الرئيس صالح يرقص فوق رؤوس الثعابين
بقلم/ نجيب غلاب
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 19 يوماً
الثلاثاء 29 يوليو-تموز 2008 06:59 م

مأرب برس - خاص

أصولية تعشق الحرب .. قبيلة تبحث عن الغنيمة

الإسلاموية وأحلام الهيمنة وابتلاع العرش

بادئ ذي بدء عندما تلتقي القوى الأصولية المسيسة وتلتحم بالقوى القبلية التقليدية وتتفق على شعارات دينية ذات مضامين ومطالب سياسية، وتتحالف في إطار هلامي مؤسس على الفكر الديني المدعوم بلغة القوة الغاضبة فأن المعنى الديني والسياسي المتضمن في الخطاب يؤسس للعنف لا للسلام، وأيا كانت المثالية الظاهرة في الخطاب، فأن لغة المواجهة والتحدي والنفي والإلغاء للآخر، تجعل من التحالف قوة مهددة للسلم الاجتماعي ونافية للدولة التي يتدثر بها التحالف لمخادعة الآخر، والخطير في الأمر أن تحالف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعل من الدين والفضيلة وحماية الدولة وزعيمها ستار لحجب حقيقة الحركة، لأن الحراك الذي يحدث في بيئة محافظة كاليمن، المجتمع فيها متشدد في دفاعه على القيم والتقاليد والأعراف، والدولة هي العائل الأساسي للمجتمع، والمصدر الأساسي لإشباع رغبات الطامحين، فأن الهدف الحقيقي هو بناء قوة سياسية هدفها الجوهري هو الاستيلاء على الدولة أو المشاركة فيها لإشباع رغبة الوعي القبلي الذي يتعامل مع الدولة كغنيمة، وإشباع رغبة الأصولي الحالم بالدولة وتحويلها إلى أداة لفرض رؤيته العقائدية وتعميمها على الجميع بالقسر والقهر السلطوي.

والمتابع لتاريخ اليمن المعاصر ولطبيعة الصراع الدائر في الساحة اليمنية لابد أن يستنتج أن التحالف ليس إلا ردة فعل من القوى الأصولية والقبلية لإعادة تفعيل دورها بعد أن بدأ تأثيرها يقلّ في الدولة وأصبح نفوذها محدود، ناهيك عن الخسارة التي لحقت بهم في مواقعهم السلطوية، مع ملاحظة أن من بقاء منهم في الحكم رغم قوتهم إلا أن الحراك السياسي والاجتماعي يسير باتجاه إضعافهم لصالح قوى جديدة.

وعلى المتابع أن لا ينخدع بالموالاة والتأييد فنجاح التحالف يتطلب في الراهن تأييد الحاكم بهدف إنهاكه وتشويه دوره وسمعته وفي نفس الوقت تحويل قوته إلى سلاح لمحاربة أعداء المتحالفين والمعيقين للهدف النهائي في الاستيلاء على الحكم.

وهنا لابد من ذكر أن القوى القبلية والأصولية المتحالفة لديها ذكاء انتهازي فهي تدرك بوضوح أن الرئيس صالح يواجهه مخاطر عديدة تهدد شرعية حكمة واستقرار البلاد، لذا فهي تقدم له التأييد ومواجهة أعدائه، ورغم إدراك الرئيس أن القوى المتحدية لشرعيته هم في نهائية التحليل خصوم سياسيين بالنسبة له والحوار هو الحل الأسلم معهم، وأن القوى التقليدية تمثل الخطر الأكبر على سمعته وشرعيته الشعبية في عموم البلاد وأيضا مصداقيته الخارجية في بناء الدولة ومحاربة الإرهاب، إلا ان خطورة الصراع الراهن وانقسام النخبة السياسية، وغباء القوى الحديثة المعارضة في صراعها مع الدولة وتحالفها أيضا مع نقائضها لمحاربة النظام الحاكم هي من تدفع النظام لقبول حراك القوى التقليدية رغم الإجماع في المعارضة والحزب الحاكم والمجتمع على رفض هذا التحالف. وحتى لا تتسع دائرة الخصوم وردا للجميل وجد الرئيس نفسه في ورطة غض الطرف في بداية الأمر عن التحالف مع أن هذا تحالف العقيدة والغنيمة والمال يمثل تهديد لأهدافه وتهديد القيم الجامعة للحركة الوطنية اليمنية.

