تنمية القبيلة مفتاح تمدينها
بقلم/ ناصر الربيعي
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 29 يوماً
الأربعاء 19 مارس - آذار 2008 07:58 م


كانت صنعاء ملتقى لندوتين هامتين: الأولى حول التساؤل المثير للجدل أيهما أفضل النظام الرئاسي أم البرلماني لحكم اليمن؟ فيما كانت الثانية حول التساؤل المثير أيضا والمألوف من يحكم اليمن فعلا القبيلة أم الدولة؟

فبينما كان جزء من النخبة السياسية والمدنية يتجادلون ويتحاورون حول الطريقة الحديثة المثلى لحكم اليمن في الندوة التي نظمها المعهد الديمقراطي الأمريكي، كان في نفس الوقت والتاريخ جدل ساخن وحوار خجول يدور بين جزء آخر من نفس النخبة حول من يحكم اليمن القبيلة أم الدولة, في ندوة أخرى أراد منظموها أن تكون عصفا ذهنيا وتمهيدا لدراسة علمية حول دور القبيلة في الحياة السياسية يجريها عدد من أخصائي الانثروبلوجيا وعلم الاجتماع اليمنيين بدعم من مركز أبحاث التنمية الدولية بكندا.

شعار كلا الندوتين كان جذابا للمهتم والمتابع للشأن العام اليمني, كما كان توقيتهما مناسبا لتزامنه مع الجدل الدائر حول مبادرة رئيس الجمهورية بتبني نظام رئاسي ترفضه المعارضة التي تدعو إلى نظام برلماني بدلا من الحالي الموصوف بالمختلط من الاثنين. غير أن ندوة البحث في العلاقة بين القبيلة والدولة وتساؤل من يحكم فعلا القبيلة أم الدولة بدا اشمل من تساؤل أي الطرق أفضل للحكم، فكان ادعى للحضور وكتابة هذه الأسطر من جو تلك الندوة.

كان اللافت منذ البداية أن القبيلة لم تكن حاضرة في تلك الندوة التي نظمها المرصد اليمني لحقوق الإنسان،وهي منظمة غير حكومية حديثة التأسيس رغم تأكيد المنظمين إثناء الافتتاح دعوة كل الإطراف المعنية بالنقاش : ممثلون عن القبيلة و الأحزاب السياسية جميعها في الحكم والمعارضة, مع اهتمام ملحوظ بممثلات المرأة من الناشطات المعروفات.

لم يأت من اعتبرهم المنظمون والمشاركون ممثلين عن قبائل حاشد وبكيل ومذحج وهي القبائل التي تتفرع منها جميع القبائل اليمنية, رغم وصفهم في برنامج الندوة كبرلمانيين وليس كممثلين للقبائل ، وهم حميد الأحمر من حاشد, ومحمد الشايف من بكيل, وسلطان البركاني من مذحج, وجميعهم مشايخ معروفون ومؤثرون في هذه القبائل الثلاث الكبرى, إلى جانب ما لهم من صفات مدنية وحزبية أخرى .

غياب هؤلاء المشايخ الثلاثة جعل المشاركين في الندوة يتحدثون إلى أنفسهم أو بتعبير المنظمين ( يعصفون ذهنيا من طرف واحد )، مما اضعف التغذية الراجعة التي أرادها الدارسون والباحثون من ذلك الاجتماع، وافقد الندوة الإثارة الإعلامية التي تعد أقصى غاية لمعظم التجمعات المعارضة أو الموالية هنا في اليمن ، بسبب عدم الأخذ، غالبا، بالتوصيات وتنفيذ خطط العمل التي قد يتوصل لها أي مؤتمر.

فدفع غيابهم البعض إلى طرح مقترح للدارسين والباحثين ، الذين نظمت من اجلهم الندوة، بألا يعتمدوا على هذا العصف الأحادي والنخبوي , و أن ترتب لهم( وخصوصا غير اليمنيين منهم) زيارات ميدانية إلى هذه القبائل الثلاث وممثليها وأفرادها العاديين ,إن كانوا فعلا مهتمين بنجاح الدراسة وتأثيرها مستقبلا على العلاقة بين القبيلة والدولة, لجعل الأخيرة تحتوي الأولى وصولا إلى المواطنة المتساوية المنشودة.

