هل يدخل الرئيس ونظامه مرحلة العزلة الدولية
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 7 أيام
السبت 09 إبريل-نيسان 2011 03:25 م

يحاول الرئيس الاسراع بدفع البلاد نحو دوامة العنف لتغيير مسار الاحتجاجات المطالبة برحيلة باتجاه التفاوض لبقائه باعتباره الضمانة الوحيدة لعدم انجرار البلاد في مستنقع العنف كما يتحدث هو بنفسه.

ويتكئ صالح لتنفيذ هذا السيناريو على بؤر للتوتر زرعها وغذاها خلال فترة حكمه الطويلة وهي أدوات وأسلحة فتاكة بإمكانها العودة باليمن الى مرحلة ماقبل الدولة في محاكاة للتجربة الصومالية بنسختها اليمنية،حيث يسير صالح على خطى الجنرال الصومالي محمد سياد بري.

وبمراقبة اداء صالح ونظامه تجاه المبادرات المحلية والاقليمية والدولية لحل الازمة اليمنية نجده يمارس تصلباً واستماتة وتمترسا في مواقفه الرافضة لتسوية الملعب اليمني وتسهم تصرفاته التي تتناقض مع تصريحاته ودعواته لحل الأزمة،إلى الدفع بالامور نحو حافة العنف.

ويتصرف صالح على المستوى المحلي كما على المستوى الدولي بارتباك وخطوات مهزوزة جعلته بفقد حلفائه الذين استدعاهم لمساعدته في حلحلة الاحتقان والتوسط لدى الشباب المعتصمين في غالبية المدن اليمنية ورفض الموافقة على مبادرة العلماء والمشايخ واللقاء المشترك، ولعل انتقال ابرز حلفائه اللواء علي محسن وغيره من قيادات الجيش وعدد كبير من الدبلوماسيين والوزراء والبرلمانيين هو دلالة واضحة على ان الرجل اصبح غير قادرا على تقديم خطاب مقنع لاولئك الحلفاء.

ولا يبدو انه يدرك فداحة أخطائه السياسية على الصعيد الاقليمي التي كان اخرها اعلانه امام حشد من انصاره في ميدان السبعين رفضه للمبادرة الخليجية التي قال انها مبادرة قطر وانها تعتبر تدخلا سافرا في الشئون اليمنية، متناسيا انه هو من قام باستدعاء الدور الخليجي لمساعدته في الخروج من المأزق الذي تمر به البلاد عندما اوفد وزير خارجيته للرياض،وربما كان يفكر عندما قرر استدعاء مجلس التعاون الخليجي للتقدم برؤيته لحل المشكلة اليمنية، أن الموقف الخليجي سيأتي مماثلا للدور الذي قامت به دول المجلس في مواجهة احتجاجات البحرين.

دوليا تعامل صالح بخفة غريبة مع المطالب الامريكية والأوربية التي طالبته بحماية المعتصمين والمتظاهرين وعدم الاعتداء عليهم والقيام بإصلاحات سياسية واجراء حوار لنقل السلطة عبر التفاوض،فمقابل تلك الطلبات قام نظام صالح بالاعتداء وقتل المتظاهرين المطالبين برحيله،ورفض خارطة الطريق التي قدمها السفير الامريكي، وكان يعتقد إن امتلاكه لملف القاعدة في اليمن كفيل بجعل امريكا والاتحاد الاوربي يقفان الى جانبه ودعمه في مواجهه الاحتجاجات الشعبية المتزايدة،بغض النظر عن سلوكه في ارض الميدان الرافض لكل المطالب الغربية.

وبدلا عن التفكير والتعامل الجدي مع المطالب الامريكية والاوربية للرئيس صالح التي اعلن عنها الاسبوع الفائت قام صالح بطلب الالتقاء بسفيري روسيا والصين في صنعاء وهي خطوة تكشف عن خطط بديلة للرئيس صالح الرافض لتسليم السلطة، تمضي بالرجل ونظامه ربما نحو حرب أهليه طويلة المدى، ويريد من الصين وروسيا الوقوف الى جواره واستخدام حق الفيتو في مجلس الامن، إذا ما تطورت الامور باتجاه وجود خطوات لاحقة لاتخاذ قرار دولي يخص اليمن ،أو قرار دولي لملاحقة الرئيس واركانه المتورطين في قضايا القتل عبر محكمة الجنايات الدولية.

تكشف سلوكيات نظام الرئيس علي عبد الله صالح المتوترة منذ بداية الثورة الشبابية والشعبية عن انعدام الرؤية الواضحة لديه حول كيفية مجابهة الاحتجاجات المتزايدة المطالبة بالانتقال السلمي والآمن للسلطة في البلاد بدون اراقة المزيد من الدماء أو استدعاء سيناريوهات الاقتتال والاحتراب الأهلي باهض الثمن على مستقبل واستقرار ومكانة اليمن في المنطقة.

