الداخلية السعودية : القبض على يمني قـ.ـتل آخر حرقاً بالأسيد وطعنه بسكين صدمة في اليمن بعد قيام الحوثيين بالإفراج عن أخطر إرهابي يقف خلف مجزرة ميدان السبعين الدامية عام 2012 نيابة الأموال العامة في الضالع تنفذ حملة لإغلاق محلات الصرافة المخالفة في قعطبة تم تعذيبه حتى الموت ..وفاة شيخ مسن ٌمختطف في سجون الحوثيين بمحافظة البيضاء واتس آب تكشف عن ميزات جديدة لمكالمات الفيديو .. تعرف عليها فايننشال تايمز تكشف عن الطريقة التي ستتعامل بها إدارة ترامب مع ايران ومليشيا الحوثي وبقية المليشيات الشيعية في المنطقة عيدروس الزبيدي يلتقي مسؤولاً روسياً ويتحدث حول فتح سفارة موسكو في العاصمة عدن وزارة الدفاع الروسية تعلن عن انتصارات عسكرية شرق أوكرانيا العملات المشفرة تكسر حاجز 3 تريليونات دولار بيان شديد اللهجة لنقابة الصحفيين رداً على إيقاف أنشطتها بالعاصمة عدن
بالأمس كنتُ أتحدث إلى أحد الناجين، وهو سياسي يمني أجلته البارجة الحربية السعودية من عدن. "وأنا أضع قدمي على البارجة شعرت بالعار والذل والخوف، عندما تجد نفسك تهرب من بلدك كأنك مهاجر غير شرعي" قال، وكانت كلماته مختصرة وذابلة. وعدتُه ألا أنشر القصّة، وقال لي إن الرحلة استغرقت أربعة أيام، وكان بصحبة سفراء الخليج على مدار أيام أربعة. سمع نقاشاتهم على السفينة في أعالي البحر، وفهم أن تلك الحرب لم تكن مزحة، ولا خديعة، وأنهم بالفعل يرون اليمن أمة نكبتها الميليشيا وأمراء الحرب.
وقبل العاصفة ذهب الجنرال الصغير أحمد إلى السعودية وقال للجيران إنه "يملك" جيشاً من مائة ألف مقاتل، وأن ذلك الجيش جاهز لأي حرب "داخلية" مقترحاً عليهم أن يحارِب بذلك الجيش جماعة الحوثي. وعندما هاجمت قوات التحالف الجيش الذي اشتراه صالح لابنه خرج عن الفاعلية في أول 15 دقيقة، وكان أحمد علي عبد الله صالح صادقاً ودقيقاً عندما قال إن جيشه جاهز للحروب الداخلية، الداخلية فقط. وقال رجلٌ من شرعب معلقاً على الانهيار الأسطوري لذلك الجيش في بضع دقائق:
"أتذكر مخرّباً في شرعب مطلوباً أمنيّاً. ظلوا يلاحقونه بعشرين طقماً عشرين سنة."
ولكن السعودية كانت قد قرّرت أمراً آخر: الخلاص من عصابة صالح، فلم يعُد بمقدور أحد تحمّل تلك الحُمّى. وقبل يومين وصلتني رسالة من مسؤول يمني رفيع في دولة خليجية تقول "الجماعة اتخذوا قراراً بأن يكون مصير صالح مشابهاً لمصير صدام حسين، وقد سمعنا منهم هذا الكلام مراراً هذه الأيام".
الخريطة التي لدى قوات التحالف ترصد الأرض على هذا النحو: الجنوب، من المهرة إلى عدن، يرحّب بشكل قاطع بالعاصفة، بل يستنجد بها. الوسط يرحّب بالعاصفة بأغلبية كاسحة. وفي الشمال، حيث المنتصرون والمستفيدون ورجال الميليشيا وعصابات صالح والطفيليون والمتطرّفون الدينيون وزعيما الحرب علي وعبد الملك، هناك أغلبية مؤيدة للعاصفة لكنها أغلبية طفيفة.
وأخبرني شقيقي عن طفلٍ من أسرتنا يسأل أمه "يمّه لو في ملائكة يضربوا الحوثيين بالصواريخ بيكون أقوى من الطائرات".
وقبل العاصفة بثلاثة ساعات نمتُ. نزلت ستارة سوداء عظيمة أمام عيني وصار مستحيلاً رؤية المستقبل أو تخيّله. وطاشت الهمجية الحوثية في كل الأرجاء:
ـ بينما كانوا يستقبلون سفينة سلاح عملاقة في الحديدة كان مسلحوهم في صنعاء يمنعون دخول شحنة لقاح شلل الأطفال بحجة إنها فيروسات إسرائيلية.
