حاشد هل ما زالت قادرة على صنــاعة الرؤســــــاء؟
بقلم/ عبدالباسط القاعدي:
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 29 يوماً
الأربعاء 05 ديسمبر-كانون الأول 2007 06:29 م

لعل خيوط عباءة الحكم في اليمن بدأت بالتفكك، وبعد المشوار الطويل الذي قضاه الرئيس علي عبد الله صالح على سدة الرئاسة لم يعد اليوم قادرا على إحكام قبضته والإمساك بمجريات الأمور التي فاقت قدراته وربما طموحاته، فاليمن تعيش فترة انتقالية تتهيأ من خلالها للولوج إلى مرحلة جديدة تبدو ملامحها غير واضحة، لكن الجميع وبدون استثناء يتهيأون لهذه المرحلة والخوف يحكم قراراتهم واستقراءاتهم.

محاولة لقراءة الوضع من زاوية التدهور الذي شاب العلاقة التاريخية بين الرئيس والشيخ عبدالله الأحمر (شفاه الله)، فالشيخ الذي انتخب منذ الأيام الأولى من عمر الثورة اليمنية عضواً في مجلس رئاسة الجمهورية الوليدة، ثم تولى وزارة الداخلية بين 1964 و1965م. وبعد إقرار الدستور الدائم للجمهورية الناشئة، انتخب رئيسا للبرلمان، وكان فاعلا رئيسياً خلال الأحداث ومع عدم استقرار الأمور فقد كان يغيب الشيخ رسمياً عن مواقع القرار لكنه لا يلبث أن يعود، وحسب رواية تاريخية فقد كان الشيخ الأحمر مؤهلا لحكم اليمن بعد مقتل الغشمي لكنه فضل البقاء في الظل ربما بسبب النهاية المأساوية التي ختمت حياة الزعيمين السابقين الحمدي والغشمي، فقد كان من أهم الم تغيرات التي دفعت بالرئيس علي عبد الله صالح إلى سدة الحكم لعدة اعتبارات أهمها قيام حلف غير معلن بينهما على الشراكة في إدارة البلاد.

وعطفاً على ما سبق فإن الخلافات التي كانت تظهر على السطح بين الشيخ والرئيس لا تلبث أن تخبو كون الطرفين يعرفان حق المعرفة أن مصالحهما مشتركة، وأنهما على مركب واحد ولذلك يجب أن تظل تلك الخلافات سطحية وشكلية، ربما لأنها طبيعة البشر التي لا يمكن التخلص منها، لكن العهد الخفي بين الطرفين لا يمكن التنصل عن بنوده بسهولة، وعادة إذا بدأ الخلاف طرف فإن الطرف الآخر يلتزم مبدأ التهدئة.

ولأن القبيلة تعتبر من أهم مكونات أنظمة الحكم في اليمن فإن أي زعيم سواء كان في صورة مملكة أو جمهورية إذا لم يعقد معها صلحاً فإن مصيره إلى الزوال، وقد فهم هذه المعادلة عدد من الأئمة، كما فهمها الرئيس بعد تجارب الزعماء الذين توالوا على سدة الحكم منذ قيام ثورة سبتمبر في 1962م، ولذلك فقد تم الاتفاق على تحويل الدعم السعودي عبر الشيخ الأحمر بداية ترأس صالح لخدمة بقائه باعتباره أخف الضررين.

وقد شهدت تلك الفترة استقراراً كانت اليمن بحاجة ماسة إليه، كما أن عدم تجاهل القبائل الفاعلة من قبل طرفي الحكم والبدء بشراء الولاءات من خلال التواصل مع مراكز القوى في تلك القبائل، وتسليمها نصيبها من الكعكة التي أوشكت على الانتهاء ساهم في تثبيت حكم صالح خلال الفترة الماضية.

