الوطنية .. بين الانتماء والادعاء
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 9 سنوات و 6 أشهر و 30 يوماً
الأحد 19 إبريل-نيسان 2015 08:19 ص

الوطنية: هذه الكلمة التي يتحرك لها الوجدان، وتنبض لها القلوب، وتهوى إليها الأفئدة، وتسكن إليها النفس، تستشعر نعمة الأمن والإيمان.

كلمة لها جاذبيتها الخاصة، جاذبية ذات قانون متفرد، قانون ثابت عند المخلصين، لكنه قانون متحول لا يستقر له قرار، عند كثير من أدعياء الوطنية الذين جعلوا الوطنية مجرد كلمة تلوكها الألسن بلا لحن ولا وزن، يرددونه على أسماعنا صباح مساء لا يفترون؛ وكلما حزبهم أمر فزعوا إلى الوطنية لعلهم يجدون فيها متنفسا لهم، وكلما أرادوا تشريعا أو فرضوا قانونا كانت الوطنية وسيلتهم في ذلك، مهما كان هذا القانون؛ بل كلما ضاقت الطرق أمامهم لإصدار قانون أو سن تشريع وجدوا في هذه الكلمة (الوطنية) خير منفذ ينفثون من خلاله ذلك الضيق.

(الوطنية) أصبحت معبدا تذبح على عتباته (الحرية)، فما نسمع إلا الصراخ الخادع، أو نعيق الاستبداد الخائر كلما شعر بالمخاوف تحيط به،

اليوم أصبح (الوطن) سلعة يساوم عليها تجار المبادئ بثمن بخس دراهم معدودة تعبر عن حالة الطمع التي أفسدت ضمائرهم، وغرست الشح في نفوسهم، فهم لا يعرفون من (الوطن) إلا أن يكون وسيلة لبلوغ مآربهم، أوتحقيق مصالحهم.

كذلك عاش الاستبداد وهو يغرس جذوره على أرض الوطن، ويكشر عن أنيابه تحت رايته، مستعرضا ما لديه من قوة، ترفرف على كل فرقة منها علم الوطن، يصرخ بين الحضور: (هذا الوطن- هذا الوطن) وهو لا هم له غير نفسه، قد تضخمت ذاته، فهو يراها قد احتوت الوطن كله؛ تأخذه النشوة مع كل كلمة مديح يقولها شاعر متزلف، أو خطيب منافق، أو عالم سوء يوجز الحمد والثناء لله إيجازا، ويجعل ذلك الحمد وسيلة لمدح حاكمه وأداة يشكر بها الطاغية حتى إذا بدأ بذكره فاضت على لسانه كلمات المدح والثناء، يسترسل في المديح واقفا بخشوع وهيبة ووجل، مطرقا ببصره، تفيض عيناه من الدمع كلما ذكر فضائل حاكمه، جاعلا منه منة كبرى على هذا الوطن، فلو لم يكن لما كان وطن، وحياة الشعب كلها مرهونة بحياته: هو منقذها -هو مخلصها- هو قائدها- هو فارسها- هو حكيمها- هو فيلسوفها- هو معقد آمالها- وصمام أمانها-

فأهل أن يكون الوطن كله بماضيه وحاضره ومستقبله له الفداء، وحقيق بحاكم مثله أن يتوافد عليه خير أبناء الشعب ليكونوا حراسا على بابه يلقون إليه تحية الذل كلما غدا أو راح، وحقيق على مثله أن يكون تاجا على الرؤوس ووساما على الصدور، فهو مفخرة، وهو العبقرية التي أينعت إبداعا وإنجازا، وهو معجزة الأمة؛ فأنى لها أن تجد مثله، ويا خسارة تاريخها إن أفل نجم حاكمها؛ فمن سيكتب تاريخ الوطن بعده؟! فقد كان هو التاريخ لهذا الوطن بداية ونهاية؛ وكان هو الحاضر الذي رسم المستقبل؛ وكان فيه العوض عن ماضيها...

هكذا هي نظرة الطغاة لأنفسهم؛ وزادهم غرورا ذلكم القطيع الذي استخف به فأطاعوه..

واليوم نشهد اختبارا حقيقيا للوطنية ومدلولاتها، من خلال الأحداث التي تعصف بالوطن؛ فها نحن نرى اليوم الجميع يتترس سياسيا وفكريا –أيضا- خلف هذا المصطلح، ليحشد الجماهير لمناصرته والإيمان بما يدعو إليه، مما أحدث تشوها عريضا في جسد الوطن، كان سببا كافيا لإحداث تصدعا في بنيان المجتمع نفسه رافقه جدل كبير؛ غشيته التوجهات الفكرية والحزبية فأفرغت هذا المصطلح من معناه؛ تماما كما كان الاستبداد يعد العدة للتوريث والتمديد حبا في الوطن لا غير وحرصا على الوطن فحسب؛ لأن اليد الأمينة التي يبحث عنها لم يجدها ليسلمها الوطن كوديعة غالية ، فلم يجد غير عائلته تكون أهلا لذلك.

