الشيخ عبدالله الأحمر.. ماذا بعد الرحيل ؟ *
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و يومين
الأحد 13 يناير-كانون الثاني 2008 05:01 م

بكل تأكيد لم يكن رجلاً عادياً ذاك الذي سار وراء جنازته الأسبوع الماضي أكثر من مليون مواطن يمني, ذلكم الحشد الجماهيري الهائل الذي لم تشهد له البلاد مثيلاً من قبل مثل أقل واجب يمكن أن يؤديه اليمنيون تجاه شخصية وطنية عظيمة ورفيعة بحجم الشيخ عبدالله الأحمر رحمه الله .

لكن ماذا يعني رحيل الشيخ الأن بالنسبة لليمنيين؟ وما حجم الفراغ المستعصي ملئه بعده؟ وهل بالإمكان رأب تلك التصدعات والشقوق التي أحدثها رحيله في جدار القبيلة والسياسة اليمنية؟

يكاد يُجمع المراقبون والمهتمون بالشأن اليمني على أن رحيل الشيخ الأحمر(رحمه الله تعالى) في ظروف كهذه يُعد خسارة فادحة ليس للشعب اليمني فحسب بل ولكل القوى السياسية في السلطة والمعارضة , وإذا كان البعض يرى بأن الخاسر الأكبر من غياب الشيخ الأحمر هو الرئيس صالح بالنظر إلى حجم الدعم والمساندة التي طالما حظي بهما منه, فإن آخرين يذهبون إلى القول أن خسارة المعارضة والإصلاح على وجه الخصوص هي أكبر من خسارة الغير له.

يغادر الشيخ عبدالله الأحمر في فترة من أحلك الظروف السياسية وأشدها قتامه وتعقيداً وأكثرها أزمات بالنسبة لحكم الرئيس صالح, فالبلاد ماتزال ترزح تحت وطأة حزمة من المشاكل المستعصية التي أفرزتها السياسات الخاطئة وتركتها تتراكم على مر السنين إلى أن تفجرت في وجه السلطة من كل جانب,فهناك حرب متجددة في الشمال, واحتقانات سياسية تنذر بالتفجر في الجنوب, وبينهما قبائل تسعى جاهدة لإعادة ترتيب أوضاعها وبناء تكتلاتها وصياغة تحالفاتها, باحثة عن أدوار سياسية واجتماعية جديدة تحفظ لها مصالحها وتضمن لها مزيداً من المكاسب المستقبلية في ظل وضع سياسي تُنذر مؤشراته بسرعة انحداره صوب مزيد من الأزمات وعدم الاستقرار, فيما أزمة الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة انتهت إلى طريق مسدود, في الوقت الذي تُلقي فيه الأزمة الاقتصادية بظلالها القاتمة على حياة الناس المعيشية الأمر الذي يفاقم من سخطهم وغضبهم على السلطة ويجعلهم أكثر استجابة لدعوات العصيان المدني التي بدأت تلوح بها حركة المتقاعدين في المحافظات الجنوبية !

* النضال السلمي للأحمر

فيما عدا مواجهته لأعداء الثورة وقتاله دفاعاً عن الجمهورية لم يُعرف عن الشيخ الأحمر أنه رفع السلاح في وجه النظام الجمهوري لأي سبب كان, بالرغم من انه كان يتصدر لقيادة المعارضة السياسية ضد رؤساء الجمهورية في كثير من الأحيان, لكن خلافاته معهم لم يكن منشؤها صراعه على السلطة وطمعه فيها بقدر ماكان حرصه على عدم الانحراف بالثورة بعيدة عن أهدافها , وهنا ينبغي الاعتراف بحقيقة أن الشيخ الأحمر كان أول من أرسى تقاليد النضال السلمي والمعارضة السلمية في اليمن .

كان الشيخ الأحمر يمارس أصول المعارضة كسياسي محترف أكثر منه زعيم قبلي مرموق, وبقدرماظل وفياً لتقاليده القبلية التي جمعت من حوله ولاء قبائل اليمن ومشايخها بقدر ما بقي محافظاً على تقاليد المعارضة السلمية التي أكسبته حب واحترام كل الأحزاب السياسية في اليمن.

