مصر تعلن خسارتها 6 مليارات دولار جراء هجمات الحوثيين ضد السفن تحذير البنك الدولي من انزلاق اليمن نحو أزمة إنسانية واقتصادية حادة تقرير أممي يكشف تعزيز قوة الحوثيين نتيجة دعم غير مسبوق تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي
قراءة في حركة الثورة وفاعليتها في المجتمع اليمني
ثلاثة أسئلة تفرض نفسها على المجتمع اليمني الفاعل، في طريقه الحثيث إلى التغيير، وهي:
1. ما جدوى استنساخ التجارب الأخرى؟ وما الذي يمكن استنساخه منها؟
2. ما مدى اختلاف المجتمع اليمني عن المصري والتونسي في هذا السياق؟
3. ما الذي يمكن أن يحرك الشعب؟
وسأحاول أن أفكك على عجالة هذه المقولات؛ لأقدم بعض الإجابات التي يمكن أن تسهم ولو بإضاءة شمعة في دفع عجلة التغيير في اليمن.
* الاستنساخ التغييري
لعل من الخطأ التفكير بالطريقة التقليدية نفسها كل مرة في نسخ تجارب التغيير الأخرى، فهذا هو استنساخ تغييري، أياً كان مصدر تلك التجارب أو شكلها، فالاستنساخ عادة ما يكون مشوها، وغير مجدٍ بشكل فاعل. فإذا رأينا أن الشباب في مصر هم من قاد الثورة، وهم من حركها في تونس – فما مدى الإفادة من نسخ هذه التجربة؟ والسؤال الآخر: هل العبرة بمن حرك الشارع؟ أم بتحريك الشارع، بغض النظر عن المحرك؟
إن التجربة التونسية تفيد بأن الشرارة التي أشعلت الشارع هي إحراق البوعزيزي نفسه؛ مما أدى إلى إحراق أجسام هائلة من الخوف وإذابة جليد الرعب، وصهره في معامل التغيير، فتفجرت الثورة الكامنة في النفوس ضد الظلم والاستبداد، وضد عقود من الذل والاستعباد، وضد تراكمات من احتراف الفساد. فكان الحدث هو المحرك، ولم تكن ثمة نداءات مسبقة على الفيسبوك أو اليوتيوب أو التويتر، وبذلك تحرك الشباب والشارع التونسي كله.
أما التجربة المصرية فتختلف عن ذلك قليلا، فالمحرك الأساسي لها هم الشباب، عبر تنسيقات مسبقة في شبكة التواصل الاجتماعي، مستفيدين من البراكين الساكنة لدى المجتمع المصري من حقوق مهدرة، وكرامات مسفوكة، وأعراض مسحولة، وأجور زهيدة، وأموال مسلوبة، وأراض مغصوبة. فكان هذا هو الدافع الأساسي للتحرك، وبذلك استطاعوا أن يخرجوا الشارع كله، وأن يصبوا النار في براكين الشعب، فتحول إلى نار مزمجرة، عصفت في طريقها خلال ثلاثة أسابيع بثلاثة عقود - وأكثر – من الإهانات والإذلالات والانتهاكات.
من هنا يتضح لنا أن القاسم المشترك بين الثورتين إنما هو حركة الشعب ضد النظام، وإن اختلف المحرك في كلا التجربتين. وأما القاسم المشترك الآخر فهو: أن الشعب لم تحركه معارضة سياسية، ولم يتحرك في البداية لمطالب سياسية، وأن المطالب السياسية إنما جاءت متأخرة حين شعر الشعب بأن النظام يحول بينه وبين مطالبه الحقوقية، وشعر الشعب عندها بقدرته الفاعلة على التغيير، وبسلطته الكامنة، وأحس أنه صاحب السلطة التي سرقت منه.
وهذا ما ينبغي أن يكون واضحا للمجتمع الفاعل في اليمن.
* بين مجتمعين
إن المجتمعين التونسي والمصري يغلب عليهما المدنية، ومن ثم فإن الشباب استطاع تحريك الشعب في كلا الدولتين بسهولة...ولكن ماذا عن المجتمع اليمني؟
أولا: المجتمع اليمني خليط كبير بين (القبلي والمدني)، ومن ثم فما يحرك المجتمع القبلي ليس بالضرورة هو ما يحرك المجتمع المدني.
ثانيا: سيطرة الجيش على مفاصل الدولة، وتدخله في الحياة السياسية والاقتصادية بشكل كبير، ولا دور يستحق ذكره هنا للحكومة أو لمجلس النواب، فهم ليسوا أكثر من ديكورات.
ثالثا: سيطرة الأسرة الحاكمة على الجيش، وتمتعها بامتيازات سياسية وتجارية هائلة.
رابعا: انخراط كثير من ابناء الشعب اليمني في تكتلات سياسية، إما حكومية، أو موالية، أو معارضة.
