فرصة الرقم 1
بقلم/ د أمين المخلافي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الخميس 03 فبراير-شباط 2011 06:25 م

التاريخ يعلمنا أن الفرصة لا تأتي مرتين ، لكنها بالنسبة للبعض قد تأتي أكثر من مرة ، وقد يلتقطونها وتدخلهم التاريخ من بابه الواسع ، أو يهملونها فيلقيهم التاريخ في سلة المهملات، فرصة أن يكون الرئيس على عبد الله صالح الرقم (1) تتكرر مرتين ، مرة عندما أعلن في خطابه في 18 يوليو 2005 أنه لن يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2006 ، و دعا حينها كافة الأحزاب السياسية في اليمن للتقدم بالكفاءات الشاب لخوض غمار المنافسة (الشريفة) على منصب رئيس الجمهورية ، و أكد كذلك على أهمية تربية أبناء الشعب اليمني كلهم بمن فيهم هو نفسه على مبدأ التداول السلمي للسلطة، و ها هو يخط السطر الأول في صفحة التداول السلمي للسلطة ليس في اليمن فحسب ، بل في الوطن العربي .

هلل الجميع لهذا السبق في تحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة ، و ظن الناس في الداخل والخارج أن الرئيس على عبد الله صالح سيكون الرقم (1) ، تناقلت الخبر وسائل الإعلام المرئية ، والمسموعة و المقروءة ، داخل اليمن وخارجها على المستوى الإقليمي ، والدولي في الإذاعات والقنوات الفضائية ووكالات الأنباء والصحف والمواقع الإخبارية على شبكة الانترنت ، وأفردت لذلك مساحة واسعة للتحليل والنقاش حول أبعاد ذلك القرار، و مازلت أتذكر صوت الكاتب المصري عبد الله السناوي رئيس تحرير جريدة العربي الناصرية ، حيث كان ضيفاً على إحدى القنوات الإذاعية العربية ، و قد كان كتب قبل ذلك بيوم مقالة ، سطر فيها ناصحاً الرئيس مبارك أن يقتدي بالرئيس على عبد الله صالح في عزمه على تسليم السلطة بطرق سلمية محققاً الديمقراطية في اليمن ، غير أن السناوي أصيب بخيبة أمل شديدة ، وهو عض أصابع الندم ، عندما علم قبل بدء ذلك البرنامج الإذاعي بعشر دقائق تخلي الرئيس صالح عن هذه اللحظة التاريخية و تخليه عن فوزه بالرقم (1) ، و ذلك نزولاً (طبعاً) عند رغبة الشارع بالعدول عن قراره .

ها هي فرصة الرقم (1) تعود من جديد ، و الشعب في الشارع مرة أخرى ، لكن بنبض جديد ، حيث أن العالم العربي يعيش لحظات تاريخية نادرة ، تاقت لها الشعوب منذ زمن ، وجاء العام 2011 يحمل معه تباشير الخير للشعوب العربية و يحمل كذلك فرص لائحة للزعامات التي تمتلك القدرة على التقاط اللحظات التاريخية ، يأبى عام 2011 إلا أن يكون عام تساقط لهذه الزعامات الملتصقة على كراسي الرئاسة (أبو23 سنة وما فوق وما تحت) ، و هذا التساقط مريع و سريع ، فلا يكاد يسقط زعيماً في تونس حتى يوشك أن يلحقه أخر في مصر ، و ثالث في.....، و رابع في ...

فرصة الرقم (1) الأولى ، أوجدها الرئيس على عبد الله صالح نفسه ، و استبشر الجميع بأنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه تحت مسمى أول رئيس يخط على صفحات التاريخ تسليم السلطة بطرق سلمية ، إلا أن الباب كما يبدو كان ضيقاً جداً ، فقرر الرئيس التراجع عن ذلك القرار التاريخي ، وحرم نفسه أن يكون الرقم (1) ، وحرم اليمن شرف السبق في مضمار الديمقراطية الحقة ، ضاعت الفرصة الأولى و الرئيس من ضيعها، أما الفرصة الثانية ، فهي من وحي الشعب ، ونبض الشارع ، و مذاكرة الدرس بجد بغية النجاح ، يجب أن لا تضيع ، و يحرز فيها الرئيس هذه المرة الرقم (1) من جديد ، والتاريخ يضمن ذلك ، التاريخ سوف يسجل بأن الرئيس على عبد الله صالح استجاب لنبض الشارع ، و لبى مطالب الجماهير دون أن يكلف شعبه عناء الطلب ، أو مغامرة العناد الرئاسي الذي نسمع عنه هذه الأيام ، ذاك العناد الذي لا يبشر بخير ، و الذي لا يحله في بعض الأحيان إلا مبعوث أمريكي ، كما يفعل ريتشارد هوس حاليا مع الرئيس مبارك .

هذه فرصة الرقم (1) هي فرصة جدية بحق ليس فقط للرئيس على عبد الله صالح بل هي لكل زعيم عربي يقرأ اللحظة التاريخية قراءة صحيحة ، و واقعية ، و شجاعة ، وحسبي أن الرئيس على عبد الله صالح من هؤلاء ، يجب أن لا يتكرر خطاء الرئيس المخلوع بن على الذي لم يفهم إلا متأخراً و بعد فوات الأوان ، كما يجب أن نتذكر ذلك الموقف الذليل الذي وقفه بن علي و هو يقول \"أنا فهمتكم ، أ لآن فهمتكم ، لقد خدعوني\" ، كلنا يعلم علم اليقين أن هذه العبارات الصادقة لأول مرة مع شعبه و المتأخرة جداً لم تكن ذات جدوى .

فرصة الرقم (1) تلوح مرة أخرى للأخ رئيس الجمهورية ليكون الرقم (1) ولو من باب قراءته الصحيحة لهياج الشارع العربي مطالبا بالتغيير ، التغيير الجذري ، هذا الطوفان ، الذي كان فيه بن على الرقم (-1) ، وتباشير الخير تلوح حول سقوط الرقم الثاني في مصر ، ومن هنا لا نريد للرئيس ولا لليمن أن تسجل الرقم الثالث أو الرابع أو غيره ، و ندعو الرئيس بإخلاص أن يكون الرقم الإيجابي (1) و ذلك من خلال عدة أمور أهمها ، العزم الأكيد على أن تكون الفترة الرئاسية الحالية هي الأخيرة ، و التصالح الحقيقي مع الشعب فيما تبقى من فترته الرئاسية الحالية ، و ذلك من خلال القيام بجملة من الإصلاحات البناءة و الشاملة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية و غيرها ، التي تخدم اليمن ، و ترسم المسار السليم للديمقراطية ، و تطلق الحريات ، مع التركيز على أن من جملة هذه الإصلاحات و أهما الجلوس على طاولة حوار لا تستثني أحداً ، بغية إخراج اليمن من جميع النكبات التي تعيشها في الوقت الراهن ، والسير بالبلاد في ركب أمن بعيداً عن الأثرة ، وبعيداً عن الاستحواذ على السلطة و الثروة ، و إعطاء كل أبناء اليمن فرصاً متساوية في المواطنة و التمكين و الحقوق والواجبات ، و بناء دولة تحترم الشعب ، و الدستور ، و القانون ، و تعزز البناء و التنمية والأمن و الاستقرار ، و تحافظ على الوحدة و مكتسباتها ، من خلال بناء يمن المحبة ، و التسامح ، و التصالح .