إنتخاب هادي ... تقربا الى الله !
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 28 يوماً
الجمعة 17 فبراير-شباط 2012 01:45 م

هذه المقولة العابره السخيُة ليست من مواطنا عاديا او إنسانا بسيطا ضاقت به سبل المعيشة و الحياة , بل صادرة من أحد رموز حزب اسلامي كبير و إحدى قياداته , ووجاهه دينية وعلمية يعتد بها ويعمل لها الف وزن وحساب لها أنصارها وأتباعها ومريديها , ولسنا ندري هل هذه فتوى شرعية مثل سابقاتها , ام مقولة دينية معترف بها , أزاحت الكثير من اللغط والجدل عن الإنتخابات الرئاسية , وكانت ربما بمثابة طوق النجاة للاختلاف الشعبي العارم ,كلما نعرفه حقيقة إنها- وللأسف الشديد- أصبحت شعارا مدرجا ضمن الحمله الانتخابية , وأردف شيخنا الجليل و من على منصة ساحة التغيير قائلا: فطاعة الخليفة الهادي الى الله عبدربه منصور هادي من طاعة الله , من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله , وتنهد شيخنا قليلا , فقلنا ليته سكت , ولكنه أردف قائلا: هادي مع الحق والحق مع هادي , حب هادي إيمان وبغضه نفاق , لعن الله من تخلف عن انتخاب هادي , ومن أنكر ولاية هادي فقد كفر , وقد أعذر من أنذر !!!

هذه الكلمات والعبارات المقتضبة ليست مستوحاه من مخيلة الكاتب للوضع الساخر التي وصلت اليه مهزلة الانتخابات , بل حقيقية واقعية ومقتطفات ودرر ثمينة , وكلمات موثقه بالصوت والصورة والفيديو مأخوذة من أقوال الشيخ الجليل وموعظته الانتخابية , وما تم نشره هنا إلا خلاصة موجزة لقول العالم الفذ والمهندس الديني الجليل , ليس تطاولا على العلماء والأوليآء والصالحين , فالعياذ بالله لسنا ممن يتطاول على العلماء , وامتهان فتاويهم وأقوالهم ومقامهم الرفيع , ولكنا هنا نسرد ما جرى من باب الانتقاد البناء وحرية الرأي , فغصة انتخابات المشير وعوارضها وتبعاتها المرضية والقهرية , وعجائبها وغرائبها المتلاحقة , ربما لن تتوقف عند 21 فبراير , وقد تستمر بمنغصاتها ونتائجها الى ابعد من هذا التأريخ بكثير .

 وشيخنا الجليل والعالم القدير وهو الأعلم والعارف بالله و بنصوص الحكم والدين , والشريعة الإسلامية الغرآء , كان قبل هذه المحاضرة القيمة عن الانتخابات الهادوية المنتظرة , يشن حمله دعائية مشفرة وأخرى صريحة عن فضائل الانتخابات ومناسكها وطريقة أداء شعائرها بالبصم بالإبهام والترويج لها , تارة بالترغيب وتارة بالوعيد والترهيب , والجري بين الصناديق المكتظه بالأصوات , والوقوف على باب قدساتها وعتباتها الشريفة والدعاء لها , والتبتل والابتهال الى الله لإنجاحها , والتوضأ سبع مرات قبل التصويت بالماء ومرة بالتراب.

ولأن عجائب الحملة الانتخابية والدعائية وغرائبها لا تتوقف عند هذا الحد فحسب , فقد أفتي شيخنا الجليل قبلها بفتره زمنية ليست بالبعيدة , أن من رشح الهادي وصوُت في الانتخابات فهو مع الوطن والثورة والشعب , ومن وقف ضد التصويت وعارض فهو مع الرئيس والنظام السابق وضد الثورة والإرادة الشعبية للتغيير , ومن دعاة الفتنه والهلاك , وتجاوزت الأقوال والأفعال الى ابعد من ذلك , والمهاترات وحدة الاختلافات بين أبناء الوطن الواحد , وأصبح المرء في ظل حمى الانتخابات الانقاذيه للهادي المنتظر , غير قادرا فعليا على جمع شتات المواقف والأرآء المتناقضة ,عن أسلوب الحمله الانتخابية والدعائية للمرشح الوحيد , وعن طريقة إقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة في التغيرات السياسية , حسب الأهوآء دون رادع ديني او وازع أخلاقي يوقف الفتاوي التحريضية والعبثية , وإصدارها بصور مختلفة ,ملائمة ومتطابقة حسب المرحله الراهنه ومتطلباتها دون خشية الله ومراقبته في الشعب والوطن .

وبعد موجة الانتقاد الواسعه من قبل اكثر المثقفين والتيارات المستقله عن إقحام العلماء والدين بصوره جريئه في تناقضات المرحله المعاصره لخدمة فئة دون أخرى , كان الرد .. والفتاوى والمنابر أيضا ضمن وسائل الحملة الإنتخابية وجائزة شرعا , ورجال الدين لهم أيضا الباع الكبير والدور الهام والبارز في قيادة الحملات الانتخابية والدعائية , وهذا ما يجعلنا نتساءل بمرارة عن الدور الديني ودور رجال الدين والعلماء والدعاة وواجبهم في المراحل التي يمر بها الوطن , وكيفية مواجهة الصعاب والأزمات بروح توافقيه مسؤولية , وايجاد حلول جذريه وقادره على انتشال الوطن من مآسيه وأحزانه , لا التسويق والترويج لمزيد من التفرق والتمزق والاختلاف.