ـ ومن مراقبة كل المكالمات والمحادثات ومواقع الإنترنت وتوزيع استمارات على الطلبة في صنعاء لرصد "اتجاهات المدرّسين" ... إلى مراجعة رسالات الماجستير والدكتوراه بحثاً عن "التكفيريين" بنيّة سحب الشهائد العليا منهم.
ـ ومن مداهمة البيوت والاختطاف والإخفاء القسري، والتعذيب بالنار والحرق .. إلى تفجير منازل الخصوم السياسيين وتدمير البنية الاجتماعية من الأساس.
ـ كانوا قد دمروا علاقة اليمن بكل العالم، وهربت البعثات الدبلوماسية من صنعاء، وذهبوا ليجروا مناورة عسكرية بإشراف إيراني على الحدود مع السعودية .. إلى قول أحد مسؤولي لجنتهم الثورية العليا "لا نريد سفارات، لم يكن هناك من سفارات أيام رسول الله."
ـ سادت قنواتهم الفضائية، وسيطرت على الأجواء وعرضت الشعب اليمني في تقسيم نادر وغير مسبوق: المجاهدون، مشاريع الشهادة .. والتكفيريون مشاريع الموت. وحفظ الناس أناشيد الجهاد والموت والقتال، وضجّت الشاشات بصور الجنازات والقبور، وقال علماؤهم إننا أمّة على خط الجهاد. وفي الصورة الأخيرة لهذه الأوركيسترا خرج عبد الملك الحوثي داعياً إلى التعبئة العامة “والفتح المؤزر" وكان يقصد الجنوب.
ـ انسحبت الشركات، والاستثمارات، وانهار التصنيف الائتماني لليمن، وصارت بلداً لا ينصح العالم لا بزيارتها ولا بالاستثمار فيها. وخلال أربعة أعوام من حروب الحوثي ـ منذ 2011 ـ ارتفعت نسبة المحتاجين لمساعدات إنسانية طارئة من 8 ملايين إلى 14 مليون. وقد ساهم الحوثي في إنتاج ستة مليون محتاج جديد بالإضافة إلى ثمانية ملايين من إنتاج صالح ونظامه. وكان ذلك التآلف، صالح والحوثي، هو أقذر الصور الممكنة.
ـ ومنذ سقوط صنعاء اختفى كل الحديث عن الديموقراطية، وبدلاً عن ذلك ساد خطاب الشراكة. والشراكة مصطلح تستخدمه المافيا لا الساسة. ويقصد به عبد الملك إن يكون له ولجماعته المرجعية الحاسمة وأن يقبل الشعب اليمني كموظفين معه. وذهب يخاطب تعِز، وهي المدينة الأكبر وأكثر منادٍ بالديموقراطية، بقوله إن عليهم أن يحمدوا الله فهم متواجدون في كل أجهزة الدولة مشيراً إلى عقيدة فاشية تردد دائما "الآخرون في خدمتنا، وبمقدورهم أن يكونوا موظفين أنيقين، وذلك سقفهم".
وعندما يعود إلى نفسه يقول سنفعل، وسنقوم ب، ولن نسمع، وسوف نفتح .. إلخ. وكان قد دشّن نفسه إلهاً عظيماً لا حدود لسلطاته مفسحاً المجال لعمال بيروقراطيين من الشمال والجنوب ليعملوا تحت خدمته. وكانت تلك هي الشراكة.
ـ لقد فتحت الحقبة السوداء بابها. وبدا واضحاً أن ذلك التغوّل الميليشوي المتوحش في المجتمع الفقير والمفكّك سيستمر لعشرات السنين. وكتبتُ "الأسوأ لم يحدث بعد" ثم عدتُ وكتبتُ "البراميل المتفجّرة مسألة وقت". وكنتُ أرى، وكثيرون بلا حصر، أن اليمن سيصبح رهينة بيد هذه الميليشيا الدينية بصورة حتمية ونهائية. وأنه ليس استجابة لسؤال الإنسان المعاصر ولا لحاجته، وأن هذا الإنسان المعاصر سيحاول الخلاص منه، ولا بد من الخلاص. وأن فكرة الخلاص نفسها ستفتح الباب الذهبي إلى البراميل المتفجّرة، وأن إيران دولة لا ترى في الموتِ والقتل شيئاً جسيماً، ترى مصالحها وحسب. وعجزنا كلنا عن اقتراح طريق آمن للحرية. وكان الدوي الذي أحدثته كلمة مانديلا "لا يوجد طريق سهل للحريّة" يعصف بقوتي وبرأسي.
