القرن 21 .. هل يصبح قرن الصراع الإسلامي – الإسلامي؟!
بقلم/ عبد الله القفاري
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 17 يوماً
الإثنين 28 سبتمبر-أيلول 2009 06:18 م

منذ فترة ليست بالقصيرة وهناك ظاهرة لا تخفى على عين مشاهد. تابعوا نشرات الأخبار اليومية وسترون مبعث هذا القلق ودلالاته. تكاد تكون أخبار العالم "السيئة" صناعة إسلامية تتحرك بين باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان واليمن الصومال.... إضافة إلى بؤر تتحرك بين وقت وآخر لتخلف مشاهد القتل والتدمير في الجزائر أو نيجيريا واندونيسيا .. وغيرها.

لم تعد هناك أخبار عن الألوية الحمراء الايطالية - التي كانت - ولا منظمة الباسك الاسبانية، ولا نمور التاميل السيرلانكية، ولا الجيش الجمهوري الايرلندي ولا مشاكل القوميات في روسيا الاتحادية، وإذا حدثت فيها لأيام أو بضعة أسابيع تختفي بعدها مشاهد العنف والصخب الإعلامي وضجيج المعدات العسكرية.

نكاد نحن فقط في هذا العالم الذين نعاني من قصة طويلة ودامية وممتدة.. لا تكاد تهدأ حتى تشتغل، ولا تكاد تختفي أخبارها لبضعة أيام أو أسابيع حتى تثور من جديد... وهي تقدم إيحاء بعد إيحاء أن هناك صراعا داميا طويلا، مازال يغذى بحبل سري يحصد البشر بالقتل العشوائي ويعطل الحياة ويزيد المعاناة ويكشف حجم المأزق الذي لا يكاد بصيص أمل يعد بالخروج منه.

في كل بلد عربي أو إسلامي قنابل موقوتة تختفي تحت قمع التناقضات بقوة السلطة لا بقوة التوافق الاجتماعي والسلم الاجتماعي والعقل المتفوق على عقدة تدمير الذات والآخر. حتى بدت المعادلة قاسية وصعبة ومؤرقة والخيارات محدودة وصعبة ومؤلمة. فإما البقاء تحت طائلة التوقف والتراجع تحت قلق انبعاث تلك العصبيات المذهبية والعقائدية التي يبدو العالم الإسلامي أسيرا لها، متوقفا عندها، قاتلا ومقتولا من اجلها .. أو تراخي تلك القبضة وعليه لا ضمانات من أن تتحرك كل تلك التناقضات على واجهة السطح لتعيد هذا العالم المرهق لواجهة صراع الأخوة الأعداء.

من يقتل من في باكستان؟. لماذا يبدو هذا البلد الإسلامي - النووي - على كف عفريت ومستقبله معتم وقضايا التنمية أو التطوير متوقفة والفقر في ازدياد ومساحة الوجع في تمدد. إنها طالبان باكستان وصراعها مع الحكومة. شعب تخترقه الانتماءات المتعددة وتشغله صراعات محتدمة. من وادي سوات إلى حدود باكستان – أفغانستان تتلاحق قصص التدمير والقتل والتفجير. وقود الصراع ودوافعه تدور بين حركة إسلامية متشددة عنوانها المعلن "طالبان باكستان"، و"قوات حكومة" تقسم على كتاب الله.

هناك عوامل داخلية وخارجية حتما تغذي هذا الصراع وغيره من الصراعات. إلا أن هذا الصراع والتدمير لن يكون سوى عبر واجهة معتقدات تتماهى بين السياسي والديني. كما أن هذه التنظيمات المقاتلة والقاتلة والمقتولة لا يمكن لها أن تعمل أو تستقطب أو تحشد دون عامل المعتقد الديني الضيق الذي يقدم لأتباعه الجزاء البعيد مقابل التقويض القريب.

أليس هذا صراعا إسلاميا – إسلاميا، أي بين المسلمين أنفسهم، حتى لو خلا من قبل الحكومة من إعلان معتقد ضيق أو تلبس برؤية أو مشروع ديني – سياسي في مقابل مشروع آخر أكثر تشدد وانغلاقا وفهما للدين والدولة.

وإذا انتقلنا من باكستان إلى أفغانستان، أليس هذا الصراع امتدادا بشكل أو بآخر لصراع المجاهدين سابقا على السلطة. يتخذ الصراع بين طالبان التي تقوى وتستمر وتقاتل بمال سري لا احد يعرف مصدره أو مراكز تمويله وبين قوات حكومية تتقوى ب "الإيساف" إلا أن كارزاي إن تولى السلطة رئيسا سيقسم على كتاب الله ... وان استحوذت طالبان على الحكم ستحكم بكتاب الله... وبين هذا وذاك ستسيل دماء وتدمر دور ويقتل بشر وتنتهك مقومات وتشتعل حرائق حتى الإثخان. من المؤكد لن يكون مشروع كارزاي أو "الايساف" هو مشروع طالبان، لكن وقود الصراع ومادته هم الأفغان المسلمون، أي أن الصراع بين المسلمين أنفسهم على معاول معتقدات تخرج بعضهم من ملة بعض وترمي بعضهم بالنفاق أو الكفر بالتحالف مع الأعداء. يقدم "الايساف" الدعم لحكومة كابل، ويقاتل معها، وتستلم طالبان الدعم والمدد من آخرين لا أحد يرى وجوههم ليستمر تدليس مشهد الصراع بين المسلمين أنفسهم.

