موسم نهب المال العام في اليمن
بقلم/ حميد عقبي
نشر منذ: 10 سنوات
الإثنين 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:40 ص


في ظل هذا الارتباك السياسي والصراعات في هذه الدوامة التي تعصف باليمن حيث اصبحت بلد لا نعرف من يحكمه، بالشارع نجد ميلشيات مسلحة، لا قانون، لا رقابة، لا مؤسسات في ظل كل هذا انتعش موسم سرقة المال العام من جهات عديدة، الكثير من مؤسسات الدولة تعلن افلاسها البعض يتهم حزب انصار الله بالسرقة وحزب انصار الله يتهم الايادي الفاسدة بالنهب ويزعم انه يريد الحفاظ على المال العام، استمرار هذه الاتهامات لن يفيد شيء من الصعب ان ننادي بالقانون او نستدعيه من الصعب الحديث عن الجهات الرقابية كون الضمائر غابت تغييرت اصبح مفهوم السرقة ليس قيمة سيئة اوذنب خصوصا عندما يكون نهب المال العام، البعض يرى ان نهب الدولة حلال خلال فترات الماضي كانت هناك اجهزة رقابية مجرد شكليات لم يتم تقديم اي شخص بتهمة الفساد، كان المسئول الذي يسرق بعد افراغ المال في مؤسسته يتم نقله الى مكان اخر فالنقل لم يكن تاديبيا بل يصب بمصلحته ليجد ما يسرقة خصوصا تلك الفئة المقربة للنظام.
المشكلة اليوم اكبر من ذلك، البعض يفكر انه مع وجود قليل من الاستقرار ستسارع بعض الدول لصب المال وانقاذ الدولة من الانهيار والافلاس خصوصا ان عجزت عن دفع الرواتب، لكن لا ضمانات ان تجد من يمد يد المساعدة خصوصا ان الجهات المانحة تعلم جيدا حجم الفساد الكارثي الذي يعصف باليمن، هذا الغول يتوحش اليوم مستغلا حالة عدم الاستقرار السياسي غياب وضعف الدولة يعلم جيدا هؤلاء ان لا محاسبات اومحاكمات في المستقبل يستغلون هذه النقطة ينتعش موسم السرقة والنهب، ان نخاطب الضمائر نشك ان يسمع هؤلاء لصوت الضمير.
للاسف الشديد تجريم نهب المال العام لم يكن ضمن ادبيات الاحزاب السياسية ولا برامجها، كانت المعارضة اوما يسمى باجزاب المشترك تنتقد الاداء والسرقة والنهب في عهد صالح عندما اشتركت في الحكم اشتركت بالسرقة والنهب ايضا ولم يتم تقديم نموذج وطني عفيف، اغلب الوزراء لهم ملفات فساد ضخمة حتى الاحزاب التي لها اطروحات دينية رشحت شخصيات سرعان ما سارعت هذه الشخصيات في جمع المال وتوظيف الاقارب والاصهار، اليمن ربما تكون الدولة الوحيدة التي تجد الشخص يملك ثلاث اواربع وظائف حكومية ويستلم اربعة مرتبات دون ان يعمل في وظيفته، لعل هذا الفساد الكبير هوالسبب الاكبر في انتشار المظالم خصوصا في جنوب اليمن فالكثير من الاراضي تم تقاسمها بين الكبار، اغلب الشركات الكبيرة كشركات البترول مثلا تعود لشخصيات لها صلات وقرابة بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وكذلك ابن الرئيس الحالي عبدربه هادي لديه شركة بترول وشركات مقاولات، اي ان اغلب المناقصات ترسودائما على هؤلاء الاقارب، الجميع يتذكر مشروع مطار صنعاء الجديد تم رصد ميزانية خيالية له والى اليوم الى هذه اللحظة لم يتم انجاز اي شيء في هذا المشروع، جميع المبالغ لا يدري احد اين ذهبت؟ كون الحكم السابق مرتبط بالحكم الحالي مشترك معه في قضايا الفساد والسرقة لذلك لم يطالب احد بفتح هذه الملفات الضخمة، نحن لا نستغرب ونحس بمدى فضاعة الظلم الذي لحق بالناس وخصوصا في اقيلم تهامة والجنوب لذلك الدعوات والتحركات من اجل الانفصال يجب عدم تجريمها، علينا ان نفهم ما يحدث في اليمن من نهب متوحش لميزانية الدولة كل مليم يدخل الى الخزينة هناك من ينتظره ليس من اجل صرفه في مشاريع خدمية بل للاستحواذ عليه، اليوم اليمن يعيش بلا خدمات ان تدخل الى مستوصف كبير اوصغير في اي مدينة فلن تجد فطعة قطن اومعقم اولفافة شاش لتضميد جرحك اول شيء يطلبونه منك الاسراع لشراء هذه الادوات حتى في اقسام الاسعافات الاولية، ربما تكون اليمن البلد الوحيد الذي لا توجد بها سيارات اسعاف مجهزة ولوبابسط الاشياء لانقاذ المواطن لوحدث له حادثة اما الكبار ورجالات الدولة فلواصيب احدهم بصداع يتم اسعافه وتخصيص طائرة له للعلاج بالخارج ثم منحه فترة نقاهة وبدلات سفر وعلاج تتم الاجرأت بسرعة، المواطن البسيط عليه الذهاب الى المستوصفات الخاصة وهي بطبيعة الحال ملك للكبار، لناخذ مثلا بسيطا حميد الاحمر خلال عشر سنوات فقط تقريبا اصبح يملك ثروة خيالية ومشاريع وشركات داخل اليمن وخارجها وكذلك اصهار علي عبدالله صالح وعلي محسن الاحمر يمكلك عشرات القصور الضخمة جدا باليمن له في كل مدينة مزرعة وهكذا يحي راعي رئيس مجلس النواب يملك عمارات ومزارع في تهامة وذمار وغيرها.
