النظم الحاكمة وشرعية التغيير (1)
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 13 يوليو-تموز 2011 05:20 م

د.محمد أمين الكمالي

ان نظام الحكم في اي بلد يعتمد علي تعاقد اجتماعي بين افراده والفئات والطبقات المختلفة للتعايش فيما بينها من ناحية ومن ناحية اخرى بين الشعب بشكل عام ونظام الحكم علي اختلاف نوعه وقد يكون هذا التعاقد مؤقتا او دائما بتراضي الطرفين أو رغما عن بعضهم بحكم التراكم التاريخي او الضرورة او الاحتياج المتبادل او نمط توزع القوه والقدرة علي التأثير ويعتمد استقرار نظام الحكم في بلد ما علي عدة عوامل من بينها استمرار العلة الاساسية لوجود هذا النظام او تجديدها بتطوير هذا التعاقد وربطه بمحددات جديدة تدعم استمراره .

ان نظم الحكم العربية الحديثة وباستعراض سريع تتوزع بين انظمه ملكيه وجمهوريه مع حالات خاصة تاخذ محددات عامة مشتركة, فالنظم الملكية والتي تستند علي نوع من الشرعية التاريخية المرتبطة بالمكونات الاكثر تأثيرا ضمن البنية الاجتماعية والقبلية لهذه المجتمعات ومحددات التوازن التقليدي بين مكونات المجتمعات المختلفة التي كان النظام الملكي شبه التوافقي هو الضامن للاستقرار الاجتماعي والتعايش المشترك بينها الا ان هذه الانظمة ومع تطورها سعت للخورج من عباءة العلاقات القبلية القديمة وتشكيل تحالفات ومحددات خارجية تدعم بقائها لتأدية وظيفة اكثر ارتباط ضمن لعبة عالمية اكبر فاتجهت للقضاء او على الأقل أضعاف العلاقات القديمة والبنية العشائرية للمجتمع.

مع الإبقاء علي شكل منها يمنع تحول المجتمع الي مجتمع مدني يبرز فيه مفهوم المواطنة والمساواة الذي قد يضر باستقرار نظام الحكم عندما يرغب الافراد في ممارسة دور مباشر وليس ضمن المكون القبلي والعشائري ولكن هناك استثناءات في النظم العربية كالكويت التي أسهمت فيه صدمة الغزو العراقي لتجديد العقد الاجتماعي وتقويته مما أعطي للنظام الحاكم الطمأنينة لإعطاء المزيد من الحريات السياسية لمعرفته التامة بانها ستبقي تحت مظلة التعاقد الجديد والقوي بما لا يهدد نظام الحكم نفسه مهما ارتفعت درجة تاثيره علي بعض افراد النظام, كذلك النظام الملكي الا ردني الذي لا يخشى من الثورة المباشرة ضده لانه يعلم أنه محدد رئيسي في تشكيل واستمرار الاردن كدولة حقيقة ذات سياده وعليه فان الفوائد الاجتماعية والمادية في النظم الملكية تعطيها حد أدنى من الاسقرار لوجود شكل من الشرعية في نظم الحكم تعتمد علي متانة التعاقد الاجتماعي وتبادل المصالح المشتركة.

اما النظم الجمهورية والتي اعتمدت في شرعيتها اساسا علي الشرعية الثورية وتسليم الشعب لابطاله المختارين من السماء وأبنائه المناضلين زمام تشكيل نظمه السياسية وقيادته نحو الحرية والرفاه الاجتماعي فتحول هؤلاء الى اباء لهذا الشعب بعلاقة تملي عليهم اتخاذ القرارات دون عن الشعوب القاصرة عن اتخاذ خيارتها بنفسها تحت وطأة الجهل والتخلف والامية وبقايا الانظمة الكهنوتية وسرعان ما فقدت الشرعية الثورية بريقها بتحولها الي دكتاتورية تعتمد علي القمع.

ومع رحيل الجيل الاول الذي اعتمد علي رصيده النضالي بالاساليب الطبيعية أو بالإزاحه والانقلاب لم يجد الورثة ما يدعم استمرار الشرعية الثوريه فلجئوا الى تبني ثورات وهمية من اختراعهم ثم تبني خيارات ديمقراطية مشوهة مجاراة لمتطلبات العصر الحديثة وبعد فشلهم في تحقيق انجازات ملموسة داخليا او مواجهة العدو الصهيوني خارجيا ومجارات لمراكز القوي الاجنبية التي يدينون لها بالولاء والتي تستخدم الديمقراطية لوضعهم في موضع الاحراج.

لكنهم وجدوا في الديمقراطية الشكلية ايضا وسيلة لاكتساب نوع من الشرعية لبقائهم طالما هم يقبلوا نظريا بامكانية التغيير السلمي مما ينزع الشرعية عن اي محاولة لتغيير هذه الانظمة بالثورة والانقلاب المسلح او السلمي طالما يستطيع ان يصل الاخرون للتغيير بالوسائل السلمية والديمقراطية التي يسيطرون هم عليها ويطوعونها كما يشاءون.

ورغم بحثهم عن منافسين وهميين في مسرحياتهم الانتخابية الا انهم لا يقبلون المنافسة ولو كذبا ويفضلونه استفتاء بين نعم وايوه ليخرجوا بنتائج تدعم الشعوري الأبوي في مقابل المجتمع القاصر والراضي بما منحه الله ثم القائد وفي قرارة أنفسهم يعرفون أنهم يكذبون على أنفسهم حتى يصدقوا الكذبة معتبرين ان الطفل الذي ولد وكبر وتزوج وانجب واصبح جدا ثم مات خلال عهدهم ولم يسمع سوي اعلامهم وتعليمهم سيخاف من مجرد تهديدهم بالرحيل وعدم الترشح فيخرج لتوسلهم العوده متناسيين ان الدنيا تغيرت وان العالم الجديد صار مفتوحا فيستطيع ابناء هذه الشعوب رؤية الحقيقة ولو من الخارج وان رغبة الانسان للتغير نحو الافضل تتغلب علي خوفه من التغيير وان القشرةالشرعية لهذه الانظمة تتاكل كلما تاكد الناس من ظلمها وفسادها وتزويرها وان القبضة الحديدة للأمن تضغط الشعب ولكنها تمسح الشرعية وتجعل التعاقد الاجتماعي كاتفاق بين السجين والسجان ان يعطيه فتات الحياة فقط ليبقي دون ان يعيش فعلا.

مع استثناءات كالنظام اللبناني الذي هو مجرد غطاء لحالة هدنه بين اطراف متصارعة لا تتردد في التقاتل نيابة عن الآخرين لتفرغ أزماتهم بافتعال أزماتها.