ـ عرضت السعودية على عبد الملك الحوثي عبر وساطاتها أمرين: الحوار في الرياض مع كل اليمنيين بغية التوصل إلى حل .. أو الحرب. واختار عبد الملك الحوثي الحرب، وفهمت السعودية الرسالة. نظرت صعدة إلى الرياض فرأتها "حلّة كبسة". ونظرت الرياض إلى صعدة فرأتها "صحن فتّة".
ـ دمر الحوثي فكرة الحوار نفسه، ونسفها كما فعل مع منازل المواطنين. وخلال أربعة أعوام وقع عبد الملك الحوثي على عشرات الوثائق وأحرقها. إجمالي ما وقع عليه عبد الملك الحوثي من اتفاقات يعني أن يكون اليمن قد عبر المرحلة الانتقالية وخاض أول عملية انتخابات عامّة، وإعادة توزيع الأمن والجيش على نحو وطني، وتحسّن ملحوظ في السمعة الدولية لليمن، أي فتح باب الاستثمار. والاستثمار كلمة يُراد بها هنا: عشرات آلاف الوظائف!
ـ وذهب الحوثي يحارب الفساد على طريقته: يجري اتفاقاً حاسماً مع عصابة لديها 100 ألف مسلحٍ، اسمهم الرسمي حرس جمهوري لكن أحمد صالح قال للسعوديين إنهم لا يتبعون الجمهورية بل تملكهم الأسرة وهي التي اشترتهم ووظفتهم وربّتهم. وأن الأسرة تستطيع أن تخوض بهم حرباً في أي وقت وفي كل مكان وليس للبرلمان ولا للرئاسة دخل في ذلك.
وإلى جوار تلك العصابة رصّ عبد الملك الحوثي أكثر من 50 ألف مسلح من جماعته. تشكّل مشهد أخير يثير الرعب ويقضي على كل أمل ممكن بدولة لكل الناس:
حلف متوحّش لديه مئات آلاف المسلحين وآلاف العربات العسكرية الثقيلة والقاذفات.
وصعد عبد الملك الحوثي وإلى الخلف منه تلك الصورة مخاطباً أتباعه دافعاً إياهم إلى جنوب اليمن وصارخاً بحزم لا تنقصه العزيمة "لا تقلقوا، موقفكم أقوى، وهم في الموقف الأضعف." و"هُم" تلك التي يستخدمهم الحوثي تعني الأغيار، والأغيار صفة دينية يهودية تستخدم في تصنيف كل من لا يقدّس عقيدة الامتياز والتفوق الإلهي. وبالنسبة لليهود والحوثيين فهُم هي نحنُ، أنا وأنت. ويرى اليهود أننا سندفع ثمن خطيئتنا يوم القيامة. لكن الحوثيين يعتقدون أنه ليس من اللائق أن ينتظروا إلى يوم القيامة إذا كان بالمقدور أن يدفّعونا ثمن تلك الخطيئة في هذه الأيام.
وكان عبد الملك محقّاً، فهو قوي وأنا ضعيف. فأنا طبيب ولدي أربعة أشقاء مهندسون، وأشقاء الحوثي كلهم في الجبهة يحملون السلاح، رغم أنه من أسرة ثرية بخلاف أسرتي. ولأمّي ولدان أعضاء هيئة تدريس في الجامعة، وأبناء أم عبد الملك كلهم في الجبهة يزرعون الألغام، وبيننا فجوة قدرها ألف عام.
وهكذا الحال مع كل مسلّحيه بالمقارنة بباقي الناس. كان موقفه أقوى، وليس لذلك من معنى سوى أنه يملك من السلاح ما يكفي لخلق الإذلال المطلوب. وكانت القوة عند عبد الملك الحوثي السلاح، وكان الحوار الذي ينادي به يجري على طريقة حوار نعمان والمشاط في موفمبيك. نعمان الناصري يقول للحوثيين إن طلبكم من الرئيس إصدار قرار بتعيين 150 شخصية حوثية في مناصب عُليا هو أمر لا يخدم فكرة الحوار. ويقول له المشاط، مدير مكتب الحوثي، إن مثل ذلك الاعتراض إهانة للثورة وأنه شخص يعرّض نفسه للمتاعب، منها الاعتقال. فيخرج الأول ويصرخ الثاني خلفه "طز فيك".
