ما أنا بقارئ!
بقلم/ أمين اليافعي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 20 يوماً
الأحد 17 إبريل-نيسان 2011 05:17 م

أثارت الفتوى التي أطلقها الرئيس اليمني ـ المنتهية صلاحيته ـ يوم أمس الجمعة في ميدان السبعين ردود فعل واسعة في الأوساط الشعبية، فبين السخط والسخرية تساءل البعض عن الأدوار المقبلة التي سوف ينوي الرئيس التصدر لها!

قبل بضعة أيامٍ، كان التلفزيون اليمني يبث ندوة من ميدان التحرير بصنعاء وصفها بالأدبية، وكان هنالك شاعر شعبي يلقي بصوتٍ أجش ما أوحى به إلى قريحته \"لافظ بن لاحظ\" جنّي \"وادي السبعين\" (ذات الجني الذي كان يوحي إلى امرئ القيس بالشعر، لكن في وادٍ آخر!). كانت المدائح تنهال على شخص الرئيس، وهي مدائح أصبحت مألوفة للجميع ولا تدعو للتوقف عندها. لكن ما استوقفني بالفعل هذه المرة وصف الشاعر للرئيس بـ\"خامس الخلفاء الراشدين\" !

اليوم التالي، كنتُ أحدث صديقي عمّا سمعته في تلك الواقعة. أخبرني صديقي أن وصفاً كهذا سبق له وأن سمعه عن طريق أحد المتصلين من محافظة تعز بالفضائية اليمنية، وقد وصف هذا المتصل الرئيس بـ\"سادس الخلفاء الراشدين\". كانت هذه المرتبة متأخرة بمرتبة عن تلك المرتبة التي منحه إياها شاعر ندوة التحرير.( يبدو أن المرتبة تتحدد بناء على درجة القرب والبعد من دار الرئاسة! فلا عجب، أن نرى في قادم الأيام رجلاً في ميدان السبعين يصف الرئيس بـ \"أول الخلفاء الراشدين\"!!.)

الأهم من ذلك كله، أن الرئيس نفسه أصبح يتصرف بطريقة توحي إلى عدم كفاية هذه الصفات للإحاطة بالمكانة العالية التي بلغها. فالتصدر للإفتاء في مسألة ما مثلاً كانت كفيلة بجعل شخص كثاني الخلفاء الراشدين الذي بلغ علمه وعدله الأفاق يذهب إلى أن يجمع لها كل أهل بدر كما روى عثمان بن عاصم في الآداب الشرعية ويبدو أنها مسألة أصبحت تدخل ضمن الأشياء البسيط التي يقوم بها شخص كـ\"علي عبد الله صالح\"!

حالة التمدد هذه تذكرنا بالطرفة الشهيرة \"ما أنا بقارئ\" التي أطلقها الشعب في محاولة منهم لتوصيف الحالة التي هو عليها رئيسهم والساعية دوماً للرقص على كل الأوتار. والطرفة أو النكتة بشكلٍ عام لا تأتي من فراغ، وهي ـ برأي البعض ـ عبارة عن موقفٍ ساخرٍ من موضوع له وجود حقيقي في أرض الواقع.

فعلي عبد الله صالح ـ كما تفيد الطرفة ـ عندما كان جندياً بسيطاً صادف ذات يوم وأن تعرف على امرأة كانت تقوم بقراءة الكف، وكان مما حكي عنه ميله وهوسه الشديد إلى تسلق المراتب منذ الصغر، لذا فقد بادرها بالسؤال عمّا تخبئه له قادم الأيام من مستقبل. تناولت العرافة كفه، وبعد قراءة فاحصة أخبرته بأنه سيتم تعيينه قائداً للواء تعز..

بعدها بوقتٍ وجيز تحققت نبوءة العرافة، وأصبح علي عبد الله صالح بالفعل قائداً للواء تعز.. مرت الأيام على هذا المنصب، وبدأ الضجر يتسلل إلى قلب قائد لواء تعز، فالمنصب لم يعد يشبع نهمه المتنامي باضطراد، لذا يجب التطلع إلى مناصب أرفع. راودته نفسه بالذهاب إلى قارئة الكف مرة أخرى، فنبوءتها الأولى كانت قد تحققت تماماً وهي ما تجعلها جديرة بالسعي إليها مرات ومرات. وبالفعل ذهب قائد لواء تعز إليها، وأخبرته هذه المرة بأنه سيصبح رئيساً لليمن في القريب العاجل.

مضت الأيام والأحوال، وأصبح علي عبد الله صالح رئيساً لليمن. لكن وكما هي عادة النفس البشرية العادية ـ فما بالنا بنفس رئيس عربي! ـ أن لا ترضى أو تكتفي بالموجود، ويصيبها الضجر من بقاء هذا الموجود كما هو وقتاً طويلاً بدون أدنى تغيير.. فكر الرئيس اليمني بعد مرور سنوات عديدة على حكمه لليمن بالذهاب إلى قارئة الكف مرة أخرى علها تكشف له عن مكانة أرفع من رئيس جمهورية.

أثار قدوم الرئيس للمرة الثالثة دهشة العرافة، وتساءلت عمّا يتطلع إليه، فقد استُنفِذت جميع المناصب العليا. فأخبرت صالح هذه المرة ـ ودون أن تقرأ كفه ـ بأنه سوف يكون نبياً.. إذ لن يتطلع لأكثر من ذلك، ولن تضطر هي أن تختلق له كل مرة مكانة أرفع..

خرج صالح من دار تلك العرافة إلى الشارع، ووقف ـ مطمئناً ـ بجانب أحد الجدران ليقضي حاجته، لم يلحظ الرئيس أن الجدار الذي يقف بجانبه كان مكتوباً عليه ـ كعادة الجدران في اليمن ـ \"ممنوع التبول هنا.. يا حمار\". صاح أحد المارة بالرئيس \"أقرأ.. يا رجل!. تهللت أسارير الرئيس لهذا الصوت، ونظر إلى السماء قائلاً: \"ما أنا بقارئ.. ما أنا بقارئ\"!!!

هذا الرئيس، النبي في عالم العرافين.. الخليفة الراشد في عالم المتملقين المأجورين، يتصدر اليوم للفتوى، ويفتي بتحريم الاختلاط بين الجنسين، وهي ليست بفتوى بريئة، فكثير من الناس يعلم خليفتها. إذ انتشر في الفترة الأخيرة فيديو يُظهِر حالة تحرش قيل أنها حدثت في ساحة التغيير.

وبعيداً عن الحقيقة التي ينطوي عليه هذا الفيديو، ومدى صحته من فبركته، بعيداً عن كل ذلك.. فذات الرئيس ـ النبي الراشد ـ الذي استيقظت نخوته لهذه الحادثة الهامشية البسيطة، وهرع إلى تحريمها وتحريم كل ما من شأنه أن يفضي إليها وبأعلى صوته، نجد أن نخوته هذه تغط في سباتٍ عميقٍ تجاه عمليات القتل التي تقوم بها أجهزته الأمنية وبدمٍ باردٍ، ولم تستيقظ بعد لتحريم هذه المجازر ووقف كل ما يؤدي إليها.

لا عجب من ذلك؛ فتلك هي شريعة خلفائه ـ أعني خرفائه ـ الراشدين (بن علي، مبارك، القذافي، الأسد..) المبشرين بـ\"جـــدة\" والذي يتّبع سبيلهم خطوة خطوة، زنقة زنقة!!.

elyaf3ee@hotmail.com