|
بداية أود أن أهنيء أبناء مأرب والمقيمين بالعيد العشرين للوحدة اليمنية. حقيقة إن في الوحدة قوة، فهلا توحدتم يا أبناء مأرب على كلمة سواء لنعيد لمأرب اليسير من فخرها التاريخي؟ أم ستظلون في جاهليتكم الأولى حتى تستعبد صنعاء أحفادكم وحفداءكم وتنتشروا كالمتسولين في الأرض بلا هداية؟ وسأتطرق هنا لحياة النمل وحكاية نملة لنرى أن القيادة لا تحتاج للمرجفين وجمع الأموال بل للتضحية والمسؤولية وتحقيق الهدف.
الكثير منا سمع بقصص القرآن الكريم: سفينة نوح، كبش إبراهيم، ناقة صالح، عصا موسى، حوت يونس، حمار عزير، ذئب يوسف وكلب أصحاب الرقيم عليهم السلام جميعا، وارتبط الهدهد بالنبي سليمان بسبب تحدي الهدهد الصريح بإحاطته بأمور يجهلها الملك النبي وكسب الهدهد الرهان نظير مثابرته واعتماده على نفسه وليس على الجن والإنس والطير والشياطين. من جانب آخر، يمكن الإدعاء بأن مشايخنا والأوصياء والموالين لم يرتقوا إلى مرتبة "نملة". لا أتجنى على احد بهذا القول والأمر مطروح للنقاش والحكم على كل ما ادعيه.
رغم أن النملة لا تعمر أكثر من شهرين باستثناء الملكة إلا أنها تبني البيوت القوية الصلبة في الأشجار وباطن الأرض وظاهرها وكهوف الجبال لتعمر عشرات السنين وتعيش في أرجاء المعمورة. يعرف البدو إن أول زائر إلى محلتهم الجديدة هو النمل وساكني البيوت الحديثة لو تفحصوا منازلهم وجنباتها لوجدوا أن أول ضيوفهم ومباركيهم هو النمل.
قال تعالى: (حتى إذا أتوا على وادِ النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) (النمل: 18). إليكم شيء من التبسيط. في تفسيري للآية الكريمة. (حتى إذا) ظرفان للمكان والزمان في آن وهذا من بلاغة القرآن ويدلان على نقطة الالتقاء والمواجهة بين المتحرك (سليمان وجنوده) والساكن الأمن (النمل وبيوتها) في وادي النمل العجيب. هنا لا مجال للمداهنة وعليه هبت نملة شجاعة وبليغة تطلق تحذيرا صارما يخلده كتاب الله إلى يوم الدين: (يا) نادت، (أيها) نبهت وأشارت، (النمل) حددت وأكدت (ادخلوا) أمرت وصرخت، (مساكنكم) وجهت ونصحت، (لا يحطمنكم) نهت وحذرت وعللت، (سليمان) خصصت وخاطبت، (وجنوده) عممت ووثقت، (وهم لا يشعرون) شرحت واعتذرت، وهي بهذا الحطاب أبلغت رسالتها لتختبر القادمين الذي عرفتهم من هيئتهم. وكان الجواب التبسم وليس العبوس والغضب وحمد الله سليمان بن داوود (عليهما السلام) على هذه النعمة وكان لها ما تريد تجاه هذه الوقفة الشجاعة والشعور بالمسؤولية أمام الجن والإنس. لم تبع ولم تشتر في قريباتها ورفاقها ولم تتوسل لجحافل الجيش المهيب.
لقد أسميت هذه "النملة" نملة الملكة بلقيس وكانت موالية لأرض الجنتين حيث تعيش مع بنات عمومتها وأخواتها في أقصى شمال المملكة لكي تكون مقدمة لأسطورة نحكيها للأجيال من بعدنا لكي يتيقنوا بأن كل ما يعيش على تراب مأرب مقدس وشجاع، وإن لم يسلك كبارنا سلوك النمل فسندعوهم إلى كلمة سواء وننذرهم بالعواقب، حيث والاعتماد عليهم لن يؤدي إلى ضياع التنمية وأرزاق البشر فحسب بل أيضا إلى ضياع الهوية المأربية والعادات والتقاليد والتراث والأساطير الجميلة. أيها الأخوة أقتلوا الخوف في داخلكم لتتغلبوا على الواقع المفجع ولينصرن الله من ينصره وهو على كل شيء قدير.
كلنا نعصر صليط
هذه الأيام أضع الزيت جانبا: لا آكل عليه ولا أصبه على النار. لكن من الضروري أن تعرفوا بأن جميع أبناء مأرب شركاء في دمار المنطقة واستغلال خيراتها واستعباد أهلها بالتبعية واستبعادها من الحقوق والتنمية. لا نحن في جمهورية عادلة فاضلة تذكي الروح الوطنية، ولا نحن في مملكة معلنة صريحة ونيأس من المشاركة في الحكم. بكلمات أخرى، وصاية سافرة وتقاسم مصالح بين مافيا الفساد وسماسرة السياسة. هناك وصاية بمسميات عديدة: الصحب، الأحزاب، المنظمات المدنية، وآخرها مجلس التضامن (تبعية بضمانة). إذا كنا سنقبل بالوصاية والتبعية فربما من الأولى البقاء مع فخامة الرئيس وأسرته، ظالم (في حقوق أبناء مأرب) صريح مع شعبه ومتسامح (ولو مع الفاسدين) ولا مع شيخ (بالمال والنسب) ذكي يستغل الظروف ومتعالي (عدا مع شلة المتآمرين). ذكرنا المساوئ ولم نذكر المحاسن. في النهاية نحن الضحية: لكن أن نضحي برضانا أفضل مما يضحي بنا غيرنا بالخديعة والهنجمة والجاه والمال. وفي العدد القادم سنتطرق لمؤتمرات صنعاء واجتماعات فندق "موفمبيك" كمثال على مدى الاستخفاف بكم كرعية جاهلة مغضوب عليها.