ولأن القوى الحديثة في المجتمع هي العائق الأكبر أمامهم فأن مواجهتها مهمة في بداية المعركة ولكن خنقهم لن يكون إلا بعد إخماد نقيضهم في صعدة، لذا فأن الحسم بالقوة خيار وحيد والسلام خيانة وطنية، لغة العقيدة الأصولية والغنيمة القبلية تقدس الحرب لإشباع المصالح وتدمير الخصم المذهبي.

التحالف بعد ان صمتت الرصاص وتوقف الدم اليمني من النزف العبثي، لن يجد أمامه سواء مصارعة ومقاتلة القوى المدنية المعاصرة وفتح جبهات متعددة في المجتمع والدولة، ويمثّل فتح جبهة من الصراع مع القوى المثقفة والنخب السياسية من الفئات الحديثة في جميع التيارات السياسية ومقاومة ومحاصرة وخنق القوى الجديدة من الشباب مهم جدا في المرحلة الراهنة فهذه الفئات تلعب دورا كبيرا في عملية التغيير وتناضل جاهدة من أجل ولوج العصر، ومشكلي التحالف ومن يدعمهم على قناعة أن هذه القوى المعاصرة تتجه مساراتها نحو بناء مجتمع حديث ودولة مدنية، مع ملاحظة أن جزء من هذه القوى الجديدة نخب شابة تجاوزت المنظور الاسلاموي الضيق لصالح الحرية والانفتاح على الآخر وقبول التعددية كما تجلّت في المشروع الليبرالي.

أما أم المصائب كما يرى البعض أن التحالف ليس إلا تعبير عن صراع غير معلن بين أعضاء النخبة السياسية المؤثرة ، وأن التحالف ورقة رابحة تديره من خلف ستار قوى أصولية سياسية وعسكرية مقربة من الرئيس صالح وتعتقد هذه النخبة أن تحول حزب الإصلاح إلاسلاموي إلى حركة معارضة للنظام أفقدها قوتها وأعاق المشروع الأصولي من الاستحواذ على الحكم ولو بعد حين، وهذه القوى تعتقد أن معارضة الإخوان للنظام الحاكم مثل نجاح للقوى الحديثة والليبرالية في الهيمنة على القوة السياسية وهذا ربما يُزيد من خسائرها مستقبلا، لذا فهي تلعب لعبتها باحتراف كامل وتعمل على تجميع القوى الأصولية والقبلية المؤيدة لصالح في تحالف هدفه فصم وحدة الأخوان المسلمين والانتقام منهم لأنهم خنقوا طموحات القوى المتبنية للمشروع الأصولي من تحقيق أحلامهم السلطوية، وهدف هذه القوى هو بناء تحالف مؤيد للدولة وزعيمها حتى تتمكن من اختراق الدولة من جديد ومحاصرة القوى المناهضة للمشروع الأصولي، وإعاقة التحولات العصرية وأيضا تسهيل مهمتها مستقبلا في القبض على الكرسي الرئاسي بعد رحيل صالح.

وهذه القوى السلطوية وتحالف الأصولية والقبلية يعيشون أزمة عميقة من حيث الفكر والواقع والطموح، فالفكر مناهض للعصر والواقع يتحرك بما يضعفهم ويتجاوز مشروعهم واحلامهم، والقوى الحديثة تحمل مشاعل النور والمستقبل والمجتمع يرى فيها حل ملائم لمشاكله، ورغم أن الواقع اليمني يقاوم العصر بفعل التاريخ المثقل بالقبيلة وتضخم الطرح الأصولي والصراعات المختلفة، إلا أن اليمن تبحث عن التغيير والتجديد وتطمح في الانعتاق من واقعها السيء، ولأن الواقع وحاجاته ومتطلبات ونمو الفئات الجديدة المـتأثرة بالعصر والحالمة بمستقبل متوافق مع العصر مستجيب لطموحات أبناء اليمن في يمن عصري، ومع التأثير الذي يلعبه الانفتاح الإعلامي فأن كل ذلك، مع مدخلات أخرى يسهم بدفع اليمن لتجاوز التركة الثقيلة للماضي ومخلفاته التي مازالت فاعلة وحاكمة لأغلب أبناء اليمن لصالح لغة العصر وأنصاره.