وفي هذا الجو أحادي اللون استمر النقاش والجدل لمدة يومين متتاليين من قبل أكاديميين وسياسيين كان اغلبهم معارضين من أحزاب مختلفة مع حضور ملحوظ للمتحدثات والمداخلات ولكن بلون واحد أيضا. واللون الواحد ليس إشارة هنا لتقصير المنظمين أو انتقاد للنخبة التي شاركت بألوان متعددة ولكن في اتجاه واحد هو تحديث وتمدين وتذويب القبيلة. بل المقصود انه لم ينبر رجل وقال: ما المانع أن تحكم القبيلة؟ ومن قال إن القبيلة غير مدنية؟ من يحكم الآن ؟ أليسوا قبائل وأبناء قبائل؟. ولم تنبر امرأة تقول: من قال إننا لا نشارك؟ نحن نشارك في البيت والمطبخ وتربية الأطفال، كتلك التي قالت: من قال إننا لا نريد الزواج ونحن صغار؟ اعتراضا على الحملات المناهضة للزواج المبكر. وما أكثر وجهات النظر هذه حول القبيلة والمرأة، و هي حول المرأة أزيد.

نقاش المتحدثون والمداخلين والمعقبين كان يدور حول تمدين القبيلة الذي يعني تمدين المجتمع اليمني على افتراض انه لا يزال مجتمعا قبليا: العادة والتقليد والعرف فيه هو الأصل وما يكتب من قوانين وأنظمة هي الاستثناء.

ممثلو الأحزاب السياسية تحدثوا عن أهمية دور القبيلة في الحياة السياسية، وعلاقة أحزابهم الايجابية بالقبيلة في كل المراحل السابقة منذ الثورة، غير أن أحدا منهم لم يتحدث عن سبب فشل الحزب (أي حزب) السياسي في اليمن في التأثير على القبيلة كما فشلت الدولة في احتوائها ودمجها. كما لم ينكر احد أن القبيلة هي من تحمي الحزب وهي مصدر قوته في الملمات الحقيقية. ومن لا قبيلة له لا حزب له.

تحالف 'القوى التقليدية' التي ليس من مصلحتها تمدين القبيلة, وتفشي الأمية, وضعف وهشاشة الدولة بما يعني من غياب لحكم القانون، كانت من أهم الأسباب التي وردت لتفسير مراوحة عملية تمدين القبيلة مكانها منذ سبعينيات القرن الماضي من قبل المشاركين الذين يمكن وصف اغلبهم 'بالحداثيين' لاستمرائهم الحديث عن 'قوى الحداثة' مقابل من يطلق عليهم 'القوى التقليدية'.

وفي خضم الحديث عن هاتين القوتين المفترضتين برزت نصيحة أخرى للدارسين بان يحرصوا على نشر روح الطمأنينة قبل وأثناء وبعد الدراسة؛ بحيث يفهم من الدراسة أنها لصالح القبيلة ورجالها ونساءها في نهاية المطاف, وليست ضدهم أو للقضاء على القبيلة, كما أن الحديث عن احتواء ودمج وذوبان القبيلة لا يعني بأي حال من الأحوال رعاية مصالح 'القوى الحديثة' على حساب ' القوى التقليدية' ، بل يعني مصلحة المجتمع ككل.

كما ينبغي أن يكون الهدف واضحا وجليا لدى الجميع من هذه الدراسة وغيرها من الطروحات حول القبيلة, وهو إنقاذ المجتمع ككل من براثن التخلف الناتج عن فشل حقيقي معاش في العلاقات الاجتماعية، فشل لم تعد في ظله القبيلة قبيلة كما كانت 'تكرم الضيف وتنصر المظلوم و...' كما يحلو للبعض أن يدافع، كما لم تصل الدولة في ظل هذا الفشل إلى مستوى أن تكون دولة تصون حقوق وحريات الفرد والجماعة بحكم القانون فقط لا بكرم أو شهامة احد.

لذا لابد أن يكون هدف الدراسة هو تقصي أسباب هذا الفشل وتقديم المقترحات والحلول لتحويله إلى نجاح, على أساس أن الدراسة هي لتعريف وتنوير الناس ليختاروا على بصيرة وبينة. فمن اختار الثوب والجنبية أو المعوز(الفوطة) والقميص، مثلا، بدل البنطلون وربطة العنق، فهذا خياره ويجب أن يحترم ، ومن اختارت أن تتحجب وتحتجب في البيت بدلا من لبس ما تشاء وتخرج وتفعل ما تشاء فهذا خيارها أيضا ويجب أن يحترم . ولكن صراع القوتين المفترضتين هو صراع فرض الخيارات بمبررات سياسية وايدولوجية مختلفة ليس هذا مجال نقاشها.