لكن ما لم يتم الانتباه إليه أن «العيال كبرت» وأن دائرة المصالح بدأت تضيق حتى تضرر منها الأقربون، وهم الذين خرجوا رافعين أصواتهم بوجود فساد حقيقي يمارس على مستويات رفيعة في نظام الحكم، وبغض النظر عن تسوية أوضاعهم من عدمها فإننا معنيون في هذا المقام بالحديث عن تحالفات غير مرئية بدأت عملية التنصل عنها بالعد التنازلي.

الشعور بالقوة أمر مغرٍ، وهذا الشعور يدفعك نحو التفكير بأنك لست بحاجة إلى الآخرين والعكس صحيح ولذلك عادة ما تبدأ مع مثل هكذا شعور عملية التملص من الالتزامات، وهذا ما يمكن تفسيره بمحاولة النظام منذ فترة غير قريبة فك تشابك المصالح مع الشيخ عبدالله الأحمر من خلال إنزال الشائعات عن أبنائه، وتسنمت أجهزة الدولة ترويج تلك الشائعات في الأوساط الشعبية، وقد تمكن النظام إلى حد ما من رسم صورة سلبية عن أولاد الشيخ الذين صورهم أنهم أشخاص ينهبون حقوق الناس وأنهم يعتبرون أنفسهم فوق القانون من خلال ممارسات تسيء لروح المدنية، لكن تلك الصورة ما لبثت أن تغيرت بعد بروز الشيخ حميد الأحمر كرمز معارض ودخوله مضمار السياسة، كما أن نشاط الشيخ حسين في السنتين الأخيرتين وتمرده على حزبه ساهم وإن بصورة أقل في تخفيف تلك الصورة.

وتزامن مع تلك الشائعات الهجوم على الشيخ عبد الله أكثر من مرة من قبل الآلة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام وكان أشرسها ذلك الهجوم الذي نال من الشيخ شخصياً بعد كلمته في أحد مؤتمرات الإصلاح الذي حذر فيها من دخول البلاد في نفق مظلم، وكون إعلام المؤتمر ليس مخولاً بالاقتراب من حلفاء النظام، ما يفسر أن الحملة كانت موجهة من القصر الرئاسي، وإن تلاها اعتذاراً باهتاً إلا أنها أوصلت رسالتها كاملة.

وتوسعت دائرة الخلافات إلى تنحية الشيح حسين الأحمر عن رئاسة فرع المؤتمر الشعبي العام بعمران، تلا ذلك تعمد إسقاطه من عضوية اللجنة العامة في المؤتمر العام السابع بعدن نهاية 2005م، بعد الاتفاق الذي تم بين الرئيس والشيخ بترشح نجله حسين الذي كان رافضاً للفكرة من أصلها، وقد دفعت تلك التصرفات الشيخ الشاب إلى تبني مواقف مناهضة لسياسة حزبه في البرلمان خلال الفترة الماضية، وانتهى به الأمر إلى الإعلان عن تأسيس مجلس التضامن الوطني بعد حديث طويل عن مصادر دعم ليبية سعودية، واتهامات متبادلة عبر وسائل الإعلام بينه وبين قيادة المؤتمر الشعبي العام، ورغم تظاهر النظام الحاكم بتجاهل الكيان الذي أسسه الشيخ حسين مع عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية المنتمية إلى أحزاب مختلفة إلا أنه لم يستطع إخفاء مشاعر خوفه ولذلك سرعان ما دفع برموز قبلية مشهورة بمنافستها لزعماء قبيلة حاشد للإعلان عن كيان مناوئ دعم من خزينة الدولة ب 100 مليون ريال تقريباً.

وحتى اللحظة لا تزال الدولة تطرح بنادق العدال مهملة الدستور والقانون ولذلك فعقلية القبيلة هي التي تحكم مظاهر المدنية المعاشة وإن ظهرت في شكل مؤسسة أو غيرها، حتى شركات الاستثمارات وتوزيع تنفيذ المشاريع يتم وفقاً لثقل القبيلي وقربه من دار الرئاسة، ولذلك فإن الرموز القبلية الآن تحولت إلى بيوتات تجارية تدير رأس المال الوطني، ومن المعروف أن القبائل اليمنية تتمتع بنفوذ اقتصادي وسياسي كبير، وتمتلك قوة وأسلحة ثقيلة وخفيفة حيث تشكل دولة داخل دولة عجزت كل الحكومات المتعاقبة عن إنهاء هذا الأمر.

