|
وهنا ينبغي التفريق بين الظروف العادية حيث يكون الجند هم حماة الوطن حسب وظيفتهم العسكرية، والظروف الاستثنائية حين يكون الكل الاجتماعي (عسكريون ومدنيون)هم حماة للوطن. ولكن ما هي الضمانات التي تجعل «1- الجند » أو «2- الكل الاجتماعي » حماة للوطن، بهدف « 3- التقليل من الأخطاء» قدر الإمكان ؟.
أولا: الجند : من حماة إلى ضحايا
إن الجندي الذي لا يجد مسكنا مؤمنا من الدولة ولا صرفا غذائيا متكاملا ولا رعاية صحية مجانية له ولأسرته، ولا تعليما نوعيا لأبنائه ليكونوا في موقع أفضل منه، فإنه لا يكون مؤهلا البتة لحماية الوطن ، وإن تخلف عن أداء واجبه ووظيفته فهو معذور عنها ولا يعد خائنا بل مظلوما ومقهورا ، فدمه أول مايسيل في المعترك الداخلي والخارجي، فلا هو محبوب من أفراد المجتمع لأنه يُستعمل من قبل السلطة كأداة قمع للمواطنين، ولا هو محبوب من قبل قيادته لأنه لايحظى بالرعاية التي يستأهل من أجلها الدفاع عن الوطن أو السلطة.
في كل بلاد الدنيا يتقاضى الجندي راتبا ، لكنه في المقابل يمنح مسكنا وغذاء ورعاية صحية وتعليم أبنائه من الدولة إضافة إلى مرتبه الشهري الذي يظل مصروفا للتوفير أو الترفيه وبالتالي فإنه يكون مخلصا للدولة عندما يدافع عنها ومطواعا للسلطة عندما يتلقى أوامرها في حدود القانون .
إن الجندي اليمني - أمنيا أو عسكريا - أكثر المواطنين قهرا واستغلالا، فهو يقدم كل شيء بما في ذلك دمه وروحه ولكنه لا يحصل على أي شيئ ، إن الجندي المسكين يظل مستدينا على الدوام مستدينا لأقاربه وجيرانه والبقالة والصيدلية ومثقلا بالسلف المالية من أمناء الصناديق ... الخ. ولكنه عند الملمات مطالب أن يحمي الوطن بأغلى ما يملك وهو دمه وروحه ، وعندما يستشهد ما ذا يجد أبناؤه من رعاية؟ لا شيئ يستحق الذكر بل يصبح في قائمة المنسيين ، فبعض شهداء حروب صعدة لم تعثر الجهات المختصة على أهاليهم ليستلموا جثثهم.
الجندي يتقبل أوامر قيادته لمواجهة المتظاهرين باعتبارهم أعداء الوطن وهو لا يعلم أن هؤلاء الناس هم من يمنحونه راتبه الشهري هو وقيادته لأن أموال الحكومة هي مجموع الضرائب والجمارك ورسوم الخدمات العامة والثروات السيادية التي تؤخذ من الناس ويعاد عكسها كمرتبات للموظفين المدنيين والعسكريين على السواء ، إنه يتلقى أوامره باستعمال العصي والقنابل والرصاص الحي ضد أبناء شعبه فيخسر الجميع فلا هو محبوب عند الناس لأنه يُحشر بالأوامر في مواجهتهم ولا قيمة له عند قيادته التي تحرمه من كافة حقوقه.
كم هي الظروف قاسية عندما تدفع الناس إلى الالتحاق بالمعسكرات بحثا عن وظيفة ودخل محدود لا يسمن ولا يغني من جوع، ثم نريد من هؤلاء المستضعفين أن يدافعوا عن السلطة باسم الدفاع عن الوطن وهو تلبيس وتغرير بالعسكريين، لم يعد للوطن معنى في نفوس المواطنين سوى بالنشيد الوطني وجواز السفر للرحيل من الوطن، لأن الحقوق والإمكانات والتدريب والتأهيل لا يتوفر للعسكريين بما فيه الكفاية ليقوموا بدور حماية الوطن ولكن قلة من القيادات العسكرية تستولي على التموين العسكري من صرف بترول وأغذية وأسلحة ورواتب جنود مغتربين أو فارين أو منقطعين أو مرافقين، وصفقات ومشتريات وتمويل حروب وعمليات التهريب ينتفع منها هؤلاء القلة ليكون الجند هم وقودها.