وكان ذلك النموذج البائس للحوار هو آخر ما بقي من العملية السياسية في اليمن. أي التفاوض على شروط الاستسلام التام مع وعد من المنتصرين بتحسين شروط حياة المهزومين.
ـ كنّا أمّة منكوبة، وتدفّق علينا الليل ودخلنا في طور من الإحباط واليأس. وانقسم المجتمع طوليّاً وعرضيّاً، وظهرت فئة جديدة فشلت في الاندماج، تعتقد أنها خلقت لتسود، وأن المواطنة الصالحة تعني التسليم بتلك العقيدة. نزلت الستارة السوداء الأعظم على اليمنيين حتى صار غير ممكن بالمرّة النظر إلى الغد. وفي الصبح يفتح ملايين أعينهم ولا يعلمون، بالمطلق، ما الذي يمكن أن يحدث خلال شهر أو عام أو بعد غد. صرنا أمّة ضالة مثل خراف بني إسرائيل، واختطفت العصافات والميليشيّات المجتمع برمّته فارضة عليه رؤيتها في الحياة والسياسة والعقيدة، وفتحت مختبرات تعذيب لكل من يشكك في تلك الرؤية، أو يقول إن الحياة لا بد وأن يصنعها كل الناس بلا هيمنة. وأن الهيمنة والإذلال يعودان إلى القرون السحيقة.
أفضت تلك الصورة الفاشية الشمولية، كما حدث في كل مكان وفي كل التاريخ، إلى حروب مع الجيران. تاريخ الفاشيات والعصابات مليء بتلك القصص، ويعجّ بقصص أسطورية عن وقوف السكّان المحليين، الواقعيين رهائن، مع القوى الخارجية التي اشتبكت مع الفاشيات "تاريخ ألمانيا، ومثقفو ألمانيا مثالاً".
وحدثت الحرب التي ستضع نهاية لزمن الفاشية. فالفاشيات التي تنشأ تلك الطريقة، كما استعرضنا، لا تسقط سوى بحروب ضارية. وهي تخوض تلك الحروب لأنها لا تستطيع الانتقال من طور "تفجير الجسور" إلى طور وزارات الأشغال. وتجد في السلم كلفة أعلى من الحرب. وفي المسألة الحوثية ثمة عاملان يجعلان من اضمحلال تلك الجماعة أمراً متوقعاً: العقيدة الدينية لقياداتها، والعامل الخارجي الذي يريد منها أن تعمل بندقية إيجار على الدوام.
والحرب التي تجري الآن ضد الميليشيا والعصابات بتآلف دولي واسع اشتركت فيه اليمن أيضاً، كدولة وشعب، ليس سوى محاولة لإجلاء أمّة كبيرة مختطفة ونقلها إلى زمن آمن.
وتقول كل المقدمات والوقائع أن جماعة الحوثي، والعصابات، وضعت اليمن أمام واقع موحش وتركت الحرب أمامه خياراً وحيداً.
وكذلك فعلت مع الآخرين في الخارج.
ومنذ 2004 والحوثيون يخوضون حروباً، ولم تتوقف حروبهم مرّة واحدة. وليس لصراخهم من الحرب الآن أي معنى، فهم لم يتوقفوا نهاراً واحداً عن الحرب منذ 11 عاماً. وقبل ثلاثة أشهر أمر الحوثي جماعته باقتحام البيضاء قائلاً بتصميم كاليغولي "وليغضب من يغضب، وليصرخ من يصرخ".
وليست الحرب الراهنة حرباً إضافية ولا هي جديدة. الجديد فيها هو أن الحوثي انهزم أخيراً، وهذا ما جعلها بالنسبة له عدواناً.
أما الخسارات الاقتصادية والبنية التحتية فهذه أسوأ الحجج وأعظمها سطحية. فتصنيف اليمن الإئتماني ك "دولة حروب أهلية" هو أسوأ ما أصاب اليمن اقتصادياً خلال العشر سنوات الأخيرة. ومنذ سقوط صنعاء وحتى مارس سُجّل في اليمن مشروع استثماري وحيد، كما في تقرير نشره العربي الجديد! بينما خسر بسبب حروب الحوثي الأخيرة حوالي مليون شخصاً وظائفهم.
قدم الحوثي مشروعه: حرباً طويلة الأمد ضد كل الناس. لكن آخرين قالوا له: لنجعلها حرباً حاسمة وقصيرة الأمد، وضد خصوم محدّدين على طريقة حكماء الزمن القديم:
"وجع ساعة ولا كل ساعة".