آخر الاخبار
أزمة اللواء الثالث!!
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
السبت 02 يونيو-حزيران 2012 05:19 م

 لست أدري إن كان الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح بنى حساباته في عملية نقل السلطة على تخليه عن رئاسة الجمهورية فقط واستمرار احتفاظه في ذات الوقت بالهيمنة على القوات المسلحة أو على القوة الرئيسية فيها على الأقل والمتمثلة بالحرس الجمهوري، لكني من خلال ما هو معروف عنه وما أعرفه عنه أيضاً من حدة الذكاء يجعله لا يبني حساباته على مثل ذلك التصور، وأن ما يجري من عرقلة لتنفيذ بعض قرارات خلفه الرئيس/ عبدربه منصور هادي التي أصدرها مؤخراً بإجراء تغييرات في القوات المسلحة ليس أكثر من أوراق ضغط لتحقيق بعض المكاسب السياسية الجديدة له ولأسرته أو الاحتفاظ بأوراق ضغط على الرئيس الجديد... إذ لم يعد هناك أي معنى من الناحية الواقعية لتمسك رجل تخلى عن السلطة باستمرار سيطرته على أحد ألوية الجيش لمجرد حماية نفسه مثلاً، مع أنه يردد دوماً أنه محمي بإرادة شعبه، ناهيك عن حصوله على قانون يمنحه حصانة كاملة من أي محاكمة عن أي قضية جرت خلال فترة حكمه أياً كان نوع هذه القضية!.

 ورغم موافقة الرئيس السابق على تسليم القوات الجوية والحرس الخاص ومخازن السلاح الضخمة التابعة للقائد الأعلى ومؤخراً تسليم قيادة الأمن المركزي وقيادة قوات النجدة والقطاع الخارجي بجهاز المخابرات (الأمن القومي)، إلا أن استمرار رفضه تسليم اللواء الثالث مدرع والتابع للحرس الجمهوري للقائد الجديد الذي تم تعيينه بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي وهو من غير عائلة الرئيس السابق بل ومن غير قبيلته، أعاد الأوضاع الداخلية إلى سابق توترها وجعل صالح ونجله أحمد قائد الحرس الجمهوري في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن الذي لا يجد أمامه مبرراً مقنعاً لتصرفات الرئيس السابق سوى أنها إعاقة لاستكمال نقل السلطة للرئيس الجديد الذي يفترض أن يمسك بكل خيوط القرار في القوات المسلحة، باعتباره قائدها الأعلى... ويزداد الموقف غرابة في نظر المجتمع الدولي عندما يتنامى إلى سمعه أن الرئيس اليمني السابق يقول إن تسليمه للواء الثالث مدرع الذي يسيطر على العاصمة صنعاء هو (تسليم لرقبته)، وموضع الغرابة أن المجتمع الدولي لا يفهم معنى (تسليم رقبته) بعد أن سلم الحكم وتنحى عن السلطة وفقد مشروعيته كرئيس للجمهورية، فأي تسليم للرقبة أكبر مما قد سلمه بالفعل؟!.