والجدير بالملاحظة أن تلاقي الوعي الأصولي والوعي القبلي يمثل أمر طبيعي نظرا للتشابه بينهما من حيث الطبيعة والأهداف والآليات المحركة للفعل، فكلاهما يعلي من شأن الآباء والأسلاف ويبني أساطير تجعل منهم أبطال ذو قوى خارقة، والماضي لديهما يمثل نموذجا، والحاضر لابد ان يكون نسخة مطابقة منه، ويتشبهان أيضا في الانغلاق على الذات ورفض الآخر والتقليل من شأن الخصم مهما كانت قوته، والتقليل من شأن الآخر وعدم أصالته، وكلاهما يواجه المواقف في حالة الأزمة بالقوة، وكلاهما يلغي فردية الفرد ويعمل جاهدا لفرض نسقه على الجميع، وكلاهما يوظف الفرد لصالح الجماعة ويخاف من الجديد ويقاومه بقوة، كما أن كلا الوعيين يتمسك بشكل مطلق بالرأي ويلعن من يخالفه بل ويقاتله ويعتبره تحدي ورفض للحق، وكلاهما يعتبر الحوار عداوة وتحدي، وكلاهما يرفض النقد والفحص العقلي فالعادات والتقاليد القبلية والعقائد الأصولية هما قانون حاسم تحديه يعتبر كفر او فساله ومسوقه..الخ.

مع ملاحظة أن الوعي الأصولي المؤدلج المؤسس على قيم تقليدية متأثر إلى حد بعيد بالوعي القبلي لا بالوعي الديني كما هو في الأصول النصية وأن مشكلة الإسلام من أيام الخوارج حتى اللحظة ان الوعي القبلي هيمن ومازال على الإسلام وأفقده الكثير من قوته وأغرقه في تفسيرات منغلقة ومتطرفة، ألم يقتل الخوارج قارئي الإسلام بوعي القبيلة الخليفة الرابع والمبشر بالجنة لأنه مخالف لكتاب الله وشرعه!!!

ولأن الوعي القبلي يعتمد على الأعراف والتقاليد المتناسخة من مئات وآلاف السنيين ومؤسس على رؤية فكرية جامدة وثابتة لا تتغير، لذا فهو وعي معيق للتجديد وقاتل لأي تغيير، ولأن العصر يتغير كل لحظة لم تجد النخبة القبيلة التقليدية لحماية أصوليتها القبلية وللحفاظ على مصالحها إلا أن تتحالف مع قرينها الفعلي الوعي الأصولي، وفي المقابل فأن الأصولي معتمد في فهمه للواقع على رؤية عقدية منغلقة على العصر وتريد صياغة العصر بالماضي لا بمتطلبات الواقع وحاجاته، لذا لم يجد الأصولي حتى حامل مفاهيم التغيير لحماية عقائده ومصالحه إلا بالتزاوج مع النخبة القبلية التقليدية.

والرؤية الانقلابية التي يقدمها الأصولي لتغيير الواقع كما يتصور لن يحققها العصر ولا آلياته وأفكاره، ونتيجة عجز الأصولي عن التوافق مع العصر ومتطلباته فأنه لا يجد أمامه لاستنساخ الماضي المقدس كما تجلّى في وعيه لا كما كان في واقع الحال إلا بالماضي والذي يتجسد في اليمن في القبيلة في مناطق اليمن الأشد تخلفا عن العصر.

وما لا يفصح عنه الأصولي في اليمن هو أن تحالفه مع القبيلة نتاج لقناعته المطلقة ان قوة القبيلة في المناطق الشمالية هي طريقه إلى السلطة، وبالقبيلة يستطيع مغالبة العصر ومقاتلة رجس الفكر المتجسدة في الفئات الجديدة المتنامية في ظل الانفتاح السياسي، مع ملاحظة أن الأصولي لا يهتم بتغيير الواقع المادي للقبيلة وفهمه مركز على الثقافة الأصولية وعلى توظيف القبيلة في صراعه السياسي، مثله مثل الشيخ القبلي الذي لا يهتم أيضا بحاجات الواقع ومتطلباته، بل بترسيخ الأعراف والتقاليد مصدر شرعيته، والتي تمكنه من توظيف القبيلة لخدمة مصالحه، وهنا لابد من ملاحظة جوهرية أن كلاهما في نهاية التحليل يمارسا السياسة والنفوذ بذكاء عشائري، وأن الغنيمة هي المحدد الجوهري للحركة.

