المعارضة اليمنية .. والثورة الشبابية الشعبية
بقلم/ دكتور/محمد لطف الحميري
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر
الخميس 16 يونيو-حزيران 2011 07:07 م

كثيرون يبدون عدم رضاهم على الأداء السياسي لتكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض في التعامل مع الحالة الثورية التي تشهدها كل المحافظات اليمنية والتي تمتلئ شوارعها بكل فئات المجتمع المطالبة بالتغيير وبحياة كريمة .. نحو خمسة أشهر وحناجر اليمنيين تهتف بدون كلل أو ملل الشعب يريد إسقاط النظام .. الشعب يريد حياة تسودها المؤسسات وتتراجع أو تختفي منها دكاكين العصابات التي صادرت ثقافة الدولة وعبثت بحقوق المواطنيين إلى درجة أن الفرد أصبح يدفع الرشوة لا ليحصل على خدمات الحكومة وإنما ليتقي شر عصابات الدولة ... اللقاء المشترك المعارض منذ أن أعلن تأييده لمطالب الثوار ونظمت قياداته رحلة استطلاعية إلى ساحة التغيير واطمأنت على حماس وثورية الجموع الكادحة التي تأمل بغد أكثر عدلا ، عادت هذه القيادات إلى صالوناتها وهي مطمئنة أن يوم الظفر بالكرسي قريب وما عليها سوى اتباع سياسة ترجيح كفة الأرباح على كفة الخسائر ومن يومها وهي تدخل في غرفة مغلقة وتخرج من أخرى كيف لا وهي الخبيرة بكل ذلك من خلال علاقتها العضوية بالنظام الحاكم أو على الأصح بالعصابات الحاكمة التي تمسك بحنفيات الثروة . ويرى هؤلاء الغارقين في زخم نظرية الحسم الثوري أن ما أخر انتصار ثورة اليمنيين هو أنها ابتليت بمؤيدي الثورة من العسكر والقبائل والأحزاب ذلك أن انتصار الثورتين التونسية والمصرية كان بسبب جماهيريتهما وعدم وجود قيادة أو معارضة أيديولوجية تنظر للفعل الثوري وعواقب تجلياته .. والوقع إن نظرة متأنية في تضاريس المجتمع اليمني ونظامه السياسي تظهر أن التغيير بحاجة لفعل ثوري يقض مضجع سيد الباب العالي وفعل سياسي يرسم خارطة طريق تعقلن الفعل الثوري وتحول دون الدخول في براثن الفوضى والفراغ السياسي .

 حالات إحباط قاسية سكنت الكثير من شباب الثورة بسبب مواقف تكتل اللقاء المشترك ودخوله في جولات من المفاوضات مع مجموعات لاتهمها سوى مصالحها الشخصية والدليل النسخ الخمس للمبادرة الخليجية التي تركز بنودها على كيفية حفظ ماء رموز النظام وإهدار ماء وجه الوطن وهذا ماعكسته بروتوكولات التوقيع إذ لم يفكر أحد بأنه يتفاوض باسم الوطن وباسم شعب عظيم .. فكانت تلك الصورة التي شاهدها الملايين مجموعة من قيادات المعارضة توقع في غرفة صغيرة بدون أضواء كاشفة وأبهة تليق بالحدث وعندما حمل الوسطاء دفاترهم إلى بيت علي عبدالله صالح الأحمر بدا قادة الحزب الحاكم حول طاولة التوقيع في حالة بائسة وأحدهم منظر استراتيجي كبير لم يجد الوقت ليرتب شعر رأسه .. ورغم هذه الصورة التي أساءت لليمن بتاريخه الحضاري إلا أنني في ظل انسداد الأفق السياسي أميل إلى خيار التسوية السياسية التي تلبي بشكل كامل شروط التغيير ولا تنقلب على مطالب الثوار ذلك أن المعارضة كما تعرف في علم الاجتماع السياسي أنها من مكونات النظام القائم في أي بلد ويجب أن تقوم بدور في قيادة التحول الذي يجنب البلاد الصدام المسلح وما ينجر عنه من اصطفافات عسكرية وعشائرية تصادر أحلام الثوار لسنوات .

 أعتقد أن الثورة الشبابية الشعبية قد حققت الكثير من أهدافها ومنها إيجاد ثقافة جمعية بحتمية التغيير والتخلص من كثير من أدوات القهر الاجتماعي ، هذه الثورة حولت الإنسان اليمني إلى إنسان خلاق أقنع العالم بسلوكه الحضاري بأنه قادر على البناء والتنمية ومواكبة ثقافة العصر .. أعداد مهولة من النساء يشاركن كل يوم في المظاهرات والاعتصامات في مشهد يوحي بأنهن تجاوزن عقودا من الإقصاء والتهميش الاجتماعي والسياسي باسم الدين والعادات والتقاليد .. يكفي أن هذه الثورة جعلت أكبر شيخ قبلي يقول أنا مستعد أن أذهب إلى ساحة التغيير واعتصم مع الشباب بدون سلاح وبدون مرافقين .. فالثورات هي تغيير في البنى الاجتماعية والثقافية ويتبعها لامحالة تغيير في البنى السياسية .