شبوة .. من المجزرة إلى المحرقة
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
الثلاثاء 01 ديسمبر-كانون الأول 2009 03:11 م

شبوةُ المحافظةُ رقم (15) في ترتيب المحافظات بدولة الوحدة ورقم ( 4 ) فيما مضى من حكم التشطير وهي متراميةُ الأطرافِ لها حدود مع أربع محافظات مأرب وحضرموت وأبين والبيضاء شبوة الشهير أهلها بالكرم والشهامة والنجدة والعزة مختلطا بالتهور والشدة وصلابة الرأس وصعوبة المراس .. خيرُ أرضهم كثير ولكن ما يصل إليهم منه حقير .. فهم كالعير تموت في البيداء ظماءً والماءُ على ظهرها محمولُ ..

أو كالمثل العامي (شِعبُ معدو يُسَقي لغير أهله ) وهم كغالب شعب اليمن مسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة وقبائلها متعددة .. شذر مذر .. باسهم فيما بينهم شديد .. أخبارهم تتناقلها الركبانُ ما بين النزاعات والثارات ..وأزيز الرصاص ودوي الانفجارات .. غلبهم الجانبُ الشديد والرأي العنيد.. فصار ذلك صفةً لهم طالت مقاتلَهم ومسالمَهم .. صغيرهم وكبيرهم .. فحينما تخبر شخصا أنك من شبوةَ يتبادر إلى ذهنه مباشرة القتال والحرب والغلظة وشدة الكرب .. وتحكم فيهم الغيرُ فصار يوجههم إلى ما ليس فيه فائدة لهم ولا منفعة ولا خير.. ومن ضل قديمه تاه .. وقد يغضب الكثيرون لهذا المقال ولكنه واقع الحال الذي يعرفونه جيدا .. وتَفرقُ القبائلِ وتناحرها وعدم توحد كلمتهم خيرُ دليل .. فحقق هذا الغيرُ مصلحته وغايته منهم فتسلط (كسابقه) على حقوقهم وخيراتهم وجعلهم في حاجة إليه إما بإمدادهم بما يحتاجونه من مال وسلاح للحروب الطاحنة بينهم أو بغض الطرف عن ممارساتهم وتجاوزاتهم التي تخرج عن الطور كثيرا.. وفي السابق كانت شبوة تدفع الثمن غاليا استجابة لتطلعات الآخرين ..تدفعه أرواحا ودماءً من خيرة رجالها وأبنائها الكرام .. فمن مجازر الرفاق والتي يصيبهم منها السهم الأكبر من الانتقام ..

إلى محرقة الثارات التي طالت أبنائها في دولة الوحدة .. كانت شبوة تدفع الثمن أضعافا مضاعفة وذلك في ظل غياب الحاكم العادل القوي بل وللأسف الداعم أحيانا كثيرة لمثل تلك الظواهر الخبيثة.. ففيما مضى تشربت شبوة الفكر الاشتراكي وسرعان ما امتصته بقوة فجرى في وريدها مغذيا القلب إلى درجة التطرف والعقل إلى حد الغلو .. فكان الحزب عند المؤطرين تنظيميا له من الولاء الفداء ومن الطاعة الوفاء , وربما فتك الأخ التنظيمي بأخيه العائلي أو زج به في غيابات السجن إذا رأى منه خللا أو اعوجاجا يسيء إلى الكيان الكبير .. وساد شعار أينما يوجهنا الحزب جنودا نتجه ولا صوت يعلو فوق صوت الحزب ولو استعرضتها تاريخيا لطال بنا المقال فيكفينا معرفة الحال .. والتهمت شبوةُ حاليا الفكرَ الشمولي المتحرر من القيود والنظام وسرعان ما امتلأت به بطونهم وجرى في أحشائهم مغذيا الجسد إلى حد التكبر والتجبر والنفس إلى حد الغرور والتهور وفتك الأخ بأخيه من اجل أمتار في أرض جرداء لم تعمر أو ثار قبل مئات السنين قد انمحى واندثر, وصار السلاح صديقا مقربا لكل فرد في اليقظة والمنام .. فتخيل أي عيشة ينعمون بها في الواقع وفي الأحلام .

ـ الأربعاء 25 /11/2009م شهدت عتق عاصمة محافظة شبوة أحداثا أليمة تمثلت بمواجهات مسلحة بين قوات الأمن وجموع الحراك الجنوبي الذين أرادوا إقامة مهرجان لهم فيها وكانت حصيلة المواجهة 3 قتلى من الحراك و10 جرحى من الجانبين وكلهم من أبناء هذا الوطن .. وهو أمر يؤسف له أن يصل الاحتقان إلى حد القتل ويدعوا إلى وقفة تأملية فاحصة في أبعاده وعواقبه .. وهذا الحدث وما يترتب عليه يتحمل مسئوليته طرفان :

ـ أولهم : السلطة المحلية والأمنية التي لم تتعامل مع الحدث بحكمة ورؤية مسئولة ولم تجعل له موقعا للنقاش والدراسة مع مجالسها المحلية أو أهل الرأي والاستشارة من المجالس المتعددة الأسماء والتي ليس لها أي دور يذكر في إدارة شئون هذه المحافظة بل لقد ثبت أن القيادة الأمنية ممثلة في جهة محددة هم أصحاب القرار النهائي في مصير المحافظة وتقرير شئونها ولذا كان المنع هو الأمر الحاسم الذي لا تراجع عنه مع علمهم بأنهم في مجتمع مسلح !! ولو أنهم بذلوا جهدا بسيطا لتحديد مكان أمن لمهرجان الحراك وفقا لجدول زمني محدد وفي ظل حراسة أمنية منضبطة لا تستفز الآخرين أو أنها نسقت لتغيير الزمان إلى وقت أفضل .. لتحقق لهم ذلك ولما حصل ما حصل من القتل والاعتداء ولكنهم عالجوه بالتي كانت هي الداء .. وبقصد أو بغير قصد وبأيد ظاهرة أو خفية فقد أشعلوا فتيلا فجر البركان الخامد وأذاب جبل الجليد الجامد