والسؤال: ما الذي تعنيه هذه الاختلافات؟ وهو سؤال يحتاج إلى إجابة موسعة، ربما سنتجاوزها إلى سؤال آخر: ما مقتضى هذه الاختلافات؟
إن هذا يقتضي الأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
1. كون المجتمع اليمني خليطا (قبليا ومدنيا)، فمن المهم أن ندرك أن المحرك للشعب اليمني لا بد وأن يكون متنوعا.
في مقال سابق لي ذكرت أن للشباب الدور الأساسي في تحريك الشارع، وأنا هنا أقول أن هذا الدور الأساسي هو في تحريك المدن وعواصم المحافظات بالدرجة الأولى. أما المجتمع القبلي فلا أعتقد أنه سينقاد وراء الشباب المدنيين، وفي الغالب ينقاد وراء مشائخه، إلا أن ما أقوله هنا أن الرهان سيكون على شباب المجتمعات القبلية في إحداث الحراك المجتمعي. ومن ثم فلا بد من مضاعفة الجهود في الوصول إلى هؤلاء الشباب، وتحريكهم أولا، حتى يكون لهم دور فاعل في تحريك قبائلهم، أو السواد الأعظم منها، دون أن يكون لهم دور قيادي بالضرورة في تلك القبائل.
2. كون الجيش مسيطرا، وكون الأسرة الحاكمة هي المسيطرة على الجيش، فإن هذا يقتضي من الحركة الشعبية ما يلي:
أولا: ضرورة الخروج السلمي، والحفاظ على السلمية دون نزاع مع قوات الأمن، ودون لجوء إلى العنف، وفي ذلك إحراج للجيش، فالجيش وإن كانت قياداته العليا مستفيدة من الوضع السائد، فإن القيادات الوسطى التي هي دينامو الجيش لا تنتمي لهذه الأسرة، وإنما تنتمي إلى الشعب، ولا أعتقد أنها ستجازف بسحل حركة ثورة سلمية.
ثانيا: إن الشباب الذين هم وقود الثورة ينتمون إلى قبائل يمنية مختلفة، وهذه القبائل مقاتلة وشرية ومسلحة، وبالتالي فليس من مصلحة الجيش أن يغامر بمحاربة الشعب بأكمله، وهو لم يستطع حسم معارك صغيرة في بعض القرى والمدن.
ثالثا: إذا تدخل الجيش في وأد الحركة السلمية، فإن هذا يعجل بثورة شعبية عنيفة، لا يحمد عقباها، ستدخلها كافة الأسر والقبائل اليمنية، وبذلك يكون المتسبب في ذلك هو الجيش وليس أولئك الثوار السلميون.
بهذا فأنا أستبعد تماما أن يتدخل الجيش في ضرب الحركة الثورية، طالما أونها ملتزمة بأن تكون سلمية بيضاء، حتى لا تعطي مبررا لبعض المرضى. بل وأعتقد أن الجيش سيسعى لأن تكون له بصمة إيجابية في دعم الحركة الثورية، وحمايتها، فلن يكون أقل من الجيش التونسي أو المصري.
3. تبقى المعضلة الثالثة، وهي أن كثيرا من فئات الشعب متكتلة في فئات سياسية، ربما أكثر مما هو عليه الحال في مصر، أو تونس، فمصر لم يكن ثمة إلا حزب واحد، هو الحزب الوطني الحاكم، ومن ثم فمن كان يريد أن يتسيس من الناس ينضم إليه، ولا وجود لأحزاب رسمية ذات ثقل شعبي يذكر، ولهذا فأغلب الشعب كان يعزف عن الحزبية، ولا ينضم إلا ذو مصلحة غالبا. وكذلك الحال في تونس. أما اليمن فهناك صراع سياسي كبير، وشعبية كبيرة للحزب الحاكم ولبعض أحزاب المعارضة، وإن كان ذلك التحزب إلى حد كبير صوريا، لكنه في الأخير يمترس الناس حول أحزابها. ومن ثم فإن أي حركة شعبية تقودها المعارضة سيتم تأويلها في هذا السياق، وعندئذ تقوم بمعارضتها جموع شعبية أخرى تنتمي إلى الحزب الحاكم.
فكيف نتخلص من هذه المعضلة؛ لإحداث حركة ثورية شعبية؟
إن الجواب يكمن في أمور:
1. على قادة المعارضة أن يتركوا قيادة الشارع للشباب، حتى لا تؤطر الحركة الثورية، وتوضع في خانة مؤدلجة او مسيسة مسبقا، وبذلك نخسر فئات كثيرة من الشعب.
