|
منذ انطلاق الثورة الفلسطينية متعدّدة المراحل أوائل القرن الماضي ، إلى الثورة التونسية أواخر العام 2010، وحتى آخر الثورات التي مازالت مستمرّة إلى اليوم، المكتملة منها، أو المتعثّرة، أو التي لم تحسم بعد، لم تخلو ثورة من التدخل الخارجي. ويهمنا هنا التدخل العربي بالتحديد على المستويين الشعبي والرسمي. ففي تونس كما في ليبيا، أو مصر وسوريا والبحرين واليمن وغيرها، وهو ما سيحدث مع أي ثورة ستقوم فيما بعد لأسباب تاريخية كثيرة، قد يكون أولها وحدة التاريخ منذ ما قبل الإستعمار، أثنائه، وإلى اليوم، ولن يكون آخرها وحدة اللغة، ونحن نتداخل كعرب مع بعضنا في الطموحات والأحلام والمصالح، سواء كأنظمة تواسي بعضها بعضاً، أو كشعوب تساند بعضها بعضاً.
وفي كل أزمة كانت الأنظمة تستثمر ما تستطيع من مآسي شعوبها، انطلاقاً من عدم اكتراثها لمصائرهم، قتلاً، أو اعتقالاً، أو تهجيراً، وتشريداً. وفي التهجير والتشريد استثمار من ذوات الربح السريع. هذا ما حصل مع أشقائنا الفلسطينيين في كل المراحل، حيث وُظِّفت مصيبتهم منذ مراحلها الأولى في العام 1948 وإلى اليوم في كل الصراعات الداخلية اللبنانية، ما أدّى لحرمانهم من مزاولة أكثر من (70) مهنة، إضافة لعوائق كثيرة في في مجالات التعليم والحياة بعامة. ولا ننسى ما عانوه في العراق بعد حرب الخليج منذ 1991، حيث عانوا على كافة الصعد، قتلاً وتهجيراً وإخفاءً واعتقالاً. ونذكر أيضاً ما حصل في ليبيا عندما طردهم معمر القذافي في العام 1996 ليقيموا في خيامهم من جديد على الحدود المصرية الليبية.
وبعد احتلال الأميركي للعراق في العام 2003، تكرّرت مأساة اللاجئين في عالمنا العربي هذه المرة مع أشقائنا العراقيين، الذين انتشروا على امتداد الرقعة العربية وخارجها، ليدفعوا ضريبة أخطاء نظامهم، وتصبح مأساتهم محل شد وجذب سياسي في البلدان التي حلّوا بها.
بعد انطلاق الثورة السورية في أوائل العام 2011، تم التضييق على المواطنين السوريين في الحركة والتنقل والسفر، حتى في البلدان التي كانوا يدخلونها دون ما يسمى بتأشيرة المرور كالجزائر والأردن، أو في لبنان التي بقي دخولها متاحاً أمام اللاجئين السوريين، لكنهم كانوا عرضة للإستثمار السياسي والتحريض الدائم عليهم من قبل أطراف موالية للنظام السوري الذي هيمن على هذا البلد لعقود طويلة. والأدهى، أن التعاطف الشعبي العربي مع اللاجئين السوريين لم يكن على مستوى الحدث، لأسباب عدّة لعب فيها الإعلام بمختلف أشكاله الدور الأبرز والأهم، كما استطاعت أجهزة مخابرات النظام وإعلامه استكمال دور وسائل الإعلام والبناء عليه، حيث استطاع تسويق، وإظاهر الثورة كثورة إسلامية متطرّفة.
كانت مصر "الجندي المجهول" كما صرّح معاذ الخطيب، الرئيس السابق لما يسمّى "الإئتلاف الوطني السوري" في مؤتمر القمّة العربية الأخير الذي انعقد في قطر.
وللحق؛ فإن مصر كانت بالفعل جندي مجهول في أزمة اللاجئين السوريين، حيث لم تقم الدولة بتغيير أي من إجراءات الدخول والخروج والإقامة. بالإضافة للتعاطف الشعبي المنقطع النظير احتضاناً ومساعدةً. بلغ عدد اللاجئين السوريين في مصر حوالي الـ (200,000)، صدرت قوانين كثيرة تسهل حياتهم بدءاً من مساواة الطالب السوري بالمصري، وليس انتهاء بتسهيل الإقامة والعمل.
لكن الصورة تغيّرت اليوم عمّا كانته قبل 30 حزيران- يونيو الماضي، فبعد سقوط حكم "الإخوان المسلمين" صدرت قوانين سريعة، بدت وكأنّها مُعدّة سلفاً وجاهزة للصدور، أبرزها عدم السماح للسوريين بالدخول للأراضي المصرية إلا بعد حصوله على "موافقة أمنية"، بالإضافة "لتأشيرة الدخول" من السفارت المصرية، لا بل أن بعض كبار المعارضين السوريين احتجزوا في مطار القاهرة لساعات قبل أن تُجرى اتصالات كثير، استطاعوا على إثرها دخول مصر. وكلام كثير يتعلّق بالتضييق على الطلاب السوريين، وسحب كل الإمتيازات السابقة. كل هذا بحجّة مشاركة بعض السوريين في المظاهرات المساندة "للإخوان المسلمين"، وهي حجّة صحيحة. لكن مُتّخذي القرار غضّوا الطرف عن مشاركة أطراف يسارية سورية في خلع "الإسلاميين" من السلطة، ممّا يدفعنا لإستنتاج ازدواجية المعايير، والكيل بأكثر من مكيال. وهنا ينطرح السؤال: ما الإنعكاسات التي كان بقاء "الإسلاميين" في السلطة سيتركها على الوجود السوري في مصر؟
هذا السؤال وغيره برسم مُتّخذي هذه القرارات الجائرة.
جدير بالذكر، أن المجتمع السوري المنكوب يعاني منذ ثلاثة أعوام متتالية أزمة تعليم حادة وغير مسبوقة، ستنتج جيلاً كاملاً من الأميين، لتزداد النكبة نكبات.
الأزمة الأخطر التي برزت بعد 30 حزيران- يونيو، هي تلك التي تجلّت بالشرخ الإجتماعي الحاد الذي حصل بين الشعب المصري، واللاجئين السوريين، بمساهمة واضحة من وسائل إعلام لعبت دوراً خطيراً بإشاعة أجواء العداء التي بدأت تؤتي أكلها فعلاً، وقد تجلّى تهديد أمن الجالية السورية باعتداءات متكرّرة هنا وهناك، إضافة لإعتقالات يشوبها الكثير من الغموض بحق بعض النشطاء.
مأساة اللاجئين السوريين مأساة مزدوجة تحمل في طياتها واحدة أخرى لم ينتبه إليها إلا مُتّخذوا تلك القرارات، فربما يعاني السوريون في مصر هجرة أخرى، لكن ماذا عن الفلسطينيين القادمين من سوريا هرباً من الموت؟!
في السابق، قال حافظ الأسد: "إن ما بين سوريا ولبنان لم نصنعه نحن، إنّما صنعه الله"!. هذا الكلام ينطبق بالضبط على العلاقات السورية - المصرية التي شهدت أكثر من وحدة عبر التاريخ، والتي لن تستطيع مرحلة عابرة في تاريخ شعوبنا محوه!
في السبت 13 يوليو-تموز 2013 09:56:36 م