رسالة إلى سيادة الرئيس / الشباب كيف ولماذا وما العمل ؟؟
بقلم/ نورس بن عيسى
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 16 يوماً
الإثنين 28 مايو 2007 09:29 م

مأرب برس - خاص

فخامة الأخ / علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية

تحية إجلال وبعد

تعلم يا سيادة الرئيس ، ويعلم العارفون والمسؤلون في هذا البلد.. ونؤكد نحن ذلك ..

أن الشباب أمل الوطن وأداته وعدته وغايته ، ونهوض مجتمع ما لا يمكن أن يتحقق إذا ما تم تعطيل أو تحجيم هذه الطاقة الجبارة والهائلة ، ناهيك عن انزلاق هذه الشريحة الاجتماعية إلى مهاوي الانحراف والتطرف ، والتي لا شك تؤدي إلى كارثة كبرى على المدى المنظور..

ومن هنا فإن جميع التجارب الإنسانية والحضارية التي استطاعت تحقيق قفزات نوعية في نواحي الحياة المختلفة أعطت قطاع الشباب جل الاهتمام ، فأولته كامل الرعاية ( العلمية.. الثقافية.. المعرفية.. وتمكينه في كافة نواحي الحياة ) ، فكان الجزاء من جنس العمل ، إذ أستثمر الشباب طاقته وإمكانياته لتتفجر إنجازات علمية وتقنية ومنجزات حضارية عملاقة وتضحيات بطولية في ميادين البطولة دفاعا عن الوطن والشرف ، أضف إلى كونها مثلت سدا منيعا أمام كل المؤامرات والمخططات التي تستهدف الوطن وتحاول النيل من منجزاته وتضحياته.

فإذا ما حدث العكس – تبدو المعادلة مغايرة- فيصبح الشباب أداة هدم لا بناء ، وتنمو بين خبايا هذا الشباب سلوك متمرد ، ومعتقدات غير سوية ، فيسهل الزج به في أي مخطط تخريبي أو توظيفه في إثارة أي فتنة تضر بالوطن ومصالحه وتهدد كينونته ، كيف لا ؟؟ وهذا الشباب لا يدين بولاء لوطن أودين أو نظام ، ولا ينقاد لخير أو فضيلة.. كما أنه لا يرتدع بنصح أو موعظة.

فخامة الرئيس :

للأسف الشديد أن ما ينطبق على مجتمعاتنا العربية ومنها بلادنا هو الجانب القاتم في تلك المعادلة ، وهذا التوصيف لا يعد تجنيا أو سوداويا في النظرة إلى هذه الشريحة .. فبنظرة واقعية إلى تنامي نسب استقطاب الشباب في المنظمات الإرهابية ، والحركات الراديكالية المتطرفة ، وعصابات الجريمة المنظمة ، وكذا تنامي ظواهر التمرد وعدم استشعار المسؤولية ، والبعد عن أخلاقيات ديننا الإسلامي الحنيف ، سيعطي لنا مؤشرا كبيرا على مصداقية هذا التوصيف.

وتتضاعف فداحة هذا الإشكال بالنظر إلى ضعف الثقافة الوطنية بتقصير واضح من مؤسسات السلطة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني والمدارس والجامعات والمؤسسات الأهلية الأخرى.. فكما هو واضح وجود تراجع كبير في قيم الولاء لـ ( الوطن ، الثورة ، الوحدة ، الجمهورية ، وقيم الوسطية والاعتدال ) لدى نسبة عالية من الشباب ، وارتفاع مخاطر انخراطهم ، كما هي سهولة توظيفهم في مخططات تضر بالوطن ومصالحه ومكتسباته ، وسهولة التأثير عليهم بكافة وسائل التعبئة الخاطئة.

وهو ما يجب الوقوف عنده بكل جدية ومسئولية من قبلكم وكافة الجهات ذات الاختصاص وكل الشرفاء في الوطن وبخاصة المنابر ( الإعلامية.. الثقافية.. التوعوية ) التي يقع على عاتقها عبء صياغة وبلورة ونمذجة قيم الانتماء للوطن ووحدته الوطنية وثوابته الوطنية ، وغرس مبادئ الاعتدال والوسطية والتسامح ، وهو التوجه الذي يكتسب قيمة كبرى في ظل المتغيرات السياسية الدولية ، والإقليمية التي تمر بها منطقتنا العربية.. إضافة إلى المستجدات على الساحة الوطنية.

فالنظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تمخض عن عدد من المتغيرات لعل في مقدمتها تلك الأجندة التي تم ترتيبها كجزء من مخطط للسيطرة على المنطقة العربية (مشروع الشرق الأوسط الكبير) ، وما تبعها من ضغوط على الأنظمة العربية استغلت فيها مفاهيم (الحرية.. حقوق الإنسان.. الديمقراطية.. مكافحة الفساد) كمداخل لفرض الهيمنة..

إن الإفرازات المبكرة لهذا المشروع في العراق ولبنان وسوريا فلسطين والسودان.. تجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام حول أغراضه ومراميه ، هل الهدف الأساسي لهذا المشروع هو الديمقراطية والإصلاح السياسي كما تدعي الإدارة الأمريكية ؟؟ أم أن الهدف الحقيقي هو إذابة وتمييع الهوية الوطنية ، ونزع جذور الإرث الثقافي والحضاري في المنطقة ، والتطبيق الفعلي لنظرية الفوضى البناءة ، وإدخال المنطقة في أتون أزمات طاحنة عبر إثارة النعرات المذهبية والطائفية والعرقية.

