لسنا مؤهلين للحرية
بقلم/ هناء ذيبان
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الجمعة 11 مارس - آذار 2011 11:54 ص
 
 

ما ألفناه عن أبواق الأنظمة المستبدة عامة, وأدواتها التي تستخدمها ، كيف تقوم بصناعة عمليات التجميل لممارسات النظام وتلميع صورته ، فتحول قمعه إلى أمن ، وظلمه إلى عدالة ، واستبداده إلى حرية ، وفساده إلى إصلاح ، وشموليته إلى تعددية ، وقبضته البوليسية إلى انفتاح وديمقراطية .



كما تحول تراب الوطن وحصبائه إلى ربيع أخضر، وهضابه وجباله إلى كنوز ومعادن ثمينة، وبيدائه  وصحاريه إلى واحات خضراء ترقد فوق بحار من النفط أو الغاز, أو المياه .
 



و تحول هزائم النظام إلى بطولات وانتصارات ، ونكساته إلى أمجاد وأعياد وطنية ، وتخلفه إلى رقي ومدنية ، وعصاباته وطائفيته وشلليته إلى مساواة وعدالة اجتماعية ، وعمالته وتآمره وخياناته إلى تضحية وتفان ووطنية .
 



وتصور فقر المجتمع وبطالته  , نهضة اقتصادية ، وانتشار الجهل والأمية قفزة علمية . والفساد المستشري إصلاحا وتقدمية ، وتزوير الانتخابات نزاهة وشفافية




ويوصف الحاكم بأنه الزعيم الأوحد وملهم الأمة ، فهو هدية الأرض, ومنحة السماء  لهذا الشعب المعطاء ، الذي وهبه الله هذا القائد الفذ ليفخر به الوطن, ويتيه به عجبا أمام الدنيا والتاريخ ، فيتشرف الشعب به ، ويفخر أمام العالم بزعامته ، حتى يسمّون الوطن باسمه فخرا واعتزازا، كأنما حاز ملكية الوطن وحوله إلى مزرعة له ولحاشيته ، وأما الشعب المسكين فما هم إلا عبيد وأجراء مسخرون لخدمته ، بل إنهم يتشرفون  بالعبودية لخدمة الزعيم الأوحد .


ويصور الشعب على أنه صفوة البشرية ، وخيرة بلاد الله في خلقه ، تمتد جذوره في الحضارة إلى آلاف السنين ، ولا تتسع الكتب والمجلدات الضخمة لتدوين بصماته الحضارية ، وانتصاراته المجيدة ، وتاريخه المشرق ، وموقعه الاستراتيجي المتميز، وشعبه الذكي المنتج .



كل هذا يتم في أيام الرخاء للحاكم عندما يكون الأمن مستتبا, والكرسي مستقرا، فإذا ما هبت نسائم الفجر, وانطلقت رياح التغيير، وتناثرت شظايا الثورات ، وسقطت عروش المستبدين, وزملاؤه من الطغاة  والمستبدين ، وشعر باهتزاز الكرسي, وزلزلة الأرض وهي تموج من تحته ، عندها تتغير لهجة المستبد وأبواقه من النفاق إلى دجل ساذج, وخداع ومراوغة للشعب مكشوفة وتملق رخيص ، ليلتف على مطالب الجماهير ويثير البلبلة بينهم, ويقوم بتنازلات شكلية هامشية  تفضلا وامتنانا ، وجرعات مسكنات رخيصة موضعية ، لتقدم موضوعا تافها للأبواق ، ليصدحوا به ويجعلوا منها الفرصة الثمينة ، وابتسامة الحظ الوحيدة للجماهير الثائرة .

ويبدأ أنصار النظام من المنتفعين والملتفين حوله ، وممن ربطوا مصيرهم بمصير هذا النظام البائس ، إنهم يخافون الحرية لأن الشعب غير معتاد على ذلك وقد تسيل الدماء ، وقد تؤدي الحرية إلى حرب أهلية .... وغير ذلك  مما يجر الخراب والدمار للبلاد ! !.


إذن لقد كان ثوار اليمن الذين استبدلوا الملكية بالجمهورية, حتى ينال الشعب حريته مخطئون, ومتجنون على هذا الوطن، إذ منحوه الحرية وهو غير مؤهل للثورة والجهاد والتضحية لأجلها .



وإذا كانت اليمن بشعبها الذي تمتد جذوره في الحضارة إلى آلاف السنين ، وبعد كل ذلك الاستبداد والاستعباد الذي يطبق عليها ,غير مؤهلة للحرية والإصلاحات ، فهل هناك دولة من حولنا محتلة أو مضطهدة مؤهلة للثورة ضد أعدائها حتى تنال حريتها ؟ ! إذا كان كذلك, فهي دعوة مفتوحة لجميع الشعوب المحتلة والمضطهدة والمسحوقة أن تسارع فتصالح أعداءها وتعتذر عن سابق ثوراتها ونضالها ، وتحمد هذا المستعمر الصهيوني لفلسطين أو الاحتلال الأمريكي في العراق، لما لهؤلاء المحتلين والمستبدين على هذه الشعوب الجاهلة, والمنغلقة من فضل, وأياد  بيضاء بهذا الاحتلال والاستبداد ، لأنها بمصادرة هذه الحرية تجنبها المشاكل والخلافات الداخلية والحروب الأهلية ، وتحقن دماء المواطنين بدل أن تسير أنهارا في شوارع الوطن ! .


أليست طرفة جميلة, ونكتة ظريفة يصدر بعضها من رأس النظام ، وبعضها الآخر من أعوانه وأجهزة قمعه ، الذين بحسبون حساب ما بعد الثورة, وينظرون إلى مواقعهم وما يحل بهم, بسبب ما أوغلوا في ظلم هذا الشعب وانتهاك حقوقه بإذلاله واستعباده .


إن ثمن الحرية الحقيقي أرخص بكثير من ثمن العبودية، إن ثمن الحرية يدفع مرة واحدة, ويسجل أبطالها روادا للأمة, ورموزا لتاريخها المشرق, في صفحات الشرف والعزة والكرامة .
 


وضريبة الاستبداد والذل والاستعباد تدفع كل يوم ، ويسطر تنابلها, كغوغاء متخاذلين, وعبيدا جبناء في صفحات التاريخ الكالحة السوداء ، لتبقى وصمة عار تلتصق بهم على مر الزمن..