وثانيهم : جموع الحراك التي لم توفق مطلقا في اختيار الزمان ولا المكان .. فالزمان الثامن من ذي الحجة وسوق العاصمة مكتظ صباحا بالمواطنين والأسر التي تتسوق متطلبات العيد في تلك اللحظة .. والمكان العاصمة وهو أمر لم يحن أوانه بعد .. فقد كان بإمكانهم ( إن كان لديهم قيادة حكيمة واعية )أن تختار الوقت المناسب لذلك مما لا يجعل الخطر يقترب من الناس الآمنة( كأيام العيد مثلا ) وان تختار مكانا قريبا من العاصمة (عتق) غربا أو جنوبا وتقوم بمهرجانها الخاص وهناك مساحات واسعة قريبة جدا منها ..ولكنها أثبتت افتقارها الشديد للتخطيط السليم والتنسيق الموفق فيما بينها وظهر جليا عدم وجود قيادة تعي تصرفاتها وتدرك أبعاد أفعالها فهاهي بكل رعونة تزج بنفسها في مخاطر كان بإمكانها تجنبها والخروج منها في الفترة الراهنة بانتصار رمزي مؤثر في أنصارها .. كما وان عملية الإصرار على الدخول بالسلاح إلى العاصمة أمر يدل على شطحات وتطلعات لم يحن وقتها كذلك .. وهذه بعينها العشوائية والفوضى والفردية في القرار وعدم الكفاءة في توجيه المسار ..فانظر لغنمك راع يا عمار فالذئب يتربصها بالجوار! وهم ينظرون للحدث بأنه أمر لا بد منه فقد زاد التساؤل بين أوساط الحراك في المحافظات الأخرى عن شبوة ودورها ولا سيما وان حضرموت الحكيمة الوديعة قد تفجرت فيها الأوضاع , فكان يوم الأربعاء يوم إثبات وجود وتسجيل موقف مشرف من وجهة نظرهم .. ويتطلعون به إلى مركز القيادة من منطلق موقعهم وشدة قبائلهم وكثرة السلاح في أيديهم ..ولا أدري أحربا ضروسا تريدون ؟! أم تشتتا وتشرذما تبغون ؟! من رأسكم ؟! وأين أطرافكم ؟! تدغدغون المشاعر وتحركون الشارع والنتيجة ضريبة بلا طائل فصوت الانفصال غير مجدي وثمنه فعل متعدي وبضاعتكم حاليا في النحو مزجاة ..فهلا رفعتم شعارا أخر يكون حقا للناس طوق النجاة!

ومصيبة شبوة تكمن في التقلبات المستمرة في المواقف وتحديد جهة المصير فما بين المسئولين والمشايخ الذين ليس لهم الصوت المسموع ولا الرأي الحاسم المقطوع ولا الكلمة النافذة وما بين أصحاب المصالح وطلب المنفعة الذين على استعداد لبيع الجمل وما حمل لقاء دراهم معدودة وهم في أهلها من الزاهدين وطائفة ثالثة تجيد رياضة ركوب الأمواج على الألواح وحركتهم وسكونهم مرتبطة بحركة المد والجزر وتصريف الرياح .. والكل يقدم مصلحته الخاصة على مصالح الناس العامة ... فبينهم وغيرهم ستبقى شبوة تتقدم خطوة وتتأخر خطوتين فلا هي في الظل ولا في الحرور ولا في دولة النظام ولا في غابة الظلام .. واشد المخاوف عليها تأتي من مواطنيها فهم اشد باسا على أنفسهم وفيما بينهم .. وهكذا بين المجزرة والمحرقة سيظل أبنائها في تردد وحيرة من أمرهم والأمر منوط بهم وحدهم للخروج من هذه الدوامة وليس بيد غيرهم فمتى يستوعبون ذلك ؟ ويدركون انه آن الأوان ليتخلوا عن التضحية من اجل المتنفذين وليعملوا على تحسين وضعهم وبناء مناطقهم بما يحقق لهم الأمن والاستقرار ورعاية جيلهم القادم على العزة وصنع القرار.. وليتركوا النزاعات والثارات وإتباع غريب الأفكار والمعتقدات وليحكموا ضمائرهم وعقولهم .. فالحجر من قاع أرضهم والدماء من مقدمة رؤوسهم .. فلينظروا صلاح أمرهم في تجمعات خيرية ولجان حقوقية ومجالس إصلاحية منهم واليهم.. تحقق للجميع أمنا وأمانا .. واستقرارا وسلاما .. وسيحين يوم يسطع نجمهم في دولة نظام وقانون وسنراهم أهل الوفاء وحماة الحمى ولن يؤتى من قبلهم الغدر ولا شلال الدماء ,, أهل حب وهناء لا بغضاء ولا شحناء .. حلم آن أوانه فليهب لتحقيقه شبابه وشيبانه .. ورحلة الألف ميل تبداء بخطوة واحدة .. فمن سيبداء بها ؟! نداء محب مخلص لرأب الصدع والتحام الصف وبناء البيت من الداخل وتحصينه من الخارج ولا يعني هذا عدم المطالبة بإصلاح أوضاع فاسدة أو المطالبة بحقوق منهوبة ولكن لا بد من رؤية وروية .. ودراية وهوية وعمل جاد مقترنا بإخلاص النية .. فقد آن الأوان ليكون ابن شبوة الفارس لا المطية ..