علماء وإعلاميون وآراء مفخخة 1-2
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 11 يوماً
الأربعاء 16 مايو 2007 05:50 م

مأرب برس ـ خاص

علماء وإعلاميون ..إنهم نكرة وليسوا معرفة ، فالعلماء الأصلاء الراسخون في العلم المحيطون علماً بشريعة ربهم العارفون بشؤون واقعهم وأحواله وأعماقه وآفاقه ، ليسوا كذلك .

والإعلاميون الشرفاء الذين يؤمنون برسالة القلم في البناء والإصلاح والتطوير ليسوا كذلك أيضا ، إنهم في حقيقة الأمر نكرات في عالم الحق والمعرفة ، وإن ظهرت أسماؤهم لامعة في الفضائيات وفي الصحافة .

إن صراعاً مريراً بين هاتين الطائفتين – علماء وإعلاميون – نقرأه على صفحات الجرائد والمجلات وعلى صفحات النت والفضائيات ..إعلاميون امتشقوا سلاح القلم دون أن يتعرفوا على القراءة الصحيحة الواعية المتأنية والكتابة العادلة المنصفة والرشيدة والهادفة نحو الإيجاب والبناء.

وعلماء تغلبهم أحيانا العاطفة على الفقه ، وتأثر فيهم ضغوط الواقع على امتثال النص الشرعي ، فيسقطون في الفتنة أو تغلبهم العاصفة ، أو تأخذهم الرياح بعيداً عن الديار ، ولذا كان طبيعياً أن نجد آثار هذا التصارع والتضاد جلية واضحة بين الطائفتين على أكثر من صعيد .

ومما يجعل المصيبة عظيمة والخطب جلل أن هاتين الطائفتين هما مصدر الإنارة والإرشاد والتوجيه في الأمة ، وزلتهم زلة للعالم ، وفتنة للأمة ، وخطأ في مسيرة التاريخ .

لذا كان لا بد من وضع النقاط على الحروف وإيضاح بعض القضايا والآراء والمواقف - كما يراها صاحب هذه الأسطر الذي لا يدعي ولا يزعم الصواب الكامل - عسى أن يستقيم السير ، وعسى أن يخف النزاع والخلاف ، وتلتئم العاطفة بالنص ، ويجتمع شمل العلماء والإعلاميين وسائر الأمة من ورائهم على كلمة سواء وفق مقتضيات الشرع المطهر والملة السمحة.

أولاً: يفترض في العلماء الثبات على المبدأ في المحكمات الشرعية ، بمعنى أن تكون آراء العلماء ثابتة ثبوت محكمات النص الشرعي الذي لا يتبدل ولا يتغير ، ولعل من مسببات التراشق بين بعض هؤلاء وهؤلاء ما يجده الإعلاميون من بعض العلماء من تبدل وتغير وتعدد للمواقف التي لا تقبل التبديل ولا التغيير ، فهنا تبدأ الإشكالية بين العالِم وبين الآخرين ، بل بينه وبين نفسه وضميره أحياناً ، وإن استطاع أن يتجاوز صراعه الذاتي الداخلي فإنه يصعب عليه أن يتجاوز بالضرورة نقد عدسات الإعلام والصحافة ، والأمة التي تأخذ عنه الدين والشرعة والحلال والحرام .

إن عدم استقرار مواقف العلماء في المحكمات الشرعية ، والقضايا المصيرية للأمة بداية الانفصام والخلل .

لقد رفض الإمام أحمد ابن حنبل أن يقول كلمة باطل واحدة ، وآثر السجن وأكثر من ألف جلدة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية مات في سجنه ولم يقلها ، وسيد قطب قُدم إلى حبل المشنقة راضياً مطمئنا على ألا يقول كلمة ينصر فيها ظلماً أو ظالماً ، لأن هذه الكلمة الباطلة سوف تأخذ عنهم لتصير ديناً يدان الله به ، وشرعة متبعة من قبل جمهرة الأمة .