إلى ذلك رغم تشابه وعي الأصولي مع الوعي القبلي وانسجام كليهما من حيث آليات الفكر والفهم، إلا ان كلاهما يحاول توظيف الآخر لخدمته وكلاهما يفهم الآخر ويخادعه، فشيخ القبيلة يتماهى مع مقولات الأصولي لكنه لا يسمح له باختراق القبيلة ولكنه يساعده على بناء قوة حزبية من خارج القبيلة لمقاتلة نقائضه في الدولة والمجتمع، والأصولي من جهته يتماهى مع الوعي القبلي بسهوله فهو في نهاية الأمر جزء من القبيلة ومتأثر بوعيها وأن بدأ له أنه متحرر منها، ولكنه يحقق اختراق لصالح قوته الحزبية بالتأثير على الشباب من ابناء المشايخ والأعيان والذين تم دمجها في التنظيم الأصولي، ويحلم الأصولي أن الوقت كفيل بتحويل القبيلة بكليتها لتصبح أداته في معركته من أجل ابتلاع الدولة والمجتمع.

إلا ان الملاحظ على مستوى الواقع الراهن في اليمن ونتيجة قوة مؤسسة المشيخ في القبيلة اليمنية ورسوخ الوعي القبلي فان الشيخ القبلي المتأثر بالنزعة الأصولية يقدم رؤية سياسية مثالية على مستوى الخطاب لترسيخ شرعيته خارج القبيلة وفي الوسط الأصولي إلا أنه يتعامل مع الدولة بالوعي القبلي الذي يرى في الدولة محل للغنيمة لا هوية جامعة للمجتمع فالقبيلة هي الأصل والفصل.

وعندما تمارس النخبة القبلية السياسة، ومع تعاظم خبرتها واستيعابها لأحلام الأصولي فأنها تكون محترفة في توظيف الأصولي لخدمة طموحها في ابتلاع الدولة باعتبارها أم الغنائم. والمحصلة النهائية أن الأصولي منح الوعي القبلي الايدولوجيا الكفيلة بمنحه شرعية المنافسة والمقاتلة على غنائم الدولة والمجتمع.

لذا فأن استمرار العقلية القبيلة التقليدية المتوافقة مع الأصولية وإعادة إنتاج نفسها من أعظم المخاطر التي تواجه الدولة والمجتمع المدني، وهي عامل إعاقة أمام تطور اليمن وانتقاله نحو آفاق المعاصرة بإبعادها المادية والفكرية والمعنوية، ولإدراك خطورة وعي القبيلة في إعاقة بناء الدولة نضرب مثل بأهم مقومات وجودها الولاء الوطني، فالمواطنة مثلا كقيمة معاصرة وما يرتبط بها من مبادئ ومعاني عندما يتم التعامل معها بثقافة القبيلة فأنها تضيع في متاهاتها وعيها وتصبح شعارات مفرغة من مضمونها، فالعقل المؤسس على التعصب للذات واحتقار الآخر تصبح الرؤية الإنسانية لديه خافته، كما أن استمرار الوعي القبلي يغتال ابن القبيلة لأنه يلغي فرديته وعقله لصالح الوعي القبلي أما عندما يندمج بالوعي الأصولي فأن الإرهاب نتاج طبيعي.

أن تحالف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ترأسه زعماء الأصولية وزعماء القبائل القوية لا يمكن فهمه إلا في السياق التحليلي السابق والشعارات المرفوعة والأهداف التي تضمنها بيان إعلان التحالف هدفها الأساسي هو بناء قوة سياسية لخنق القوى المنافسة والقضاء عليها والسعي نحو كرسي الحكم، ورغم أن مكونات التحالف تحاول مساعدة الحاكم في مغالبة منافسيه ودعمه في صراعه مع نقائض الدولة اليمنية الحديثة إلا أن الانجرار وراء طموحات الأصولي وشيخ القبيلة ستكون نتيجة تفجير المجتمع وإنهاك الدولة وربما القضاء على المشروع الديمقراطي والوحدوي.

