الربيع العربي ..من عهد الإستبداد إلى حالة الفوضى
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 11 يوماً
الأربعاء 07 أغسطس-آب 2013 03:22 ص

قبل رياح التغيير العربي وعِندما كانت الأنظمة العربية التي تدعي قيما ثورية وتتلحف برداء جمهوري ومسميات ديمقراطية ونهجا قومياً وممانعة ونحو ذلك ولكنهه في الممارسة كانت لها أساليب أخرى ، يكمن ذلك في الإقصاء والاستبداد وعقدة المشاركة والإقصاء وتتجه أيضا للتوريث ، وتعرضت تلك البلدان بعد اندلاع ثوراتها لوأد التحول الديمقراطي بعوامل محلية وإقليمية ودولية .

ومن تجارب واقعية على مدى عقود بعد استقلال الدول العربية فلا نلوم بعض النخُب التي تحن للماضي بكل مآسيه فقد أدارت ظهرها لتلك المسميات والقيم وغدت أكثر واقعية وبرجماتية وتنجذب تلقائيا للعسكر والأنظمة الملكية الأكثر استقرار.!

ولكن بالمقابل لا نغفِل بأن تلك الثورات كانت مغدورة ، فقد أثبتت الأحداث والتطورات الأخيرة في هذه البلدان مدى إدمان الأنظمة المخلوعة للسلطة وعدم ثبات بعض النخب على مواقفهم أو احترامهم لانحياز الأيدلوجية السابقة أو التحاقهم الانتهازي بالسلطة الجديدة ، وركوبهم الثورات مازالوا يصرون على امتطاء انكساراتها وتداعياتها لخلط الأوراق. فما أن لاحت بوادر التغيير هبت تلك الأنظمة لوأدها بدايتها مفضلة حكماً عسكرياً ، إنها ليست مجرد مفارقات تدعي للسخرية ولكنها واقع مُر على الشعوب أن تتعايش معه ، كما انه ليس من باب الصدف أن تتحول مالأت الربيع العربي في مجملة إلى بؤر للصراع والجدل المتصاعد وانفلات امني لم يسبق له مثيل ، وكانت بعض النخب لوقت قريب تعقد آمال بتحولات سريعة غداة تلك التحولات المتعاقبة طالما كانت أدوات التغيير هي إرادة تلك الجماهير التي خرجت بعد معاناة عقود من الاستبداد والحكم المطلق ، ومن هنا لا أجد تفسيرا وافياً لنجاح التحولات في أوروبا الشرقية منذ مطلع التسعينيات والتي انتقلت بسلاسة لأنظمة مختلفة كليا عما كانت عليه منذ عقود وتعايشت مع الديمقراطية بمفهومها الغربي الذي أساسه التداول السلمي للسلطة بواسطة أحزاب هي الأخرى ديمقراطية وتؤمن بالتغيير والنقد الذاتي وتجديد قيادتها ومن هنا نتسائل هل العرب ليسوا جديرين أو غير مؤهلين للديمقراطية ، أم ان ثورات الربيع العربي دخلت في نزاع شكلي بين ما يسمونه الإسلاميين وخصومهم ممن يدعون باللبراليين وربما كلا الطرفين أيضا ليس لهما سوا المسميات ويسعيان فقط للسلطة ولكن في سياق عقائدي واهم ، الأمر الآخر بأن تلك البلدان في التي خرجت من عباءة الأنظمة الشمولية لاقت حاضنة إقليمية ودولية مرحبة بالانضمام للاتحاد الأوروبي والانفتاح على الغرب والشرق ، ولاقت دعماً اقتصاديا هائلا في فترة قصيرة أشبه بمشروع مارشال ، بينما في البلدان العربية تظل فكرة التكامل الاقتصادي فقط من أدبيات الجامعة العربية حبرا على ورق وذلك في عهد العسكر الذين اليوم يدعمونه فما بالك بفكرة تحولات الربيع العربي الديمقراطي فالحاصل أن تلك الثورات تعرضت لتأمر من قوى إقليمية التي احتوت الربيع العربي حمت نفسها من تحولات خطيرة قد تنقل عدوى الديمقراطية إليها وهذا الاحتواء يستنتج منه بداهة عدم ارتياح تلك الأنظمة لهكذا تغيرات ، ولهذا فقد لاقت تلك البلدان(في اوروبا الشرقية) تجاوباً رغم عدم التجانس القومي وخلافة وبينهما عداء تاريخي معروف حافل بالصراعات وكذا لاقت مناخا دولياً مناسباً وهو الأمر الذي يفسر حالة الاستقرار الذي تعيشه اليوم ، بينما بلدان الربيع العربي فقد كانت مألآته في اتجاه آخر ولاسيما وأن الديمقراطية التي افرزها الربيع العربي قد أتت بالتيار الإسلامي إلى الحكم أو على الأقل مشاركة فيه كاليمن وتونس ، وهو تيار لا يخدم المصالح الغربية وكذا مصالح إسرائيل ، فالربيع العربي في هذه الحالة العربية فبالإضافة للنزاعات المحلية والصراع على السلطة وعقد الإقصاء وتسييس الدين والمذهب لم يجد حاضنا إقليميا له ولا على الصعيد الدولي وكان ذلك يصب في مصلحة المؤسسات العسكرية في تلك الدول والتي قد تخدم في نهاية المطاف أجندات معروفة.

