حين نصير جميعا تنظيم القاعدة
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 16 يوماً
الثلاثاء 01 مايو 2007 05:03 م

مأرب برس - خاص

يقوم هذا الفكر "القاعدة" على مبدأ الحسم والمعالجة العنيفة لكل الأخطاء ، كما يقوم على الإقصاء ، والإلغاء والبتر والقطع ، فاللسان المعوج لا يجب أن يقوَّم ، بل يقطع ، واليد الآثمة التي تكسِر قلماً ، يجب أن تُكْسر ، سواءاً بسواء ، إنه الفكر الذي يقوم على العنف وعدم التعايش ، ويصادم سنن الكون والطبيعة ، فضلا عن نصوص الشريعة السمحة ، لا يؤمن بالحلول المتدرجة أو المعالجات الهادئة ، هذا ما عرفناه عن هؤلاء الناس ، كما تنقله إلينا وسائل الإعلام .

بيد أننا في بعض الأحيان في معالجة بعض الأخطاء في شتى مسارات حياتنا نلجأ إلى هذه الطرائق الشنيعة ، ليس فقط كعامة ، بل حتى كنخب فكرية وسياسية وثقافية ، وأحياناً كعلماء وقادة ، نجد أنفسنا ننهج نفس هذا النهج المشئوم الآنف الذكر .

تمتلئ حياتنا بشتى ألوان التنوع والتغيير والصواب والخطأ والإيجاب والسلب ، كمؤسسات وهيئات وشركات ، أو حتى كأفراد ، فلا مجال للقول بأننا نملك الحقيقة المطلقة والامتياز الشامل والروعة الدائمة والمثالية الأبدية ، في كل شيء ، فهذا محال أن يكون وأن يقع ، لأن الحياة البشرية قائمة في أصلها على الابتلاء بالخير والشر كما قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) حتى في مجتمع خير البشرية وخير القرون تعايش الخير والشر .

إن ثمة أخطاءاً يجب أن يقف أمامها الجميع وقفة مراجعة ومعالجة هادئة متأنية مستبصرة .

إن من الظلم بمكان أن نُحمّل أنظمتنا السياسية كل أخطاء الدنيا حتى تلك الأخطاء التي تقترفها أيدينا وألسنتنا وأبصارنا .

إنني أزعم أن ثمة استبداداً وظلماً واضطهاداً نفسيا وعلميا تمارسه بعض مؤسساتنا ودوائرنا الاجتماعية ، أعظم من استبداد وظلم وديكتاتورية بعض الأنظمة ، إن هناك مئات الملكيات المستبدة تمخر في كياننا الاجتماعي ونسيجنا السياسي والثقافي ، وما أنظمتنا السياسية الاستبدادية إلا نتاج لعمليات واسعة وكبيرة من الاستبداد والإقصاء والإلغاء ، ومصادرة الحقوق والحريات ، في أوساط المجتمع ، الذي لديه القابلية لكل هذه العمليات الاستبدادية ، فليست عنه بغريبة ، وليس عنها المجتمع ببعيد ، فهما أخوان في الحقيقة ، وإن ظهرت بعض البوادر أحيانا أن ثمة خلافا بينهما .

 إن المجتمع الحر الأبي لا يقبل الاستبداد في أي صورة من صوره ، ولا يمكن للاستبداد أن يعيش في دنيا الأحرار والنبلاء .

كم في مجتمعاتنا المسلمة من مضطهد وشريد وطريد لم يؤوه إلا كنف بيت الله الحرام ، وباحات الحرم النبوي الشريف ، وساحات منى ومزدلفة وعرفات ، ولم يجد شيئا يتعلق به بعد الله إلا أستار الكعبة المشرفة ، التي بدورها في بعض الأحيان تأتي الفتيا ببدعية التعلق بها ، قولا واحدا ً .

لا إشكال كبير في المسألة ، إنما الإشكال الأعظم والأكبر أن تصبح هذه الصورة من الاستبداد والمصادرة للحقوق والحريات هي الشرع المطهر ، وهي الدين الحق ، وهي الصورة المثلى والملّة الحنيفية السمحة ، ومن قال بغيرها فهو من أعداء الإسلام والملة والدين ، وأعداء عباد الله الصالحين الأطهار ، أو هو عميل أو خائن أو ينفذ مخططات اليهود أو النصارى .

 إن هذا هو عين التفكير الآسن المتهالك والمرض الفتّاك الذي تحدثنا عنه في صدر هذا المقال.

