهام الإدارة المباشرة للملف الأمني ومحاربة الإرهاب، تتخذ من اليمن مقراً لها، أعقب هذه الخطوة الهامة عقد اجتماع موسع ورفيع المستوى لقيادات المعارضة اليمنية في الداخل والخارج في مدينة القاهرة مؤخراً، وهناك بعض المعلومات التي رشحت أو تسربت حول طبيعة وفصول ذلك الدور الإقليمي.. الدولي القادم في اليمن، تشير أن القوى الإقليمية والدولية تشعر بقلق بالغ ومخاوف جادة بأن النظام اليمني يسير حثيثاً نحو الانهيار وتقتضي الضرورة الاستراتيجية وجوب التدخل المباشر والفعال للحيلولة دون ذلك حتى لا تتكرر تجربة الصومال وغيرها في اليمن بكل ما يحمله من مخاطر وتحديات للأمن والاستقرار العالمي والدولي، وذلك من خلال السعي الحثيث لاحتضان قوى المعارضة اليمنية ودعمها وتحفيزها لاستكمال إطارها السياسي المتحالف المتمثل بـ (اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني)، وذلك من خلال تمكين هذه القوى من التحرك بحرية ودون تقييدات في عدد من العواصم العربية الرئيسية، وبلورة صيغ تفاهمات سياسية معها، والضغط على النظام الحاكم للقبول بأجندة إصلاحات جذرية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية في إطار إعادة بناء الدولة من جديد على أسس سليمة وديمقراطية حقيقية انطلاقاً من قاعدة (الدولة الاتحادية) أو (الفيدرالية)، ومن ثم عقد لقاءات ممنهجة ومدروسة وفق جداول زمنية محددة بدقة، بين المعارضة والنظام الحاكم، لإقرار برنامج التغييرات والإصلاحات المطلوبة، عبر حكومة وحدة وطنية تمنح كافة الصلاحيات والسلطات لوضع ذلك البرنامج موضع التنفيذ، دون أي تدخل أو عرقلة من قبل مؤسسة الرئاسة أو الجيش أو غيرها، وبإشراف ودعم ومساندة مباشرة من القوى الإقليمية والدولية، وتحت رقابتها المستمرة، على أن تكون مدة هذه الحكومة باعتبارها (حكومة انتقالية) ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام، تجري بعدها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية وفقاً لدستور جديد تتولى إعداده وإنزاله للاستفتاء (حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية).. وتتحدث بعض تلك المعلومات أيضاً على أن (المشكلة الجنوبية) ستحظى باهتمام خاص، ومعالجة خاصة، تتحدد في بعض ملامحها، حسب ما يشير أولئك المراقبون والمحللون، بأن يبقى الجنوب بعد إقرار وتطبيق النظام الفيدرالي وإجراء الانتخابات المختلفة لهذا النظام، كما أشرنا إليه آنفاً، لمدة خمس سنوات ضمن الدولة اليمنية الفيدرالية الجديدة، وبعدها يستفتي أبناء الجنوب، بإشراف إقليمي ودولي، للاختيار بين البقاء في إطار الدولة الفيدرالية الجديدة أو الانفصال عنها، والواقع أن هذه المعالجة الخاصة للمشكلة الجنوبية ناتجة عن إدراك القوى الإقليمية والدولية بأن سبب مطالبة ابناء الجنوب بالانفصال يعود أساساً إلى الأخطاء والسياسات والممارسات السيئة التي مورست في حقهم منذ حرب 1994م ولاحقاً، ولهذا فقد رؤي أن تغيير صيغة النظام وطبيعته وإقامة (نظام فيدرالي) حقيقي يضمن مشاركة كافة مكونات وشرائح وفئات الشعب، من شأنه أن يقنع الجميع بأن مصالحهم وحاضرهم ومستقبلهم يتحقق بالوحدة الحقيقية السليمة والإيجابية وليس بالانفصال..

والواقع أن هذا الدور الإقليمي في اليمن، لم يكن وليد اللحظة، وإنما جاء كإحدى النتائج الهامة للمؤتمرات الدولية الخاصة باليمن والتي عقدت في لدن، ونتج عنها إقامة مجموعة (دولية) خاصة باليمن أطلق عليها مجموعة (أصدقاء اليمن) التي تفرعت عنها مجاميع عمل مختلفة لمعالجة الأوضاع المتجهة نحو الانهيار في اليمن، حيث أوكلت مهمة (الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية) لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في حين أوكل (الملف الأمني) لفريق عمل رفيع بقيادة مصرية من القادة الأمنيين في مصر، ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن وأمريكا، أما (الملف السياسي) الذي يعتبر حجر الأساس في أهمية وأولويته فقد أوكل – بحسب تصريحات متواترة لمسئولين في الإدارة الأمريكية والبنتاجون للمملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة الأكثر قرباً ومعرفة ودراية بمشاكل اليمن وأزماته وتحظى بنفوذ وتأثير واسعين لدى أوساط يمنية واسعة ومؤثرة وقوية.

كان مجاه في البداية مقتصراً، في الظاهر، على اليمن، بكونه –أي اليمن- ساحة اختبار عملي ميداني لتقييم مدى قدرة وفاعلية ونجاح ذلك الدور الإقليمي، بحيث يشكل نجاحه في اليمن، بداية ومنطلقاً لممارسة دوره الإقليمي في ساحات أخرى كفلسطين ولبنان والسودان والعراق والصومال وغيرها، وسيكون بديلاً للتدخلات العسكرية من قبل القوى العظمى تلك التدخلات التي تسببت لها بخسائر جسيمة من الأرواح والدماء والإمكانيات المادية والأعباء المالية الباهضة التي لم تكلل بالنجاح والإساءة إلى صورتها ودورها في العالمين العربي والإسلامي.

إن نجاح الدور الإقليمي في أداء مهمته في اليمن، بصورة فعالة حازمة إيجابية، من شأنه أن يجعل من الدول العربية الرئيسية المكونة له، مؤهلة لتصبح نواة قوية ومؤثرة لتأسيس وصياغة ما اصطلح على تسميته، منذ زمن، بالنظام العربي الجديد..

فهل سينجح ذلك الدور الإقليمي أم لا؟ ذلك ما ستبينه الفترة القصيرة القادمة.