ولكن نرجو للدراسة المزمع أجرائها خلال هذه السنة أن تساعد المجتمع اليمني أن يحترم كل الخيارات لكل الإفراد والجماعات.

وإذ ا كان غياب القبيلة في الندوة قد اضعف الجدل والإثارة السياسية، فإن تخصيص جلسة طويلة لوضع المرأة وموقف القبيلة منها ووجود متحدثات كثر قد حول الضعف إلى قوة جدل في السياق الاجتماعي. ولعلى السبب يعود إلى حساسية هذا الموضوع اجتماعيا بحكم تغلغل العادات والتقاليد في أذهان إفراد المجتمع المؤيدين والمناوئين لمشاركة المرأة. تجد من النخبة اليمنية، مثلا، من يؤيد مشاركة المرأة لكنه لازال يخجل أن يصطحب زوجته معه إلى ندوة مهما كانت مهمة، وان فعل، فهو يحرج أن يعرفها على أحد من الرجال لمناقشة موضوع ما . وتجد كذلك من تطالب بمشاركة المرأة وهي لا تشارك بفتح باب البيت للضيف أن كان رجلا فضلا عن عدم الترحيب، بل قد تهرب بطريقة محرجة أن دخل فجأة. وهذا مثال لتقاليد كثيرة الكل يقر ألا معنى لها ولكن من الصعب التخلي عنها، على الأقل على المدى القريب.

توظيف النص الديني بتفسيرات خاطئة في تبرير الممارسات السيئة في القبيلة كمعاملة المرأة بدونية مثلا, كان مما عصفت به المشاركات في سياق حديثهن عن تهميش دور المرأة في الحياة العامة, ومطالبتهن بالمساواة الكاملة مع الرجال أمام القانون. وهي النقطة التي أثارت جدلا بين من يرى أن حديث المساواة والتمكين مستوحى ومستلهم من الغرب وبين من يرفض مجرد ذكر الغرب في هذا السياق ويرى أن المرأة تعيش مشكلة حقيقية وإنها لازالت غير قادرة على التصرف في الشأن العام والخاص كإنسان مسلم مسئول عن نفسه أمام القاضي في الدنيا وأمام الله في الآخرة ، بسبب موروثات اجتماعية بالية تدعمها بعض التفسيرات الخاطئة لنصوص دينية. ويرى أصحاب هذه النظرة وجوب أن تستعيد المرأة الثقة بنفسها وتتصرف( بالخاص والعام ) بدون أي وكيل إلا إذا اختارت وكيلا في الدنيا أما في الآخرة فلا وكيل لها إلا نفسها.

وبدا من الجدل والجدل المضاد أن من يقلق من مشاركة المرأة ويكثر الحديث عن الضوابط في أحسن الأحوال، أن لم يتخذ موقفا مانعا وحاجبا لها، هو لا يثق بتصرف المرأة ولا يعترف بكامل مسؤوليتها الفردية تجاه نفسها. نظريا، لو أن امرأة اقترفت خطأ يعاقب عليه القانون،فلا يتحمل مسؤولية هذا الخطأ الأب ولا الأخ ولا الزوج، كما لا يستطيع أي من هؤلاء أن يشفع لها عند الله إن هي ارتكبت ذنبا يغضب الله.

وهنا طرح تساؤل آخر مشابه للتساؤل ( من الذي يحكم القانون أم العرف القبلي؟) هو من الذي يحكم الدين أم العرف القبلي داخل القبيلة؟ في كثير من المواقف والقضايا، وطرح منها على سبيل المثال: لو أن صبية عذراء اتهمت بجريمة الزنا فجاء أخوها أو أبوها وقتلها دفاعا عن ما يعرف بشرف الأسرة وشرف القبيلة, فان حصل القتل – وما أكثر أن يحصل في مثل هذه المواقف – فمن الذي حكم بالقتل هنا؟ اهو الدين أم العرف؟ انه لا شك العرف القبلي الأعمى.وأختم بكلمة للإخوة الدارسين والباحثين :إن ما تقومون به عمل رائع يستحق الشكر والاحترام وأذكركم أن التشخيص السليم للبعد الاجتماعي والسياسي للقبيلة نصف الحل لتنميتها ودمجها.

مشاهدة المزيد