هذه الوطنية التي يتمسك بها، هي التي يتحدث عنها وهو يقدم حليفه الأسوأ لتشريد أهل دماج، وهي هي المركب الذي ركبه وهو يدخل عمران قاتلا ومدمرا ومفجرا، ثم يقتحم صنعاء حبا في الوطن وتقويما لمصطلح الوطنية، وتأسيسا لدولة مدنية، ثم توجه إلى (عدن) تلك المدينة الهادئة الوادعة؛ ليستأصل الشرعية التي لجأت إليها، وليقضي على خصومه المفترضين، محولا الشعب كله بطريقته خصما له؛ إلا أولئك الذين لا يزالوا يظنون أن الوطنية هي ما يقوم به قائدهم الملهم وسيدهم المعصوم، هكذا-إذا- نجد هذا المصطلح يخوض المعركة وسط غثاء إعلامي أغلبه إعلام له تاريخ أسود مشحون بالحقد االحزبي و المزايدات السياسية؛

وأيا ما يكن الأمر: فيجب أن نتفق على أمر هذا المصطلح (الوطنية ) بعيدا عن غثائية الإعلام الكاذب، وأن ننظر له بتجرد بعيدا عن خلفيات حزبية، وأن نحرره من هذا الوضع المعقد؛ ونتخلص من الأزمة النفسية التي يعانيها الجميع؛ ونقاوم نوازع الانتقام والتشفي؛ ونغترف من ماء هذا الوطن ما يزيل ما في الصدور، ونتنفس أنفاس الوطن لتنقية أهواء النفس وحظوظها؛ ونقبل على بعضنا البعض بسلام روحي؛ وهدوء نفسي، وإرادة صادقة؛ من أجل الوطن ولا غير؛ لأننا أمام مرحلة لا تحتمل أن نظل عاكفين على أوثان الأوهام التي اقتحمت عقولنا؛ ولا تقبل أن نبالغ في الخصومة؛ ولا مجال لنا إلا أن نبقى في حالة تطواف دائم حول الوطن برؤية واضحة مشتركة، نعمل على تحقيقها وإن اختلفت وسائلنا وأفكارنا؛ بل إن الاختلاف في الوسائل لا يزيد هذه الرؤية إلا قوة؛ ولا يزيدنا إلا حماسا للعمل؛ وإيمانا بالروابط المشتركة التي تجمعنا؛ ولا يزيدنا إلا يقينا بأن الوطن فوق كل اعتبار وفوق أي شخص مهما بلغت منزلته؛ ولا ينال الإنسان من التقدير إلا بقدر ما يقدم لهذا الوطن، وبقدر ما يعلي من مرتبة المواطن.

إن ما أكتبه ليس مجرد أماني ولكني مدرك أن أبناء اليمن يحملون هذا الهم؛ ويدركون هذه الحقيقة، غير أن ما ينقصنا هو الوضوح والثقة؛ ولعلي أقتبس كلاما للكاتب (استيفن إم.آر كوفي ) وهو يقول في كتابه(سرعة الثقة:الشيئ الواحد الذي يغير كل شيئ) يقول:( هناك شيئ واحد معروف لدى كل فرد وكل علاقة وكل فريق وكل عائلة وكل مؤسسة وكل اقتصاد وكل دولة وكل حضارة عبر العالم؛ شيئ واحد إن تلاشى فإنه يدمر أقوى الحكومات وأنجح الأعمال؛ وعلى الجانب الآخر؛ إن تمت تنميته وتطويره، فإن هذا الشيئ تكون له القدرة على خلق نجاح ورغد لا يقارن على جميع أصعدة الحياة؛ إلا أنه لا يلقى الحد الأدنى من الفهم والاهتمام، ويلقى الحد الأقصى من الإهمال وتقليل القيمة؛ هذا الشيئ هو (الثقة)...)؛ وبا التالي فقد آن الأوان لأن ننطلق من مفهوم الثقة في كل حواراتنا لبناء وطن قوي قادر على النهوض من جديد وقادر على مواجهة تحديات المستقبل، وأن نري القوى الخارجية أنهم وإن حانت لهم فرصة الهيمنة في غفلة منا وبسبب حماقة بعضنا؛ فإنهم لن يدركوا ذلك مستقبلا؛ بل قد جاءت عاصفتهم لتوحدنا بدل أن تفصلنا؛ وتجمعنا بدل أن تفرقنا، ولن يزيدنا هذا الأمر إلا إدراكا بمسؤوليتنا تجاه وطننا ومستقبله، وإدراكا بأن الاستبداد كان هو الشر الذي جلب لنا كل المصائب؛ وأن حب الغطرسة والهيمنة من هذا الطرف أو ذاك هي التي أحدثت التصدع في بنياننا المتماسك..

وعندما نفتح بصائرنا على هذه الحقيقة سندرك أن كل واحد من الأطراف كان سببا في حدوثِ هذه الأزمة؛ وإن كان الجميع على اتفاق بأنهم ليسوا سواء؛ فمنهم من يتحمل السبب المباشر، ومنهم دون ذلك...

وتبقى نبضات قلوبنا يمنية وطنية، وأنشودتنا حب ووفاء لهذا الوطن....

لمزيد من التفاصيل تابعوا صفحتنا على الفيس بوك   هنــــــــــــا