كيف نستطيع تفسير احتلال جنود ارتيريين جزر حنيش ودولة ارتيريا لم يتعدى عمرها الطبيعي أربع سنوات،واليمن باعتبارها أو دول عربية تحظى بالاستقلال المعاصر 1918 م وأقدم دولة في التاريخ يتجاوز عمرها سبعة ألف سنة، ذلك لأن الجندي اليمني قـُذف به عاريا في الجزيرة دون آليات عسكرية أوتدريب أوحماية أوسند جوي وبحري وبري وغذاؤه اليومي في تلك المنافي والثغور « كدمة وفول» إننا نعيش في وطن مكشوف « والمخارج الله».
إننا نمنح حماة الوطن سلاح الكلاشنكوف ليحمي به الوطن علما بأن هذا لسلاح أصبح لعبة أطفال في الحروب المعاصرة التي تعتمد على التسلح الصاروخي والطيران والأسلحة غير التقليدية والمدرعات والآليات العسكرية الحديثة ، إنها مهزلة أن تظل طائرة أف 5 أحد أبرز سلاح الجو اليمني . مع انعدام أي أفق للتصنيع العسكري والاعتماد على الذات. والأكثر خرفا أن نستمر بشراء الأسلحة لمعارك داخلية وليس دفاعا عن الوطن بدليل أننا لم نستطع حماية السواحل اليمنية من الصيادين العابثين والآتين من هناك أو من القراصنة الصومالين الذين هددوا سلامة الملاحة اليمنية والدولية المقابلة.
إنهم ليسوا حماة للوطن، إنهم ضحايا السلطة وضحايا الوطن، نقذف بهم في أتون معارك بأسلحة غير صالحة للقتال مثل الكلاشنكوف وما حروب صعدة عنا ببعيد فقد عجز حماة الوطن من التغلب على فئة محدودة من المقاتلين غير النظاميين كبدت الجيش اليمني خسائر في الأرواح والعتاد بلا طائل. لم يعد لدماء اليمنيين أي قيمة لدى السلطات التي تتكسب من الحروب في تجارة السلاح والتمويل العسكري الذي يصبح حكرا على قيادات عسكرية تشتغل تجارتها ومصانعها حين تشتعل الحرب وتخسر عندما تقف الحرب.
إن السلطة تحتكر لنفسها الدفاع عن الجنود والعساكر باعتبارهم حماتها وليس حماة للوطن، إنهم أهلنا وحماتنا، ولاينبغي أن يصبحوا حماة السلطة بهكذا تجيير، إن حماة الوطن هم حماة للمواطنين وهم أخواننا وأبناؤنا وآباؤنا وبالتالي إن كان الجند حماة الوطن فهم حماة للمواطنين وهم ذات صلة ولا ينبغي أن تحتكر السلطة حق الحديث عن الجنود البواسل وحماة الوطن وكأنهم حكرا عليها، إن الجند هم مواطنون فلا يزايد أحد علينا بهم، ولا يغرر عليهم بأن بعضا من المتظاهرين والناقدين للسلطة هم حاقدين على الوطن فلا ينبغي أن يجري الخلط بين السلطة والوطن.
عن أي حماة للوطن نتحدث ، إن هذا الجندي هو مواطن يمني في المقام الأول وهو فاقد لكافة الحقوق مثله مثل المدنيين العاملين أو العاطلين عن العمل، ولم ينل شيئا مقابل جسامة التضحيات التي يبذلها يكفي أنه يعيش مشتتا في المواقع والنقاط العسكرية في كل الظروف القاسية ليحمي الوطن بلا ربح أو مقابل ، كيف نطلب منه حماية الوطن وهو منزوع الحماية من كل عاديات الزمن ، كل جندي تجمعك به معرفة، عندما تكتشف مجال عمله وموقعه تستفزه بالسؤال مالذي قذف بك هناك ؟ يجيبك بكل حسرة إنها لقمة العيش ، وهو صادق. لقمة العيش وليس حماية الوطن ، لأن حماية الوطن ليست حكرا على هذا الجندي المسكين ، فحماية الوطن فرض على الجميع تبدأ من صناعة القرار لصالح الوطن وليس ضده. وتبدأ بالعقل وتنتهي بالسلاح.
