عن رمضان وبؤس الحال وشجاعة الحكومة باليمن
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 6 سنوات و 5 أشهر و 28 يوماً
الإثنين 21 مايو 2018 12:02 م
 

كل شيء تقريباً يعكس بؤس الحال في اليمن، خصوصاً مع حلول شهر رمضان المبارك الذي يُذكِّرُ الناسَ بحاجتهم الماسة إلى ما يقيم أودهم في واحدة من أسوأ المراحل التي عاشوها في تاريخهم المعاصر، لكن الشيء الجيد أن ثمة تطورات مهمة تُبقي على الحد الأدنى من الأمل بإمكانية استعادة الدولة، ليس من الحوثيين المدعومين من إيران فقط، ولكن من التحالف الذي جاء لمساعدة الحكومة الشرعية.

انشغل الناس عن تحرّي الهلال بتحري قدوم نصف المرتب الشهري الذي تجود به سلطة الأمر الواقع على معظم موظفي الدولة؛ الذين يتركز تواجدهم في العاصمة صنعاء والمحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين.

وهذا النزر القليل لا يصرف كل شهر، بل كل ثلاثة أشهر، لذا لا يواجه الناس مشكلة ندرة الأساسيات أو ارتفاع كلفتها فحسب، بل يواجهون أيضاً إشكالية عدم القدرة على الشراء في ظل هذا الفقر المركب، والذي باتوا يفتقدون معه أكثر من أي وقت مضى إلى أكثر المواد أساسية حيوية مثل مادة الغاز المنزلي.

الحوثيون في صنعاء يعملون حثيثاً على إعادة تكييف المدينة الكبيرة؛ بما يتفق مع نزعتهم المذهبية التي تطفح بالتعصب والإقصاء والثأر التاريخي. فهم يمنعون صلاة التراويح في المساجد، ويخلقون بيئة قمع جديدة على أساس مذهبي من شأنها أن تترك ندوباً في الوعي، تماماً كالندوب التي تركتها الحرب على الأجساد والضمائر.

الحكومة الشرعية تجتهد في تأمين المرتبات في المناطق الخاضعة لها، وفي بعض القطاعات السيادية، حتى تلك التي تقع تحت سيطرة الانقلابيين.

لكن معركة الحكومة تزداد تعقيداً في ظل دخول التحالف على خط الاستهداف المباشر لهذه الحكومة، وللولاية القانونية والدستورية التي تتمتع بها السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

فقد تسببت الممارسات التي تنتهك السيادة اليمنيةمن جانب التحالف؛ في زيادة منعة هذه الحكومة المحاطة بالتحديات من كل الجهات.

فمنذ أن دعم التحالف، ممثلاً بالإمارات، فصائل مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي للقيام بما وصف بأنه انقلاب مسلح على الحكومة في العاصمة السياسية المؤقتة عدن أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، ازدادت نبرة الانتقادات الحادة من جانب مسؤولين في الحكومة ضد التحالف.

تحدث هؤلاء المسؤولون بوضوح عن إشكالية عدم قدرة الرئيس على العودة إلى عدن لأسباب تتعلق بعدم رغبة التحالف في هذه العودة، مصحوبة بانتقادات شديدة للإمارات والتحالف، خصوصاً على لسان وزير النقل صالح الجبواني ووزير الدولة صلاح الصايدي.

لكن الإشارات ذات المغزى جاءت من رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر؛ الذي دأب على نشر بيانات تحذيرية اتسمت بقدر عال من الدبلوماسية وبروح المسؤولية، سرعان ما تطورت إلى مواجهة سياسية مباشرة مع الإمارات في محافظة أرخبيل سقطرى التي وصل إليها الدكتور بن دغر أواخر شهر نيسان/ أبريل.

المواجهة انتهت بانسحاب القوات الإماراتية التي كانت قد وصلت بطريقة مفاجئة ومستفزة إثر وصول رئيس الوزراء للأرخبيل، وقامت على الفور بإنهاء دور الموظفين الحكوميين، وأنزلت أعلام اليمن من مبنى المطار والميناء والمرافق السيادية والمحلية الأخرى.

استدعى ذلك بقاء رئيس الوزراء في الأرخبيل بالتزامن مع تحركات شعبية كبيرة في أرخبيل سقطرى منددة بالتواجد العسكري الإماراتي، وتحرك دبلوماسي حكومي تضمن توجيه مذكرة إحاطة إلى مجلس الأمن بشأن التجاوزات الإماراتية، فيما وصف حينها بأنها أكبر صفعة تتلقاها الإمارات المسكونة بنزعة استعلائية وبنيّة حقيقية لاستهداف وجود السلطة الشرعية.

وعلى الرغم من أن السعودية أحلَّتْ نفسها بديلاً عن الإمارات في سقطرى، إلا أنها لن تجرؤ على ارتكاب الحماقة نفسها. لذا لا يمكن لأي أحد أن يتجاهل أهمية النصر الذي أحرزته الحكومة اليمنية على واحدة من أكثر المغامرات الإمبريالية للإمارات جرأة وصلفاً.

لقد حدث ذلك في وقت لا تزال فيه الحكومة تعيش وضعاً صعباً للغاية، وتجابه تحالفاً يشعر أنه يُحكم الخناق على الجميع، ويمضي قدماً في إعادة صياغة الواقع الجيوسياسي لليمن على أساس من نزعة قديمة لتفكيك الدولة اليمنية والهيمنة على مقدراتها.

واللافت أن المواجهة مع التحالف ما تزال إلى المزيد من التصعيد. فها هو نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، القريب من الرئيس هادي، يعيد توجيه الاهتمام إلى السطوة الإماراتية التي تُحكم على العاصمة السياسية المؤقتة عدن، إلى حد أنه كوزير للداخلية يحتاج إلى إذن من الإمارات لدخول المدينة.

الوزير تحدث في أحدث تصريحاته عن هيمنة الإمارات على المرافق السيادية، والتي تشمل مطار عدن وميناءها وغيرها من المرافق الأخرى. وهي سيطرة تتم عبر قواتها بشكل مباشر، كما هو الحال في المطار أو عبر التشكيلات العسكرية والأمنية التي أسستها خارج سيطرة السلطة الشرعية.

ما يمكن قراءته من تصاعد الانتقادات من جانب مسؤولي السلطة الشرعية؛ أن هذه السلطة باتت أكثر جرأة وصلابة وأكثر قدرة على الدفاع عن خياراتها الوطنية، وباتت أكثر شراسة حيال المهددات التي تنال من سيادة الدولة اليمنية على أراضيها.