ولأنه كان كذلك فقد نأى بنفسه عن مطامع السلطة وحب الزعامة, فلم يتصدر للقيادة إلا بالقدر الذي تطلبته مصالح البلد, وكان من نتائج ذلك أن بقي الشعب في مأمن من الزج به في صراعات ومنافسات لاتخدم مصالحه, ويُحسب للشيخ الأحمر كذلك انه لم يحاول منذ بداية علاقته بالسلطة ولم يفكر بالدخول في معترك التوريث السياسي الذي صار أحد سمات المشهد السياسي الراهن .

* غياب الأحمر سياسياً

كان دعم الشيخ الأحمر للرئيس علي عبدالله صالح ـ رغم اعتراضه في البداية على توليه مقاليد الحكم ـ لسببين , الأول: حرصه على خلق بيئة استقرار سياسي بعد حالة القلق التي شهدتها البلاد نتيجة أحداث مقتل الرئيسين الحمدي ثم الغشمي , الثاني : وجود نوع من القبول الخارجي (سعودي تحديداً) بالرئيس صالح وهو مالم يكن يتوقعه الشيخ الأحمر الذي كان يفضل مع ذلك عودة الحكم إلى المدنيين وأن لايكون رئيس اليمن من المؤسسة العسكرية , لكن فيما بعد نشأ تحالف استراتيجي بين الأحمر والرئيس صالح استغله الأخير في تثبيت دعائم حكمه وإحكام قبضته على السلطة , غير أن علاقة الرجلين أخذت منحاً آخر في السنوات الثلاث الأخيرة حيث بدأت عملية تهميش الشيخ الأحمر من قبل السلطة بل والتجرؤ عليه ومهاجمته علانية , فلمجرد كلمة قالها الأحمر في أحد مؤتمرات الإصلاح وصف فيها الأوضاع بأنها تقود البلاد إلى نفق مظلم , شن عليه حزب المؤتمر الحاكم هجوماً عنيفاً تجاوز كل حدود اللياقة والأدب, وهو ما أوحي حينها بوجود ضؤ أخضر على أعلى مستوى سمح بذلك , ومرة أخرى ُيلوح المؤتمر في البرلمان بورقة انتخاب رئيس المجلس كل عامين في تحذير واضح للشيخ الأحمر أن بمقدورهم عزله من رئاسة البرلمان متى شاؤ, وعلى مايبدوا فإن الرئيس الذي تمكن من الإمساك بزمام الأمور لما يقارب من ثلث قرن , والذي نجح أيضاً إلى حد ما في تطويع مُعارضيه القبليين والسياسيين قد شعر بعدم حاجته إلى رجل قوي يسنده كالشيخ عبدالله الأحمر بعدما آلت كل أدوات القوة لإحكام السيطرة على السلطة إلى يده كحاكم أوحد للبلاد بلا منازع .

وإذا اعتبرنا أن ذلك جزء من المتغيرات التي طرأت على علاقة الرجلين وقادت احياناً إلى فتور في تلك العلاقات, فيمكن القول أيضاً أن متغيراً آخر مهم دخل بقوة على خط العلاقات التاريخية بين الاثنين وهو أبناء الشيخ نفسه , فهولاء قاموا ـ في الآونة الأخيرة ـ بما يشبه دور المعارضة لسياسات النظام الذي اتهموه صراحة بممارسة الإقصاء والتهميش واحتكار السلطة والثروة والسعي نحو تكريس مبدأ التوريث.

وفي هذا السياق نستطيع القول أن عهد العلاقات الإستراتيجية بين الرئيس وآل الأحمر وكذا بينه وبين حزب الشيخ الأحمر قد ولى وانقضى زمانه, فالخيط الرفيع الذي كان يحفظ لتلك العلاقات دفئها قد انقطع , أضف إلى ذلك فإن حميد و حسين الأحمر كانا قد حسما أمرهما في عهد أبيهما وقررا المضي في طريق معارضة سياسات الرئيس صالح كل بطريقته, حميد من خلال حزب الإصلاح واللقاء المشترك , وحسين من خلال مجلس التضامن الوطني (القبلي) الذي أنشأه مؤخراً , وقبل ذلك كان الإصلاح قد حدد شكل علاقته الجديدة بالمؤتمر عقب انتخابات عام 2001م المحلية حينما أعلن عن إنهاء تحالفه الاستراتيجي معه , فيما بقي الشيخ الأحمر هو حلقة الوصل الوحيدة التي تربطه بالرئيس, وإن كان من غير المرجح أن يؤدي رحيله إلى إنهاء علاقة الطرفين, لكن حتماً ستضعف علاقتهما ببعض أكثر مما هي عليه الأن, ولا ننسى أن الانتخابات الرئاسية الماضي 2006م زادت علاقتهما وهناً على وهن وباعدت بينهما كثيراً ووضعتهما للمرة الأولى وجهاً لوجه في معترك التحدي والمنافسة, وقد حملت تلك الانتخابات أكثر من رسالة للرئيس صالح أهمها انه لم يعد مرغوب في استمرار بقائه على هرم السلطة لفترة أطول , وان الإصلاح لم يعد يحبذ طريق التسويات في حل قضايا الحكم .