 ولأن هذا المبرر لا يمتلك أي وجاهة أو منطقية فإن المجتمع الدولي لا يمكن أن يفهمه إلا على أنه نوع من أنواع التمرد على مشروعية الرئيس الجديد، بل وعلى المجتمع الدولي نفسه الذي وضع كل ثقله وراء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تواثقت عليها كل القوى الوطنية اليمنية وباركها المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي وتعززت بقرار دولي صادر عن مجلس الأمن... ورغم كثافة اللقاءات التي عقدها المبعوث الدولي جمال بن عمر في صنعاء خلال زيارته الأسبوع الماضي لها بما في ذلك أكثر من لقاء مع الرئيس السابق سمع منه بالتأكيد مبرراته، إلا أن الواضح أنه ومعه سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة لم يقتنعوا بمبررات صالح الواهية ودعاواه بأن القائد الجديد للواء الثالث المعين من الرئيس هادي موال لخصمه اللواء/ علي محسن صالح الذي أعلن تأييده للثورة الشعبية العام الماضي عقب مذبحة جمعة الكرامة في 18 مارس 2011م، وأن تسليمه اللواء الثالث له سيكون تسليماً لرقبته لخصمه اللواء محسن... ولاشك أن هذا المبرر ليس مقنعاً بحال من الأحوال، لأن الرئيس هادي هو من اختار القائد الجديد العميد/ عبدالرحمن الحليلي المعروف بأنه ضابط محترف، ناهيك عن أنه ظل على الحياد طوال فترة الثورة الشعبية لم يعلن تأييده لها ولم يقف ضدها، ولو أنه موالٍ للواء علي محسن لكان أعلن تأييده للثورة الشعبية في العام الماضي... فقد كان منهج الرئيس هادي في تعيين القادة العسكريين الذين خلفوا أقارب صالح في القوات الجوية واللواء الثالث والحرس الخاص والأمن المركزي والنجدة والأمن القومي منهجاً واضحاً يتمثل باختيارهم إما من القادة الذين ظلوا على الحياد خلال الثورة أو الموالين له – أي لهادي – ولم يعرف عنهم أي مواقف مؤيدة للثورة الشعبية وذلك حتى تتسم قراراته بالحياد والموضوعية من ناحية وحتى لا يوفر الذرائع – التي يعلمها مسبقاً – لصالح وعائلته لرفض القرارات والتمرد عليها من ناحية أخرى.

 على الأرجح إن الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح يرفض تنفيذ القرار لأسباب قد يكون من بينها الضغط لضمان استمرار الدور السياسي لعائلته في المرحلة القادمة.. معتقداً أن هذا الدور لا يمكن أن يستمر دون استمرار هيمنة عائلته والقادة الموالين له على الوحدات الأقوى في الجيش.. وقد يكون من بينها عزل اللواء/ علي محسن من منصبه مقابل تسليم اللواء الثالث في مناورة يهدف من خلالها استبعاد خصمه واستبقاء نجله قائداً للحرس الجمهوري في نفس الوقت وهي أمور تدخل في جوهر اختصاص الرئيس الجديد وتخضع لتقديراته هو وليس أي أحد آخر بما في ذلك الرئيس السابق...وقد يكون من بينها استياؤه من استمرار رفض الدول الخليجية والدول الغربية استقباله لمواصلة العلاج، فيما قيل أن الولايات المتحدة وافقت على استقباله للعلاج لكنها لن تمنحه تأشيرة الدخول المصحوبة بالحصانة وبالتالي لابد أن يصطحب معه محام في حال رفعت ضده دعاوى قضائية هناك... وأيا كانت أسباب صالح للتمرد على قرار الرئيس هادي إلا أن واقع الحال الآن يقول إن الرئيس السابق يعيد إلى الذاكرة اليمنية العامة حصار صنعاء الشهير بحصار السبعين يوماً (من أواخر شهر نوفمبر 1967م حتى 8 فبراير 1968م) الذي قام به بقايا عائلة حميد الدين التي حكمت اليمن لعقود طويلة حتى عام 1962م وظلت تحاول استعادة الحكم من النظام الجمهوري عبر حرب أهلية استمرت سبعة أعوام وبلغت ذروتها في حصار صنعاء الذي فشل بفضل صمود اليمنيين الذين هبوا من كل حدب وصوب بما في ذلك الجنوب للدفاع عن عاصمتهم في وجه مخلفات النظام الملكي الذي انتحر على أبواب صنعاء... وهاهي العاصمة صنعاء وثورتها الشعبية محاصرة اليوم مجدداً من خلال اللواء الثالث المتمرد وهو حصار لن يصمد بالتأكيد كسابقه... ومن المفارقات أن الرئيس صالح كان أحد أبطال الدفاع عن صنعاء في وجه حصار الملكيين لها قبل خمسة وأربعين عاماً، فهل يقبل أن يفعل اليوم ما فعله خصومه بصنعاء في ذلك التاريخ؟!.