جميعنا شاهدنا الدور السلبي لبعض علماء اليمن ودعاتها حال الثورة الشبابية السلمية , وكيف كانت التناقضات والمواقف الضبابيه المتلونة تخدم النظام , وتصدر الفتاوى والبيانات حسب رغباته , والفتاوى الشرعية التي زادت الوطن حدة واختلافا وتمزقا , واليوم تعاد هذه الفتاوى والمواقف المتغيره والمتبدلة والمتلونه , ولكن بصيغه جديدة وحله متناقضة لما كانت تدعو إليه بالأمس , هذا العالم والداعية وأمثاله كثيرون , كانوا حتى الأمس القريب وقبل توقيع المبادرة الخليجية , حين كانت الثورة صافيه والقلوب متآخية متلاحمة والأهداف واضحة , كانوا جميعا ضد النظام بكافة رموزه واشكاله واباطرته وصورة , وكان هادي بالنسبة لهم وللاغلبيه الشبابيه الثائره يومها مجرد رمزا من رموز النظام وأتباعه , يجب إسقاطه ومحاكمته .

 اليوم لسان الحال تغير تبعا للتغييرات السياسيه المرجوه من تحقيقها وتطبيقها على ارض الواقع السياسي اليمني , والمواقف تبدلت بصورة كليه مذهلة , وفرقآء الأمس صاروا شركاء اليوم , وحينما كنا ننادي بإسقاط النظام كاملا دون إستثناءات او ضمانات او حصانات , لم يكن موقف الأغلبية الشعبية ضد شخص الرئيس بقدر ما كان ضد نظام بأكمله , ولكن الذي جرى فعلا هو إسقاط الرئيس كشخص وبقي نظامه كاملا وبحصانة مطلقة , وما نساق اليه اليوم من حمله انتخابية ورئاسية ماهي في حقيقة الأمر إلا صفقه سياسيه بحته تماما وصفعة شعبية قوية , انتخاب هادي مقابل السلم والأمان وتنازل علي صالح كليا عن مقاليد الحكم , وإفراز التغييرات القيادية العسكريه والأمنية مستقبلا شريطة بند الانتخابات وتحقيقها كليا.

 وكانت بمثابة امتهان واستخفاف بالإرادة الشعبيه والإجماع الوطني , ان يصور المشير هادي كمنقذ وحيد ومخرج آمن للوطن لاحياد ولا بديل عنه ابدا , تناقضا مع أصول الديموقراطية وشروطها وقواعدها الواضحه, بالتعدديه السياسية لشروط نجاحها , مخالفة بذلك الدستور اليمني والنصوص القانونية الصريحة , فأصبحت الانتخابات القادمه في مجملها , بيعة ملكية , لا إنتخابات جمهورية , هناك استفتآء وبيعه لشخص ما ومرشح وحيد لا غير , وفي وطن جمهوري , ضحي بالكثير من ابناءه وذويه وقدم الشهدآء تلو الشهدآء والثورات المجيدة لترسيخ مبدأ الجمهورية , والدولة المدنية الديموقراطية الحديثة , والتحرر من الاستعباد والاصوليه الكهنوتية والديكتاتورية .

 وما يحدث الان الا انتقاصا لمبدأ الثورة اليمنية وأهدافها الاساسية السامية , وما تشنه بعض وسائل الاعلام والأحزاب السياسية ضد المعارضين كليا لمبدأ ألانتخابات سوآء الحزبيه منها او المستقله او الشبابية , مدعاه للسخرية والشماته من دعاة المدنية الحديثه المرتقبة وبنآء يمن جديد , فالإقصاء والتهميش والتشهير لا يصنع مجتمعا مدنيا متكافئا ومتكاملا وغدا أفضل , ومبدأ التكفير والتخوين والقتل وإهدار الدم , وضرب القدرات الشبابية عرض حائط العماله والارتهان للخارج , لا يؤسس البنية الصحيحه والسوية ليمن الغد , وما حذا ببعض العلمآء والدعاه الى انتهاج هذا النهج المقيت , الا زيادة في خلق الفرقه والتفرق والاختلاف , وما يجعلنا مستقبلا ان ننظر الى سياسات مستقبلية للمطالبه باستقلالية جمعيات وهيئات العلماء والقضاء , ووضع شروط إصدار الفتاوي ضمن جمعيات علميه منتخبه معترف بها جماهيريا ودينيا , تخدم الوطن وتقوى أواصر الاخوه بين ابناءة وذوية , وتنتهج مبدأ الوحدة و تساهم بصورة ايجابيه في صنع اليمن والوطن الواحد , وتدعو لوحدة الصف بعيدا عن العصبية والفتنه والاختلاف , و بعيدا عن التقلبات والتوجهات السياسية المرحلية والقادمة