الحسم قصة لن يصل إليها أي طرف من أطراف الصراع بسهولة، ولذلك ستستمر نشرات الأخبار في قراءة مآسي الأفغان وعجائب بلاد الأفغان وتعيدنا لصراع قديم جديد وليل دام طويل.

وإذا تحركنا شرقا نحو العراق وما أدراك ما العراق. من يدفع هؤلاء لقيادة شاحنات تحمل أطنان المتفجرات لتهز تلك الأسواق والمساجد والوزارات وتدمر المقرات وتقتل العشرات. لن يقوى على هذا سوى معتقد تمكن من تلك العقول حتى التسليم، فلم يعد أحد يتزنر بالناسف في هذا العالم سوى مسلم. الصراع السني - الشيعي في العراق لا يعبر عنه حقيقة بما يحمل من مقومات البقاء. التعبير يأتي هكذا إنهم بقايا البعثيين أو التكفيريين.. أما الحقيقة فهم انتحاريون يحملون معتقد التدمير لإثخان طويل، ولو ولم تكن تلك القنابل البشرية تحمل فكرا متغلغلا متمكنا لما جرؤت على تفجير نفسها من اجل نسف الآخر، ولنزعت منذ زمن عناصر التفجير. وإذا كانت مقاومة المحتل الأمريكي في عراق اليوم تغذي حالة صراع.. فالمعتقد الديني الذي يغذيه فكر ضيق هو ما يشكل المادة الروحية لاستقطاب عناصر التفجير.

أما في لبنان، فهل من عاقل لا يرى جزءا من بواعث استعادة الأزمة يشعلها أيضا صراع سني - شيعي مهما تدثر بقافلة التحالفات من هنا وهناك. انه أيضا توقف يأتي على ملامح صراع تدفع به مصالح العقائديين أو يوظفه من يدرك أن هذا البلد الصغير لا يحرك جنون التوتر فيه أكثر من قابلية هذا الصراع على معول المعتقد المذهبي أو الطائفي، حتى لو اختفى تحت عباءة السياسي فهو مادة جاهزة لإشعال الحرائق وإثخان الخصم.

أما في الصومال الذي لا يوحي بشيء من الحياة وكل ما تبقى فيه أطلال من الماضي، فالصراع العبثي الدموي مازال يدور بين "الشباب الإسلامي" وتحالف شريف "المحاكم الإسلامية سابقا". هكذا تتعدد صراعات الإسلاميين – الإسلاميين في الصومال حتى تكاد تعرف ماذا بقي من مشروع حسن عويس أو محاكم شريف!! ومن هي الفئة الباغية؟ ومن يقوى على رفض الإسلام ومن يريد فرض شروطه عبر توسل الإسلام الجهادي الدامي الذي لا نهاية لفرز وجوه عناصره .. وما أطول ليل الصومال وما أشقاه.

وفي اليمن السعيد، الحوثيون ليسوا جماعة معزولة عن تاريخ الزيدية ولا تاريخ الإمامية، ومهما بلغت المظالم التي يشكو منها أهالي صعدة ومهما كانت الدوافع الحقيقية للصراع.. إلا انه صراع يتقوى بالمذهبي المتماهي مع سياسي غامض... ليدفع البسطاء ثمنه الباهظ الكلفة ، حيث يجتمع الخوف إلى جانب الفقر.

أينما وجهت وجهك اليوم لن تجد سوى صراع تغلغل ببعد المشهد الإسلامي معتقدا ودافعا وعنوانا، مهما حاول البعض أن يخفف من ملامح الورطة الكبرى التي يجد الإسلاميون أنفسهم فيها. وأينما قرأت أو شاهدت ستجد أن أخبار العالم السيئة تأتي من بلاد المسلمين توترا وحروبا وتوقفا وتراجعا، وأكثر ملامح الحياة عطالة وبؤسا، وعلى رحى صراع لا يتوقف.

على واجهة الصراع تبرز جماعات وتنظيمات لكن خلف تلك القوى تختفي مقومات البقاء، وحبل يُمد لتبقى تلك الطاحونة تدور حتى تنهك الفريقين. السؤال ببساطة المتابع لا الخبير على شؤون تلك الجماعات هل تستطيع تلك التنظيمات لو افتقدت للمدد المادي والدعم المخابراتي أن تعيش يوما واحدا؟ من الذي يدعم تلك القوى من يمدها بالسلاح من يقدم لها المعلومات من يذكي هذا الصراع من خلف ستار المشهد الإسلامي - الإسلامي.

إذا استطاع خبراء الجماعات الإسلامية الإجابة فهم سيجيبون عن السؤال الأكثر أهمية في حلقات الصراع الإسلامي - الإسلامي، الذي يبدو أن هذا القرن افتتح على مشاهده وسيدخل العقد القادم أيضا على مشاهده، والله وحده يعلم أي عقود سيأكل فيها هذا الصراع من مقومات أمة تنتحر وتنحر أبناءها.

*نقلاً عن صحيفة "الرياض" السعودية