لا تزال القبيلة متفوقة مقابل نظام الدولة، وبعد إنجاز الوحدة بين شطري اليمن أتيحت الفرصة لتفوق نظام القبيلة على نظام الدولة بشكل أكبر، وقد غدونا اليوم نسمع عن شيخ مشائخ عدن التي حكمها النظام البريطاني لعقود من الزمن، وهذا تفسير واضح لرسوب الدولة في الحصول على ولاء المواطن وانتمائه السياسي لها في مواجهة القبيلة، لدرجة أن المنتمي للقبيلة لا يتحرج في إبداء ولائه للشيخ على حساب الدولة ورموزها، متحدياً وسائل الردع المنظمة عند الدولة حتى لو كلفه ذلك حياته وحريته.

ولأن نظام الحكم يدرك أن بقاء قوة وسلطة أسرة بيت الأحمر مرتبط بقوة القبيلة، وأصبح التفكير بإضعاف دور القبيلة المتحكمة أمراً مهماً وشرطاً لازماً لصعود قوى اجتماعية جديدة، ولذلك اتجه نظام الحكم جنوباً في البحث عن توازنات قبلية وشركاء جدد على حساب تحالفاته القديمة مع قبيلة حاشد، ويتم البحث عن قبائل بكيلية أو حتى مذحجية لديها الاستعداد وتمتلك المؤهلات للتحول إلى مراكز قوى مناوئة ومنافسة لقبائل حاشد بدءً من قبائل ذمار وانتهاءً بقبائل يافع وما جاورها من المناطق الجنوبية، وهو ما يفسر التعيينات الأخيرة حيث حظيت ذمار بخمسة محافظين وعدد من المراكز الحساسة في أجهزة الدولة المختلفة، كما أن المصاهرة في الأسرة الحاكمة ولت وجهها شطر الجنوب مع استثناءات قليلة كانت أيضا تخدم فكرة فكفكة وحدة قبيلة حاشد، ومنها بناء علاقات اجتماعية مع أولاد الشيخ المرحوم مجاهد أبو شوارب الذي ناسب أحد أبنائه الرئيس صالح، وبالمناسبة فأولاد الشيخ مجاهد ينادون الشيخ عبدالله الأحمر بالجد، كما أن الأخير قال في حادثة وفاة الشيخ مجاهد لو أني فقدت أحد أبنائي لما حزنت عليه مثلما حزنت على الشيخ مجاهد.

المتغير الثابت في علاقة النظام مع مراكز القوى الموجودة على الساحة هو المشاحنة وزرع الخلافات بين المتنافسين وهذا الأمر الوحيد الذي يتقنه النظام خلال الفترة الماضية، ولذلك فبعد حوار الشيخ سنان أبو لحوم مع قناة الجزيرة تسرب من جدران قصر الرئاسة اتصال لشخصية بكيلية يحرضها على الرد على الشيخ سنان باعتباره ليس شيخاً لمشائخ بكيل، وهذا ما يتم اعتماده مع الآخرين سواء كانوا أحزاباً أو مشائخ أو حتى موظفين عاديين مع جهاز الدولة وأحيانا مع قيادات مؤتمرية.

