ديمقراطية تحترق على الحدود.
بقلم/ سامي نعمان
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
السبت 03 مايو 2008 10:44 م

مأرب برس - خاص

كانت هناك محرقة لمجموعة شباب يمنيين، اخرجهم العذر، كما حبس عشرات الآلاف غيرهم، محرقة جاءت على وقع طبول ما يسمى بالعرس الديمقراطي، وكان هناك ردا رسمياً سعودياً لا يقل استفزازا عن المحرقة، مجموعة شبان مجهولي الهوية في مقلب "قمامة" احترقوا، كلام لمجرد الدحض لا يدع مجالا لعاقل او مجنون ان يفهم مبرر الداخلية السعودية ان 18 شابا احترقوا وهم في يفتشون في مقلب نفايات، هل دخلوا على النفايات وقت نضوجها، ام انها اشتعلت فجأة بعد دخولهم، وهل يتضمن المقلب نفايات نووية اشتعلت فجأة على تهاميين بسطاء لم يتمكنوا من الفكاك، يعرفون انهم يخاطبون بنفيهم سلطة لم تستوعب بعد ان من احرقوا يحسبون عليها مواطنين، يدركون سلفاً ان ردهم سيحظى بقبول وترحاب شديدين من قبل حكام المحروقين اكثر من لوعة احتراق الرعايا البسطاء.

اخدود خميس مشيط لم يحظ باهتمام رسمي عدا بعض اخبار نشرتها على استحياء بعض مواقع وصحف رسمية، كان "الجماعة" مشغولين جداً بيوم الديمقراطية الذي كان مفترضا ان يكون مأتم حداد على الكرامة اليمنية المنتهكة على الحدود. 

كانوا مشغولين بعيد او عرس الديمقراطية، كأن ذاك ما كان ينقصنا، عيد جديد للرقص على خيال آخر لبرّاق لمع، تحت مسمى فضفاض، كأننا شعب لم نجد مناسبة نحتفل بها، كأنه ليس لنا هوية ولا تاريخ ولا ثورات ولا مناسبات، حتى نفتش عن يوم نحتفل به - يمكن ان يتأخر او يتعدل بحسب ظروف البلاد- سواء يوم انتخاب ما يسمى بالبرلمان أو عيد جلوس رئيس منتخب، وقريبا ذكرى يوم انتخابه الاخيرة، والعام المقبل عيد انتخاب المحافظين، وبقي ان نخصص لكل مناسبة لجنة منبثقة من اللجنة العليا للاحتفالات، والاهم من ذلك كله مخصصات تلك المناسبات، في بلد يحرق ابناؤه بدم بارد على الحدود، وهم يلهثون بحثا عن لقمة عيش كريم، ويواسيهم مسؤولو بلادهم "سلامات"، وقد عادوا كتلا من اللحم المهترئ ببقايا روح مهزومة، عادوا مواطنين منسيين كما ولدوا خارجين عن حسبة خمسية او عشرية او حتى مئوية.

مشغولون بعيد للرقص والاحتفاء بديمقراطية ابرز نتائجها تلك الاوجاع والحروق.. مفحمون بعرسٍ على مأتم شعب يقف في طوابير البحث عن الحق في الحياة.. أكثر من ذلك ستسمعون قريبا في تعز الحالمة عن قرع طبول الاحتفالات التي اُعلن تخصيص عشرات المليارات لترقيع خروق تتسع يوماً عن آخر، في فترة زمنية قياسية لا تتحقق حتى في الاحلام، وسيكون هناك رقص من نوع آخر بمناسبة بات كثيرون يعظون يد الندم مما أصابها من تشوهات، والبعض يرونها فضلاً سبب لهم عديد منغصات تزهق أرواح كثيرين اختناقا بها لأسباب مختلفة.. 

لم نسمع عن ما قيل - ومعظم حياتنا قيل- إنه تحقيق في ما نُهب العام الماضي في محافظة اب تحت مسمى مشاريع تنموية رافقت احتفالية عيد الوحدة، وطُمِست بعد مرور المواكب الفارهة من المحافظة التي تتنقل كل عام لتكرار ذات السيناريو في محافظة أخرى، لكن برتوش جديدة متناغمة مع متطلبات العصر، ومع ارتفاع الميزانية وغلاء الاسعار، و تكتيك جديد وبليد للالتواء على هيئات مكافحات الفساد العليا والدنيا إن كانت ترى..

