تعز.. !!!..
بقلم/ عبدالرب بن احمد الشقيري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 27 يوماً
الخميس 22 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:06 م

هي أشعلتها ثورة صرخت بها

فإذا السعيدة كلها والشعب ثائر

.. بيت شعري من رسالة لصديق لي من تعز

سبقني الكثير في الحديث عن هذه المنطقة من يمننا الغالي والتي يسمونها الحالمة، فقد تغزل فيها الكثيرون وأسبغوا كثير المدح والثناء لإهلها وهم يستحقون الكثير من ذلك لما هم عليه من الصفات التي تميزهم عن غيرهم.

الكثير والكثير تحدثوا عن ثقافة أهل تعز، عن وعيهم، عن مدنيتهم، وتسامحهم بل عن شجاعتهم أيضا، وهناك الكثير من المناقب الخالدة التي يمتاز بها أبناء الحالمة ولعلي أعرّج قليلا على هذه الأخيرة قبل أن ألج في موضوعي.

مما فاجأتنا به ثورة الشباب السلمية أنها غيرت كثير من المعايير التي كانت سائدة وبينت أموراً إجتماعية وغير إجتماعية كانت غائبة أو مغيبة ومنها شجاعة أهل تعز، فكلهم شجعان، مازن البذيجي مثالاً..

هذا التعزي الشجاع لا أظن أن أي أحد منّا سيصل الى شجاعته رغم نشئته البسيطة وصغر سنه إلا أنه أتى بما لم يأتِ به الأوآئلُ، فإنْ كان محمد البوعزيزي أحرق نفسه فمازن التعزي اْحتضن قنبلة -يراها أمامه ستنفجر- لكي يفتدي إخوانه ورفقائه في النضال السلمي فأسرع في مشهد درامي لايجيد إخراجه مخرج هوليودي بارع.

توقفت عنده أنفاس من كانوا قربه، أخذ القنبلة بسرعة لم تترك للبقية من هول المفاجأة إلا رؤيته شهيداً بين أيديهم، انفجرت قنبلة الغدر والخيانة لكن مازن بلغ ماتمناه وأحبط ماتمناه عبيد المسخ بحيث نجا من القتل باقي الثوار وكان هو البطل بلا منازع ...

لنعد قليلا الى ماذكرته عن حال هذه الثورة وماصاحبها من تغيير في كل شئ فاستحقت بذلك أن تنال اسم ثورة التغيير الحقيقي، لنجد أن كرم أهل تعز قد تجلى في أروع صوره، لن أزايد على أحد لكني سأحكي ما عايشته بنفسي بحكم التصاقي الوثيق بهم، فقد لمست من كرمهم ما فاق معرفتي عنهم من قبل.

فمن المعلوم في اليمن أن هناك مناطقا اشتهر بها الكرم وتحدث الكثير عن كرم أهلها لكني وجدت أن أهل تعز هم أكرم أهل اليمن على الإطلاق ولعلها شهادة حق فمن عجيب كرمهم أنهم يتفننون في طريقة الإكرام فليس الكرم أن تمتلئ معدة ضيفك بالطعام والشراب فقط ولكنها الروح حين تدللك بكرمها وسخاءها المفرط في محاولة إرضائك.

فإذا حللت ضيفا بدار أحدهم فأنت ذو حظ وافر، ستجد من كل ما لذ وطاب وسيفاجؤنك بحرصهم على النظر الى محياك ليعرفوا من خلاله هل طاب لك المقام وهنئت بالطعام؛ يكثرون من الأصناف حتى يكون لك حرية الإختيار من أيها شئت، لايقومون عن المائدة الإ إذا قمت، إن وجدوك حريصا على صنف من الطعام حاولوا جاهدين على أن يكون باكورة موائدهم.

يأسرونك في حديثهم بأسلوبهم الراقي الجميل مما يجعلك لا تمل النقاش معهم ناهيك إن أجواء النقاش تختلف عن ماهو عليه في كثير من مناطق اليمن وخاصة وقت جلسات المقيل وتناول \"القات\" فمجالسهم تتعلم فيها أسلوبا جديدا في الحوار وطريقة مثلى للنقاش.

لله دركم يا أهل تعز كم أنتم رائعون أجد نفسي حائراً بماذا أصفكم؟! أكتب هذه المقالة بينما الخوف ينتابني من نقد لاذع أنتظره بأني أنقصت من قدركم، فقد فقـتم كل اليمنيين في الكرم بجودكم بأغلى ماتملكون ألا وهي أرواحكم الطاهرة فلم تكتفوا بشبابكم وشيوخكم لكنكم فديتم الوطن بدماء نسائكم الطاهرات العفيفات وأطفالكم الراشدين.

وها أنتم الآن تقولون للعالم بأسره... قف! نحن هنا، نحن أبناء تعز لن نترك لأحد أن يعبث بأحلامنا أو ينتقص من دماء شهدائنا، نحن هنا! لم نشعلها ثورة ثم نسمح لأحد أن يغتالها، نحن هنا لأننا نحن!

نحن التعزييون سنسير على أقدامنا الى صنعاء مع أننا خرجنا لتوّ من حرب ضروس أراد المسخ إخضاعنا من خلالها، لكنا ولكي نثبت له أننا نحن التعزييون ليس من السهل كسرنا أتيناه الى صنعاء راجلين، ولنبين للعالم أجمع بأن دم الشهداء \"مايمشيش\" هباء...\"لسان حالهم\".

المحاكمة هدفهم:

فلن يصدّق عاقل أن يقدّم أهل تعز كل هذه القوافل من الشهداء الأبرار ثم يتم تكريم قاتلهم بحصانة من الملاحقة القانونية وهو لا يدري هذا المسخ أنها-أي الحصانة-تدينه بارتكاب جرائم حرب وهي ذاتها داعما جوهريا للثوار ولأهل الشهداء في المطالبة بمحاكمته ، فكما يحكم المنطق، لا يطلب الحصانة الا المجرمون فالحصانة تمُنح لا تُطلب.

تنطلق مسيرة الحياة الراجلة من تعز الحالمة ليسمع صداها كل سهل؛ كل جبل، كل حجر كل مدر كل شجرة يستظلون بظلها كل شبر صلوا عليه صلاتهم سيسمعون أن لا حصانة للقتلة وأن أهل تعز هم أجدر بأن ينتصروا لثورتهم التي بدأوها مع بقية الأحرار في كل ساحات التغيير وميادين الحرية.

يرددون طوال سيرهم الى صنعاء بأن محاكمة السفاح واجبة وإسقاط بقايا النظام أمر حتمي لا رجعة عنه..

مسيرة الحياة... لأنها ستصتأصل السرطان من جسد هذا الوطن المكلوم حتى تدب فيه الحياة من جديد ومتى اطمأنوا على أهداف ثورتهم أخذتهم أقدامهم الى الحالمة راجعين كما خرجوا منها أول مرة، لكنهم كل واحد منهم يحدث نفسه: سننتصر لثورتنا مهما كانت التضحيات فلن يأتي أسوء مما مضى...

فكل ما سيأتي آت...

وبعد كل طوافٍ رميُ جمرات

abdarrab@yahoo.com