من الناحية السياسية فإن الإصلاح فقد برحيل الشيخ الأحمرـ يرحمه الله ـ ما يمكن أن نسميه بالجدار الواقي أو المظلة التي استظل بها منذ بداية تأسيسه , صحيح أن الإصلاح حزب يقوم على هياكل مؤسسية كما يقول أمينه العام , إلى جانب أنه من المفترض أن يكون قد قطع شوطاً كبيراً على طريق الاستعصاء والتمكين, إلا أنه مع ذلك لا يستغني عن رجال أمثال الشيخ عبدالله الأحمر, والمتوقع في قابل الأيام أن يكون الرئيس أكثر تشدداً مع المعارضة والإصلاح تحديداً وبالأخص في ما إذا ظل الشيخ حميد الأحمر بنفس قوة معارضته إبان فترة الانتخابات الرئاسية الماضية .

* غياب الأحمر قبلياً

إذا كانت للشيخ الأحمر أسبابه التي دعته للوقوف إلى جانب الرئيس صالح في الماضي فلأبنائه كذلك من الأسباب مايدفعهم لمعارضته في الحاضر, ليس اقلها قضية التوريث واحتكار السلطة والثروة , وهي قضية تتصدر قائمة الخلاف بين الرئيس وأبناء الشيخ الأحمر, إلى جانب قضايا الفساد الأخرى, أضف إلى ذلك فإن من المتوقع أن يسارع الرئيس إلى محاولة ملئ الفراغ القبلي الذي خلفه أبوهم , وإن كان غير وارد مزاحمتهم على زعامة قبيلة حاشد لكن يكفي أن يصنع لهم أنداداً , وهذا ممكن الآن خصوصاً بعد رحيل شخصيتين مهمتين من حاشد هما عبد الله الأحمر ومجاهد أبو شوارب , ومن ناحية أخرى سيعمل الرئيس على مد جسور العلاقة مع الشيخ صادق الأحمر الزعيم الجديد لقبائل حاشد , وكعادتها في أسلوبها المتبع (فرق تسد) فإن إضعاف دور قبيلة حاشد وخلق رموز جدية متنافسة ومتصارعة سيكون هدف السلطة القادم , ولن يكون الرئيس بحاجة بعد اليوم إلى زعامات قبلية قوية تحد من طموحة أو تمنع عنه تمرد القبائل , فهولاء لا يخدمون مصالحة , وأولئك يمكن التعامل معهم عن طريق رجال أقوياء من داخل السلطة نفسها يمتلكون قدرات مشايخ القبائل , وعلى رأسهم علي محسن الأحمر, الذي بمقدوره توظيف إمكانات الدولة في استقطابهم أو ردعهم.

 لن يكون من سبيل أمام آل الأحمر سوى أن يعودوا للالتحام والاندماج بقبائلهم إذا كانوا يعدون أنفسهم للمستقبل , وربما تجيء دعوة الشيخ حميد الأخيرة ـ في جنازة والده ـ لتوقيع صلح بين القبائل في هذا السياق , وعلى ما يبدوا فإن هنالك مخاوف من محاولات اختراقها وإثارة الفوضى والاضطرابات في أوساطها, خاصة مع توقع السلطات تراجع الكثير من أبناء تلك القبائل عن ولائهم الحزبي لبعض الأحزاب السياسية بعد رحيل الشيخ عبدالله الأحمر.

* مدير تحرير صحيفة العاصمة