الان ربما يكون بإمكان طلاب كلية الاعلام الرد على تساؤل وزير الاعلام عن "الجهة التي تخدمها صحيفة الوسط ، ومن يخدم صاحبها، هل لصالح المليار الذي مُنح من السعودية لليمن؟!" سيعرفون من يخدم لصالح المليار دولار، ومن ينتصر لواحد عشرين مليون انسان، سُلبوا من كل شيء ، ولم يعودوا يتألمون على فقد شيء، عدا الكرامة والحق في العيش الكريم، هل من أحد غير الصحافة المنكوبة أولاً وأخيراً نصيراً لأولئك المحروقين واشباههم الكثير في الداخل.

لم ينشر حتى لحظة كتابة، خبر عن المحرقة ورد الفعل الرسمي في جريدة أو موقع رسمي معتبر، عدا خبر التعويض الرئاسي والتوجيه بالعلاج، لم تلتو صحيفة السياسية لتنقل الخبر كعادتها من وسيلة خارجية لحساسية التغطية المباشرة على صحيفة رسمية، تحظى بقدر من استقلالية ومهنية تحسب لها، وسبق أن نقلت أخباراً عن قتل يمنيين على الحدود، عن وكالات ومصادر إعلامية أجنبية.. وعلى استحياء صرح مسؤولون رفضوا الافصاح عن انفسهم خوفا على صحة المليار الذي كانت صحيفة الوسط تعمل ضده، كما قيل، ان التحقيق جار وستخاطب السلطات السعودية بشأن احراق مواطنيها، يا لها من مغامرة غير محسوبة العواقب، مع أني اعرف أنه لو كان المصرح يتمتع بحد أدنى من المسؤولية لكان الخبر نشر في وسيلة رسمية لكن لا بأس من مجرد رد على اسئلة الصحافة المستقلة.

 

هي مشكلة أخرى جديدة قديمة تتبدى في مثلث القانون بالذات، (تعز- اب- الحديدة)، حيث حتى من يقتل منهم في احتجاجات الجنوب، يدفن بهدوء دون خيمة عزاء، ولا منتصر ولا معز، ولا مطالب بالتحقيق، ومن تكسر يده في مركز انتخابي بالراهدة مثلاً يحرم حتى من حق العلاج في مستشفى المدينة، فيما تشهد جثامين الرعوي والحامدي وقتلى العدين على العدالة الغائبة في إب الا اذا كان الخصم من العيار الثقيل يحضر العدالة بجعب مرافقيه.. ودرسي أيضا وضحايا المحرقة هم ضحايا لبساطة التهامي في الحديدة على يد فحول التسلط في الداخل، ونيران الاشقاء على الحدود، ولا جزب ينتصر لهم، ولا منظمة تتبنى قضيتهم، ولا برلمان سمع عنهم، لأنه لا قبيلة تنتصر لهم، فهم ممن كان يصفهم الشيخ عبدالله الاحمر بالغوغاء، لا قبيلة ستسأل عن ثأرهم.

قد يكون تشنجاً وحيفا اتهام السلطات السعودية بجنحة دورية عسكرية، سنفترض حسن النوايا بأنهم احرقوا مكانا افترضوه خالياً، وفي أسوأ الاحوال سنفترض انها تصرفات فردية وليست سياسة رسمية، دعونا ننساق وراء الرواية السعودية، شباب احرقوا في مقلب نفايات، لكن ماذا عن تفاصيل ما بعد الحريق، ماذا عن التحقيق مع كتل انسانية تحترق، وتركهم يطفئون نارهم بالتقلب على التراب ثم احالتهم الى اسوأ الخدمات الطبية المتوفرة في المملكة، ومن ثم ترحيلهم بعد ان وقعوا على ورق ابيض خال من اي شيء عدا السيفين والنخلة، وبعدها شراكة الجرم في الجانب اليمني حين استقبل رعاياه وهم لا يجدون تكاليف العودة الى مطرح رؤوسهم، ليكونوا شهودا على سلب الكرامة والحرية لاناس يفترض بهم ان يكونوا حراسا لانسانيتهم، ومن ذلك يتوجب على السلطات السعودية التحقيق في الحادثة ومحاكمة مرتكبي الجريمة لينالوا جزاءهم وفقا للقانون السعودي وليس الدولي، وأن تعلن المحاكمات رداً لإعتبار اليمن كل اليمن، ولا اعتقد ان القانون لديهم يمنع محاكمة سعودي في جرم ارتكبه بحق يمني، علماً بأن كثرة ما قالوا انها جرائم المهاجرين غير شرعيين يعجز الامن السعودي عن القبض عليهم، لا تعطي مبررا للتعامل اللانساني معهم وإن كانوا مجرمين، ناهيك عن ذلك التعامل مع أبرياء يبدو حريقهم ثمنا لتقصير الامن السعودي في أداء مهامهم هذا ان صدقت تلك الرواية .