 بيد أن المعالجات – لهذه المشكلات - التي ينهجها البعض في تصحيح هذه الأخطاء ، مع شناعتها وفداحتها ، تقوم على فكرة الإغلاق والبتر والقطع والكسر الذي لا يلتئم ، والجرح الذي لا يندمل ، وبدلا من معالجة القلم ، يُكسر صاحبه ، وبدلا من مداواة اللسان العليل يقطع اللسان ومعه الرأس ، وبدلا من تصحيح البناء يهدم على رؤوس من فيه .

إنه نفس الفكر الذي أشرنا إليه قبل قليل ، المعتمد على العنف والإلغاء والاغتيال ، بصورة أو بأخرى .

إنه لمن الجرم على سبيل المثال أن ينادي البعض بإغلاق المستشفيات ومراكز الصحة لأن فيها بعض موتى الضمائر ، ومافيا الفساد ، ومواخير الرشوة ، ولأنهم يُجْرون العديد من العمليات الفاشلة ، التي تنتقل بالمرضى إلى الدار الآخرة ، دون أن تهتز شعرة في طبيب منهم ، فهل من الحكمة المناداة بإغلاق هذه المشافي ، وطرد الآلاف من المرضى ، لأن هذه المشافي فيها ما فيها .

إن علينا أن ننظر ونحن نناقش أخطاء مؤسساتنا وهفواتها وزلاتها ومشكلاتها واستبدادها وديكتاتورياتها وفوضاها وفسادها ومحسوبياتها... أن ننظر إلى الجوانب المضيئة والمشرقة منها أيضا ، وإلا كنا عمياناً وعورا ، عافانا الله وإياكم من كل داء وبلية ، وأن نعتمد على هذه الجوانب المشرقة والمضيئة في المعالجة .

إن جامعة صنعاء التي ننادي بإصلاحها ، وانتشالها من غرفة الإنعاش ، والعناية المركّزة ، لم يقل أحد بإغلاقها أو قال بوصمها بالتكفير والفتنة ، رغم أنه قطعا فيها ما هو أدهى وأمر من صنوف الفساد المتعدد والمتشعب .

لننظر إلى الجانب الآخر المشرق من جامعة صنعاء ذات العمر المديد ، كم تخرج منها من الأطباء والصيادلة والمهندسين والتربويين والإعلاميين ، ومع قصورهم وخيبة البعض منهم إلا أنهم يسدون مسداً في الأمة والمجتمع ، يشكرون على ما فيه من خير .

قد يفهم الآخرون عنّا أننا نزكّي أنفسنا كأحبار اليهود وكقسس النصارى ، الذين يوهمون أنفسهم بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، فلا يجوز والحالة هذه أن نؤكد هذه المقولة للآخرين ، بالقول بأننا ليس لدينا أي قصور أو أخطاء أو أغلاط هنا أو هناك ، في هذه المؤسسة أو تلك ، بل لنقل بملئ أفواه الشجعان الأبطال هذه أخطاؤنا نعترف بها ونقرها ، ونشكر كل من حملها إليها ولو على طبق غير نظيف ، ونحن جادون في معالجتها وتصحيحها ، فنحن بشر نصيب ونخطئ ، ورحم الله امرءاً أهدى إلينا عيوبنا .

إن الحكمة ضالة المؤمن أنىّ وجدها فهو أحق الناس بها .

ولا يجوز توزيع التهم أو صناعة العداوات ، أو زراعة اليأس والإحباط في أي مؤسسة وطنية كائنة ما كانت ، طالما وهي تؤدي دورا في الأصل محموداً وطيبا ، بل علينا أن نساعد هذه المؤسسة أو تلك على تلافي أخطائها ، وجوانب قصورها ، كما أنّ عليها هي نفسها أن تعين الآخرين على ذلك ، وفق أسس من العلمية والمصلحة الوطنية ، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه .

كل ذلك في تعاون وحسن نية وتآزر وحب وإخاء وسلام وصفاء ، يسود الجميع ، فبناء الوطن همّ الجميع ، وكلنا أبناء وطن واحد ودين وملة واحدة .

بلا تخوين ولا تسفيه ولا بتر ولا قطع ولا إغلاق ولا كسر ولا شطب ، وإلا كنا جميعاً كما نسمع عن تنظيم القاعدة فكراً وممارسة ، بصورة أو بأخرى .

والله تعالى من وراء القصد ، والهادي إلى سواء السبيل .

Moafa12@hotmail.com