|
( 1 ) المدخل :
يستغرب المرء أن تحتوي هذه الجامعة على النخبة الأرفع من المجتمع – افتراضا – والتي تضم بين اكاديمييها من العناصر المعروفة بجودة ثقافتها وخصائص قيمها ، إلا أن من يراقب بتمعن ليكتشف أن لا وجود لأي معبر حي في هذا الصرح المجتمعي العالي بما يؤكد تلك الحقيقة اللصيقة بما يعرف بالواقع والحياة الأكاديمية .
إن غرائبية جامعة تعز تتجلى بالكثير والكثير من المظاهر والمنظومات والعلاقات والمفاهيم التي لا حدود لها بما يجانب المسألة الأكاديمية وحياة المجتمع الأكاديمي ، ويصبح من الصعوبة على المرء أن يكتب عن الأخطاء أو أن ينتقدها ، كون أن واقع الحال لهذه الجامعة يتعدى حدود المنطق – أي لا تقف المسألة عند حدود أخطاء مرتكبة أو قصور في آليات – حيث تتجلى إشكالية وضع هذه الجامعة بصورة أزمة بنيوية مركبة شاملة ، إنها تذهب ابعد من الظاهر الشكلي لمحتوى الجامعة كأساتذة وطلبة وإدارة وقاعات ومعامل وعملية تعليمية ، حيث أن ما يعلم بالأكاديمية – من حيث الجوهر – هو المفقود ، وتبرز الحقيقة الصافعة لكل مدرك لما يعنى بالأكاديمية ،المجتمع الأكاديمي ، الحياة الأكاديمية والعنصر الأكاديمي ، بأن الجامعة لدينا لا تختلف عن المدرسة في التعليم النظامي العام – ما قبل الجامعي – فقط بكون المدرس حاملا لمؤهل الدكتوراه ومقررات التعلم جامعية ، والمساحة واسعة بأبنية تسمى بالكليات وعدد وظيفي اكبر مما هو الحال في نطاق المدرسة ، والذي معه تقام الميزانية السنوية الداعمة هنا بشكل اكبر بما لا يقارن بالمدرسة ، حتى أن هذه الفوارق الشكلية لا تفرق جوهرا بين الجامعة والمدرسة – وبالطبع ما هو مطروح على جامعة تعز هو ذاته مسقطا على كافة الجامعات اليمنية الحكومية ، أما الجامعات الخاصة فهي أكثر سوءا إذا ما استبعدنا الضجة الكاذبة والمخادعة التي تمارس إعلاميا حولها – فالدكتور وأستاذ المدرسة يتماثلان بكونهما ليسا أكثر من صورة الفقيه ، والتعليم يجتمع بين الاثنين بلا إرتباطية المعرفة المقدمة بالواقع ولا وجود أية أهمية لها فيما يعرف بالتنمية والخدمة المجتمعية ، بل أنها لا تقدم معارف خبراتية مهاراتية للدارس بكونها معارف نظرية معاصرة يفتقر فيها الدارس أثناء التعلم لكامل بعدها التطبيقي – ألمختبري والحقلي – وكذلك الإدارة ونظم عملها فإنها تخضع للسائد السياسي من حيث التعيين – لا حسب الكفاءة والمقدرة – ومن حيث ذاته الذي يحل مزاجية قوة النفوذ بتسييد الإجراءات والمعاملات محل النظم واللوائح والأعراف الأكاديمية المعمول بها عالميا – خارج اليمن – وجعل الإدارة التسلطية أداة للفساد والإفساد الشامل ومصدرا للنهب والإثراء غير المشروع ، ومن هنا ما يجعل الجامعة مصدرا للإثراء السريع مقارنة بالمدرسة ، ومصدرا للتسلق إلى المناصب السياسية العليا بما تسمى بالدولة . . الشكلية ، وهي مماثلة على صعيد العمل الوظيفي الحكومي بأولئك العاملين في وزارة المالية أو الضرائب والجمارك والدبلوماسية الخارجية مع مقابليهم في الوزارات الأخرى ، حيث الأولى تمثل مصادرا للإثراء السريع غير المشروع ، والذي يكون الفساد فيها عمودا فقريا لعملها .
مما سبق يظهر جليا أن الرافعة الأساسية التي يقوم عليها الصرح الأكاديمي والذي يفرقه عن أي صرح وظيفي آخر – بما فيه التعليم الأساسي النظامي – مفقود لدينا ، وبتعاملنا مع الجامعة بكونها ليست أكثر من مكان لوظيفة نتقاضى معاشا منها مقابل حضور الدوام الرسمي وأداء العمل الشكلي كمحاضرات يومية وفق الجدول الموضوع ، هو ما جعل هذا الصرح أن يستمر بناءه بشكل مشوه هو ما قاد ويقود إلى غرائبية الوجود الفعلي – ألمسخي – للجامعة والحياة الجامعية ، وسنكشف تباعا كيف أن ذلك الأصل المشوه والموقف اللاقيمي غير المسئول تجاه هذا المسمى بعالمه سبب أن تفرز وبشكل يومي متناقضات التشوه اللاقيمي التي تمنح هذا المسمى من تحوله - مع الوقت - واقعا من إشكالية خطأ في النشأة والممارسة يمكن تصحيحهما إلى بناء مسخي يصعب معالجته بفعل شدة منتج المغايرة وبشكل يومي عن ما هو سائد في الأعراف والحياة الأكاديمية ، والذي يجسد بوضوح تلك الغرائبية لجامعة تعز – نموذجا – بما لا يصدقه عقل – وهو ما سنأتي عليه لاحقا .
في السبت 24 إبريل-نيسان 2010 01:04:08 م