نهاية بشعة لدكتاتور
بقلم/ د: عبد الواسع الحميدي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 22 فبراير-شباط 2011 04:28 م

من التنظير لثورة الجماهير إلى سحق الجماهير، من الادعاء أن زمن الجمهوريات انتهى وان عصر الجماهيريات بدأ، إلى إنهاء الجماهيرية "الوهمية" وجزء كبير من الشعب،من هزلية شعار حكم الشعب نفسه بنفسه إلى اختصار الحكم بعائلة أثقلت كاهل الليبيين وأحبطت كل أحلامهم، من محاولة الهروب من مد الثورة "التونسية" بزعمه أنها سارت في خط الثورة الشعبية الليبية ولا ينقصها إلا اللجان الثورية، إلى مواجهة ثورة شعبية حقيقية بالطائرات، أي وجه يحمله القذافي، أي مرآة ستقبل أن تنظر إليه ، أربعون عاما من الوهم والتخدير باسم الثورة والجماهير والقائد، ليظهر في النهاية انه المخدوع الاكبر ، وليسدل "سيف الإسلام " ستار مسرح " الدمى" على ناتج "اللا دولة" بكل ما للكلمة من معنى ، ويختم المشهد بالحان جنائزية للجميع ...هاهو يخرج" السيف "خنجره ليغمده في جسد أنهكه القائد، لكي يتسنى له رفع علم جماهيرية جديدة بشر بها على أنقاض جماهيرية وهمية عاث وعاش فيها"الوالد" كل نزواته وأوهامه،استطاع أن يغيب الشعب حتى توهم كثيرون انه لايوجد في ليبيا غير القائد، لنفاجأ في ساعة الحقيقة أن الحاضر الأوحد هو الشعب ولا وجود للقائد ،هكذا هي الشعوب عندما تمتهن وتقهر تصنع لذاتها وفي وعيها واقعا آخر لا علاقة له بدولة المستبد "الجماهيرية" وأدواتها العائلية،حتى وان كان جالسا على سدتها،لكنه جلوس بدون أخلاق ،وعندما يفقد الحاكم غطاه الأخلاقي تلفظه الانفس، فيتجه إلى القوة –كمشرعن- لبقائه، لكن القوة تضعف وتتراخى رويدا رويدا، لأنها شرعنة تقوم على الإكراه، وكلما ضعفت يتسرب جزء منها إلى الشعب فتتحول المعادلة فتقوم الثورات الشعبية،انه درس نظام بن علي ونظام حسني وهو نفسه نظام "معمر"...الخ.

...لا ادري لماذا استحضر اليوم -مقدمة ابن خلدون- وكتاب الأمير- ورواية العظيم (جابريل جاريسيا ماركيز) – خريف البطريرك – ما الجامع بين هذه الكتب... لا شك أنها مختلفة من حيث الزمان والمكان والكاتب أيضا، لكنها تقول لنا حقيقة وحيدة وهي أن المستبدين على مر التاريخ يصنعون لأنفسهم درب وحيد يمرون منه جميعا،أنهم يشبهون بعضهم في كل شيء، لا يمكن أن يستلهموا الماضي ولا يتعضوا من الحاضر، لا.. ولا ..ولا...إنها قدرية التاريخ".

نيرون" احرق روما بشعاره (علىِّ وعلى أعدائي)خلد نفسه بالدم والنار، و"القذافي"يخلد نفسه بنهاية لا حقيقة فيها غير قصف شعبه بالطائرات ووجهه البشع،لم يفق من صدمة أن كل وسائل التخدير أصبحت غير فعالة في جسد اكتسب مناعة منها، بعد أن اخذ جرعات مضادة من عقار شعبي أنتج في "تونس"ومن مستحضر آخر يسمى "فايسبوك"، إذاً تغير الشعب لكن القائد لم يتغير، وعوض أن يدرك هذه الحقيقة عاقب شعبه على عدم استجابة عقولهم لمخدره وأساليب خداعه.

شرعية تأميم الثروة والنفط لصالح المجتمع كانت خدعته الأولى للجماهير، ثم طورها بإشغالهم بتوزيع فتات عائدات النفط ،لكنها خدعة انتهى مفعولها عندما أمم الدولة له وعائلته، وزاد فوق كل هذا دكتاتورية سوداء ونظام بلا هدف سوى خدمة عائلة القذافي،لا تنمية ولا حقوق ولا حريات كل ما هو مسموح هو الهتاف للقائد وأولاده، لحق ذلك انتهاء تأثير مخدر اسماه الثورة الشعبية الليبية عندما قامت ثورة شعبية حقيقية في كل من تونس ومصر، ليكتشف الليبيون أنهم افنوا أعمارهم وضاعت ثروتهم مع مخادع كبير لم تكن له الثورة غير وسيلة للاستعباد.

