كفاكم إساءة لحكم السلاطين
بقلم/ محمد الرصاص بن حسين
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 23 يوماً
السبت 23 مايو 2009 05:30 م

خلال الفترة الماضية وتحديداً بعد تصاعد أحداث الحراك الجنوبي، لوحظ وجود تسابق إعلامي رسمي للإساءة الى حكم السلطنات التي كانت تحكم كثيراً من أجزاء اليمن في العقود الزمنية السابقة لإندلاع الثورة وقيام الجمهورية..

الإساءة لحكم السلطنات، لم تندرج في إطار النقد والتقييم البناء لتلك المرحلة الهامة من تأريخ الوطن، بل جاءت في سياق تهجمي وصيغ إستفزازية تحمل الكثير من الإساءات للشخصيات التي حكمت تلك السلطنات حيث تم خلع أوصاف مسيئة لهم..

مشكلة أولئك الذين يسيئون للسلطنات تكمن في عدم إدراكهم لحقيقة ان تلك الإساءات توسع الخلافات بين أبناء الوطن الواحد، وتزرع أحقاداً وضغائن وكراهية، الوطن في غنى عنها، لاسيما في هذا التوقيت الصعب والحرج الذي تمر به البلاد..

ما يدعو للدهشة، أن المسيئين للسلطنات، يتناسون وربما لا يعرفون!! أن حكام تلك السلطنات هم مشائخ اليمن وسلاطينها، صنعوا تلك السلطنات بأيديهم وبنوا مجدها بسواعدهم، كما انهم أساس الوحدة وثوار الجمهورية، عدا عن كونهم لعبوا أدوارا كبيرة في الذود عن الوطن خلال مراحل تاريخية غابرة لعل أبرزها دورهم الكبير في مقاومة الإحتلال البرتغالي لبعض مناطق الجنوب ومواجهتهم للإمبراطورية البريطانية عبر ثورة أكتوبر التي قادوها وساندوها حتى حققت النجاح ووصلت لهدف تحرير البلاد من الاحتلال..

وهنا نتساءل: أليس من المعيب الإساءة الى أولئك الرجال الذين حرروا البلاد وكانوا رموزاً ثورية ووطنية بارزة؟!

الغريب ان الإساءات لا تقف عند حد تلك الأوصاف إذ يتعمد البعض الإيحاء إلى ان حكم السلاطين لم يكن عادلاً وهو أمر مجافي للحقيقة والواقع..

فالناظر في كتب التأريخ والباحث المتمعن يجد أن حكم السلاطين كان عادلاً لا يظلم أحداً، وكان مسانداً للمظلوم ومجيراً للملهوف، كما كان الأمن والاستقرار آنذاك أفضل بكثير مما هو عليه الآن، وذلك على الرغم من تدني العلم في تلك الفترة والافتقار إلى التكنولوجيا..

وهنا لست مبالغاً إن قلت أن حكم السلاطين كان أكفأ من الحكم الحالي الذي يربي من يصنع الخلافات ويهمل من هم أحق بالاهتمام والرعاية، هذا عدا عن ان النظام الحالي أضحى يوسع الخلافات القبلية الداخلية ويتبنى سياسة تهميش الشخصيات الوطنية التي ناضلت وأسهمت بصورة محورية وجوهرية في قيام الثورة والحفاظ على الوحدة.. ولكم أن تتساءلوا.. أين هم الثوار والوحدويون وماذا حل بهم!!

عقب ان تعرض كثير من السلاطين للنفي خارج أرض الوطن، اثبتوا وحدويتهم ولم يقوموا بتمويل أنشطة مناهضة للوحدة أو معادية للوطن، بل تحملوا كثيراً من المشاق والمعاناة حتى ان البعض من السلاطين عادو الى ارضهم بحرب سالت فيها دماء من نصبهم الحزب حكاما على مناطق السلاطين حتى تمكنوا من طردهم وبدلاً من شكرهم وتقديرهم على نضالهم يأتينا في النهاية من يصفهم بالعملاء والخونة الكهنوتيين..