ثانيا : المواطنون : تحويلهم إلى رعايا
هل لدينا مواطنون ؟ لدينا أجراء ورعايا ، فالمواطنة تقتضي في أبسط صورها المساواة أمام القانون بين الرئيس والمرؤوس، فعندما لا يجد المواطن رعاية صحية ولا ضمان اجتماعي مجزي ، ولا تعليم نوعي ، ولا خدمات ، ولا يتمتع بفرص العمل ، وعندما تنتشر البطالة في أوساط الشباب ، وتنتشر ظواهر أطفال الشوارع والتهريب والتسرب من المدارس للتهرب عبر الحدود وانتشار التسول والأحياء العشوائية والمهمشين والتمييز العنصري بين الشرائح الاجتماعية والتقسيم الفئوي والطبقي تنتفي عند ذلك المواطنة.
وعندما تنتفي المواطنة يغيب الوطن الحاضن والحامي لمواطنيه ولم يعد للوطن معنى ، وفي هذا المقام سنتطرق إلى معزوفة الثوابت الوطنية ، ونحن هنا نؤكد أنه لا ثوابت للوطن سوى الإنسان، الإنسان هو الثابت الوحيد، فالنظام والدستور والدولة والسلطة ليست من الثوابت فكلها قابلة للتغيير .
الإنسان هو الثابت الوحيد ، فبوجود الإنسان توجد الأوطان ، وباختيارات الإنسان تنشأ الدول والنظم والسلطات ، كفى كذبا على الناس بخطاب سياسي جاهل لا يزال يعـجز عن التفريق بين الدولة والسلطة فكيف يدعي أو يحتكر الحديث عن الثوابت الوطنية الزائفة.
الجند شريحة من المواطنين أيضا مشتتين في المواقع النائية ويسهرون الليل ويرقبون ويحرسون المواقع والمنشآت المدنية والعسكرية يعيشون بعيدا عن أسرهم وزوجاتهم وأولادهم ويضحون بكل غال ونفيس عند الضرورة ، يقدمون دماءهم ويفقدون أرواحهم ، فماذا أعطيناهم ؟ مرتب شهري لايكفيهم مواصلات للعودة إلى بيوتهم، إن الجندي ينبغي أن يتقاضى راتبا بحد أدنى لايقل عن أربعمائة دولار ، ويؤمن لهم المسكن والغذاء والصحة والتعليم لأبنائهم، عند ذاك فقط يمكن أن نتحدث عن حماة الوطن ، أما الآن فنحن لدينا ضحايا الوطن وضحايا السلطة. انظروا مصير الشهيد علي عبد المغني لم نسمع أن أحدا من أسرته نال شيئا من تضحيته، وكذلك العلفي والثلايا والزبيري وشهداء 48 . إذن هم ضحايا قدموا أرواحهم في سبيل الوطن واستعملت دماءهم وتضحياتهم لمصالح آخرين يتشبثون بالسلطة ويتحدثون باسمهم ويتغنون بالثورة التي سقطت في أعتاب الاستبداد السياسي .
ثالثا : تكريس الأخطاء : الجند في مواجهة المجتمع
إن الجندي الذي يجهل دوره في حماية المواطنين ويسعى للالتزام بتنفيذ توجيه السلطة هو معذور لأنه يجرى إخضاعه لتجهيل متعمد عن دوره الحقيقي ،إن أول واجبات السلطة هي إخضاع الجند إلى احترام المواطنين باعتبارهم أصحاب السيادة والسلطة الحقيقية وإن السلطة هي موظفة وممثلة للشعب بشكل مؤقت ينبغي أن تخضع للتغيير في كل دورة انتخابية، ولا ينبغي تأجيج الحقد المتبادل بين العساكر والمدنيين وإظهار نشطاء المجتمع المدني باعتبارهم أعداء للوطن، لو كان الجند يعرفون واجباتهم وتم تأهيلهم قانونيا لما استجابوا لهدم بيت المفلحي ولو بأوامر رئاسية باعتبار أن هذا الأمر غير صادر عن القضاء مدنيا، وليس هدمه ناتج عن ضرورة عسكرية ضد المتهم أو من يقاتل ويختبئ ويحتمي بالبيت. إنه بيت خال من السكان، وليس البيت هو المتهم، فقد تم هدم المنزل تغطية عن عجز أو إخفاء المتهم الحقيقي في قتل الدكتور القدسي لإسكات غضب الناس، وبالتالي فإن إقناع الناس بأن الجندي غبي ومقفل في نظر المدنيين، أو أن هؤلاء المدنيين أيضا في وعي العسكريين لا يمتلكون الرجولة التي اكتسبها الجندي في طابور الصباح التدريبي، إن هذا الاتهام المتبادل هو نوع من تأجيج الكراهية بين الموطنين مدنيين وعسكريين، فكل إنسان مناط بأداء وظيفته لخدمة الوطن الذي يجمع الناس باختلاف مواقعهم المدنية أو العسكرية.
