مصر التي لم تكن في خاطري
بقلم/ سارة عبدالله حسن
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 17 يوماً
الإثنين 01 يوليو-تموز 2013 04:49 م

22مليونا و134 ألفا و465 توقيعا على مطلب سحب الثقة من الرئيس مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة جمعتها حركة تمرد وهي تصر على ضرورة الاستجابة لها في حين ترمي عرض الحائط نتيجة انتخابات شرعية شارك فيها عدد كبير من الـ 22 مليون و يزيد الذين تدعي أنهم شاركوا في التوقيع

بخفة ظله المعتادة بدا الشاعر احمد فؤاد نجم مفتخراً على قناة العربية بمشاركته في التوقيع ل 16 مرة فيا ترى ال 22 مليونا و134 ألفا و465 توقيعا هي حاصل ضرب كم في كم..

كم عدد المواطنين الذين وقعوا وكم مرة كرروا توقيعاتهم و هل من الصعب على أنصار مرسي ان يجمعوا توقيعات في المقابل، هل صارت العملية الديمقراطية التي قامت ثورات الربيع العربي من أجلها هي عملية جمع توقيعات تشكل تمرداً على أول عملية انتخابية تمت دون تزوير واضح كما كان يحدث في عهد مبارك عندما كان الراحل كمال الشاذلي يطبخ لعبة التزوير ببراعة فيتصدق على الإخوان بعدد من المقاعد في البرلمان خاصة تلك التي لا يستطيع اختراق دوائرها وربما لم يقدر مبارك وابنه جمال الخسارة الكبيرة التي حصلت لهم عندما توفى الشاذلي قبل أيام فقط من أخر انتخابات في عهدهم فقد كان جمال مبارك يراهن على فهلوة صديقه أحمد عز في إدارة الانتخابات و كان عز من شدة غبائه يعتقد انه في جعل الحزب الوطني مسيطرا على كل البرلمان سيحقق أكبر انتصار لصديقه بعد ان مرت مؤامرتهم بوضع الإخوان في خانة المحظورة وحرموا عليهم دخول الانتخابات بصفتهم الإخوانية !

ومع ذلك لم يقبل المصريون النتيجة وكانت من الأسباب المساعدة وان لم تكن الرئيسية لقيام الثورة، إذا ما هو الحل لا الانتخابات المزورة يمكن القبول بها في مصر و هذا أمر طبيعي... ولا الانتخابات الشرعية قبلوا بها... فهل هذا الرفض أمر طبيعي؟

هل إذا تنازل مرسي عن منصبه يمكن أن يستطيع رجل آخر ان يحكم مصر عبر الانتخابات، ستفقد الانتخابات الدستورية شرعيتها وسيكون أي رئيس قادم معرضاً لغضب الشارع سواء كان هذا الشارع على حق ام لا وبالتالي لا داعي للانتخابات مادام المتجمعون في ميدان التحرير هم من يقرر؟

وهل هم مهما تكاثر عددهم (الذي بالتأكيد لن يزيد عن ثلاثة مليون في كل المحافظات و أحيانا لا يزيد عن المليون).. يعبرون عن إرادة الثمانين أو التسعين مليون مصري؟؟

أستغرب أن البعض لم يدرك بعد ان ما يحدث في ميدان تحرير مصر و عند قصر الاتحادية هو ضرب واضح لأهم أهداف ثورات الربيع العربي والتي تتمثل بإقامة حكم ديمقراطي حقيقي يقوم على نتائج الصندوق ولا يقوم على إرادة مليون او ثلاثة مليون تلغي إرادة ملايين تفوقها بكثير بغض النظر ان كانوا على حق أم لا أو كان مرسي كما يدعون أو لا!

من أعطى التوكيل لهؤلاء ليتحدثوا باسم ثمانين أو تسعين مليون من شعب مصر العظيم ولعل حركة تمرد تدرك ذلك لذلك لجأت الى حملة التوقيعات التي لا تحمل أي شرعية ولا تمثل استفتاءا قانونيا ونحن في اليمن مثلا ندرك ماذا يعني جمع توقيعات بطريقة شعبية ونستطيع ونحن كما يقال أننا خمسة وعشرين مليون نسمة ان نجمع لهم ثلاثين مليون توقيع ( ما التوقيع ببلاش ) وأقل تكلفة بكثير حتى من الانتخابات المزيفة .

ما يحدث في مصر مسرحية تراجيدية مؤسفة لا تحتكم لأي منطق ،فأين المنطق في أن لا نعترف بانتخابات شرعية تحدد خيار واحد ونحتكم للمظاهرات التي يمكن ان يحشدها أيا كان فمثلما تنقلب اليوم أحزاب المعارضة على الديمقراطية وتريد أن تمرر إرادة مجاميع حشدتها، يستطيع الإخوان غداً أو أياً كان أن ينقلبوا على الرئيس القادم من خلال هذه الحشود فيحتشدون مجددا ضده ويسقطوه..