ذلك أن الشباب لا يزال تاريخهم غضا طريا، وهو خال من أي شوائب أو آثار قد ترتبط لدى آخرين بارتباطات سلبية، بعكس قادة المعارضة الذين يرتبط بعضهم في ذاكرة بعض الفئات بروابط غير إيجابية، (وإن لم يكن الواقع كذلك)، وهذا ليس غضا من دورهم أو تقليلا منهم، وإنما هو إيثار لمصلحة الشعب العليا التي تقتضي منهم ألا يتصدروا الحركة الشعبية في الفترة الراهنة.
2. ضرورة أن تقوم الحركة الثورية بالتمحور حول مطالب حقوقية بالدرجة الأولى، كصيانة حقوق الناس وحرياتهم، وكراماتهم، وتحسين الأوضاع المعيشية، ورفع الأجور، وحرية الرأي، والقضاء على البطالة، والمساواة بين فئات الشعب في حق العمل ...الخ. فالمطالب الحقوقية ستوحد الجميع، والمنضمون إلى الحزب الحاكم مثلهم مثل غيرهم، يكتوون بالحرمان من هذه الحقوق، ويصطلون بنار المعيشة، والجيش ليس بعيدا عن ذلك.
ومن ثم فلا داعي لرفع شعار "إسقاط النظام" في هذه المرحلة، نحن بحاجة الآن إلى رفع سقف المطالب الحقوقية، والنضال من أجلها، والتضحية في سبيلها. وحين يرفض النظام الاستجابة لهذه المطالب، فإن الشعب حينئذ سيتحول كله ضد النظام، حتى أعضاء المؤتمر الشعبي العام سيتحولون أيضا.
إذن لنتذكر جيدا: المطالب الحقوقية الآن، وليس السياسية.
ولا مانع أن يقوم قادة اللقاء المشترك بإتمام الحوار مع النظام، لأجل الإصلاحات السياسية، فأنا أعتقد بأن ما حدث في مصر خصوصا سيضع النظام أمام تحدٍّ حقيقي: البقاء وفق إرادة الشعب أو الرحيل وفق تلك الإرادة نفسها. ولا يعني استمرار الحوار توقف الحركة الثورية الشعبية، لا بد أن تنفصل هذه الحركة الثورية عن أجندة الحوار بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة.
3. ضرورة أن تقوم منظمات المجتمع المدني بدورها الفعال في الحركة الثورية، ليكونوا جزءا من قادة الشارع مع الشباب المدنيين والقبليين، بدلا من القيادة التقليدية المتمثلة في رموز المعارضة. وكلي أمل ان يكونوا ثوارا حقوقيين، وليس ثوارا سياسيين.
فالمطالب الحقوقية ـ كما أعتقد ـ أنها ستوحد كل الفصائل والفئات والطوائف في هذه الحركة الثورية السلمية.
لا أظن أن هناك فردا من الشعب إلا وهو يشكو من نار تمسه في جانب حقوقه، أيا كانت تلك الحقوق: معيشية، أو أمنية، أو تعبيرية، أو كرامة...الخ. ومن دون شك أيضا الحقوق السياسية. ولكن دعوا الحقوق السياسية الآن، وانطلقوا من منطلق الحقوق الأخرى. فهذه هي القاعدة المشتركة بين أبناء الشعب اليمني كله: المدن والأرياف، المتحزبون وغيرهم، أعضاء الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، القبائل وغيرهم، المدنيون والعسكريون...كلهم بحاجة إلى حقوق مفقودة.
وأوجه ندائي إلى العقلاء في حزب المؤتمر بأن يكونوا من وقود الثورة؛ ليذكر لهم التاريخ ذلك؛ ذلك أن التغيير أمر حتمي لا بديل له، طال الأمد أم قصر، وهم كغيرهم من أبناء الشعب يكتوون بنار المعيشة، وهضم الحقوق، فلماذا السكوت إذن؟ ليظلوا في المؤتمر الشعبي العام، وليناضلوا من مواقعهم، ولينضموا إلى الحركة الثورية، فخير لهم أن يكونوا قادة فيها، من أن يعضوا يد الندم بعد ذلك، كما نرى الآن في تونس ومصر، ولن ينسى الشعب لهم ذلك. وأخص بالذكر الشباب الذين أصبحت الآمال معلقة عليهم.
ولا بد أن يثق هؤلاء أن الحركة الثورية لا تستهدفهم، ولا تستأصلهم، بل سيعود خيرها عليهم، وعلى جميع أبناء الشعب، فمصالحهم إما أن تكون من مصالح شعبهم، فعليهم أن يقفوا معه، وإما أن تكون مصالح شخصية ضيقة فئوية، فعليهم أن يقفوا ضد شعبهم وضد مصالحه. ولا أعتقد إلا أن مصالحهم من مصالح شعبهم. فالمرحلة الآن لا تقبل المصالح الفئوية السياسية: حزب حاكم أم معارضة، إنها مرحلة المصلحة العليا للشعب.
وإن غدا لناظره قريب.