عدا ذلك فلن يكون مقبولا أخلاقيا لنا كشعب أو سلطة ان نعد المليار السعودي دية لعشرات القتلى، وارشاً للحروق وآثار الجلدات على الظهور، وثمنا للطفولة المغتالة على الحدود، ومقايضة لتكميم الافواه وتقييد حرية الصحافة، وإن قبلت بذلك السلطات، ليس معقولا السكوت وقبول الذل بهذه الطريقة على انتهاكات بحق الانسانية لمجرد ان الجارة تقدم فتاتاً تريد ان تنال به بقصد او بدون قصد كل شيء حتى الكرامة.

 

تعقد الامال أولا على السلطات السعودية لجبر كسرنا واقناعنا ان تلك الجريمة كانت سلوكا فرديا وليست سياسة رسمية ممنهجة ضدنا كشعب فقير، وهذا ما لا نعتقده مؤقتاً على الاقل، ونتمنى على الرئيس ان يستغل ما يقال عن علاقة طيبة مع الاسرة المالكة السعودية للمطالبة بجبر معنوي لواحد وعشرين مليون يمني، وعلى الاحزاب ان تعيد حساباتها، فهي الاخرى وان نطق اعلامها لا زالت تجتر الكلام بعيدا عن حروق الناس ولم تصدر بياناً معتاداً في هذه المأساة، وعلى عقلاء البرلمان ان لا يدعوا الجريمة تمر، ان ينتصروا لكرامة ممثليهم، أن يصعدوا باتجاه التحقيق في الامر ومعاقبة المتسببين المباشرين على الاقل، على الحكومة ان تتذكر انها وجدت لخدمة المواطن لا ان تشهد على نكاله، كان الاولى ان يعلن يوم 27 ابريل يوم حداد على الكرامة، لا يوم رقص على اشلاء اليمن، وعلى من يتحدثون عن "ابناء الشغالات" في الطبقة الاولى، ان يدركوا ان شعبا بأكمله بات همه الاول والاخير الحفاظ على كرامته ايا كانت معيشته، وحتى ان عُدّ من نسل الشغالات الى الجد السابع، والامل الذي نثق فيه أن تواصل الصحافة معركتها وان برزت لوحدها في المعركة، أن تجاهد دفاعا عن المواطن ..إن دفعت الثمن غاليا فسيكون لها شرف انها لم تسجل نفسها شاهد زور على نهب كرامة الوطن، ودامت جلالة الملكة في عيدها، وطنا لكل المستضعفين حارسا مخلصا ويمنا يجد فيها المظلومين ما افتقدوه من وطن ومواطنة يرون انفسهم غرباء عنهما.

 

ختاماً بالديمقراطية التي بدأ المقال بالحديث عنها، هي في دول تلتزم بأدنى معاييرها وسيلة لرفاه الشعوب وتحقيق العدل والمساواة والحق في اختيار شكل الحكم ومن يحكم، وسيلة لتحسين حياة الشعوب، أما ديمقراطية يكون نتائجها اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وزيادة مساحة الفقر واتساع رقعة البطالة، وتشرد الشعب وتحولهم الى متسولين في دول الجوار، وسلب كرامتهم على الحدود، ان كانت الديمقراطية بنسختها اليمنية تفرز تلك النتائج، بلا شك، سيكون الشعب في غنى عنها إلى ان يوجد لها تعريف آخر على الواقع..