إن المواقف العجيبة التي نراها من بعض العلماء تجعل بالضرورة وجود مثل هذا الصراع والانفصام والتراشق ، ليس فقط بين هؤلاء العلماء المشار إليهم والإعلاميين بل وعموم الأمة .

 فللشيخ في كل انتخابات رئاسية رأي وفقه ، ليس بناءاً على النص الشرعي المحكم ، ووفق مقاصد الشريعة الغراء ، التي لا خلاف عليها بين أهل العلم ، بل وفقا لمدى ملاءمة هذا القول أو الفتيا لظروفه هو وأحواله المستجدة .

 وفي الوقت الذي تعاني الأمة من لهيب الأسعار وأعمال الفساد والحرب المدمرة وغياب العدالة والمساواة ومصادرة الحقوق والحريات والعبث بالأموال والأعراض والدماء ...الخ ، وإذا بهذا العالم أو ذاك يغض الطرف عن معاناة الأمة وعذاباتها وتدهور اقتصادها ، بل يرون سقوط الأمة إلى الهاوية السحيقة ، وكأن شيئا لا يعنيهم !!.

 إنه لمن البدهي والطبيعي أن يقع لغط وغلط ، في الصحافة ووسائل الإعلام ، نعم لربما أن هناك ثمة عذرا قويا لهذا العالم أو ذاك عند نفسه بل وعند الله تعالى ، لكن عموم هذا الموقف ليس هو الموقف الأصوب والأمثل واللائق بأصحاب الدعوات الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله .

 ثانيا: تحفظ بعض العلماء عن إدانة أعمال التخريب والإفساد في الأرض ، وفقا لعاطفته الجياشة أو حماسه غير المنضبط بنصوص الشرع المطهر ، إن عدم إدانة الأعمال التخريبية لكون القائمين بها ذوو عاطفة إسلامية أو أن لهم ميولا جهادية ، أو نحو ذلك ، قول غير سديد ولا موفق ولا رشيد .

 إن مما يجعل العالِم يقف وجها لوجه مع الصحافة والإعلام والسواد الأعظم من الأمة أن يرى الناس أعمال التخريب تمارس على منشآت الأمة وممتلكاتها ومقدراتها ، وعلاقاتها الدولية ، وتهدد مواقفها ومواثيقها مع الآخرين ، ثم لا إدانة ولا بيان إزاء هذه الأعمال ، بل الصمت البهيم ، إنه أمر مستقبح وغير رشيد كما أسلفت .

 كما أن التعلق بالقول بأنها جرائم جنائية ينظر فيها القضاء هو تهرب مكشوف عن إدانة من أدانته كل أجهزة القضاء في الأمة من اليمن إلى الجزيرة والخليج ومصر والشام والمغرب ..وغيرها من بلدان المسلمين ، لقد قال القضاء كلمته في هذه البلدان ، في الحقيقة ، في هذه الأعمال ، وأدان هذه التيارات التي ضلّت طريقها وتلاعب بها شياطين الإنس والجن .

 صحيح أن بعض هذه الأعمال التخريبية قد يكون من قبيل الجرائم الجنائية المحضة التي تقع من غير تخطيط ولا إعداد منظم ، وأنه لا بد في مثل هذه من التريث والتأني ، وترك المجال لسلطة القضاء لتنطق بالحكم دونما تأثير إعلامي أو استعداء ، لكن هذه نادرة جدا ، والنادر من المقرر شرعا أنه لا حكم له .

 إن إدغام الجرائم التخريبية المنظمة - لفئات معلومة معروفة تعلن عن نفسها صباح مساء - بالقضايا الجنائية ، إدغام أحسب أنه إدغام جائر لا جائز ، ويعد تهربا عن إدانة التيارات الجهادية المغالية التي أضرت بالأمة وبالإسلام وبالدعوة إلى الله ، ولم تقدّم نفعا يذكر .

 وأهتبل هذه الفرصة لأشيد بالتيارات الإسلامية الوسطية التي أدانت وتدين من أول يوم هذه الأعمال المنافية لمنهج الإسلام ، والمجافية لمنطق العقل والحكمة .

