من هم الزيدية 3/ 3
بقلم/ ابراهيم بن محمد الوزير
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الأحد 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 08:17 ص

مأرب برس - خاص

المسألة الثانية : - مما يعتقده الزيدية ويؤمنون به هو تنزيه الله جل وعز عن الجبر ، فالله سبحانه وتعالى خلق الانسان وجعله مخيراً يعمل مايشاء دون جبر أو اكراه ، ولأن الانسان مخير فيما يعمل فقد استحق الثواب والعقاب ، فإذا اختار طريق الخير وعمل الصالحات استحق الثواب من الله جل وعلا ، وإذا اختار طريق الشر استحق العقاب ، فالثواب والعقاب إنما هو جزاء لعمله الذي اختاره بمحض إرادته دون جبر أو اكراه ، والذين يقولون أن الله عز وجل قدر لأناس أن يسيروا في طريق الخير ويعملوا الصالحات ، وقدر على أناس منذ خلقهم أن يسيروا في طريق الشر ويعملوا السيئات ، ولا يستطيعون الفكاك مما قدر عليهم فهم ينسبون بكلامهم هذا الى الله سبحانه وتعالى الظلم ، لأنه هو الذي ساق المسيئين الى السيئات سوقاً لا فكاك لهم منه ، ثم عذبهم على عملهم الذي هو من صنعه هو ، فهم بذلك يجعلون الله ظالماً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

 والقدر عند الزيدية كسائر المسلمين حق لا ريب فيه ، ولكن الله يقدر ما يشاء من الأعراض الطبيعيه ، مثل الصحة والمرض والرزق وأحوال الأرض ، من أمطار ورياح وزلازل ، وغير ذلك مما ليس في إمكان البشر عمله ، أما بالنسبة لعمل الإنسان فإن القدر – على الصحيح - حاصل أيضاً غير منكور ، ولكن الله يقدر للعبد بالنسبة لعمله ما اختاره العبد لنفسه فإذا اختار عمل الحسنات ، فذلك قدره الذي قدره الله له ، وأقدره عليه ، وإن اختار عمل السيئات فذلك قدره الذي أقدره الله عليه ، وقد اختاره لنفسه دون جبر أو اكراه ، فالقدر بالنسبة لعمل الإنسان علم من الله سابق لا سائق.

 وقد أنكر الله عز وجل في كتابه العزيز على الذين يعملون المعاصي ثم ينسبونها الى الله عز وجل فقال تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالاتعلمون ، قل أمر ربي بالقسط) ، فالله لا يأمر بالفحشاء ولا يرضاها ، وقد بين الله عز وجل في الآيتين اللتين تلتا هذه الآيه أنه جل وعلا إنما يضل من اختار طريق الضلال فقال جل وعلا (فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلاله إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) ، فالله لم يضلهم إلا لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ، فتأمل أيها القارئ قول الله سبحانه (فريقاً هدى ، وفريقاً حق عليهم الضلاله ، إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ) ، فلم يستحقوا أن يكونوا ممن حق عليهم الضلاله ، إلا لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ، وكذلك بالنسبة للهدى ، يقول الله جل وعز (والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم) ، فلا يمكن أن تنسب الأعمال السيئه الى الله ، لأن ذلك قول الذين أشركوا يقول الله عز وجل (وقال الذين أشركوا لوشاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل الا البلاغ المبين) ، ولا يأمر الله سبحانه وتعالى إلا بالخير والحسنات ولا ينهى إلا عن الشر والسيئات ، يقول الله جل وعز (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) ، ولا يمكن أن يأمر الله سبحانه وتعالى أحداً بالعدل والإحسان ثم يسوقه الى الظلم والعدوان ثم يعاقبه على ذلك سبحان الله عما يصفون.

 وقد ساند عقيدة الجبر الولاة المتسلطون على الحكم في بداية سيطرة الملك العضوض ، الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد ساندوا عقيدة الجبر ونشروها بين المسلمين حتى يقولوا أن كل ما فعلوه في الإسلام من ظلم وانحراف فهي إرادة الله عز وجل وعلى المسلمين أن لا يعارضوا إرادة الله ، فالوالي إذا استولى على السلطة دون مشاورة المسلمين فتلك حسب زعمهم إرادة الله ، ولا يصح أن يعترض أحد على إرادة الله ، وإذا استخلف الوالي ابنه المنحرف لتولي أمر المسلمين على كره من بقية الصحابه والتابعين فتلك حسب زعمه إرادة الله ، وعلى المسلمين أن يرضوا بما أراد الله ، وإذا استولى على المال العام وتصرف فيه بمزاجه في شراء الضمائر ، وكسب المواليين لاستمراره في منصبه ، وتصرف في أموال المسلمين بمزاجه وبعثرها على المواليين ، لحكمه وظلمه ، فتلك حسب زعمه إرادة الله والمال مال الله ، وهو خليفة الله يفعل في مال الله ما يشاء ، ولا يجوز لأحد أن يعترض على إرادة الله وقدره ، وهكذا كانوا يعملون السيئات وينسبونها الى الله عز وجل.