وبالعودة إلى موضوعنا فإن النظام الحاكم ظل يستخدم رئاسة البرلمان كوسيلة ضغط على الشيخ عبد الله الأحمر، وقد بدت هذه الصورة واضحة حين أقر البرلمان إعادة انتخاب الرئيس كل سنتين ليتم التلويح بهذه الوسيلة باستمرار، حتى أن محاولات ضرب نفوذ الشيخ وأبنائه تجاوزت الحدود إلى عقر دارهم وبين قبائلهم من خلال استقطاب عدد من مشائخ حاشد وشراء ولاءاتهم، وليس بعيدا عنا ما دار من تنافس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي كاد الشيخ يسحب ترشحه بعد منافسة حادة من قبل أحد المشائخ المدفوع من المؤتمر الشعبي العام، كما أن مهرجان مرشح المشترك في الانتخابات الرئاسية في عمران كان السبب الرئيس في دفع المؤتمر لمضاعفة موازنة حملته الانتخابية لمرشحه للرئاسة التي لم يكن قد بدأها، وقد تم التركيز من قبل النظام الحاكم على محافظة عمران بالذات لتوجيه ضربة قاصمة لنفوذ أبناء الشيخ، وإيصال رسالة لهم مفادها أننا أقوى منكم في مواقعكم، وتؤكد الأخبار أن بعض المشائخ العاديين على مستوى المحافظة استلموا مبالغ كبيرة جداً.

كما أن التعيينات الأخيرة لوكلاء محافظة عمران تأتي في إطار القضاء على آخر حبال الود بين القصر الرئاسي وأولاد الشيخ كون من تم تعيينهم إلى من سبقهم يعدون من المناهضين لسيطرة أسرة «بيت الأحمر» على حاشد والتي من أبرز صورها سيطرة أبناء الشيخ كمرشحين عن كل الدوائر الانتخابية الممثلة لحاشد باستثناء دائرة خارف التي خصصت لـ(نسبهم) جبران بن مجاهد أبو شوارب، ودائرة حمود عاطف التي تنازل له الشيخ حسين بها بعد خلافات حادة.

حدة الخلاف بين القصر وبين الشيخ وأولاده ظهرت بصورة جلية خلال الأيام القليلة الماضية، ففي حين أعلن الشيخ حميد وعبر صحيفة الأهالي أن حاشد وسنحان مهضومون، معلناً أن الإقصاء يمارس داخل سنحان نفسها، حيث يتم إقصاء بعض كبار الضباط في سنحان، قال «نحن اليوم في وضع أفضل من وضع 26 سبتمبر 62م، وأفضل من وضع 14 أكتوبر 67م، نحن اليوم كقيادات في وضع أفضل من الوضع الذي قامت فيه الثورتان»، مضيفاً «هذا الشعب هو الذي أنجب من قاموا بتلك المنعطفات الهامة، وهذا الشعب قادر إذا لم تستجب السلطة لمطالبها الحقيقية أن ينتج وضعاً أفضل، والفرصة لم يعد فيها الكثير».

وهذا الخطاب قد أثار غضب نظام الحكم الذي شن هجوماً حاداً في افتتاحية صحيفة الثورة خلال الأسبوعين الماضيين وإن بصورة غير مباشرة على أولاد الشيخ، كما أن تداعيات حشد حسين الأحمر لقبائل حاشد في خمر ظهرت على شكل تعيينات لوكلاء جدد في محافظة عمران إضافة إلى استدعاء الرئيس لمشائخ من قبائل حاشد الذين توافدوا على مدينة عدن خلال الأسبوع الماضي.

ورغم أن الرسالة التي أراد الشيخ حسين إيصالها من حشد مشائخ حاشد أن قبيلته ما زالت قادرة على الاجتماع والاصطفاف خلف مشايخها ورموزها في أي وقت ومهما كانت الظروف، فقد تمكن الرئيس من خلال الاجتماع بمشائخ قبيلة حاشد الرد بالمثل، ولسان حاله يقول «هؤلاء المشائخ مستعدون أن يصطبحوا عند الشيخ حسين ويتغدوا عند الرئيس».

ورغم تواصل الوساطات لحل الخلاف بين حسين والرئيس إلا أن الحديث عن التحضير لمؤتمر خمر الثالث سيكون بداية مرحلة جديدة لا يمكن التنبوء بملامحها لعدة أسباب أهمها أن الظروف التي كانت تواكب مؤتمر خمر والتي كانت تحيط بتلك الفترة تختلف عن الظروف المعاشة حالياً.

* ألأهالي