سأكتب بعقل المواطن العادي وبقلب الإنسان البسيط الذي ذاق في حياته القهر والظلم في كل مديرية ومحافظة . فسمع بشعار استعادة الدولة والهوية وطرب كثيرا مع نغمة المساواة والعدل والأمن فسارع يشارك الحراك الجنوبي مسيراته ومليونياته نحو بناء الدولة المدنية .
وجاء هذا اليوم , خرج المحتل ( الحوفاشي ) من محافظات جنوبية ليتسلم أمرها سياسيا وعسكريا وأمنيا قيادات حراكية . ولكن فاجأه كابوس في حلمه جعله يعيش حالة تيه نفساني , لقد رأى قيادات سياسية وعسكرية وناشطة يمارسون اليوم بسلطتهم كل ما كان يشتكي منه ويعانيه , وهم الذين تعهدوا بحرب الفساد في خطب المنصات والمليونيات . ذهبوا للجباية وبسط اليد والترويع والتنازع بينهم حول سلطة القرار وفرض الذات .
وأخذوا في تقريب الأقارب وأبناء القبيلة وأعضاء التوجه السياسي ومنحهم ما ليس لهم من المراكز والهبات . أصابت المواطن الطيب صدمة في أعماقه وهو يرى الوجوه الفاسدة ما زالت في أطار المشهد السياسي وبرموز كبيرة سابقة , ولهم تواصل وتفاهم مع سلطة الحكم الحراكي . ويتذكر أنه حين ثار ضد الفساد كان يرى في مقدمة الحراك أسماء اكتسبت صيتها ونالت مركزها وجمعت ثروتها من المشاركة بقوة في مضمار الفساد المالي والإداري السابق , وممن يساند راعي الفساد في كل انتخابات ويدافع عن رموز حزبه وإجراءات سياسته .
وحينها كم تخوف من هذه الوجوه التي انضمت لهم مؤخرا , لكنه كان يخادع النفس بأن ذلك هو الدم الجنوبي قد غار على حقوق أهله وعاد لنصرتهم . ولكن الواقع حطم آماله , إنهم معنا بالعقلية والتبعية السابقة , مازالوا يستغلون الوطن ورجاله لخدمة أهدافهم . تتدفق في شرايينهم جينات الفساد المزمن وصبغات الانتماء القديم , وإن تركوا صهوة الخيل وتسلقوا جبل شمسان .
أصابت المواطن المخلص انتكاسة في مشروع دولة العدل والمساواة وهو يرى بروز النعرات القبلية والمماحكات المناطقية تنتشر بقوة في المجتمع . ويتابع مسلسل التشويه ضد الإصلاح وأعضاءه , برغم عدم توليهم لأي سلطة في الجنوب اليوم . يزداد تعجبا حين يقرأ لناشط حراكي أو يستمع لخطيب جمعة وهم يحذرون من خطر الإصلاح وخيانته , وعدم خوضه الحرب ضد المحتل . ويسأل نفسه عن فائدة هذا النشر ! وكيف يصدقه وهو بعينه شاهدهم يقاتلون ببسالة .
ويعرف منهم شبابا استشهدوا في معارك الشرف . ولماذا لا نتجه لتصحيح أخطأنا وتصويب مسيرتنا نحو البناء ؟. بدلا من دفع الوطن نحو مشهد السبعينات وذبح خيرة أبناءنا قربانا لعيون مصالح دول أخرى . لماذا نساعد المؤتمر وحلفاءه وأسياده في تحقيق هذا الهدف الخبيث ؟, عبر خلق حوادث ومواقف عدائية تكون مبررا للإقصاء والتصادم . إلا إن كانت قياداتنا الحراكية ومقاومتنا الجنوبية مجرد أدوات بتوجيه خارجي وجوارح بتحكم غير وطني ! . يتعجب المواطن المخلص وهو يقارن حال الناشطين سابقا وحاليا .
كانوا شديدي الانتقاد . إذا قرحت طماشة في المدينة أو تراكمت قمامة في الحارة , سلوا سيف الحروف ينتقدون المسئول ويتهمونه بالتهاون في ضبط المجرمين ومحاسبة المقصرين . وكان في نقدهم وجاهة وايجابية . ولكنهم اليوم في ظل هدير السلاح وتطاير الرصاص القاتل بلا حذر في نهار وليل , وفي تكرر النزاع المسلح حول تقاسم المحصول وتوزيع الغلول وسلطة الناقل وأهمية المنقول , بين قوات يقع عليها واجب حفظ أمن المواطن وأمان الوطن , وفي ظل استحداث سجون ( باستيل ) جديدة لا تخضع لسلطة الدولة ولا رقابة المسئول . في وجود كل هذا الترويع والتفلت والبلطجة والقتل , نجد بعضهم صامتين , وآخرين يردون : " المسألة بسيطة ولا تستحق هذه الزوبعة !. مجرد خلاف وتم حله " . وبعض الحمقى يمنحون الفاسدين شرعية بقولهم : " أن النظام السابق دمر ونهب طوال 20 عاما . فلم علينا تستعجلون ؟ "!. أصبحوا اليوم في قاع الفساد يبنون صرحا لكل مسئول خائن وكل مشارك مداهن ليزدادوا صعودا في سماء الإجرام والشر . لماذا تغيرت الشعارات والحروف من وضاءة الحق وصدق التحرير إلى بضاعة التبرير وصناعة التخدير ووضاعة التغرير ؟.