 واختيار الانسان لعمله دون جبر او اكراه او قدر مسبق محتم لا يستطيع الانسان أن يخرج منه ، هذا الاختيار هو مذهب وطريقة آل رسول الله المطهرين منذ عهد الإمام على بن ابي طالب عليه السلام ثم الإمام زيد عليه السلام ثم الإمام الهادي ثم أئمة الزيدية وعلماؤهم الى يومنا هذا ، وهو مذهب الزيدية ، فمن كلام للإمام علي عليه السلام وقد رد على الشامي الذي سأله أكان مسيرنا الى الشام بقضاء وقدر ، بعد كلام طويل هذا مختاره ، قال عليه السلام (ويحك لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاتماً ، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد ، إن الله سبحانه أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مكرهاً ، ولم يرسل الأنبياء لعباً ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثاً ، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ذلك ظن الذين كفرواً فويل للذين كفروا من النار).

 ويقول الإمام الهادي رضي الله عنه (لوكانت الأعمال جميعاً بقضاء الله وقدره وأنه سبحانه شاءها وقدرها وأرادها ، لما كان بين الطاعة والمعصية فرق ولكان من عمل الحسنة أو من عمل السيئة فهو لله مطيع ولإرادته منفذ ولمشيئته مؤدي ، ولو أن الله قضى على قوم بالمعصية لا يقدرون عمل غيرها وقضى على آخرين بالطاعه له ، وبالعمل بما يرضيه ، فإلى من أرسل الأنبياء وإلى من دعوا ومن خاطبوا وعلى من احتجوا وما وجه حاجة العباد اليهم وقد أرسلهم الى قوم منعهم من طاعته ؟ ، أفتراه أرسل المرسلين عبثاً ؟ ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، إنما أرسل الرسل يدعونهم الى ما هم قادرون عليه) ، نقلاً عن (يحيى بن الحسين ، الرد على المجبره والقدريه ضمن رسائل العدل التوحيد) ، (ولقد اعتبر الهادي رضي الله عنه القول بالجبر حجة الظالمين والفاسقين ، وأن موافقتهم على ذلك تمكين لهم في ظلمهم وفسقهم ، وأن القول بحرية الارادة مبدأ الدعاه والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والمناهضين لحكام الجور).

 وعقيدة الجبر هذه قد أضرت بالمسلمين في تأريخهم الطويل وهي السبب الرئيسي لوصول المسلمين اليوم والعرب منهم على الأخص الى ما وصلوا اليه من ضعف وهوان ، وهي السبب في تخاذل المسلمين وابتعادهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصحيح أوضاعهم ، لاعتقادهم الذي ُصب في آذنهم أن كل ما يقع من ظلم وجور وانحراف ، إنما هو قدر الله الذي لا يصح أن يعترض عليه أحد ، كما أدت الى التواكل والكسل ، والإهمال ، اعتماداً على الغيب دون جد ونشاط وعمل ، وأنت إذا رأيت بعض المدن التي يوجد فيها أحياء للمسلمين وأحياء للمسيحيين ، تجد أحياء المسلمين مليئة بالأوساخ والقاذورات لأن ساكنيها كسالى مهملون ، وما ذلك الا نتيجة الانتظار للغيب بدون عمل ، وهو نتيجة الفهم الخاطئ للقدر ، فهم كسالى مهملون لا يعملون ، ثم إذا رأو غيرهم قد تقدموا عليهم بسبب نشاطهم وجدهم تحايلوا وغشوا وخدعوا رغبة في اللحاق بالعاملين المجدين من أقرب طريق ، وهكذا يكونون قد أذنبوا أولاً بالإهمال والتكاسل ثم أذنبوا ثانياً بالتحايل والوصول الى غاياتهم بالطرق غير المشروعه ، وكل ذلك بسبب عقيدة الجبر والقدر المحتوم.

 وهكذا يبقى المسلمون في أوضاعهم المترديه لأنها حسب زعم القدريين المجبرين كلها بإرادة الله وقدره ، وعلى المسلم أن يرضى ، فلا تصحيح لشئ ، ولا انتقاد لشئ والظلمة يستمرون في ظلمهم والجهلة مستمرون في جهلهم ، وسوء تصرفهم ، واستيلاء ولاة الجور على بلاد المسلمين ، والعبث بأ موالهم ، وحرمان الفقراء والمستضعفين وتبديد الأموال في مصلحة الفرد ، كل ذلك في زعمهم ارداة الله ، وعلى المسلمين أن لا يعترضوا إرادة الله.

 وهكذا اقصيت الأمة عن القيام بواجبها في تصحيح الأوضاع ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع أنها هي الصفة الأساسية للأمة الإسلامية قال الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ).

 إن فهم القدر بمعناه الإيجابي الصحيح ، وهو ما يعتقده السابقون بالخيرات من آل رسول الله المطهرين منذ الإمام علي بن ابي طالب وحتى اليوم ، هوالذي سيؤدي الى عز المسلمين وجدهم للحصول على خير الدنيا ونعيم الآخره.

 (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

 فأين الفاهمون ؟ أين المؤمنون الصادقون ؟ أين دعاة الإصلاح المخلصون ؟ أين هم ؟ أين هم ؟

 ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.

 حسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ، وعلى الله توكلت.