لا أظن أن رواية الأديب الكولومبي الكبير -جابريل جاريسيا ماركيز-(خريف البطريرك) تستطيع أن تلم بجزء من تفاصيل سيرة "القذافي" ، الرواية عبارة عن توثيق محكم لنفسية المستبد، وكيف يتطور الظلم، وكيف يتم تبريره ....إنها تحكي عن "طاغية"غبي في أمريكا الوسطى دفعت به الظروف للحكم ،قهر شعبه بصورة لا مثيل لها، سلب منهم التفكير والبصر والبصيرة أمام جبروت طغيانه، تفضح الكيفية التي يظهر بها الطغاة ، وكيف يستمد الطاغية وقود بقاءه من دماء الناس، يتوهم انه يزداد تألقا كلما بالغ في خداعهم وقدرته على الانتقام من كل من لا يوالونه، يشعر بالنشوة والانتصار والدهاء عندما يغلف كل جرائمه من سرقة وقمع ونهب بأنها لصالح الوطن، ومن اجل المواطن ،ومن يعترض يكون مصيره الموت،وأمام ذلك يسكت الجميع، فتتولد لديه قناعة بأنه أهم من الوطن والشعب، ،ولولاه لما استقر الناس ولما استطاعوا أن يتزاوجوا، فيتضخم وهمه لدرجة الهتاف لنفسه وكلما حاول أي جزء من الشعب أن يفكر بطريقة مختلفة عنه اعتلى الدبابة وصاح -الشعب خائن- كم أنت رائع أيها الكولومبيي"ماركيز" عندما تفضح أساليب- البطريرك- ووسائله بالفوز بمعاركه وقضاياه وكيف يفتعل الجرائم سرا لاستجلاب تأييد الناس بعد أن ينشغلوا بالجريمة ويخشون على مصائرهم،(هكذا حاول سيف الاسلام ان يفعل)-والبطريرك- يتلذذ بآلامهم لأنه مدرك أنهم سوف يستنجدونه ليخلصهم من الرعب، ويزداد تلذذه عندما يناشدونه الثار من المجرم فيقوم بعدها بالقبض عليه وتقديمه قربانا لهتاف الجماهير التي تتوهم انه منقذها ومخلصها، فيشعر انه جدد ارتباطه بالناس وانه حقق لهم منجز... وهكذا يستمري الحكاية فتزيد تعقيدات جرائمه الغامضة بما يتيح له الاستمرار بالحكم ويقدم نفسه منقذا، لكنه لا يدرك أن الناس الذين يهتفون له يعرفون تفاصيل تلك الخدع مثلما فعل "سيف الإسلام" في خطابه الأخير ، ومع ذلك يصنع لنفسه واقعا ذهنيا ملي بالرهبة لدى الناس لدرجة أنهم كانوا يخشون الاقتراب منه عندما توفى ،ولم يعلنوا فرحهم إلا حينما تأكدوا انه جثة...الاهم انه بعد ان يموت يعم السلام وتنتهي الجرائم ..هل تكونت لديكم صورة عن طاغية ليبيا وغيره.

بعض تفاصيل (القذافي ) نجدها في هذه الرواية لكن نهايته لم يكن يتخيلها "ماركيز" أنها نهاية نيرونية لن تقف عنده بل ستتكرر مرة أخرى نظرا لان الطغاة يشبهون بعضهم ولا يتغيرون....لا تقلق أيها القائد ولاتخجل من قمعك بالسلاح الثقيل للجماهير التي حملتك أربعون عاما على أكتافها ،وتلقين الشعب درسا في معنى الولاء والوفاء ومعنى أن لا يخون ،لأنك تدافع عن فلسفة كتاب أهم ما فيه انه اخضر ليصبح اليوم لونه احمر،ولكي تبحث عن شعب جديد لا يعرفك لكي تحكمه أو تورثه لأحفادك مع انه كان بإمكانك أن تبذل ربع الجهد الذي تبذله في الحرب لإصلاح نظامك وتطويره وتتخلى عن جزء من صلاحياتك المطلقة التي لا تتناسب مع سنك والعصر.

أيها العظيم المسمى"فايسبوك" دعهم وابسط فضاءك في عالم أنت فيه الأقرب إلى الله والى الشعوب لتصنع عصر الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية عصر لا قيمة فيه لأي مسؤول إلا بما يمثله من نزاهة واستقامة وقرب من الشعب أما القذافي فقد سقط وسيظل ملاحقا إن كتب له البقاء.

Alhomidi16@yahoo.com