اليوم اليمن يدخل في مرحلة لكنها ليست جديدة ان تكون هناك حكومة جديدة فالوضع لم يختلف ولن يختلف، الكثير من الوجوه تتكرر، الوزرء الجدد بعضهم كانت لهم مناصب في مؤسسات لا توقعات جديدة بحدوث اي تغيير بل نعتقد ان عجلة النهب والسرقة تستمر مع انهيار شامل في جميع الخدمات الاساسية كالتعليم مثلا والذي كان يسير نحوالنموكون الدعم ياتي من دول مجلس التعاون خصوصا الكويت والامارات ولكن بعد حرب الخليج الاولى رفعت هذه الدول الدعم بالتدريج مع نهاية الدعم تعثرت المشاريع، اليوم تعيش اغلب المدارس الحكومية في اليمن انهيار شامل في الابنية والمعدات الاساسية البسيطة جدا كالطاولات والكراسي التي اصبحت كأنها وسائل ترفيه، فالفصل الدراسي تجد جدرانه مهترئة بالية لا يوجد طاولة اوكرسي الازدحام الشديد ترى المدرس ايضا يعاني من الف مشكلة، اي ان خدمة التعيلم مثلا وهي خدمة ضرورية وحيوية مصابة بالشلل ومع ذلك نستغرب مثلا ان وزير التربية والتعليم يشتري بمبلغ خمسة مليون دولار تم تقديمه كدعم من احدى الدول قبل فترة ليست بعيدة، اتعلمون كيف استثمر وصرف هذا المبلغ؟ تم شراء كمية من البسكويت قيل انه سيتم توزيعها على التلاميذ، هذا نموذج بسيط جدا للتصرفات الفاسدة، ثم لوتحدثت عن مشكلة الكهرباء ستجد لوانك بالعاصمة صنعاء مثلا سوف تكون محظوظ كون ساعات الاطفاء يعني بحدود عشر الى خمسة عشر ساعة اما في المناطق والمدن الاخرى فساعة وجود كهرباء قد لا تتجاوز ساعة واحد باليوم يتم توزيع الساعة مرتين اوثلاث، هناك مدن وقرى كثيرة بالريف والجبال والوديان لم تدخل خدمة الكهرباء اليهم الى اليوم عندما نقول خدمة كهرباء يعني نتحدث عن المدن الكبيرة وعواصم الحافظات فقط بقية الاراضي اليمنية لا تعرف خدمة الكهرباء اوالمياة اوالصرف الصحي اواي خدمة اخرى.
الذين يأملون في الحكومة الجديدة هم يتمنون ولواستقرار سياسي جزئي بسيط، فلا احد اليوم يبالغ في التمني اوالحلم في اليمن، ما سنشهده هواللهث والتسارع في السرقة والنهب وتزايد الانهيارات في المؤسسات الخدمية، تعالي غول النهب والفساد سيرافقه زيادة في الجوع والفقر والمرض والجهل والكثير من الانقسامات السياسية وقوة التيارات المتطرفة كون بعض هذه التيارات تملك المال وتستقطب الشباب ومشائخ القبائل اليمن، باختصار شديد يدخل اليمن في دوامة بشعة لن نقول صومال فربما يصبح اليمن اكثر رعبا من الصومال.
باريس
كاتب وسينمائي يمني مقيم بفرنسا