بالنسبة لرجل مثله برع في الاستمرار على كرسي الحكم لاكثر من ثلث قرن عبر ادارة الازمات وتفكيك التحالفات السياسية والاجتماعية التي يستشعر خطرها على منصبه واستئثاره بالحكم، فإنه يرفض الاستجابة والاعتراف بخطورة الأوضاع التي تمر بها البلاد،ويعتبرها مجرد زوبعة وعاصفة ستمر وسينجح في تجاوزها كما نجح في تجاوز الإخطار التي واجهته على مدى اكثر من ثلاثة عقود، وتلك تقديرات في مجملها خاطئة كاذبة،خانته فيها تقديراته وفشلت رؤيته المحملة بالمرارة من تساقط رجالاته وحلفائه من حوله منذ الجولة الأولى للمعركة التي كان يخطط لخوضها تجاه خصومه السياسيين المدعومين هذه المرة برغبة شعبية عارمة تتزايد يوميا للوصول للتغيير السياسي والاجتماعي والثقافي الشامل، للخروج من تحت عباءة الرئيس وسيطرته على مقاليد الحكم في اليمن.

يحاول الرئيس صالح جاهدا الدفاع عن رؤيته في عدم مغادرة كرسيه بهذه الطريقة التي يتوقعها يوما ان تأتي بهذه الصورة المفاجئة والقوية وعبر خصم غير تقليدي وغير متوقع بالنسبة له ولأركان نظامه كان دوما مايرى في الأحزاب السياسية والقوى التقليدية في المؤسسة القبلية عدوا محتملا وتهديدا لخططه في البقاء في حكم البلاد حتى عام 2023م على الاقل أو نقل الحكم لنجله بعدها او قبلها،ولتحقيق تلك الغاية كرس جهده وتفكيره ومن ورائه الوظيفة العامة والمال العام لتعطيل الحياة السياسية وتهميش الاحزاب السياسية، وافتعال الأزمات والحروب الداخلية في مناطق متعددة من البلاد،وتهرب من المحاولات الرامية لتسوية الملعب السياسي اليمني،وقرر رفض كل الحلول والرؤى والمساعي التي بذلتها الإطراف المحلية والإقليمية والدولية للخروج باليمن من عنق الزجاجة.

واستطاع التلاعب باتجاهات العالم الخارجي والرأي العام المحلي لصالح بقائه باعتباره الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على إبقاء الأوضاع المأزومة في اليمن تحت السيطرة ومنع تداعيات الأحداث الكارثية التي هي في الأصل من نتاج فترة حكمه،وانفراده بالقرار السياسي في البلاد وإقصائه لحلفائه قبل أعدائه،مستخدما العديد من الفزاعات والمخاوف لإقناع العالم الخارجي بضرورة دعمه باعتباره حائط الصد الأول وربما الأوحد في اليمن لمصالح القوى الإقليمية والدولية وشرطي المنطقة الضامن للاستقرار وتنفيذ الأجندات السياسية ومواجهة مخاوف العالم من تنامي نفوذ الإيراني في المنطقة،وتهديد تنظيم القاعدة للمصالح الاقتصادية والأمنية في منطقة الخليج العربي والممرات المائية الدولية التي تطل عليها اليمن ويمر عبرها حوالي 40% من إجمالي تجارة النفط في العالم في اتجاه الأسواق العالمية.

وبنفس ذلك الاداء على الصعيد الخارجي القائم على اثارة المخاوف وافتعال الازمات،قام بالتلاعب بالأطراف السياسية المحلية، مستغلا الواقع السياسي اليمني المليئ بالتشوهات التي تسببت فيها الصراعات السياسية والقبلية والايديولوجية لعقود طويلة، وقام بتغذيتها وتعزيزها والتلاعب على تناقضات الواقع اليمني، وبدلا من القيام بترميم الجسد اليمني المنهك من تلك الصراعات البينية قام بتغذيتها ورعاية بذور تلك الصراعات مستحضرا دوما الصراعات السياسية والطائفية والقبلية وتزويدها بما يكفل اشتعالها، وتوسعة الشقوق والفوارق بينها،بما يضمن بقاء كل ادوات الصراع ومفاتيح النار في يده، ورهن الاستدعاء الفوري لها من قبله.

إذا استمر الرئيس في رؤيته للامور من زاوية واحدة والتشبث بالكرسي ورفض كل أطواق النجاة التي رمتها له أكثر من مرة أطراف محلية وإقليمية ودولية،والاستمرار في الاندفاع وراء محاولة تصفية حساباته مع من يعتبرهم خصومه المحليين والإقليميين بدلا من الانشغال بالعمل على انهاء تداعيات اخطائه السياسية على الساحة اليمنية فإنه سيكون كمن يحفر قبره بيديه، وقد ينجح في جر اليمن والاطراف اليمنية الى مربع العنف لكنه سيكون وأسرته وأركان نظامه أول ضحاياه ولن يستطيع ومن يزينون له أعماله الافلات من الملاحقة القضائية الدولية،خاصة وان هناك مطالبات دولية بدأت في العمل على ملف العنف والقتل في حق المدنيين.

- صحفي يمني