أين المنطق بأن نصبر على طغاة نهبوا البلاد ومارسوا القتل والتنكيل لأكثر من ثلاثين سنة ولا نعطي فرصة أكثر من عام لرئيس لم يسرق أو ينهب أو يقتل و يحاول جاهدا ان يصلح البلاد؟!

أي منطق هنا والإعلام المضاد قد حكم بفشله من أول شهر في حكمه مما يوضح المؤامرة على نظامه منذ البداية ودون وضع اعتبار لأي إنجاز أنجزه أو النظر لحجم المعيقات التي وضعت أمام إصلاحاته وهي معيقات لم تكن موجودة من قبل ناهيك عن التآمر الخارجي عليه، يحاسبونه على وعود أطلقها ويعلمون انه لم يقصر للإيفاء بها لكن النجاح لم يحالفه نظرا لهذه المؤامرات لكنهم لا يريدون أصلا ان يتفهموا إلا انه فاشل وبحكم مسبق .

لا أحد من معارضيه ومؤيديهم يريدون أن يصدقوا ان المؤامرة تتجاوز شخص مرسي لتضرب في عمق الديمقراطية لأنها أفرزت رئيساً ينتمي لتيار إسلامي قائم على الوسطية والاعتدال بما يمثله من قيم ومبادئ تنتصر لقضايا الأمة وتنتصر للحق وللمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وترفض مشاريع الهيمنة الخارجية والاستغلال والتبعية بعيداً عن التطرف التي حاولت الهيمنة الخارجية ان تصوره في أي تيار إسلامي لا يتناغم مع طموحاتها

هم يعلمون الحقيقة لكنهم لا يريدون أن يعترفوا بها لأنها لا تتناسب قط مع طموحاتهم وأجندات من يحرك صفوفاً كثيرة منهم!

نعم إن ما يحدث في مصر مسرحية تراجيدية مؤسفة وبطلها الأول هو الإعلام. الإعلام الذي يقف بذكاء (وان كان على غير حق) ضد مرسي و كل ما يمثله من قيم، في حين للأسف لا يجاريه إعلام الإخوان (وان كان على حق) في الذكاء والقدرات وأيضا في التحريض والكذب، فقد صنع هذا الإعلام نجوماً لهم جماهيريتهم وإن لم يتعد دورهم التضليل والتهريج كما هو الحال مع المهرج باسم يوسف وعكاشة المختل فكرياً، في حين لم يستطع الإخوان ان يواجهوهم بإعلام قوي يسحب البساط من شاشاتهم بل فشلوا لا في السيطرة على الإعلام الرسمي وحسب بل حتى في مجرد فرملته ليكون إعلاما محايدا لا كما هو حاصل الآن إذ لازال أذناب الفلول هم الأغلبية المسيطرة فيه، حتى أني اندهشت قبل أيام من الهجوم القوي الذي كانت تشنه قناة النيل ضد مرسي سواء من الضيوف في البرنامج أو من المذيعة نفسها التي كان من المفترض أن تكون مهنية، ومع ذلك يشكو هؤلاء من سيطرة الإخوان على الإعلام الرسمي ويتهمونهم بالإقصاء ويتحججون بأعذار واهية منها أن هناك أمرا وجه للتلفزيون المصري بأنه لابد ان يستضيفوا في بعض البرامج شخصية واحدة من الإخوان، فقد ثارت ثورتهم حينها على ذلك في حين لازالوا يستضيفون في هذه البرامج أكثر من شخصية معارضة للإخوان بل للثورة نفسها !!

من ناحية أخرى وفي حين أن من مهام الإعلام (أياً كانت الجهة التي تديره) هو الترويج لثقافة الحوار والتصالح نجد أن الإعلام المضاد لمرسي سواء من داخل مصر أو خارجها يدعم سيناريوهات رفض الحوار والتصعيد حتى لو أدى ذلك لمخالفة الشرعية الدستورية أو التحريض على العنف.

أندهش حقاً عندما أرى مثقفين محسوبين على المعارضة أو الشارع المحتج يرفضون الحوار ويغلقون الأبواب أمام كل محاولات الإخوان للتفاهم والشراكة معهم، في حين أنهم وقفوا جميعاً ذات يوم صفاَ واحداَ في وجه نظام مبارك.

بينما من الطرائف في هذا السياق أن شعباً قبلياً مسلحاً مثل الشعب اليمني اتجه إلى الحوار حتى مع الطرف الذي ثار ضده وارتكب في حقه جرائم إنسانية بشعة فهل هي الحكمة اليمانية غلبت هنا؟ أم هو التدخل الخارجي في اليمن الذي يحاول أن يسيطر على الوضع بالقدر الذي يخدم مصالحه وحسب، وهو نفسه التدخل الخارجي الذي لا يبدو انه يريد لمصر الثورة أن تنتصر .

نسأل الله لمصر الغالية الأمن والأمان وتجاوز هذه الأزمة على خير فسقوط الربيع هناك سيحيل كل ثوراتنا (التي تمر بشتاء عصيب) خريفاً لا ينتهي

مشاهدة المزيد