لا ينبغي أن ندفع الجند إلى ساحات مدنية لمجابهة المتظاهرين أو ملاحقة الصحف والصحفيين باعتبار هذه الساحات ساحات قتال، ولا ينبغي إعداد الجند ليكونوا حماة للسلطة في وجه المواطن باسم حماية الوطن زورا وبهتانا. إنما تمر به البلاد من أزمات تستدعي الحكمة بعدم تفريخ الاحتفالات التي تزيد المجتمع احتقانا ، إن الاحتفال بالحرب الأهلية 1994 م تعد شبيهة باحتفالات الإمام أحمد بقتل الأحرار اليمنيين تحت مسمى عيد النصر ، إن اقتتال اليمنيين - على أي فرض يطرح، مهما كان نبل الهدف من هذا الاقتتال – لا يستحق الاحتفال ، ناهيك عن وضع محتقن تستدعي الحكمة معه اختصار الاحتفالات بعيد وطني واحد لليمن هو 22 مايو 1990 فقط مع حذف كافة الأعياد الأخرى ، لا ينبغي أن نشجع الفتن الداخلية لإضعاف المجتمع مقابل تقوية السلطة، لأن حطب هذه الفتنة مواطنون يمنيون سواء كانوا عسكريين أم مدنيين ، إن وظيفة الجنود وهم حماة الوطن أن تتوجه بنادقهم وأسلحتهم إلى العدو الخارجي وحماية الحدود اليمنية من الاعتداءات والتهريب، أما أن ندفع بالجند إلى الساحات العامة والشوارع لينالوا من المتظاهرين فذلك نسف للأمن والسلم الاجتماعي بأدوات السلطة.
لغة التخوين :
بسذاجة منقطعة النظير يراد لنا أن نصدق أن الحراك في الجنوب شلة خائنة من الانفصاليين الذين يهددون الوحدة والسلم الاجتماعي ، وهذه تعميمات خاطئة إن الانفصال لم يكن مسموعا ولا مطروحا منذ قيام الوحدة باستثناء حالة الحرب 1994 وانتهى لكنه منذ عامين عاد بقوة بسبب تراكم أخطاء السلطة إلى الحد الذي لم يعد للوحدة والوطن معنى في نفوس الناس ، ومن التحليلات الاجتماعية الشائعة أن الانفصاليين لم يستطيعوا أن يحققوا نصرا ومعهم العند والصواريخ والطيران ، هذا الكلام صحيح ، لكن ما لم يدركه المنتشون بقوة السلطة أن من السهل هزيمة القوات العسكرية ولكن من الصعب إطفاء روح الكراهية المنتشرة في نفوس الناس ولن يفلح المدفع والقوات المسلحة في إخماد نار الفرقة والتشققات المجتمعية، إن الكراهية المنتشرة في نفوس الناس ضد السلطة والوحدة والوطن بحثا عن وطن بديل لايمكن إسكاتها بالقوات المسلحة إنما يمكن إسكاتها بالعدل والنظام ودولة القانون وصيانة الحقوق والأمن للإنسان وليس للسلطة، وهذه الوصفات لاتمتلكها السلطة الفاشلة، إن من فرط بالوحدة والاندماج الاجتماعي هي السلطة التي مزقت النسيج الاجتماعي ودفعت الناس بالعودة إلى القرابة والقبيلة والمنطقة للاحتماء من ظلم وعسف السلطة .
إن الوحدة قيمة شعورية عاطفية ولن يتم الحفاظ عليها سوى بقيمة شعورية عاطفية من جنسها كالعدل وإشاعة المحبة والأخوة بين الناس ، بينما السلطة تجمع حولها موالين من الجنوبين يقاتلون إخوانهم الجنوبيين عملا بمقولة الإمام «اسكع القبيلي بالقبيلي».
إن الوضع في الجنوب ليس احترابا أهليا لنراهن على السلاح إننا أمام رفض اجتماعي يتسع يوما بعد يوم ، فكيف نعيد اللحمة الممزقة ؟ فإذا كان لدى السلطة جوابا فلترينا قدرتها في حل الأزمات المستفحلة يوما بعد آخر.
د.فيصل الحذيفي
hodaifah@yahoo.com
في الإثنين 13 يوليو-تموز 2009 05:04:15 م