لكي لا نخرج عن الموضوع، سنتحدث مجددا عن أحفاد نملة بلقيس. النمل هو احد أنواع مملكة الحشرات وهو من ذات فصيل النحل والدبابير. هذه الأقارب الثلاثة تشتهر بلسعاتها الحارة ونظامها البديع. يمكن القول بأن هناك خمسة عشر ألفا من أجناس النمل (منها بالعامية: الذر الأحمر والصبخ الأسود والقعاصي والسللة (النمل الأبيض)). أكتفي بذكر أن ممالك النمل الموجودة في مستعمرات الأمازون بالبرازيل (أمريكا الجنوبية) تشكل أربعة أضعاف جميع المخلوقات على اليابسة من حيوانات وزواحف وطيور وبرمائيات مجتمعة.
تمتلك ستة أرجل قوية لو تصل في حجمها إلى حجم الإنسان لوصلت سرعتها إلى أربعين كيلومتر في الساعة وتحمل عشرين ضعف وزنها ولو ترتقي إلى حجم الإنسان لحملت سيارة شاص بكل سهولة. رحمنا الله وجعل هيكلها العظمي خارجي ولهذا لا يرتفع وزنها ولا تكبر. بمعنى أن جميع النمل من ذات الجنس متساو في الوزن، بعكس الآدميين الذين نرى فيهم القوي والضعيف، السمين والنحيف، البدين والنحيل، الغني والفقير، الوصي والتابع. النمل جميعه شجاع ولا يهاب المواجهة والدفاع عن مستعمراته وممالكه لو انتهى جميعه. هل لديكم ألف رجل في مأرب مستعد للتضحية والدفاع عن حقوق البلاد والعباد؟ النمل اذكي من الإنسان وحجتي في ذلك أنه طالما والذكاء يقاس بنسبة وزن المخ إلى وزن الجسم، فإن نسبة مخ الإنسان إلى وزنه هي في المتوسط 2% بينما تزيد على 5% لدى النمل.
النمل آكل لكل شيء: النبات والحبوب والأخشاب والفطريات والطحالب واللحوم، أي آكل لكل ما ينمو. على سبيل المثال، انتشر في الولايات المتحدة وضايق المزارعين وعمل على هدم منازلهم، مما دفعهم إلى استخدام المبيدات بشكل واسع لا يوصف ومن ثم قامت العاملات والمحاربات بنقل عينات من تلك السموم إلى ملكاتها. تنقلها النملة خطوة وماتت وأخذتها أخرى حتى إيصالها للملكة التي تأكل منها قليلا لتحليلها وشيئا فشيئا تأكلها وتنتج نوعا مطورا، ليس محصنا من ذلك السم فحسب بل مدمنا عليه، مما دفع ممالك من النمل بالهجرة نحو الأماكن الآهلة بالسكان للبحث عن الغذاء الجديد وحتى اليوم تتفاقم مشاكل الولايات المتحدة مع النمل الذي بدأ يغزو المدن رافعا شعار "البادئ أظلم".
في نهاية الأمر والمقال، كان النبي سليمان ضحية للنمل وهذه هي العدالة الربانية نظير قدومهم إلى وادي النمل ألمسالم المنيع. قال تعالى: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) (سبأ: 14). لم يكن النمل تحت الوصاية كالجن والإنس، بل حرا طليقا إلى يوم يبعثون. الجن يعملون ويظنون أن النبي سليمان يراقبهم أياما، أما النملة فلا يهمها أكان الرجل حيا أم ميتا، فالأهم هو الغذاء والأكل. هي لا تعلم أنها تحرر الجن من التبعية والعذاب وتثبت لكل ذي لب أن الجن لا تعلم الغيب بل يعلمه العزيز الجبار الذي بيده ملكوت كل شيء.
هل هناك من مقارنة بين أبناء مأرب وأولهم مشايخهم ونمل أرض مملكة سباء؟ لا وربي: نحن نحسد ونغار وننافق ونكذب ونتآمر ونخذل بعضنا بعضا ونظلم ولا نتراحم ونسترزق بالجهل والوصاية والتخريب ونستسلم للعذاب المهين، والنمل من كل هذا وغيره براء. هل اقتنعتم الآن بأن المتباهين لا يرتقوا إلى سلوك النمل وفضائله وشجاعته؟ إذاً، فلنحكي الأساطير عن النمل لنأخذ منه ما يعيننا في حياتنا، وليكن رسول الهدى قدوتنا في الحق والدين والدنيا عليه أزكى الصلاة والتسليم.
في السبت 29 مايو 2010 06:41:19 ص