 كما أنقل هنا كلمة قالها الشيخ د. عبد الوهاب الطريري في إحدى لقاءاته المتلفزة ، إذ قال حفظه الله بتصرف "إن المقصود ليس هو إسقاط أمريكا ..فقد سقط قبلها الاتحاد السوفيتي ، وجاءت أمريكا ، ولو سقطت أمريكا فرضا لجاءت أمريكا أخرى ، إن الواجب هو إيجاد البديل الإسلامي الصحيح والسليم والمؤهل ، قبل التفكير في إسقاط هذه الإمبراطوريات" أ هـ .

لا شك ولا ريب أن بعض التيارات الجهادية أخطأت طريقها في التغيير والبناء ، ومن الخطأ الذي لا يقل خطأً عن هذه الأعمال التخريبية عدم إدانة هذه الفعال التي لا يقرها شرع ولا دين ولا عقل ، وإن تحفظ البعض عن الإدانة إدانة لا تقل عن الإدانة الأولى إن لم تكن أكبر منها بكل تأكيد .

ثالثاً: لا ينبغي للعلماء الحياد عن منهج الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإقالة العثرات ، واعتبار حسن النوايا ، وحسن الظن بالمسلمين عموماً ، إعلاميين أو ساسة أو تجارا أو مهنيين ، طالما ونحن نقرّ أنهم لا يزالون في دائرة الإسلام ومحيط الملة ، مما هو معلوم تنظيراً ، لا واقعا وممارسة لدى البعض .

رابعاً: ليس سراً القول بأن بعض العلماء يتحرش ببعض الصحافيين والإعلاميين ، ربما من باب الغيرة ، وربما لضيق الأفق لديهم ، وربما للعجز عن استيعاب الأمة ، وأجد لزاما ضرب المثل بالكاتب المعروف د. فهمي هويدي ، فمن الخطأ والخلل بمكان القول بأن الدكتور هويدي من العصرانيين أو أنه ليس من العلماء ..إلى آخر تلك التهاويل والأقاويل الباردة التي يلقيها البعض جزافا!!وبلا كيل ولا وزن ، لأنه لا قائل أصلا أن الرجل فقيه أو محدث أو مفت؟ !!! .

إن هذه لغة خطابية فيها إثارة مقصودة لامتلاك الحقيقة وإلغاء الآخرين ، فهويدي ليس عالما ولا مفتيا ولا فقيها ولا محدثا ، لكنه إعلامي بارع وإسلامي أصيل ، يحمل همّ الإسلام وهمّ أمته ودينه، وليس بالضرورة أن يكون فقيها عالماً نحويا أصوليا فَرَضيا...بل يكفيه ما لا يسع المسلم جهله ، وهو فيما نحسب متحقق فيه ، لقد خدم بقلمه الصادق والناصح والعقلاني كثيراً من قضايا الأمة ومشكلاتها ، وقدّم بكتاباته السياسية والفكرية ربما أكثر مما قدمه كثير من الفقهاء والعلماء ، حيث أوجد رأيا إسلاميا موحداً في كثير من أطروحاته وتحليلاته السياسية المميزة عن عدد من القضايا الإسلامية الكبرى ، مما يجعل القول بأن الكاتب هويدي عميد الصحافة الإسلامية قول لا إشكال في صوابيته، وإن كان هذا بدوره ليس فيه إلغاء لأقلام أخرى أبلت أيضا بلاءا حسنا في المنافحة عن الأمة وقضاياها.

فالنيل منه من بعض طلبة العلم ، أو من بعض صغار العلماء، أحسب أنه من باب التحرش المقيت ، ليس إلا ، لعله ربما من باب الغيرة أو نحوها كما ذكرت ، على أنه لا معصوم من العباد عن الخطأ والزلل إلا من عصمه الله .

بقي حديث ذو شجون مع إخواننا وأحبابنا الإعلاميين ، نفرده بلقاء خاص ،،

والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل ،،،

Moafa12@hotmail.com