المتغيرات الإقليمية : فالانهيار الدراماتيكي للنظام العراقي لم تقتصر نتائجه الكارثية عند جيبوليتك العراق ، بل أنسحب هذا السقوط لينال من مفاهيم (السيادة الوطنية) ، كما أنه فتح الباب على مصراعيه لنمو وانتشار الجماعات الإرهابية والحركات المتطرفة والصراعات المذهبية ، ووفر لها بيئة خصبة في قلب العام العربي ، وفتح شهيتها لتجنيد أعداد متزايدة من الشباب تحت مسميات مختلفة لتتحول المنطقة إلى حلبة صراع لخصومات متبادلة.

أما على الصعيد الوطني فإن الوضع السياسي يبدو أكثر تعقيدا مع ارتفاع بعض الأصوات النشاز التي تتحدث بسذاجة عن (إصلاح مسار الوحدة) ، (الشمال والجنوب) ، (سني وشيعي) ، (هاشمي وقحطاني) ، بهدف تمييع مفهوم الوحدة الوطنية والدينية ليمن الإيمان والحكمة.

وفي نسق موازي تأتي فتنة الحوثيون في صعدة ، الذين حاولوا إعادة عقارب الساعة إلى الخلف والنيل من الثورة والنظام الجمهوري ، وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية ، عبر توظيفهم لمعتقداتهم البائدة وأفكارهم الهدامة في غسل أدمغة ما يطلق عليهم مشاعا (الشباب المؤمن) ، واللذين كانوا صيدا سهلا لآل بدر الدين الحوثي وأعوانهم ..

في ظل تراخي وغياب الشق التوعوي لأجهزة الإعلام (الرسمي.. الحزبي.. الأهلي..) ، وضعف دور الأسرة والمدرسة والمسجد في تعزيز القيم الوطنية والدينية السمحة ، وكذا تقاعس وغياب الرؤية لدى الأحزاب السياسية ذات المنهج الوسطي والمرجعية الوطنية ، لتترك الساحة خالية إلا من التنظيمات الأصولية المتطرفة والتيارات الراديكالية وعصابات الإجرام المنظم.. التي استطاعت بنجاح تسويق نفسها في أوساط الشباب مستغلة عدد من الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع وعلى وجه الخصوص مجموعة المعطيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على شخصية الشاب اليمني فعززت من مظاهر (الاغتراب النفسي) ، (الإحباط) ، (القلق من الحاضر ، والخوف من المستقبل) لدى قطاع عريض من الشباب .. بتأثير البناء التقليدي للقبيلة والأسرة اليمنية ، وسيطرة عدد من العادات والتقاليد السلبية مثل ظاهرة الثأر ، والتباهي برفع تكاليف الزواج وانعكاساته على ظاهرة غلاء المهور.. والتعاطي اليومي لشجرة القات ، والنظرة القاصرة للمرأة ، إضافة إلى الفقر والفراغ الناتجين عن ضآلة فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة بين أوساط الشباب.

سيدي الرئيس :

إن مشاكل الشباب وإشكالاته تتفاعل لتتفاقم يوما بعد يوم ، وتعطي مؤشرات خطيرة ينبغي الوقوف أمامها بكل مسؤولية ، فهي تنذر بأوخم العواقب وأسوأ النتائج .. لأن الشباب هم الأمة حاضرا ومستقبلا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، كما أنهم في الوقت ذاته المسئولون عن جيل يأتي من بعدهم.. فإذا ما أستمر التدهور ممهورا بطابع العصر – السرعة – نخشى أن يأتي اليوم الذي نفقد فيه الأمل ، ونصل إلى طريق الـ ( لا عودة ) أو الطريق المسدود.

إن الحل ( الأمني – العسكري ) يهدف إلى مكافحة وملاحقة التطرف والعنف واجتثاث الإرهاب ، على أهميته وفاعليته لا يمكن أن يمثل بمفرده كامل المعادلة أو أن يضع حلولا نهائية لتلك الأحداث ، ما لم يتم إدارة معركة ( ثقافية – إعلامية – توعوية ) بالتوازي مع الجهد الأمني وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

نعلم يا فخامة الرئيس أن الهم الوطني ليس مسؤولية فردية بقدر ما هو شعور جماعي يضطلع بعبئه كل فرد من أفراد الوطن ، كل بحدود إمكاناته ، وفق منهج محدد الضوابط له مقاييسه ونظرياته وتفضيلاته.. لكننا نوازي ذلك العلم بثقة في إرادة سياسية تتزعمها أنت يا سيادة الرئيس في تبني حل ناجع لتلك المعضلة والتي تعتبر بموجب ما طرح أعلاه من أهم وأخطر وأوجب القضايا الوطنية في مهامكم الرئاسية والقيادية لهذا البلد المعطاء..

وفقكم الله لما فيه خير اليمن وشباب هذا البلد ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

n_e_jaber@hotmail.com