وليس هناك ضمانة في أن تفرز عملية التحول التي تشهدها مصر ودول عربية أخرى تسير في نفس الاتجاه في نهاية المطاف لديمقراطية حيث يدرك أصحاب المصلحة في التغيير تماماً أن أي شكل جديد من أشكال الديكتاتورية، سواء ارتدت ثوباً عسكرياً أو دينياً، سوف تثير المقاومة العنيفة من جانب المتظاهرين في الشوارع ، إن أهم مزايا الانتفاضة في العالم العربي هو تحول الشباب على وجه الخصوص من مواطنين خانعين في دولة استبدادية إلى مواطنين فاعلين ويكاد الجدل في بلدان الربيع العربي يكمن في بضع مفردات وحقائق متشابهة حول عملية الانتقال للديمقراطية ومراحلها وقواعد اللعبة السياسية ونبذ الإقصاء ومشاركة الجميع ورفض الهيمنة والتفرد ، واحترام حقوق الجميع، هذه المفاهيم هناك من يحاول إسقاطها سواء من المؤسسة العسكرية التي لازالت جذورها ثابتة منذ عقود أو من أعداء الثورات ، وسواء من يسمون أنفسهم بالليبراليين او العلمانيين وهم في حقيقة الأمر مجرد طامحين للسلطة .

لقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تحولات خطيرة في النظام الإقليمي العربي أستهل بتنحية الجيش المصري من دول الطوق العربي وحين تعهد الرئيس المصري المطاح به باحترام تلك الاتفاقيات المبرمة لم يسلم حتى من النقد! ، يأتي ذلك تأكيدا بأن تلك التجارب الديمقراطية هي المقصودة مهما فعلت . وإنما الأنظمة العسكرية لن تكون بديلا لمعاداة إسرائيل بل لكبت حريات شعوبهم، لقد كانت هناك ثلاثة جيوش قوية «العراق، سوريا، ومصر» وهذه القوى الثلاث تعرضت الواحدة بعد الأخرى لمؤامرات لا احد ينكرها، وعندما لاحت بوادر عودة الديمقراطية في مصر بعد ستة عقود من حكم العسكر تم وأد التجربة في مهدها والسؤل هنا يطرح نفسه ماذا تريد بعض النُخب في مصر أتريد أن تتحول أم الدنيا لدولة فاشلة وتصبح نموذجاً سورياً وعراقياً آخر لا سمح الله .

 من جملة أسباب هذا التعثر هو غياب طبقة أو نخبة مثقفة ديمقراطية لتكون بمثابة جسر للعبور لمرحلة التحول الديمقراطي، ومن ضمن ذلك رجال الدين الذين لم يقصون من الاستشارة والدور التنويري فحسب باعتبارهم «لا يتناسبون مع متطلبات العصر!» مع ان دورهم يفترض استشاري وتوجيهي ويحُضون بالاحترام والتنفيذ وليس فقط كبقية النخب المثقفة ولكن يراد لها أن تكون أو جزء منها يدور في فلك السلطة والسلطان والمستبعدون من نعيم السلطة أو المبعدين وتلك النخب بشقيها ليست عصرية او ديمقراطية فهي إما ثورية انقلابية أو دينية جهادية رغم إنها تنشد التغيير بالوسائل الديمقراطية المعروفة في عالمنا المعاصر، إذن فما الضير في ذلك؟

ووفق هذه الرؤية قد ينعتون بأنهم موالين لتلك النخُب ، ويصنفونهم في الخندق الآخر، وهذا يؤدي بداهة إلى حالة استقطاب حادة ويزيد من تعقيد المشهد لأسوا حالاته.

وأجمالا يمكن القول بأن العقل السياسي العربي وطوال سنوات ما بعد الاستقلال وإلى نهاية القرن العشرين بل وحتى عصر ثورات الربيع العربي لم ينجح في حل بلورة فكر يمكن نعته بحق بأنه فكر عربي ذو سمات محددة، وبالتالي أخفق في المواءمة ما بين مقولاته وبين مجريات الواقع ، في ظل سيولة المعلومات شكلت ايضا تحدياً جدياً يضاف لتحدي الديمقراطية والتنمية الذي أثبتت تلك النخب فشلها في مواجهتها.