عند سماعي لخطاب فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية أثار اهتمامي ما قاله الرئيس حول السلطنات وتحديداً عندما وجه الشكر إلى الحزب الاشتراكي لأنه كما قال الرئيس وحد السلطنات والمشيخات وقضى عليها..

لم أكن أتوقع من فخامة الرئيس ان يشكر الحزب الاشتراكي على ما أرتكبه من أفعال وجرائم لم تقتصر على السلطنات والمشيخات بل إمتدت إلى المواطنين الشرفاء المناهضين للأيديولوجيات الماركسية والفكر الإشتراكي المفروض حينها بالقوة..

فالحزب حين أعلن حربه على السلاطين لم يكن هدفه التوحيد ليشكر عليه، بل كان هدفه طمس الهوية القبلية والفكرية والدينية لليمن، وإحلالها بفكر ماركسي لينيني معادي للدين والقيم والتقاليد الوطنية والاجتماعية..

كم ان الحزب ومسانديه اثناء الهجوم على اسر الشرفاء قد نالوا عقابهم وقتلوا قيادات منهم ضباط ومئات من الافراد وخصوصا في محافظة البيضاء اثناء هجومهم على سلطنة الرصاص في مسوره-

كان الأحرى بؤلائك المسيئين لحكم السلاطين ان يوجهوا سهام نقدهم صوب الفساد المستشري في البلاد إذا كانوا فعلاً حريصين على مصلحة الوطن، فهنالك الكثير من الأخطاء والتجاوزات التي تستحق النقد بدلاً من مهاجمة رموز نضالية.. على سبيل المثال هنالك إهدار لأموال الشعب حيث اصبحت الحكومة تنفق مليارات في عقد مؤتمرات لا تخدم المجتمع بشيء خصوصاً والبلاد تمر بأزمة مالية وكان يفترض أن تنفق هذه المليارات في خدمة المجتمع..

من الأمثلة أيضاً، إنفاق مليارات في تشكيل لجان لرفع المظالم وحماية الوحدة في المحافظات وهو عبث واضح إذ ما هو دور وعمل المجالس المحلية المنتخبة من محافظ وأمين عام وعشرات الوكلاء والوكلاء المساعدين في المحافظات والمجالس المحلية في المديريات..

فالسلطة المحلية هي مسؤولة عن رفع تلك المظالم وحماية الوحدة ومادامت لم تتمكن من ذلك فما هو العائد منها وما هو اثر وجودها إذ انة من غير المعقول والمقبول صرف مليارات لانتخاب تلك المجالس التي تحولت الى عبئ على الدولة والمواطن..

وهنالك الكثير مما يستحق ان توجه إليه سهام النقد وتسلط عليه الأضواء بدلاً من التجريح في حكم السلاطين لمجرد خلاف بين السلطة واحد المشائخ اوالسلاطين سابقا ..

لاشك اننا وكأبناء وطن واحد نشعر بالتعاطف مع المظلومين من أبناء الوطن في المحافظات الجنوبية والشمالية كما اننا نساند سعيهم بسلم لتحقيق مطالب ومصالح عامة تخدم محافظاتهم وتدعو لإنهاء الفساد المستشري، غير ان تعاطفنا لا يلغي حقيقة وحدويتنا، فنحن مع الوحدة، ونحن أبناؤها وآباءنا وأجدادنا هم من حقق الوحدة وحافظ عليها..

ختاماً: ندعو المسيئين لحكم السلاطين، إلى الإعتذار والكف عن تلك الإساءات فالأوطان لا تُبنى بتوسيع الخلافات وزرع الأحقاد والضغائن والإساءة للرموز الوطنية وذوي الأدوار التاريخية النضالية..

ينبغي أن تكون وحدة الصف هي هدفنا الأسمى ويُفترض أن يكون الحوار السلمي هو وسيلتنا لحل الخلافات بعيداً عن الإنتقاص من تأريخ الآخرين وحقوقهم وأدوارهم النضالية والوطنية.

*ملاحظة: كاتب المقال حفيد الشيخ حسين بن احمد الرصاص سلطان سلطنة البيضاء المستقلة سابقاً.