الاستقــــلال ..من أجل اليمن الموحد
بقلم/ صالح علي باصرة
نشر منذ: 17 سنة و شهر
الثلاثاء 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 07:38 ص

مأرب برس – خاص

 - كان استقلال اليمن من الاحتلال البريطاني مطلباً جماهيرياً، ونتاجاً لإرادة شعبية تبحث عن حقها في الحياة، وكانت القوى الثورية المعبرة عن تاريخ شعب ظل مغيباً عن ذاته، تحمل في فكرها وحركتها ونضالها غايات حتمية، أعاقتها قوى سياسية واجتماعية سعت جاهدة لاستقلال أبناء اليمن خدمة لمصالحها.

مما لا ريب فيه أن سبتمبر هي الثورة الأم والمقدمة التاريخية التي فكت رموز شفرة الانغلاق والجمود نحو صباحات مجدٍ مشرق صاغه الأحرار بأصالة الحقيقة الممتزجة بروح الشعب المناضل التواق إلى حريته، وفي سيرها الحثيث من أجل بتر عرى الماضي البغيض، كان لا بد من بعث الحياة في شرايين الجسد كله، وتحريره من أمراضه المزمنة؛ لذا فقد عملت الثورة الأم على بعث الحافز حيث ولد من كيانها واقع الثورة الطامح لتحرير الأرض المحتلة.

ونتيجة لحتمية وضرورة الثورة المتكاملة لم يجد الشعب اليمني في الجنوب وسيلة لبتر العرى التي أعاقت تقدم اليمن منذ قرون سوى الكفاح المسلح طريقاً لتطهير الأرض والروح من ال مخلفات المتناقضة مع مسيرة التاريخ المتجدد الساعي بكل قوة لصناعة اليمن الجديد.

ومن هنا فإن منجز الاستقلال لم يكن حدثاً جلبته الصدفة ولكنه كان وسيلة لغاية عظمى هي الوحدة اليمنية؛ لذلك فقد تجاوز التاريخ كل القوى التي كانت تبحث عن استقلال مناقض لهذه الغاية، ومن العوامل الفاعلة التي خلصت بالثوار لتحقيق أهدافهم في ضرورة إخراج الغاصب وحلفائه في الداخل، واحدية الثورة المعبرة عن إرادة الشعب وغاياته الواحدة، في الوقت الذي هزمت فيه قوى أنانية كانت تبحث عن مصالحها المتناقضة مع حتمية الوحدة التي شكلت لدى أبناء اليمن الثورة الحقيقية امتداداً لثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين والمتوجتين بالاستقلال ومن ثم التئام شطري الوطن الواحد في 22 مايو 1990م.

ولا مراء في القول: إن الوحدة اليمنية التي رسخت بإعلانها قبل 17 عاماً جاءت مكملة لمسيرة الثورة اليمنية بالوصول إلى غايتها المأمولة، في إطار الوحدة العربية الشاملة تنفيذاً للهدف الخامس من أهداف الثورة اليمنية الستة والذي ينص على: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.

كان من المفترض أن يكون إجلاء المحتل وهزيمة أعوانه نهاية مطاف إعصار التشظي اليمني، إلا أن الظروف التاريخية في حينه والمتمثلة في الحرب العربية الباردة، وتناقضات أطروحات القوى السياسية في الداخل اليمني حينها، إلى جانب سياسات المحتل في تجسيد رؤية للتفريق بين الإخوة، كل هذا وغيره لعب دوراً كبيراً في إعاقة مسار تنفيذ أهداف ما بعد الاستقلال التي كان من المفترض إنجازها قبل فترة وجيزة وفقاً لاستراتيجية النضال الوطني الموحد، حيث انفردت القوى الثورية مع الصراعات العبثية، وهذا أعاق الإرادة الوطنية عن الوصول بالأهداف إلى الغايات المرسومة في الزمن المحدد.

بيد أن الوحدة اليمنية التي تأخرت عن موعدها استطاعت أن تتجاوز العراقيل وتعيد التاريخ إلى مساره الطبيعي حيث جسدت أنموذجاً حضارياً في معاني الدولة المتكاملة امتداداً للتاريخ الذي شهدت فيه اليمن معاني الوحدوية الأزلية منذ أزمنة الوجود الإنساني وحتى العصور القديمة مروراً بالأزمنة المتوسطة وصولاً إلى عهد الدولة اليمنية المعاصرة، مع الإشارة أن فترات الصراعات السياسية التي ولدت انقسامات غير طبيعية في بعض مراحل تاريخ العربية السعيدة لم تؤثر مطلقاً في وشائج المجتمع اليمني الذي ظل يواجه تلك المتغيرات ويدفع بالدول إلى إعادة صياغة نفسها بما يتوافق مع طبيعة ولاء وانتماء الإنسان اليمني لوطنه وأرضه.

ومن هذه الحتمية التاريخية يكون الرد الأزلي لأي قوى تتناقض مع طبيعة الأرض والإنسان في القدر والمصير الواحد، بأن أية فكرة أو محاولة تستهوي الالتواء على هذه الحتمية، فإن مصيرها يكون في مهب الريح، فولاء الإنسان اليمني منذ وجد نفسه في كيان الدولة اليمنية عبر العصور المختلفة تواق بديمومة جامحة لإطار جامع يعبر عن إرادته الوحدوية كما صاغها عبر تاريخه الوطني الطويل.

*وزير التعليم العالي والبحث العلمي