والخطر الكبير في التحالف أنه مهموم أيضا بالصراع الطائفي حتى العمق وهدفه مواجهة قوى طائفية أخرى بمحاربتها بالسلاح وإلغائها فكريا وهي متأصلة في تاريخ اليمن، صحيح أن جزء من الزيدية تشيعت سياسيا وعقائديا وتتحدى الدولة بالسلاح، ولكن أدوات الدولة وحدها هي الكفيلة بمحاربة البغاة حاملي السلاح ورافضي شرعية الدولة أما الخيار الفكري والعقائدي فلا يمكن مواجهته طالما ظل صاحبه ملتزم بالدستور وقانون الدولة، أما تحويل القوى الأصولية المتناقضة معها مذهبيا في المعركة فأن ذلك يعني تفكيك المجتمع وجعل الطائفية معيار أساسي في كل الصراعات وتحويل الدولة إلى حزام ناسف لن يفجر الدولة بل والمجتمع أيضا.

كما أن إطلاق يد القوى الأصولية المتشددة في المجتمع وبقوة الدولة والقبيلة لا معنى له إلا مقاومة العصر وخلق صراعات داخلية بين أبناء المجتمع الواحد وتدمير للوحدة الوطنية وإلغاء لنضال الحركة الوطنية وانجازاتها التجديدية، وإذا كان أصحاب الهوية الجغرافية في جنوب اليمن يتحدوا الدولة ونخبتها تشعر بالظلم إلا أن إحساسهم بالوحدة مازال عميقا، ودخول القبيلة والأصولية في صراع المصالح سيدخل الوحدة الوطنية في أزمة بنيوية أبسط نتائجها إضعاف الدولة وتدمير الولاء الوطني وتقوية الاتجاه الذي يحاول سحب المجتمع نحو ولاءات ما قبل الدولة، واحتمال كبير ان تموت النزعة المدنية في الجنوب والشمال وتنتشر أصولية دينية وقبلية متطرفة لتصبح الدولة الحديثة ونخبتها المعاصرة في مواجهة غول شرس يرى في الدولة الأداة الوحيدة لقهر الأعداء وإلغاء الآخر وهي أم الغنائم القادرة على إشباع الطموحات ورشوة القوى المساندة من زعماء القبائل.

وفي الختام يمكن القول أن الرئيس صالح أعتقد أن التحالف سوف يسهل شق حركة الأخوان المسلمين إلى تيارين متصارعين، تمكنه من مواجهة معارضتهم الشرسة خصوصا التيار الذي غلب السياسة على الدين، وهذا ربما يساعد حزبه في الانتخابات النيابية القادمة ويسهل له تمرير التعديلات الدستورية التي خلت من نظام الكوتا بعد أن كانت من ضمن أجندته إرضاءً لممثلي التحالف، ومن خلال هذا التحالف حاول الرئيس أيضا أن يرهب الحوثية وأنصارها، ويرعب معارضي الوحدة ورافضي شرعية حكمه.

ويمكن القول أن الرئيس بعد أن أسهم في صنع الحدث في بداية الأمر إلا أن تطور الوضع بعد تدخلات مختلفة، ولد لديه يقين أنه لم يعدّ متحكما بمسار اللعبة، لذا لم يجد أمامه إلا محاصرة التحالف والاستفادة منه في الوقت نفسه، ومثّل إيقاف حرب صعده الإستراتيجية الأولى والتي قبلها الحوثي مرغما، فالتحالف الأصولي والقبلي الذي كان قد بدأ بتشكيل جيش شعبي كان كفيل بهزيمتهم، وإيقاف الحرب من قبل الرئيس في تصوري كانت أولا: نتيجة خوفه من بناء قوة عسكرية موازية للدولة حتى وأن أشرف على تلك القوة إلا أن طبيعة قيادته وطموحاتهم التي يدركها صالح جيدا ربما تهدد حكمه، وثانيا: خوفا من انتشار صراع طائفي في اليمن سوف يفكك المجتمع ويجعل من اليمن ساحة للصراعات الإقليمية.

أما الإستراتيجية الثانية التي أتبعها صالح مسنودا من القوى المدنية المؤيدة لحكمه فهي بناء تحالف لن نقول مضاد لتحالف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل الأصح أنه تحالف متوافق مع أهداف المشروع الوطني كما تجلّى في المشروع السياسي للرئيس، حيث قام الحزب الحاكم بتشكيل تحالف مع أحزب المجلس الوطني للمعارضة وحزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب أخرى سمي بالتحالف الوطني الديمقراطي وقد أكدت وثيقة التحالف على القيم المؤسسة للحركة الوطنية اليمنية ونبذ كل ما يناقضها.