جمهورية الملح
بقلم/ مجلي احمد الجرباني
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و يوم واحد
الخميس 15 يناير-كانون الثاني 2015 02:01 م

تكون الجمهورية من ملح عندما يتم معاملتها وكأنها بقرة داجنة متى ما

جاعوا حلبوها, وإن شاءوا سلخوها وأكلوها, أو يتبنونها وكأنها كلبة أليفة

يمكن لهم في حالة من الشبق أن يستبيحوا الرفث إليها لعل الهجين القادم أن

يكون هو المرشح الأوفر حظــًا للجلوس على ظهرها..!! ولو سألوني أولئك

لصككت لهم فتوى بأن الجمهورية ليست مجرد بقرة محرمة عليهم دمها وشحمها

ولحمها فقط بل لو شئت التنطع لحرمت عليهم أيضــًا روثها وفرثها..!! يا

هؤلاء الجمهورية مبادئ راسخة, وقيم عليا, ومُـثـل فاضلة, وغاية سامية, هي

حرية ومساواة وعدالة ونظام وقانون وتنمية وحقوق وواجبات, الجمهورية بكل

بساطة ثورة لا ثروة, وعليه يجب أن نرتقي نحن لنصبح ثوارًا لا أثوارًا

نتناطح على نيل وطر منها. الجمهورية كالنسر لابد أن نحلق عاليــًا خلفه

وإلا فإن الذي لا يعرف النسر يشويه..!! يا هؤلاء أعلموا جميعــًا بأن

الجمهورية لا تلد..!! فمن خصائص جمهورية الملح ألا يُـفعل دستورها أو

قوانينها, وألا تحقق الأهداف التي قامت من أجلها, وأن تسلم السيادة لصاحب

البيادة, وأن تختزل صورتها في شخصية فرد أو جماعة, وأن تكون هشة لدرجة

التشظي عند أول أزمة تواجهها, وذات قابلية للانتكاس لمن يرفع السلاح في

وجهها, ضعيفة كجبل من الملح يطلب الرحمة عندما يواجه قطرة ماء..!!

جمهورية الملح هي تيه يعقوبي لمدة أربعين عامــًا في بلدة رمالها متحركة,

فنحن الذين خلقنا بعد الجمهورية تعلمنا بأن لها ثمن, ويمكن أن تعرض في

مزاد علني, ويمكن أن تباع في سوق سوداء حتى لا نعرف البائع ولا المشتري.

تعلمنا وهذا خطأ أيضــًا بأنها فرد من العائلة وكأنها جدتنا مثلاً, وبما

أن الجدة خـُـلقت قبلنا فلابد لها أيضــًا أن تموت قبلنا هكذا تقول

الفطرة, ألسنا نظن جميعـــًا بأن الوالد يموت قبل الولد..!!؟ لذا حين

ماتت الجمهورية لم ننح عليها بل احتسبنا, واسترجعنا, وحوقلنا حتى نكسب

الآجر في الآخرة, وحمدنا الله حتى لا نخسر قصر الحمد تحت عرش الرحمن, لم

نستنكر سقوطها لأنها بلغت أرذل العمر, واستهلكت عمرها الافتراضي, بل

وأكرمنا الله بأنها ماتت شهيدة, فماذا نريد أكثر من هذه الكرامة..!!؟

في العالم الثالث فقط قد تجد شخصــًا لم يكن شيئــًا مذكوراً, وفجأة تحدث

طفرة تاريخية تتكرر كل ثلاثين عامــًا مرة واحدة فقط فترى ذلك(...) في

رأس القافلة وهو الذي يعلم الجميع بأن مسقط رأسه كان دومــًا في

ذيلها..!! لن ننكر بأن الآباء قد صنعوا جمهورية لكنها كانت جمهورية من

الملح لا تستطيع الصمود بل تميل إلى الذوبان عند أول مواجهة. فالذين

أساءوا إلى الجمهورية هم الجمهوريون أنفسهم حيث ظنوا بأن الجمهورية مجرد

تعليق النسر الجمهوري على هاماتهم وأكتافهم..!! حفنة متجمهرة قادت الأمور

إلى هذه التخبط والانحلال والانفلات, ثلة ممن لبسوا نياشين الجمهورية

وأنواطها ورتبها, رهط حملوا الحقائب الدبلوماسية والوزارية لجمهورية

الملح, زمرة شيوخ أصيبوا في صغرهم بداء القبيلة فسببت إعاقة مبكرة منعتهم

عن النمو الطبيعي أو حتى النمو الجمهوري.

 تخلى أساطين النضال السبتمبري عن دورهم في حماية النظام الجمهوري من

السقوط, فمثلاً لم يؤسسوا مجلســـًا لحماية الثورة أو نقابة أو حتى جمعية

في بلد به أكثر من خمسة آلاف جمعية..!! لم تـنبس أفواههم عندما رأوا

الجمهورية تنحدر نحو الهاوية, ولم يصححوا مسار النظام الجمهوري عندما تم

العبث بمواد الدستور, ولم ينصحوا من ظن أنه وجد بصيرة الجمهورية في سدس

أمه..!! مع الأسف أقتصر تأثير الأحرار لمدة نصف ساعة فقط في برنامج

تلفزيوني بعنوان ثورة وثوار بل واعتبروها منة عظيمة تكرمت بها السماء

عليهم أن توجه لهم دعوة رئاسية لحضور العرض العسكري ليكون جلوسهم في

النسق الخامس من منصة السبعين التي تحمل اسم ملحمتهم التاريخية؟

ندندن: نموت, نموت, وتحيا اليمن..!! فلماذا نندهش من الموت الذي يطاردنا

إلى بروجنا المشيدة, طبيعي ألا نصاب بالدهشة لأن ثقافة الموت المتفشية لم

تعلمنا أن نترنم: نعيش, نعيش, وتحيا اليمن..!! يا هؤلاء تبــًا لكم أنكم

علمتمونا بأن الجمهورية منذ يومها الأول كانت وعاء ضمن متاع الإمام

وكأننا دخلنا خلسة إلى بلاط البدر وسرقناها من متاعه..!! لم تغرسوا فينا

أنها حلمـــًا تحقق.. وتاريخــًا تأبد.. واقعــًا يتجدد..!!